البحرين التي لاتزال تدير الموسيقى، في المنامة عاصمة السياحة العربية 2013م، و ضمن فصل السياحة الترفيهية، اختتم في أكتوبر الجاري مهرجان البحرين للموسيقى في نسخته الثانية والعشرين، مواصلا استقطابه لمبدعي الموسيقا العربية والعالمية في حفلات وعروض موسيقية وغنائية، في اجتياز طموح للمسافة وابتداع ملهم لأبجدية تواصل أخرى، ومصافحة ليد الغريب، حتى تصنع منه الموسيقى صديقًا.
استضاف المهرجان عازفين منفردين وفرقًا موسيقية، ومغنين ينتمون لمدارس واتجاهات فنية متعددة، كلاسيكية شرقية، كلاسيكية غربية، أوبرا، وحتى الاتجاهات الموسيقية الحداثية، من خلفيات ثقافية وفنية متعددة، عربية وعالمية. قدمت للجمهور في البحرين تذكرة سفر متعددة الوجهات، في مدينة واحدة، في المنامة عاصمة السياحة العربية.. العاصمة الصغيرة، التي تتسع لأغنيات العالم أجمع. مهرجان البحرين الدولي للموسيقا، اثنتان وعشرون سنة والبحرين تطلق موسيقا بمزاج الكون، تحمّل الأثير بالموسيقا، الأغنيات والسلام.
أطلق المهرجان مؤتمره الصحفي الأحد الموافق 20 أكتوبر 2013م في مسرح البحرين الوطني، بحضور معالي وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، التي قالت في كلمتها في افتتاح المؤتمر: " الموسيقى لغة كل الشعوب، نجتاز بها المسافات، نخاطب شعوب العالم، ونصافح حضاراتهم وثقافاتهم"، وأعلنت معاليها انطلاق فعاليات المهرجان بحضور عدد من الفنانين المشاركين في عروض المهرجان، وبحضور الإعلاميين وعدد من المثقفين والمهتمين.
أوبرا مجنونة في انطلاق فعاليات مهرجان البحرين للموسيقى
قدّمت أوركسترا حفل “أوبرا مجنونة” مساء يوم الأحد الموافق 20 أكتوبر ، انطلاقة مهرجان البحرين الدولي للموسيقى، وافتتحت حفلها بعربون صداقة إلى شعب البحرين بغناء النشيد الوطني البحريني، ومن ثم أدهشت الجمهور بالإيقاعات السريعة لموسيقى أفلام “المهمة المستحيلة”، لتنطلق بعده في نسج فنون عديدة ومواهب جميلة، تصنع مشهد الأوبرا ما بين مقطوعات غربية وإيقاعات عربية أصيلة، جرّت فيها مغنية السوبرانو سمر سلامة صوتها إلى روائع الغناء والموسقى العربية والغربية.
قدّم الحفل كذلك أمزجة مختلفة من المقطوعات الأوبرالية في قوالب تجمع ما بين الموسيقى والرقص والغناء، صنعتها فرقة “أوبرا مجنونة” المكوّنة من كل من مغنية السوبرانو سمر سلامة، الفنّانين زياد نعمة وروجيه أبي نادر، والمايسترو توفيق معتوق، إضافة إلى أوركسترا وفرقة الغناء من الجامعة الأنطونيّة.
مقطوعات عالمية على الطريقة الكوبية
قدم الإخوة كلاز وفرقة الإيقاع الكوبي في الثامنة من مساء الأثنين الموافق 21 أكتوبر2013م ثاني الأمسيات الموسيقية في مهرجان البحرين الدولي للموسيقى ، وذلك في على مسرح الصالة الثقافية، وبحضور جماهيري كبير ومتنوع، في حفل اشتمل على مقطوعات موسيقية عالمية بمشارب موسيقية متنوعة ومنسوبة لحقب تاريخية متباعدة، اشتغلت الفرقة على اختيارها، وتقديمها على الطريقة الكوبية، بإعادة توزيع وباستخدام آلات وإيقاعات كوبية، في محاولة لاستحضار الزمان الماضي في الوقت الحاضر، واستحضار كل أمكنة العالم، في المساحة الكوبية، ومن ثم عرضها في مكان واحد، هو المنامة.
