تقترح الكلمة في هذا العدد ديوانا من مصر، كتبت قصائده في سياق ما يعيشه البلد من تحديات وحراك متواصل، لذلك تقترب من شجون ودواخل الشاعر حيث اللغة مرآته الخاصة وجزء من كينونته وهي تحاول لملمة الكثير من دلالات الأمكنة والأشياء والقيم. وفي هذا البحث المضني نقترب من هذه الأوراق التي تسقط من حياة.

الشّجرةِ تسّاقطُ جلودًا كثيرةً (ديوان العدد)

سالم أبو شبانة

الشّاعرُ يعرّي نفسَهُ بالكلماتِ.

 

تتقدّمين في المتاهةِ..!

لستُ وحيدًا،

ولا غريبًا.

تتقدّمين في المتاهةِ؛

وأغنّي،

تحتَ قدميّ الطّحالبُ تئنُّ.

وحبيبتي شرمٌ صخريٌّ،

يأخذُها التّاريخُ القديمُ؛

وعلىَّ أنْ أسحبَ أصابعَها

من مستنقعِ السّوادِ والنّدمِ.

أغرقُ أو أصحو.

في صخبِ الرّيحِ،

الماءُ يقلّبُ جسدَهُ الطّويلَ

في شمسِ الصّباحِ.

أنامُ أو أتهاوى،

أسفلَ مِطرقةِ الليلِ كسمانٍ مهاجرٍ

بلا ماضٍ ولا أملٍ.

المطرُ الصّامتُ

يربّتُ على وجهِ الأرضِ،

الأجنّةُ تفتحُ أفواهَها

خوفَ مديحِ الخرابِ.

ليكن؛

هذا الهواءُ بريدُ الصّخبِ،

الماضي الذي ينامُ على الطّاولةِ،

والأباجورةُ المطفأة دومًا.

لستُ وحيدًا ولا غريبًا.

لا أعرفُ، ولا أنمو.

 

الهُراءُ الذي تمجُّهُ موجاتُ الأثيرِ؛

الشجرةٍ تقفُ بلا رادعٍ

قبالةِ المطرِ والرّيحِ

وهبوبِ العاصفةِ.

 

 

المدنُ تمجُّ رجالَها؛ قبالةِ البحرِ والخريفِ.

النّشوةُ في حيزِ الحلمِ الصّغيرِ.

شهوةٌ تتفرّعُ

في سقوطِ الجدارِ عبرَ شريانِ الحياةِ.

صوري عن الشّوارعِ،

السّياراتِ التي تفوحُ بالموتِ،

أناي التي أخذتُها على عجلٍ.

كم كنتُ باذخًا في رعبي:

من أصابعِي، من اللهِ،

ومن كائناتِي التي سفحتُها على الورقِ،

تطاردُني كالأفاعي في رملِ الشّاطيءِ.

حينما كانتْ الحديقةُ الصّغيرةُ

 

تسهو في الظّهيرةِ؛

تعلقتْ روحي بالأفكارِ، بالبهرجِ،

زحفتُ حتى حافّةِ النّافذةِ،

العالمُ كان يتكوّمُ كحاويةِ قمامةٍ.

 

 

Shat!!

خارجون عن السّيطرةِ.

تتقاذفُهم سهوبٌ

من الحيرةِ، المجاعةِ والغضبِ.

يلمّعون أحذيتَهم الباليةِ

أملاً في النّظرياتِ.

حين نقفُ طويلاً

تحتَ استراحةِ الطّريقِ؛

نجدُ الجنودُ قدْ التهموا

شطائرَ الجبنِ وعلبَ البازلاءِ،

استراحوا من هوسِ القادةِ

والضّجيجِ.

 

فمن ذا الذي يعطينا هوياتِنا،

أصواتِنا،

شهوةَ الجنسِ أمامَ صخبِ البحرِ،

عرائشَنا الفقيرةَ.

كنّا نهبطُ سلالمَ التّاريخِ مجهدين،

وضاجّين كديناصوراتٍ

تعبتْ من البحثِ في الغابةِ

عن جيناتِها الوراثيّةِ. 

 

 

غابةٌ من شفراتٍ؛ هذه الموسيقى.

ألتهمُ نفسي كالسّوسِ.

وأصغي جيدًا للضجيجِ الخافتِ

جهةَ البحرِ وحدائقِ الزّيتونِ؛

كما أسطورةٍ نَمَتْ

في كتابٍ عريضٍ عن كلِّ شيءٍ.

 لستُ جاهزًا للأساطيرِ،

ولا لسطوةِ التكنولوجيا.

