تقديم:
هل كان كل من المشروع الشرق اوسطي الباكر والمشروع الوهابي يستهدفان الاسلام السنى في القرن التاسع عشر؟(1) والاحرى باكرا منذ ابن السوداء حتى محمد ابن عبد الوهاب وما يسمى الربيع العربي وتباعا؟ فان كان مشروع الشرق الاوسط علمانيا مجازا اي تخاتلا وتكاذبا فقد كان المشروع الوهابي تطهري تكفيري. وقياسا الم نجد نحن الشعوب العربية المناضلة ضد كل من المشروعين انفسنا سوى بين خندقين كلاهما باطل؟ لماذا وكيف انتفى-لأسباب عدة- توفر مناخ يقيض لنا نشوء شرط انتاج خندق يخصنا؟
هل انقشع الغموض عن تنوير جزيرة العرب؟
اجادل مجددا وبمغبة الاملال ان تأمل التنوير الغربي Western Enlightenment والنهضة Renaissance والمبدأ الانسانوي Humanism جيدا وبموضوعية وبعيدا عن سحر المزوقات اللامتناهية لمفردات قاموس الاستحواذ ييسر القول بان ما اسميته التنوير العباسي Abbasid Enlightenmentبقيت رواسبه قوية لتعود الى الظهور مجددا في القرن الثامن عشر في تنوير جزيرة العرب(2). `ذلك انه ان الف التنوير العباسي متمأسسا فوق فتنة خلق القرآن، سفر تكوين تنوير اوروبا الغربية فقد الف التنوير الاوربي الغربي- بوصفه ثورة مضادة على الكاثوليكية الغربية - بدوره سفر تكوين تنوير جزيرة العرب. ولعل تنوير الجزيرة العربية بهذا الوصف اي المشروع السلفي التطهري يعبر عن نفسه اليوم في ثورات مضادة تستبق الربيع العربي.
هل الحركات التنويرية التطهرية تكفيرية وثورات مضادة؟
أجادل قياسا أن الحركات العاصية للإسلام والمنشقة عن الإسلام السني الرسمي والإسلام الشعبي بهذا الوصف كانت- مثل تنويعاتها المسيحية الغربية التي انتحلت التعين على ما يسمى التنوير والمبدأ الانساني- كانت قد تلفعت بلا استثناء وتتلفع بعباءة التطهرية. وينبغي التنبه على حقيقة التطهرية هنا اي بمعناها المزوق وليس الحرفي. ولعل الالتباس الذي يعبر عن نفسه في اخذ الناس التطهرية بمعناها السطحي اي at face value. لذلك فمن المهم جدا التنبه على احبولة انتحال بعض الوهابيين الحنبلية بوصفها تعبير منته عن التطهرية الحقيقية، بمعنى الاعتصام بالصدق كل الصدق فيما يتصل بالنص والامانة في تفسيره زيادة على الترفع عن كل ما اتصل بالتزلم والنفعية والمخاتلة وخديعة الشعوب. واجادل ان محاولة الانتساب الى الامام بن حنبل لا تزيد عن تكريس الصاق تهمة حنبلية اختلقت لتصم بن حنبل بالتطهر غيلة- أي نسبة التطرف للإمام احمد ابن حنبل. الا ان ذلك الانتحال لا يزيد سوى ان يؤكد سفر تكوين الوهابية، بوصف الوهابية امتداد للفكر الاعتزالي. فقياسا على تقوى احمد ابن حنبل وولائه للإسلام السنى فان خروج المعتزلة وتنويعاتهم على مؤسسية العقيدة بغاية اختراق الاسلام السنى وتشويهه اكثر من اي شيء اخر، يبقيا امران متناقضان مما بحثت وكتبت فيه مليا في اكثر من دراسة صدر اخرها في مارس 2013 وتصدر دراسة تالية هذا العام 2014 باذن الله.
فقد الف بن حنبل واتباعه المخلصين من بعده نماذج باقية لمقاومة كل ما تعين على انصاف الحقائق واكاذيب الامبرياليات المشرقية والمغربية، بوصف الأخيرات تعبيرا عن جريمة منظمة وبخاصة على اواخر ايامها. وكان بن حنبل قد عاصر ازهي ايام العباسيين وكذلك ايام المعتزلة فسقوط الخلافة. وكان ذلك المجتمع قد انتج احمد بن حنبل والشافعي وبقية الائمة الاربعة. كما انتج الاخيرون فيما بينهم أكثر الأفكار سواسية واعتدالاً ورصانةً. الا ان معظمها لم يلق رواجا وقتها وبعضها لم ير النور حنى نهاية العصر العباسي. وقياسا فبقدر ما قد يكون ذلك العصر تنويعا باكرا من اكثر من ناحية على زماننا نموا ونكوصا وشخصيات من ابطال تاريخيين واشرار، بقدر ما قد يوفر لنا ذلك العصر تأمل تلك المرحلة وما غيرها من تاريخ المجتمع العربي الاسلامي بوصفه كان عصر تجارب فكرية وتنظيمية وتاريخية تنويرية مجازا وتكفيرية مثلما كان عهد افكار عظيمة قيضت للعالم جميعا ما صار اليه العالم اليوم. ولقد كان بعض تلك الافكار بانواعها قد بقي ايضا يعاد انتاجه فى كل مرة.
