رحيل أحمد فؤاد نجم

توفي الثلاثاء 3 ديسمبر/ كانون الأول، عن عمر 84 عاما الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم أحد أهم شعراء العامية الذي عرف بأشعاره الوطنية وانتقاده اللاذع لحكومات مصرية متعاقبة.

ومن أشهر قصائد نجم بالعامية قصيدة "كلمتين يا مصر" و"جيفارا مات" و"كلب الست" و"شيد قصورك" و"يعيش أهل بلدي". وولد الراحل في 23 مايو/ أيار 1929 في قرية كفر أبو نجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية في مصر. وهو أحد أهم شعراء العامية في العالم العربي وأحد ثوار الكلمة الحرّة. ويترافق اسم أحمد فؤاد نجم مع الفنان الشيخ إمام، حيث تتلازم أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الانتفاضات الشعبية المصرية على مدى حقب مختلفة من التاريخ. وفي عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرا للفقراء.

وينتمي أحمد فؤاد نجم إلى عائلة نجم المعروفة في مصر لأم فلاحة أمية من الشرقية (هانم مرسى نجم) وأب يعمل ضابط شرطة (محمد عزت نجم) وكان ضمن سبعة عشر ابنا لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة. أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام 1936، الذي قابل فيه الفنان المصري الكبير عبد الحليم حافظ، ليخرج منه عام 1945، بعد ذلك عاد لقريته ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته. عمل نجم في معسكرات الجيش الإنكليزي متنقلا بين مهن كثيرة، كواء ولاعب كرة وبائع وبنّاء وخيّاط.

وفي فايد وهي إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنكليز التقى بعمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. يقول نجم "كانت أهم قراءاتي في ذلك التاريخ هي رواية الأم لـ"مكسيم غوركي"، وهي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، ولم أكن قد كتبت شعرا حقيقيا حتى ذلك الحين وإنما كانت أغان عاطفية تدور في إطار الهجر والبعد ومشكلات الحب التي لم تنته حتى الآن، وكنت في ذلك الحين أحب ابنة عمتي وأتمناها، لكن الوضع الطبقي حال دون إتمام الزواج لأنهم أغنياء".

في سنة 1959 التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر على اثر أحداث العراق انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة، ويقول نجم "في يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال". وما زالت آثار التعذيب واضحة على جسد نجم حتى يوم وفاته.

بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنكليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنكليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنكليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة اتهم نجم بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن "قره ميدان" حيث تعرف هناك على أخوه السادس علي محمد عزت نجم.

وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية "صور من الحياة والسجن" وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.

بعد خروجه من السجن عُين موظفا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام، ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحت الحارة ملتقى المثقفين.

وقد نجحا في إثارة الشعب وحفز هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعي الشعبي، ويقول نجم عن رفيق حياته انه "أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم"، وقد انفصل هذا الثنائي بعد فترة واتهم الشيخ إمام قرينه أحمد فؤاد بأنه كان يحب الزعامة وفرض الرأى وانه حصد الشهرة بفضله ولولاه ما كان نجما.

ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة.

وفي نهاية أغسطس / آب الماضي اختارت المجموعة العربية في النداء العالمي من أجل مكافحة الفقر نجم ليكون ناطقا في المحافل الدولية باسم فقراء العالم العربي وسفيرا لفقراء العالم إلى جانب الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا.

وقال نجم بمناسبة اختياره بسخريته المعتادة إنه سيشكل حكومة عالمية من وزرائها السيد المسيح وعلي بن أبي طالب القائل "لو كان الفقر رجلا لقتلته" وأبو ذر الغفاري القائل "إذا جاع أحد فلا أمان".

وشارك نجم في الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم مبارك في مطلع 2011 ثم كان من أشد المعارضين لحكم محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي عزل في الثالث من يوليو/ تموز بعد احتجاجات حاشدة في عموم البلاد.

وعن حياة نجم صدر عام 2007 كتاب "شاعر تكدير الأمن العام.. الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم.. دراسة ووثائق" لصلاح عيسى. كما أخرج عصام الشماع عام 2011 فيلم "الفاجومي" الذي يستعرض حياة نجم.

وأسماه علي الراعي "الشاعر البندقية" في حين سماه أنور السادات "الشاعر البذيء".

وقالت زوجته السابقة صافنياز كاظم "كان شاعرا كبيراً واسماً على مسمى إذ كان بالفعل نجماً في مجاله والنجوم تعيش بيننا ولن تغيب، حتى لو رحل بالجسد ستظل أشعاره بيننا ولن تموت، أعطاه الله موهبة فذة وحب شديد للوطن وكان طوال عمره يحلم بمصر المتقدمة المزدهرة".

وأضافت:"أطلب من الجميع الدعاء له بالرحمة بقدر ما أعطى لمصر من حب وفكر وفن"، وأشارت إلى أن للشاعر الراحل ثلاثة فتيات من زوجاته الثلاث هن: "عفاف من وزجته فاطمة ونوارة ابنتي وزينب من أميمة عبد الوهاب".

وقال الكاتب الصحفي سليمان الحكيم إن النجوم لا تموت في إشارة على قيمة أشعار الراحل أحمد فؤاد نجم، مشدداً على أنه ظل طوال حياته يدافع عن الحريات ونصيرا للفقراء والبسطاء، كما فضل الحياة البسيطة بالعيش سنوات عدة فوق أسطح أحد العمارات".