بلا مصيرٍ أبيضَ أو أسودَ أشقُّ الطريقَ. 

المقهى في الظّهيرةِ،

الذّبابُ يصارعُ العالمَ،

كوبُ القهوةِ،

 

الغضبُ المقيّدُ برجلِ الكرسيِّ،

الحرائقُ في الشّارعِ ابتكارُ اللهِ الفذُّ.

من أيِّ حربٍ سقطَ هذا الدّرعُ

الذي يلمعُ في نهارٍ خريفيٍّ حارٍّ؟!

الطّاعةُ العمياءُ تمدُّ عنقَها

من حافّةِ البنايةِ،

آثارُ دمٍ قديمٍ تخفُّ،

سلالمُ الشّرقِ للمتاهةِ الطّويلةِ

على الرّصيفِ المقابلِ.

 

 

النّدمُ الثقيلُ؛ كأغنيةِ الحنينِ والمجاعةِ.

لا بلطةً أرفعُها في وجهِ الآخرِ.

ذلكَ الحبرُ الذي يشرحُ الهوسَ،

الحشراتُ النّاقلةُ لفيروسِ النّظرياتِ،

الأطعمةُ الجاهزةُ،

صعوبةُ التّنقلُ في الشّوارعِ الواسعةِ.

أسواقٌ تنمو كالثآليلِ،

وخوفُ الطّغاةِ يخبو

كوجهِ عملةٍ فضِّيَّةٍ قديمةٍ.

أيُّ صلفٍ يدّعيهِ الشّاعرُ

وهو يعرضُ نفسَهُ كعاهرةٍ؟

يلمّعُ الكلماتِ؛

 

فتزهرُ المدائحُ، الفضائحُ،

أو النّهاياتِ العبثيّةِ.

يلزمُ الشجرةُ وقتًا طويلاً؛

تلقي خُطبتَها عن أفقِ الخرائبِ

أو ودائعِ البنوكِ، وأسرابِ النّملِ.

أيُّ رجلٍ هذا الذي يلفُّ

الكلماتِ أنشوطةً.

 

 

البحيرةُ أنتِ، أنا الطّينُ!

مقيدةٌ صوبَ فكرتِها عن الحياةِ.

الخافتةُ كعيونٍ أجهدَها السّهرُ والسّكرُ،

لا تجيدُ الكلماتِ

قدرَ الخرائبِ

التي تنمو زهورًا سوداءَ في روحِها.

المحيطُ القريبُ،

المطرُ،

التكنولوجيا التي تضيء مللَها من العالمِ،

ليلُها الطّويلُ كالعدمِ المقابلِ,

هوسَها بالحكاياتِ

خوفًا من الوحشِ الرّابضِ في الطّرقةِ.

 

الحبوبُ المخدّرةُ،

الجنسُ المطويُّ تحتَ الوسادةِ

كحفّاضةٍ منذُ سنواتٍ،

هبوبُ الحبِّ من غيمِ الأثيرِ

والأسلاكِ المعدنيّةِ.

كيف أستطالتْ المخاوفُ

وطارتْ عن حمّالةِ صدرِها القرمزيّةِ،

إلى رجلٍ رابطٍ في الشّرمِ البعيدِ،

يصطادُ السّمكَ،

الكلماتِ،

والزّغبَ النّاعمَ من نهودِ العابراتِ.

 

 

على أيِّ كتفٍ تتراكمُ المسافاتُ؟!

فسائلُ الرّعبِ تنمو قربَ المكتبةِ.

كتلٌ من الأورامِ تزهرُ

في الورقِ الرّابضِ فوقَ الطّاولةِ.

هذا عن صداقاتِ الرّيحِ والأغاني والأحلامِ.

عن رجالٍ ولدوا في الزّوبعةِ،

وأيدينا طالَها الحبرُ ونقصُ الفيتاميناتِ.

أفمَنْ غنّي أغنيةً تحتَ المطرِ،

ومَنْ حملَ نارًا يستويان؟

نام الموسيقيُّ على الشّاطئِ،

والرّيحُ كانتْ تفرغُ حمولتَها

على ظهرِ الصّخورِ والسّفنِ.

 

الحبُّ على جلدِهِ يعشبُ كالنّدمِ

أو أسرابِ النّوارسِ.

لم نتلُ من درسِ القُبَّرةِ سوى شهقةِ الخريفِ،

سوى أسرابِ السّمكِ في الآبارِ،

أيامُنا صرخةٌ طويلةٌ،

وأذرعُنا مفتوحةٌ على العراءِ.

