أحد أقوى أصوات الشعر والحرية في العالم
برحيل الشاعر العربي أحمد فؤاد نجم، فجر الثلاثاء الماضي، يفقد المشهد المصري والعربي أحد أكبر رموز الشعرية العامية العربية، وأحد أقوى أصوات الحرية في العالم.
وقد شكلت حياة أحمد فؤاد نجم، خلال مسار طويل دؤوب من العطاء الإبداعي والنضالي الجريء المتميز، ظاهرة نادرة امتزجت فيها قصائد الشاعر، على نحو عميق، بمعيش الشاعر ومعاناته وكفاحه المستميت ضد مظاهر الفقر والاستبداد السياسي. وتجلّت الظاهرة في أقوى صورها من خلال ارتباطه الفني الرائع بالفنان الشيخ إمام، في أعقاب هزيمة 1967؛ ممّا أنجب إبداعاً شعرياً غنائياً ألهم أجيالاً من الجماهير الحالمة بالثورة والتغيير، وأسهم في إثراء الشعرية والغنائية الثورية في مصر، وفي المشهد الإبداعي العربي كله.
وتمثلت الكتابة الشعرية لدى الراحل أحمد فؤاد نجم، مرجعيات إبداعية متنوعة من الموروث الشعري العربي، وخاصة من منجزات الشعرية العامية في مصر والشام. وأكسبه انتسابه إلى أفق الجماهير الكادحة قدرة عميقة على التقاط العمق المصري والعربي، ببؤسه وإحباطه وإصراره على التحدي والاحتجاج ضدّ كل أشكال الفساد والتسلط. وهو الأفق الذي كلّف الشاعر سنوات مديدة من السجن والاعتقال، ومن المطاردة والمنع. لكنه استمرّ، حتى الرمق الأخير، مدافعاً عن قيم الحرية والتغيير، منخرطاً في كل مراحل الثورة، شاعراً وملهماً ومحمّساً لا يلين ولا يهدأ ولا يهادن.
وإذا كان رحيل الشاعر أحمد فؤاد نجم مؤلماً لكل المناضلين والمثقفين والأدباء والمبدعين المغاربة الذين أحبوه وأحبوا إبداعه ونضاله، فإنه يشكل لدينا في بيت الشعر في المغرب، بشعرائه ومبدعيه ونقاده وباحثيه، ألماً مضاعفاً باعتباره صديقاً رائعاً داعماً لتجربة بيتنا.
ونستحضر هنا، بتأثر، احتفاء بيتنا به خلال أمسية شعرية كبرى نظمناها له في المكتبة الوطنية بالرباط، في آخر زيارة قام بها إلى المغرب صحبة ابنته زينب، سنة 2009. كانت أمسية لن تغادر ذاكرتنا، احتشد فيها جمهور كثيف ومتنوع. وكان من لحظاتها الدالّة نزول الشاعر الكبير من المنصة لمعانقة فقيد حركتنا الوطنية أبي بكر القادري الذي أصر على حضور الأمسية رغم المرض.
وكان من مظاهر انفتاح الشاعر الراحل على بيتنا، أنه وافق بحماس على مشروع إصدار طبعة مغربية لأعماله الشعرية ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب. وهو المشروع الذي استكملنا التداول فيه، في اجتماعنا مع الشاعر الكبير في القاهرة بدار ميريت، بحضور مديرها الأستاذ محمد هشام. لكن الأحداث الجسيمة التي تعيشها مصر الآن حالت دون تعجيل تحقيق ذلك، خاصة وأن تلك الأحداث كانت تأخذ من الشاعر والمناضل نجم كل عقله ووجدانه.
وقد رحل سفير الإبداع والفقر أحمد فؤاد نجم وفي قلبه كثير من الشعر والثورة والعشق وأحلام أبناء أمته البسطاء.