هنا مجموعة قصائد لشاعرة وكاتبة فلسطينية، تستلهم بعضا من تفاصيل سيرة حياة هاربة، من ذاكرة الألم المسكونة بتراجيديا مأساة وطن تصيغ الشاعرة صوت ذات ترى في اللغة سكنها الصوفي وملاذها الأثيري، وفي وجع الانتظار تنهض رؤاها كي يهدأ وجع انجراحات الذاكرة، قصائد مليئة بشغف الحياة.

قصائد امرأة مكللة بالرؤى

آمال عوّاد رضوان


1ـ مَكفوفٌ ببَريقِ الغيْرةِ!

طفلةٌ.. تتَسلَّلُ في براري العتمَةِ

عقاربُ نزِقَةٌ.. تَنمو بينَ خطواتِها

تَغْزِلُ برُموشِ أَصابِعِها حريرَ وَجْدٍ

مِنْ خُيوطِ مُبتدايَ

لِتَغْدُوَ قَصيدَةً

تُتوّجُها أميرةً على عَرشِ شِعري!

 

ألمحُ رائحةَ فُصولٍ مُعتّقةٍ

في ريبَةِ المُواربةِ

أَتيهُ في زحمةِ أصدائِكِ

رَجْعُ أُغنياتٍ عِذابٍ تَتردّدُ عَذابًا

موسيقى شاحبةً

تُطِلُّ ثورةَ جَمالٍ مِنْ كوخُ أحلامي!

 

"هيرا"

مَلجأَ النّساءِ الوالداتِ

تُطارِدينَ نِسائِيَ التلِدْنَني

مِئَةُ عينٍ تُلاحقُ ظِلّي

 

إلى خَفقٍ مَجهولٍ يُهرْولُ عِملاقُكِ

يَقتلُهُ شِعري الخرّوبي

أَنثُرُ مِئةَ عُيونِهِ شموعًا على قُنْبرتِكِ المِرآة

على أرْياشِ طاؤوسِكِ اليَختالُ

 

شَفيفةٌ بلَّوْراتُ غُرورِكِ

تَنفُشينَها..

تَفرُشينَها بسَيفِ شَغبِكِ اليُشعْشِعُ!

كيفَ أرُدُّ سَطعَهُ إلى عينيْكِ

ومَنابعُ الحَذرِ أخمدَتْها نارُكِ

وتَوارَتْ..

في قواريرِ ضوْئِكِ النّاعسِ؟

 

بقيْديَ الذّهبيِّ

بَينَ نارِ الأديمِ ونورِ السَّديمِ

أُعلّقُكِ مِن مِعصميْكِ

نجمةً تَتبهرجُ أُسطورةَ التياعٍ

تُثرثرُها عرائسُ الصُّدورِ جُموحَ تَحدٍّ

يَشكوها الوجعُ:

أينَكَ "هيفايْسْتوس" يُخَلِّصُها قُبحُكَ؟

 

"هيرا"

قلبُكِ المكفوفُ ببريقِ الغيرةِ

يَختلِسُ لؤلؤَ خَفقي

وليلي يُخفي ويْلي

يَجمعُ أوراقَ سِنينِكِ المنثورةَ

على رمادِ أنفاسي

أنظلُّ رهائنَ سِلَعِنا في رُكامِ الضَّياعِ

تَبْكينا مَناديلُ الوداعِ؟

 

"حبيبي"؟!

نغمةٌ.. تَنداحُ في حُقولي

قطيعٌ.. مِن قُبّراتِ حياةٍ تَرعى

كوكبُ ألَقٍ.. في سَما روحِها

يُضيءُ دربَ إلهامي

يَحُطُّ فوقَ مغارةِ اللّهفةِ!

