(أفعل مع شخوصي الأحياء بالكلمات مثلما كنت أفعل عندما أعيد صياغة حدث سمعته أو رأيته أشتغل عليه رويا شفهيا حتى يتحول إلى مصاف الواقعة المؤكدة) ابتدأ حديث للقاص والروائي سلام ابراهيم مدخلا لقراءتي لروايته (في قاع الجحيم) الصادرة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 صدرت للروائي العراقي ” سلام ابراهيم ” بعد سلسلة اعماله الروائية (رؤيا الغائب 1996)، (الإرسي 2008), (الحياة لحظة 2010) عن دار الشؤون الثقافية بـ 320 صفحة من القطع المتوسط، وعن هذه الرواية بالتحديد يقول الروائي سلام ابراهيم عن لحظة كتابها :(الرواية وثائقية التزمتُ بتصوير الوقائع كما حدثت فكانت متعبة أثناء العمل جدا فقد كنت محددا افتقدتُ متعة الكاتب السرية باللعب في الأحداث والوقائع وأدارتها صوب مقاصده الخفية والرواية) كما أن الرواية موثقة بالصور والرسائل لإصابة الروائي نتيجة القصف الكيمائي وبتاريخ( 05\06\1987) والقسم الاول من الرواية كان (عندما أدخلني الديكتاتور في الجحيم) مع محقق الدولة الدانماركي وفي القسم الثاني (عندما أدخل الديكتاتور رفاقي في الجنون) والتحيقق معه من قبل قاضية التحقيق الهولندية بمحكمة العدل الدولية في (لاهاي) وأما القسم الثالث والأخير من الرواية كان بعنون (التشرد) أو مالم يطلبه المحققون وهو توثيق لعملية الهروب والبحث عن الخلاص
صوب الحدود التركية والايرانية بعد هجوم الجيش العراقي في أعقاب وقف الحرب العراقية الايرانية. وقد نجح الكاتب في تقديم وثيقة بالغة الاهمية عن تجربة شخصية عاشها الكاتب واراد ان يدين الديكتاتور صدام حسين (الذي يراقبه وهو في القفص) خلال محاكمته في (قضية الانفال) وهو في زهو وانتصار مترنما بأغنية يوسف عمر (أه ..يا أسمر أللون..) في هذه الرواية (الوثيقة) صور سردية لما حدث في كرستان وفي مرحلة نضالية مهمة في تاريخ العراق النضالي ويصور الروائي فيها الضربة الاولى بغاز الخردل التي تعرض لها هو ورفاقه ورفيقة الدرب والحياة (بهار) وهي زوجته الكاتبة (ناهدة جابرجاسم) والذي رسم خطوطها الروائي ببراعة فقد كانت هي الرفيقة وهي الحبيبة وهي الزوجة وهي السند والجدار واكاد اجزم أن نموذج المرأة في هذه الرواية والمتجسد بشخصية (بهار) من أروع ما قرأت ومن أجمل ما رسم من صورة للمراة العراقية ونضالها جنبا إلى جنب مع اخيها الرجل وهذا مصدر ابداع الروائي ليس فقط في كشف عنف وقساوة الديكتاتور بل نجد هناك نقاط وهي ومضات مضيئة في النص مثل (المرأة , عوائل الانصار, الشهيد كفاح (شقيق الروائي) وكذالت العلاقات الانسانية في خضم الصراع والمتجسدة في حكمة الشيخ – عطا الطالباني – (دع عنك أحلام الثورة النظيفة ورجالها الاطهار سترى العجب من أقرب صديق في الاوقات الحرجة !)..يمكن القول ان الكتابة الفنية المكتملة حسب تعريف الكاتب سلام ابراهيم هي (بنية خيالية فالروائي فنان ادواته الحروف والكلمات التي هي أصلآ رموز ساعدت البشرية على تأسيس المجتمعات وتطور الحضارة !!!! ), وفي مكان اخر يتحدث الروائي عن موقفه من شخوصه وانحيازه إلى الإنسان (أنا منحاز بشكل تام ومطلق إلى الإنسان كقيمة عليا في الوجود)، وهذه القناعة ظلت تتبلور منذ بواكير وعي الثقافي والسياسي وجعل الروائي يقدم لنا رؤيا واقعية وصادقة للاحداث تجعل القارئ يقترب من الحقيقة وهذا الهدف