اعادة انتاج التغابن منذ ابن السوداء الى السلفيين الجدد:
عبر الفكر التكفيري عن نفسه منذ الايام الاولى للإسلام حتى الخلافات الاسلامية المشرقية والمغربية - أول ما عبر بصور منظمة مع فتنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لمشعلها اقدم الصهاينة قاطبة عبد الله بن سبا او ابن السوداء، ثم مع البيعة فنشوء الخوارج على عهد الأمويين، الى فتنة خلق القرآن على يدي المعتزلة على عهد الرأسمالية الحرفية الربوية، وصولا الى تنويعات المعتزلة المحدثة تباعا على عهد الرأسمالية المالية- الصهيونية العالمية. وازعم فورا ان رواسب فتنة خلق القرآن بقيت كامنة في مسام الاسلام السنى، وقد استدعت العديد من آليات تلك الفتنة في حركات اسلامية مهدوية او- وتطهرية بالمعنى المشبوه في منتصف القرن التاسع عشر. ولكم ان تتنبهوا على ان التطهرية Puritanism كانت غالبا تزويقا Euphemism للأصولية والتطرف. ويقيض الاخير لمعظم التكفيريين والجهاديين التدافع نحو ادعاء صون العقيدة الإسلامية بأصولية متطرفة وصولا الى الاقتتال بغاية احتواء او-واختراق السلطة والاحرى الاستيلاء عليها.
وتجد تنويعا واضحا على الاقتتال بغاية الاستيلاء على السلطة في اسباب مناصبة البنادقة الخارجين على البابوية وطوائف اليهود- وغير اليهود من النصارى- العداء للبابوية. وكان اخيرون قد راحوا يبادرون بما بات تباعا سفر تكوين الصهيونية العالمية الحديثة نسبيا. فقد كانت العداوة للكاثوليكية الغربية منذ بولص الرسول واختراق المسيحية الغربية بوصفها كانت صاحبة السلطة العليا والثروة في اوروبا الغربية حتى القرن الرابع والخامس عشر بداية العداء المنظم لكافة الاديان ومحاولة تشويهها بغاية يهودتها او-و محو هويتها. وكانت الغاية من وراء محو هوية الشعوب- وبعد ان تم شراء الحكام او-و الاستيلاء على السلطة فاحتكار الثورة خفية- هي تدمير حضارات وثقافات شعوب العالم لحساب الصهيونية العالمية، وخصما على ما عداها. وتحاول الصهيونية العالمية خلق شرط القضاء على شعوب كافة الحضارات وثقافاتها الخ او-و ادعاء ما لم يكن ممكنا تدميره- مما يتضح- بامعان النظر- كانت مغبة ذلك المشروع الغامض نشوء أهم عوامل سقوط الامبراطورية الرومانية كما حدث لكافة الامبراطوريات الشرقية والغربية اللاحقة وصولا الى الامبراطورية البريطانية فالامبراطورية الامريكية.
تدمير كل ما يدل على الشعوب ضغينة مبيته :
كانت دواعي تحور بمعنى تشوه الاديان بهذا المعنى ورواسبها- وقد تمأسس فوق المراكمة الرأسمالية المالية التي كانت قد بدأت منذ بات يوسف امينا على خزائن الارض –فقد باتت اهم اليات مراكمة الرأسمالية المالية حرية بان تغدو كامنة في مسام علاقة اعراب الشتات بالكاثوليكية الغربية تيسيرا لحلول البروتستانتية بوصف الاخيرة عقيدة المال. فقد راحت حركات مسيحية مشبوهة تنشط في تدمير الكاثوليكية الغربية، مثلها مثل غيرها من العقائد. وقياسا فقد انتشر ابان ما يسمى التنوير تحطيم المحاريب والتماثيل الكاثوليكية الغربية بدءا بعد هنري الثامن 1491- 1547 واليزابيث الأولى1533-1603- إلى تشالز الثانى 1630- 85 حيث راح "المؤمنون" التنويريون مدنيين وجنود يدمرون رموز الكاثوليك في كل مكان في أوربا وصولا إلى اعدام رموزهم واقامة المذابح لهم. وكان جنود الملك تشارلز الثاني يحطمون الكنائس الكاثوليكية الغربية.