 

 

من الشّجرة: تسّاقطُ جلودٌ كثيرةٌ.

سمعتُ أغنيةَ المسافرين.

بكيتُ من صدعٍ قديمٍ في قلبي

طالتْهُ يدُكِ.

الأوراقُ المتطايرةُ في سريرِ الرّيحِ

أضحيةُ الشّجرةِ.

قالَ العصفورُ: لم أعلمْكَ شيئًا.

وكنتُ عن أكفٍّ تلوّحُ، عن الدموعِ،

أصبُّ قوالبَ من الضّجرِ واللعناتِ.

 أنا صانعُ عطورٍ، جزارُ الوردِ،

لستُ من دمٍ باردٍ؛

لكنّني أبكي كلَّ مَنْ مررْنَ بي،

 

في دمِ الوردِ.

كلّما مرّتْ بي

أسرابُ المسافرين في الغيبِ،

أهزُّ الشّجرةِ؛

فتتساقطُ جلودٌ كثيرةٌ،

وبقايا أرواحٍ على التّرابِ.

صارَ المساءُ طلعةً لكلِّ الغائبين.

 

 

مزحةٌ قربَ الخريفِ والرّوحِ.

صالحةٌ لأيِّ شيءٍ؛

كخفوتِ الضّوءِ،

لمحةِ ملاكٍ رفَّ جوارَ المدفأةِ.

الأوراقُ تتطايرُ،

الحبرُ يصنعُ دوّماتٍ مع الحيرةِ والفتنةِ.

الشاشاتُ البيضاءُ لا تكشفُ الكذبَ

ولا الأسرارَ التي تتعالى

كإيقاعِ موسيقى بدائيةٍ.

تنامُ وهي تصارعُ الوحشَ

الذي يلتهمُ معدتِها؛

كلّما برقتْ الكلماتُ في أفقِ التكنولوجيا.

 

كاذبةٌ كالوهنِ،

صادقةٌ كحشائشٍ مهملةٍ.

الخريفُ يعتصرُ جبهةَ العالمِ والمحيطِ،

فتزهو كنجمةٍ صباحيّةٍ.

ترقصُ في السّاعاتِ.

الكسلُ على حافّةِ السّريرِ،

يرنو للبهاءِ القرمزيِّ،

والأفكارُ عن الموتِ،

الحبِّ والسماءِ الممطرةِ بالخارجِ.

 

 

الحبُّ والحنانُ: الشّجرةُ تنمو بلا يدٍ.

عندما خرجنا من سياقِ الغابةِ؛

لم نكن مخضّرين؛ الحصارُ تراكمَ غبارًا.

مشينا صغيرين بقلبين يافعين،

وأصابعَ تلمُّ اليرقاتِ عن الصّباحِ.

مجازُ الفتنةِ في فمِكِ؛

يصنعُ دوائرَ من عطرٍ أخضرَ،

جمعنا سربَ الفراشِ عن شفتيكِ

وغنّينا.

أغنيةٌ خضراءٌ كانتْ أم بيضاءُ.

هل تذكرين؟!

الغابةُ تنصتُ،

 

هسيسُ أصابعِنا كان يربكُ الغابةَ؛

فتموجُ بالألوانِ.

قلتِ لي: أرسمْ الغابةَ على جدارِ قلبي.

لمّا فتحتُ صدرَكِ فتنتُ؛

كان ماءٌ أخضرُ يسيلُ من صدرِكِ

ويرقاتٌ فضيّةٌ.

 

 

عادتُنا: الحرمانُ، والغضبُ الأسودُ تحتَ الحافّةِ.

ارتبكْنا؛

اليدُ تسقطُ في حيّزِ الإسفلتِ.

صورةٌ قديمةٌ لامرأةٍ بالأبيضِ والأسودِ

تضعُ ساقًا على ساقٍ،

وتبتسمُ في حزنٍ خافتٍ.

طللْنا على المقهى من فوقِ التّلّة،

نهدرُ بحسِّ الرجولةِ والكلماتِ،

وضعنا وردةً في كوبِ الماءِ؛

فطارتْ النّساءُ حولنا كأيقوناتٍ

تنضحُ بالزيتِ.

تهاوينا بلا ندمٍ ولا جريرةٍ،

 

البحرُ قربَ الفجرِ،

أو الأرضُ تحتَ سيفِ الفوضي والمللِ.

نسفُّ الطّرقاتِ بملاعقَ من ليلٍ حالكٍ.