الذي يسعي له الكاتب من خلال منجزه الادبي والكاتب في هذ النص يقول فلسفته وموقفه الفكري وإنسانية شخوصه من خلال مواقفهم وصمودهم وصبرهم!!!! . ماذا لو انطلقنا من بديهية أن الكتابة الإبداعية هي تصريف جمالي لـوعي شقي يـروم فضح الواقع، وانتهاك زواياه المظلمة والتمرد على سلطته القهرية التي رسختها الأنماط المتخلفة في الإنتاج الادبي للقوى الوطنية وصراعها الطبقي في تكريس قيم الثبات والجمود! وماذا لو سلمنا أن الكتابة الإبداعية بناء متفرد يتميز بغموضه الفني الموحي، وبتكثيفه وخياله الخلاق، وأنها أي الكتابة توريط مقصود يهدف الكاتب من خلاله إلى دفع المتلقي إلى الانخراط في إنتاج المعنى وتوليده بما يسمح بإعادة تشكيل فهمه وذائقته الإبداعية وبالتالي سعيه لاكتشاف تاريخ وعيه الزائف وامتلاك ذاته والعالم وهذ تجسد في رواية (في باطن الجحيم) التي جرت فيها المزاوجة بشكل بارع بين الوثيقة والسرد مع الارتداد الى الماضي على شكل صورة سينمائية وبأسلوب (الفلاش باك) يرجع بنا الروائي الى الديوانية وحبه القديم والى أخيه والى ولده (كفاح التي تركه عند اهله كي يبدا رحلته الطويلة)!! .
رغم الفاصل بين الكتابة التاريخية بما تعنيه من مناهج ونظريات ومدارس , وبين صنوتها من الكتابة المنتمية الى التاريخ لقربها من الأحداث والوقائع. بل لعلها هي عين بعض الأحداث والوقائع مسترجعة ومضغوطة بلعبة التخييل والتلحيم (من الملحمة). هذا أول مبرر دفعني إلى أن أكتب هذه القراءة المتواضعة ل " في باطن الجحيم " وهي نص اتسع لتعدد الأصوات والأزمنة والفضاءت في حبكة لا يعلم سرها سوى ضمير المتكلم الماسك بخيوط الحكي والسرد في تتابع بديع. فبقدر ما هو معقد بقدر ما هو سلس مؤثث بأكثر من مكون سيميائي، وقدر الآمر يتعلق الأمر ب (ابو الطيب) البطل المركزي وهي شخصية الروائي نفسها في سياق هذا هذا السرد الباذخ الذي ستدور حوله كل الأحداث بإشراك أبطاله وشخوصه،.. ما دام أن المسافة بين" أنا" الراوي و"أنا" المؤلف تتسم بالانفصال والاتصال في الآن ذاته !!!!!، لكن الذي أريد أن أوضحه في هذا العمل أن الروائي سلام ابراهيم قد أتقن لعبة السرد القائمة على مفهوم السردلوجيا ونحو السرد: أي محاولة اكتشاف لغة السرد: النظام الأساسي للقواعد والإمكانيات التي يكون أي كلام سردي (النص) تحقيقا لها. وهنا لابد من ألاشارة اذا كان هناك إذا كان هناك كُتّاب يراهنون على اللغة ويجعلونها مدار الكتابة وأساسها، فإن(سلام إبراهيم) يراهن على الصورة (الوثيقة)، ويجعل منها آلية لإنتاج كتابة سردية تنسجها العين قبل أن تحول إلى اللغة التي تبقى عنده مجرد أداة مترجمة وناقلة لاشتغال العين وما تلتقطه وما تشكله من صور. حتى وإن كانت اللغة هي الوسيط الأساسي في عملية الكتابة، فهي مجرد وسيط للعين تلك الأداة السحرية التي يؤثث بها الكاتب عوالمه السردية التي لا تخلو من الحس الشعري . وقد تأتى له ذلك بفضل بواكير محاولاته في كتابة الشعر !! كما في مدخل الرواية (ننصت أنا والطاغية .. هو في دهشة وامتعاض ...وأنا في نشوة وطرب ..