 

 

2ـ سَلامي لَكَ مَطَرًا
في دُروبِنا العَتيقَةِ
تُعَتِّقينَ خَواطِري فَرادَةً بِكِ
إلامَ تَطْفو ذِكْراكِ عَلى وَجْهِ النِّسْيانِ؟
بِغاباتِ فَرَحي المَنْذورِ لَكِ
تَتَسَوَّلُكِ أَنْهارُ حُزْني ..
ظِلالَ بَسْمَةٍ تَدْمَعُ بِكِ
لِتَرْسُوَ مَراكِبُ ذُهولي المَحْمومِ
عَلى
صَفَحاتِ لَيْلِكِ المائِجِ
أَتُراني أَسْتَجْدي دَمْعَةً عَذْراءَ
في شِتاءاتِ الخَطايا؟
سَرْبِليني بِمِعْطَفِ عَطْفِكِ الآسِرِ
لأُطفِئَ بَرْدَ الأَوْهامِ
*
يا مَنْ تَرْتَسِمينَ بَتولاً في أيْقونَةِ الطَّهارَةِ
لَوْحَةً سَماوِيَّةً تُشْرِقينَ
عَلى
تِلالِ ذِكْرَياتي
لأَظَلَّ ضَميرَكِ اليَسْتَتِرُ خَلْفَ جِبالِ صَمْتِكِ
*
عَلى
شَواطِئِ العَتْمَةِ
يَدْرُجُ نَوْمُكِ اليَتَّكِئُ
عَلى
عُكّازِ صَحْوَتي
وَفي إغْماءَةٍ شَهِيَّةٍ
يَشُدُّني حُنُوًّا
إلى صَدْرِ غَفْوَةٍ سِحْرِيَّةٍ
*
أنا مَنْ أَثْمَلَني السَّهَرُ
ظَنَنْتُني كَفَفْتُ عَنِ المَشْيِ
في تُؤْدَةِ أُسْطورَتِكِ
لكِنّي.. أَصْحو
لأَضْبِطَ خَيْطَ فَجْرِكِ
يَتَلَصَّصُ في امْتِدادِهِ
يَتَمَطّى مُتَثائِبًا
في ذاكِرَةٍ مَحْشُوَّةٍ بِضَبابِكِ
*
عَلى
مَوائِدي التَزْدَحِمُ
بِرَقائِقِ بَسْمَتِكِ الشَّقِيَّةِ
بِفَطائِرِ حُبِّكِ المَعْسولَةِ
أَأَقْتَرِعُ... عَلى
كِ سْ رَ ةٍ
مِنْ خُبْزِ نُعاسِكِ؟
أَأُقامِرُ على
نَ غْ مَ ةٍ
مِنْ ماءِ هَذَيانِكِ؟
أَتُبَعْثِريني بِـ
حَ فْ نَ ةٍ
مِنْ خَميرَةِ أشْعارِكِ؟
*
مَعْصِيَتي النَّقِيَّة!
مَذاقُ الدَّهْشَةِ كافِرٌ
يُعَرْبِدُ فارِعًا بِكِ
فارِغًا إِلاّ مِنْكِ
يُعاكِسُ خُطى صَمْتِكِ
في مَرايا غُموضِكِ
*
أَيَّتُها الغابَةُ التَتْرَعينَ بِوَحْشِيَّةِ الجَمالِ
إلامَ يَظَلُّ يَفْتَرِسُني ضِياؤُكِ الشّرِسُ؟
إلامَ تَظَلُّ تُلَوِّنُني رائِحَةُ عَتْمَتِكِ الوَضّاءَةِ؟
*
يا مَنْ
عَلى
عَتَباتِ خافِقي المَهْجورِ
تَنْبُتينَ أَشْجارَ زينَةٍ
تَفوحُ بِزَهْرِ صَوْتِكِ
يَزْدانُ بِكِ فِرْدَوْسُ نِداءاتي
أَتَقولينَ:
سَلامي لَكَ َمطَرًا!؟
*
سَلامُكِ!
تَصْدَحُ بِهِ حورِيّاتُ النُّجومِ
في سُهولِ لَيْلي
لِتَحْتَفِيَ بِأَعْراسِ حُزْني
*
سَلامُكِ!
يَبُثُّ احْتِراقَ عُيوني
بِعُذوبَةٍ مُتَوَحِّشَةٍ
بِلُغَةٍ خُرافِيَّةٍ
تُضيئينَ تَثاؤُبَ وَهْمي
بِنورِ غُيومِكِ
يُثَرْثِرُ قُزَحُ نَبْضي
وَبِفِرْشايَةِ أنْغامِكِ أَذوبُ موسيقى
تَتَلَوَّنُ في مَفاتيحِ البَوْحِ
*
تُمْطِرينَ سَلامَكِ
فَيْضَ روحٍ
عَلى
روحي
وَسَلامي ظامِئٌ
يَرْتَشِفُ طَلَّ فَجْرِكِ
يَتَرَدَّدُ صَدى مَلَكوتِكِ
وَلَهًا.. حَنانًا..
وتخشعَ سَمائي مَزْهُوَّةً
بِتَسابيح نَوافيرِ أنْفاسِكِ