فاتحين للجمهور البحريني صندوق موسيقاهم، في اكتشاف جديد للكلاسيكيّة المنسجمة مع ضحكات وفرح كوبا، إذ دمج الموسيقيّون الخمسة قدراتهم ومواهبهم لتقديم أجمل المقطوعات والأنغام التي تجمع ما بين موسيقى الجاز، السوينغ، السالسا والإيقاعات اللّاتينيّة. الفرح بشاكلةِ صوتٍ، بعبورِ وطنٍ في تحليق موسيقى!
الفرقة الوطنية الفلسطينية للموسيقى العربية.. سهرة طرب شرقيّة
كان الجمهور البحريني على موعد مع الطرب الشرقي الأصيل، في ثالث أمسيات مهرجان البحرين للموسيقى في نسخته الثانية والعشرين، التي قدمتها الفرقة الوطنية الفلسطينية للموسيقى العربية، بقيادة الفنان رمزي أبو رضوان. مساء الثلاثاء الموافق 22 أكتوبر 2013م على خشبة مسرح الصالة الثقافية. قدمت الفرقة فسيفساء موسيقية شرقية متنوعة، وأعادت ببساطة محببة تقديم الأغنيات التي شكلت علامات هامة في التاريخ السمعي العربي الشرقي، أداها مجموعة متناغمة من العازفين والكورال، والمطربين الذي قدموا أنماطًا مختلفة من الموسيقى العربيّة الكلاسيكيّة مثل السّماعيّات والموشّحات، إضافة إلى أداء بعض الأعمال الخالدة من الطّرب العربيّ الأصيل، إضافة إلى مقطوعات أصلية من تلحين أعضاء الفرقة، التي تضمّ ما يقارب30 عضوًا وعضوة من أفضل المواهب الموسيقيّة والغنائيّة من جميع أنحاء فلسطين، من رام الله، الخليل، جنين، حيفا، الناصرة، طولكرم، الجليل ونابلس، بالإضافة إلى مخيّمات الفوار وعروب والعماري.
مع قاسيموف وفرغانة.. كان للموسيقى الآذرية الصوفيّة مكان
بدوزنة جميلة تصغي إلى تنفّس التّاريخ ببطء... بتؤدة الوقتِ الذي يحدث موسيقاه خارج إيقاعه الاعتياديّ، استدار مهرجان البحرين الدّوليّ للموسيقى 22 مساء اليوم (الأربعاء الموافق 23 أكتوبر 2013م) إلى جغرافيّة إقليم القوقاز، وتحديدًا إلى مراكز الثّقافة في شمال أفريقيا والشّرق الأوسط وغرب ووسط آسيا، حيث جاءت أذربيجان لتتقاسم مع منامة السّياحة أكثر من 1000 عامٍ من تلك الثّقافات والحضارات برفقة الفنّان عليم قاسيموف وابنته فرغانة مع رباعيّ من العازفين الشّباب الذين قدّموا للجمهور أغنيات من الرّوح وألحان قديمة آذريّة روحانيّة تُشتَهر باسم المقام.
قدّمت عائلة قاسيموف من خلال هذا الحفل مجموعة من قصائد الحُبّ والمغنى الصّوفيّ ذي البعد الفلسفيّ والرّوحانيّ في مجاورة للألحان الفلكلوريّة، ومثّلت في تكوينها مزجًا فنّيًّا راقيًّا ما بين الإرث العربيّ، الفارسيّ، التّركيّ الذي أودعته الحضارات والشّعوب في إقليم القوقاز، والذي يتجلّى في الأغاني الشّعبيّة التي يتغنّى بها الشّعراء المعروفون باسم (العاشقين). أوركسترا براغ لموسيقى الحجرة تعزف مقطوعات عالمية من دون مايسترو! السّحر الكلاسيكيّ بهيئة صوت، أزهر في مهرجان الموسيقى من ذاكرة التّشيك مع أوركسترا براغ لموسيقى الحجرة التي تُعَدّ من أشهر الفِرَق الموسيقيّة في العالم، وذلك في خامس حفلات مهرجان البحرين الدّوليّ للموسيقى في نسخته الثّانية والعشرين، في سياق الاحتفاء بالمنامة عاصمة السّياحة العربيّة للعام 2013م.