قلقُنا قربَ التّلّةِ،

أصابعُنا الملقاةُ بلا عنايةٍ،

طنينُ الذبابِ،

النّساءُ في التّنّوراتِ الستينيّة،

أربكتنا الصّورُ؛

حين جلسْنا كلُّنا

أوجهُ الرجلُ الذي سكنني قديمًا. 

 

 

الشّاشةُ البيضاءُ: الحلمُ، والمسافةُ.

تعبتُ صوبَ غابةِ النّخيلِ.

حلمتُ بامرأةٍ تهذي أو مخمورةٍ؛

تصرخُ في الرّجلِ

الذي يتلو على مسامعِها التّرّهاتِ.

العالمُ صاخبُ،

يدي الخَدرةِ من احتدامِ كواكبٍ

في النّومِ الطّويلِ.

بريقُ التّكنولوجيا في عينيَّ والإبرُ الصّينيةِ.

المسافةُ نصلٌ في ضلعي؛

كلّما تقلّبتُ في نومي غارَ في الدموعِ.

وأسمّي حبيبتي بحيرةً،

 

وهي تنامُ في الرُّبعِ الخالي كوَدَعَةٍ.

القواقعُ تخشخشُ في ثوبِ الرّيحِ؛

كغجريٍّ يقتنصُ البهجةَ قسرًا في السّاحةِ.

صارمًا في قلبي؛

أسعى بين بداياتِ الخريفِ ووداعةِ الطّريقِ،

الهواءُ الثّقيلُ برائحةِ اليودِ والحنينِ.

أصرخُ في قعرِ البئرِ؛

كروحٍ من العالمِ البائدِ،

وحيدًا بلا أعطالٍ ولا هواجسَ.    

 

 

سمْعنا الموسيقى؛ فطرْنا عن السّياجِ.

تلونا بلاطاتِ الشّارعِ بإيقاعٍ مرتَجلٍ.

كنّا ضاجّين بالحياةِ.

الموسيقى التي تسفُّ أرواحنا

أتتْ علينا مرّةً واحدةً.

قالَ أصغرُنا:

قلبي طارَ في غيمةِ القميصِ الأزرقِ.

ضحكنا؛

سحبْنا البحرَ من على الكرسيِّ؛

أعطيناه قليلاً من القهوةِ،

وجلسْنا تحتَ الشّجرةِ.

عالمٌ صالحٌ من: أيدٍ، هرواتٍ،

 

أجسادٍ ناعمةٍ، وغناء.

حدائقُ الأفيونِ و الكيمياءِ

في قمصانٍ رماديّةٍ مالحةٍ.

رمانا اللهُ في الحديقةِ الهائلةِ،

أعطانا قليلاً من الكلماتِ،

العيون الفاتنةِ،

وأصابعَ قرأْنَا بها بعضَنا؛

فحزنّا طويلاً،

وخرجنا من الحديقةِ منكسرينَ

وفرحينَ.

كنَّا ضاجّينَ بالحياةِ قبالةَ البحرِ،

الأحجارِ، والغناءِ الشّاهقِ.

 

 

الشّاعرُ ينمو في الحديقةِ؛ كالفُطرِ.

ابصرتْه يدُ اللهِ في الحديقةِ،

الشّجرةُ تهمي طمعًا.

مبتهجًا، وفارغًا

يغنّي فوقَ الحشائشِ،

يفتّشُ جسده عن تاريخٍ قديمٍ أو هواجسَ.

لم تكنْ الكلماتُ تمرُّ به،

يحسُّ ولا يتكلّمُ، يشيرُ هادئًا؛ فينالُ.

حتى تفجّرَ ضلعُه ذاتَ يومٍ؛

وقفزتْ منه الكلماتُ سمكًا ملوّنًا

وصارتْ تقافزُ حوله كالجداءِ.

هبطَ واديًا غيرِ ذي زرعٍ،

 

تلطمُ الصخورُ عقبيه والنّدمُ،

كلَّما غنّي، ابتعدتْ الجبالُ،

وفرّتْ الأوابدُ عنّه.

صرخَ: إلهي.. إلهي لم قتلتني.

الكلماتُ تزهرُ على فمِهِ

كالسّمكِ الميّتِ يقذفُهُ البحرُ،

وأنشوطته التي يلفُّها حولَ كلِّ حواءَ

تمرّ به.

وهو يجلسُ تحتَ الصّخرةِ

في وادٍ غير ذي زرعٍ ولا ماءٍ.

 

 

العالمُ على البابِ!!

حين أحببتُ،

رأيتُ الله.

كان الملاكُ

الذي كلّمني في قلبي يضحكُ؛

وهو يصوغ قلبي

ويصبُّه في قالبِ العشقِ.