 

 

3ـ فِتْنَةُ رُؤًى عَذْراء
تَتَوَغَّلُ خُطى الكِبْرِياءِ
في اخْتِفاءِ الصَّحارى
تَذْرو رِمالَ الهَواجِسِ في عُيونِ السَّرابِ الكَفيفَةِ
تَنْخَسِفُ أقْمارُ المُنى في مَتاهاتِ نَيْسانَ
فَلا أَلْوي عَلى حُلُمٍ
وَلا عَلى أمَلِ!
*
فِتْتَةُ رُؤًى عَذْراءَ
تُسَرِّحُ ذُهولَها بِمِشْطِ الهَذَيانِ
باتَ بَهاؤُها.. تَخْمِشُهُ مَخالِبُ ظِلالِكِ
*
وِشاحٌ مِنْ تَرانيمِ الطُّلولِ
يَ
نْ
دِ
فُ
عَلى سُفوحِ القَلْبِ
أوَتَعودُ تشِعُّ نَبْضًا في صُدورِ اللَّيالي؟
أيَبْتُرُ شَلاّلُ الشُّجونِ أَذْرُعَ العِناقِ؟
أتَنْشُرُ جُنونَ الرَّذاذِ عَلى حِبالِ القُبَلِ؟
*
ضَبابُ الضَّواحي الكافِرُ
كُنّاهُ غَمامًا يَخْشَعُ
يَهْدِلُ
أتُشْعِلُهُ قَرابينُ القَصائِدِ
زُرْقَة ً مُضَفَّرَة ً بِالتَّراتيلِ؟
*
نَكْهَةُ جَبَروتِكَ حارَّةٌ تَلْسَعُ
آآآآآآآآآآآآه شَهْقَةُ شَفافِيَتِكَ حارِقَةٌ تَصْهَلُ تُرْبِكُ سُكونَ النَّدَمِ
سُدًى
تُلْقي بِجَمْرِ الوَقْتِ الكَسيحِ في مِحْجَرَيَّ
تَشُقُّ دَمِيَ الرَّبيعِيَّ بِعَصا الوَحْدَةِ
تُدَثِّرُني بِنَزْفٍ لا يَضِلُّ
أتَيَبَّبُ
وَتَنْضُبُ كُؤوسُ العَتْمَةِ
عَلى
شِفاهِ الصَّمْتِ
تَغْمِسُ الرّوحَ بِشَهْوَةِ البُكاءِ
تَتَرَقْرَقُ البَسْمَةُ الخَرْساءُ
شُموعًا بِعُيونِ النُّعاسِ
تَعْزِفُ مُنًى تُناغي ضَبابًا
عَلى
مَرايا المُحال
وتَشْرَقُ جَداوِلُ الحَنينِ بِطَلِّ النِّداءِ
*
تَسْكُبُ نُجومُ روحي نارًا
في انْدِلاعِ الفَجْرِ
وَعَلى
جُفونِ الانْتِظارِ
تَتَحَرَّقُ قُبَّراتُ ضَوْئِك
*
شَمْشومِيَ اليَتَجَبَّرُ
لَسْتُ غُوايَةً تَتَدَلَّلُ
تُقَصِّفُ جَدائلَ جَبَروتِك
*
باهِتَةٌ تَهاليلُ المَوْتى..
إنْ تُسقِطِ الهَيْكَلَ
إنْ تَتَّخِذْ صَدْرِيَ الأجْوَفَ قَبْرًا لِلنُّسورِ
أوْ خَفْقِيَ الهادِرَ بوقَ حُزْنٍ
حينَما يَنْتَحِرُ الضَّوْءُ قُلْ: ربّي!
لي وَلأَحِبّائِيَ الحَياة
لِتُظَلِّلْنا أَرْياشُنا
وَلمّا تَزَلْ تَحُفُّنا هالَةٌ مُخَضَّبَةٌ بِنا
أبَدِيَّةَ التَّأَلُّقِ!

 

شاعرة وكاتبة من فلسطين