قدمت أوركسترا براغ لموسيقى الحجرة مقطوعات متعدّدة ومتنوّعة مستدرجة موزارت، هايدن وقد نسجت في وتريّاتها وإيقاعاتها كلاسيكيّة وأناقة العصر الباروكيّ الجميل، من فيفالدي وباخ، إلى عمالقة الموسيقى البوهيميّة مثل ميشنا وزيلينكا وغيرهم. وبذلك اعتنقت هذه الحجرة الموسيقيّة عصورًا بعيدة واشتغالات فريدة وعالميّة تأتمنها على أصواتها وحيواتها وجمالها. تتميّز أوركسترا براغ لموسيقى الحجرة بكونها من الفِرَق النّادرة التي تعزف من دون وجود مايسترو، وهو ما يضفي على مهمّة العزف درجة أكبر من الصّعوبة، ويتطلّب انضباطًا متناهيًا وصِلَة قويّة بين أعضاء الفرقة.
من الشام صوت يحلم بالحب والسلام
كان ختام مهرجان البحرين الدولي للموسيقى في نسخته الثانية والعشرين من الشام، وصوت الآتي من أقصى الحلم وأغنيات الطفولة، وأحلامها البيضاء، الصوت المحمل بصلوات من أجل الحب والسلام، من أجل الشام والعالم، لينا شماميان غنت للجمهور البحريني، في ختام أمسيات مهرجان البحرين الدولي للموسيقى في نسخته الثانية والعشرين على مسرح الصالة الثقافية، حاملة بصوتها لا يضل الطريق إلى قلبك، ذاكرة صوتها المشرقية العربية والأرمنية.
في حفل الذي لاقى حضورًا جماهيريًا واسعًا، ملأ مدرج الصالة الثقافية عن آخره، قدمت فيه شماميان باقة من أغاني التراث العربي سيما السوري منه بوجهة نظر جديدة ،محافظة في اشتغالها على الموروث على خصوصية اللحن والكلمات وبتوزيعات عصرية، مشكّلة بهذا حلقة وصل بين كلاسيكية الموسيقى الشرقية أحادية اللحن والمرافقة، وبين الموسيقى العالمية المعاصرة ذات المرافقة الهارمونية و القوالب الموسيقية والآلات الموسيقية المتنوعة.
الحفل الذي لاقى تفاعلا استثنائيا من الجمهور البحريني الذي بادلها الغناء، وطلب منها أغنيات بعينها، فلبت طلبهم، حتى بتلك التي لم تكن معدة مسبقا مع الفرقة، مثل أغنية ع الروزنة التي غنتها بصحبة صوت الجمهور وتصفيقه.. أغنيات عن الحب والسلام ووحدة المصير، وعن الشام الباقية في عقل وعاطفة الإنسان السوري والعربي.
يذكَر أنّ المهرجان يأتي في سياق احتفاء وزارة الثّقافة باليوم العالميّ للموسيقى في الأسبوع الأول من أكتوبر من كل عام منذ العام 1981م. وتعود فكرة الاحتفال به إلى (جاك لانغ) وزير الثقافة الفرنسي في عهد الرئيس (فرانسوا ميتران)، الذي يُعدّ صاحب الفكرة، والدّاعم لهذه الفعاليّة العالميّة.
تهدف هذه الاحتفاليّة إلى تحقيق فكرة منظمة (اليونسكو) في أن تسهم الموسيقى في إذكاء الذّوق، وإشاعة قيم الخير والمحبّة والتّسامح والسّلام والصّداقة والتّعاون بين الشعوب، وتطوير ثقافاتهم، وتبادل الخبرات، للوصول إلى رفع مكانة الفن الموسيقي بين قطاعات المجتمع كافّة.
وكانت وزارة الثقافة في مملكة البحرين قد استجابت عام 1991م لتوصية(اليونسكو) و(المجلس الدوليّ للموسيقى) للاحتفال سنويًّا (باليوم العالميّ للموسيقى) وباشرت إدارة الثّقافة والفنون بقطاع الثّقافة والتّراث الوطنيّ منذ ذلك العام بإحياء هذا اليوم العالمي، تعبيرًا عن المعنى العالميّ للاحتفاليّة، وتأكيداً لمكانة البحرين الثّقافيّة والحضاريّة.