قالَ لي: احذرْ،

الهوّةُ قريبةٌ جدًا.

ثمَّ غابَ

في سحابةِ الدّموعِ.

 

 

علمتْنا يا دربُ؛ فانهارتْ الجسورُ.

علمتْنا يا دربُ.

طويلاً مشيْنا،

واكبْنا عصورًا من المجاعةِ، الفوضى

والخرابِ.

غسلْنا أكفَّنا في النّهرِ أسفلَ الجُمَّيزةِ،

والتماسيحُ تبحثُ عن وليمةٍ.

صوتُ المجاعةِ في الأسوارِ العتيقةِ،

الجماجمُ التي تعلّقتْ

على صرخاتِ القادةِ نحيلةٌ،

الفئرانُ ترقصُ في الساحاتِ والشّوارعِ،

والرجالُ يحصدون أجسادَ إخوانِهم

 

المترهلةَ الصّفراءَ.

طويلاً مشيْنا بلا رادعٍ ولا بوصلةٍ،

بكيْنا، صرخنا.

الكهفُ يضيقُ برعبِنا،

صبرُنا استطالَ كلِحَانا ورموشِنا،

ونحن نختبرُ قوتَنا في الممرّ.

 

 

البحر في الصباح، السيارة في الوادي.

اليوم ليس كالبارحة.

خرجت من عشرين عاما فارغا،

لا علىّ و لا ليّ.

وعندما حاذيت البحر في الصباح؛

طارت العقارب من صدري،

وسقطت من شباك السيارة.

أخاف؛ نعم.

وأمضي بلا يد، ولا نصير.

الخريف في كوب العصير،

شهوة تضرب ترائبي

منذ استفقت على الحرائق، الندم،

 

والعاصفة.

لست ابن أحد؛

لكنّي ابن أمي

التي حملت في قناعها الأسود،

تحفة الحبّ والمرأة؛

أحبت صمتي

وغرائبية عيوني في النداء.

لا أثر لي على أجسادهن و البحر،

أصير ما أصير؛

ربّما حجرا، حجلا،

أو غيمة من الدم الأسود.

 

 

حدّقتُ في النّارِ؛ فطالنِي الحبُّ.

حدّقتُ في النّارِ؛ فطالني الحبُّ،

أسمعُ في قلبي هسيسَها،

وعلى كفِّي تطيرُ الألوانُ سحبًا من غبارٍ.

بعضٌ منِّي يذهبُ في الهجيرِ

والخوفِ من غابةِ الأسماءِ.

سمَّيتُ نفسي الشّجرةَ قربَ النّبعِ،

وأبي يرفعُ يدَهُ في وجهِ الشّجرةِ،

طالتْني أصابعُهُ الخشنةُ،

والفخاخُ التي زرعتُها على عتبةِ البيتِ،

سورةٌ من كتابٍ عريضٍ

عن الأبيضِ والأسودِ كبلتْني طويلاً. 

 

حدّقتُ في النّارِ،

أخذْتُ من كلِّ شئٍ؛

فآزرتني الطّيورُ،

والرّيحُ حطَّتْ رائحةَ الخريفِ

تحتَ النّافذةِ.

أبكتْني الأغنيةُ الوحيدةُ في المَمَرِّ؛

فنمْتُ.

 

 

الأغنيةُ ليستْ من دمٍ و لا أفولٍ.

الأغنيةُ من دمٍ، لا.

وليستْ من أفولٍ،

الصّباحُ زقزقةُ تكنولوجيا،

وخرافةُ البعدِ تنمو

أو تذوى كبندولِ السّاعةِ.

أخافُ المجازَ الذي قدْ يأخذُكِ

إلى حيزٍ أبيضَ،

أو أذرعِ رجالٍ كثرٍ؛

لا تكترثين لهم؛

فأصنعُ متاهةً من الكلماتِ

وأحبسُكِ فيها،

 

أشاهدُكِ شبقًا،

وأنتِ تعلقينَ في شراكي؛

كلَّما تملصتْ منها؛

تورطتي في الحبِّ أكثرَ.

أجلسُ في الليلِ أو نقيضِهِ،

في العدمِ أو حضورِكِ،

في العالمِ أو نقيضِهِ،

في الكلماتِ أو في الأغنيةِ،

في الخرابِ أو عينيكِ.

هل هذا البهاءُ من لحمٍ ودمٍ؟!!

الفكرةُ التي برقتْ في مخيِّلةِ العالمِ

عنكِ.

 

شاعر من مصر

كتبت هذه النصوص في خريف عام 2013 بمدينة العريش