هو في قفص .. وأنا في فضاء) !! كما أن فصول الرواية عبارة عن مشاهد ولقطات وصور ووثائق تقبض على لحظات الانفعال بالحب والخضوع لمآزقه. مما انعكس على السرد وجعله يتميز بوتيرة وإيقاع سريعين عبر توالي اللقطات، وفتح الرواية على السرد القصصي، الذي تحضر فيه التفاصيل ويغيب عنه التكثيف، والأمر ممكن إذا علمنا أن صاحب الرواية يجمع بين كتابة القصة القصيرة والرواية. كما انعكس أيضأ السرد البصري على كيفية حضور المكان داخل الرواية؛ فظهرت الأماكن على شكل ديكور حاضن لمجموعة من الأحداث والانفعالات، كما هي الحال في توالي انفعالات (ابو الطيب) ورفاقة في موقع وادي (زيوة) ورحلة الخلاص والهروب من الموت ومرورهما في جولتهما عبر عدة أماكن العمادية او المثلث التركي – العراقي – الايراني وأخيرأ في (كفري) في تركيا أن هذا الإنطباع تمنحه القراءة الأولى لرواية (في باطن الجحيم) التي أرى أنها بالإضافة إلى كونها رواية المكان، نظرا لحضور الأمكنة المتعددة - هي رواية الوثيقة التي تحكي صورا أو قصصا مثيرة لأبطالها، بحيث تم تصويرها سرديا بتوظيف أنماط متعددة تاريخية وروائية وشعرية مكنت من صياغة نموذج روائي فريد لكنه واقعي، مكننا من التعرف على صياغة حبكته الروائية وصور الشخوص وأمزجتها، ونمط تفكيرها، تبعا لأمكنة تواجدها، والتربة انبتتها . وهذه الشمولية في الرصد للواقع جعلتها لوحة ناطقة تبرز العديد من الإختلالات من خلال مواقف ناتجة عن فعل الهم الانساني، والنضال الطبقي، والتدمير، والإحساس بالقهر والظلم والاستبداد، وغياب التواصل، وكأنها كانت تحفر في عمق الكينونة الإنسانية، معرية كل إحباطاتها، واقنعتها وزيفها. مما أفرز نظرة وأراء الروائي الواعية والمدركة لمشاكل بيئته، وبالتالي وطنه. وهو ما جعلنا نلمس قدرته الكبيرة على الإدراك الوجودي العميق من خلال استرجاع الماضي أو الواقع التاريخي، والإجتماعي، والسياسي لذاكرة المكان والشخوص على السواء .
هكذا صاغ لنا سلام ابراهيم رواية مكتوبة بالعين قبل اللغة؛ وتجلى ذلك في اعتماده سردا بصريا يرتكز على توالي لقطات ومشاهد سردية مكثفة ذات إيقاع سريع، تجعل المكان والزمان مجرد إطار حاضن لانفعالات وتفاعلات الشخصيات التي تجسدت عبر لعبة المرايا ووضعتنا أمام مجموعة من الصور الروائية، تنتظم حول صورة كبرى وهي وثيقة مهمة لتاريخ للحركة الوطنية في العراق..وتدوين لمواقف رجالها وبطولاتهم!!!.
السيرة الذاتية للروائي سلام إبراهيم
ولد سلام ابراهيم عام 1954 في مدينة الديوانية جنوب العراق، وساهم بشكل مبكر في النشاط السياسي والادبي
وبسبب ذلك تعرض للاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي أكثر من أربع مرات للفترة من 1970ـ 1980
التحق بصفوف الثوار في كردستان العراق في اب 1982وتسلل الى المدن مختفياً في عام 1982،
ثم اصطحب زوجته في التحاقه الثاني بثور الجبل تاركاً ابنه البكر (كفاح) في مدينة الديوانية
اعطبت وظائف رئتيه بنسبة 60 % نتيجة للقصف بالاسلحة الكيمياوية على مقرات الحزب الشيوعي العراقي في زيوه. نزح مع جموع الاكراد الى تركيا ثم ايران ليمكث في معسكرات اللجوء بأقصى الشمال الايراني عام 1988
وفي العام 1992 لجأ الى الدنمارك ومازال يقيم فيها،
صدرت له (رؤيا اليقين) مجموعة قصص عن دار الكنوز الادبية بيروت 1994 ..
(رؤيا الغائب) رواية عن دار المدى دمشق 1996..
سرير الرمل، مجموعة قصص عن دار حوران دمشق 2000 .
(الارسي) رواية عن دار ـ الدار القاهرة 2008 ..
(الحياة لحظة) رواية عن الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة 2010