فقد كانت تلك الطوائف تسخر من الرموز وتدنس المقدسات الكاثوليكية وكل ما كان يدل على الاخيرة. وكانت معظم الطوائف المنشقة على الكاثوليكية الغربية تتنكر لكافة القيم الكاثوليكية وكانت تلك الطوائف تبغض طواقم القيم المتصلة بالمقدسات والتراتب الاجتماعى بخاصة الارستقراطية الكلاسيكية التي كانت بعض تلك الطوائف تطرح نفسها بديلا لها, ذلك ان تلك لطوائف كانت تستدعي اجندة ميروتوقراطية داروينية. وقياسا ما ان سيس الخوارج والمعتزلة الاسلام استهدفت المساجد والرموز والمفدسات فاستبيح الاسلام وكل المقدسات. وحيث لم يعد الخوارج والمعتزلة وتنويعاتها السابقة واللاحقة يولون كل ما الفه الناس وما الفوه هم كما مهملا في افضل الشروط بل بات مجرما(مبني للمجهول) ومدعاة للتكفير فلم يعد الاسلام السياسي المعتزلي يكترث للمهن ولا يعطى أهمية تذكر للكلمة ولا للواقع ولا إلى قيمة الكلمة في تكريس الحقيقة
ولعل ذلك كان تنويعا باكرا على تدوير الكلام Spinوالتقية والفتاوي المضللة وكل ما كان يصدر عن المجاز الجهمي المعتزلي الذي ذكره الله تعالى باكرا ووصف المنافقين والمتقوين على كلم الله تعالى في كتابة بشأن الذين يلون السنتهم ويتقولون بالباطل على الله ورسوله، وكافة من اعتصم بالكبر والكرامة. وقد بقى بعضهم يقول في العلن شيئا ويقول شيئا اخر كلما خلى إلى نفسه نفاقا، ويرمي الشرفاء في عرضهم الاجتماعي وفي شرفهم الفكري والادبي والايديولوجي. والمهم هنا وفورا هو ملاحظة القياس البائن بين ما كان يفعله الكويكرز ونظائرهم وما ينعكس اليوم على ما يحدث مع الإسلام صبيجة الربيع العربي.
الربيع العربي والثورات المضادة:
اتخذت انتفاضات ما يسمى الربيع العربي الشعبية الموضوعية وتلك التي كان مقيضا لها ان تتحور سراعا نحو ثورات مضادة اكثر من وجهة. فان كانت ابرز واوضح مطالب الثورات الشعبية الموضوعية التاريخية العارمة الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة فلعل تلك الثورات كانت حرية بان تعبر عن نفسها افتراضا في تعالق شبه عضوي، فاتصال فكري وتنظيمي مع حركات التحرر الوطني وثورات التحرير المسلحة لستينات القرن العشرين. ولعل ذلك الافتراض كان حريا بان يدفع معظمنا الى الاحتفال بالربيع العربي بلا انتقاء احيانا وبلا تحفظ غالبا. فقد كان التوق للثورة على المظالم التي طالت قد طال واستطال حتى راح اولئك الذين نذروا انفسهم للاستهانة بالشعوب بل بالزراية بها يعلنون تلك الاستهانة والتصريح بتلك الزراية عبر مراكز البحوث المشبوهة، وعلى معظم الصحف وفوق شاشات القنوات الفضائية بلا حياء بل في احتفال صاخب ووقح.
فقد كانت تلك النخب قد هيأ لها انها كانت مجعولة ومفصلة تفصيلا حسب الطلب ومنتجة من اجل احداث "التغيير" ذلك المفهوم غير المفهوم المشبوه الملتبس الرافض للتعريف كغيره من مفردات قاموس الاستحواذ. كما ان معظمهم كان قد تعين على النيل من الشرفاء واغتيال شخصياتهم. ولكن حمدا لله فلم يعد ثمة من يأخذ عنهم القول. فكل من يعادي او-و يشهر بالشرفاء اصبح معروفا بانه اما جاهل مسطح والاحرى عميل ومتمول مأجور مرتشي وصهيوني بامتياز. فقد قيضت الهجمة الماثلة على الامة العربية والمسلمة وعلى ابنائها وبناتها من الرجال والنساء الشرفاء افتضاح امر خصوم الامة العربية وعملائهم جميعا مرة واحدة والى الابد، فشكرا للتكفيريين ومن الاخيرين شباب يدافع عن شيء يؤمن به ويدفع حياته ثمنا لذلك. وبغض النظر عن اختلافك معه يظل منهم قياسا من هو اشرف بكثير من بعض تلك النخب المتمولة المتزلمة وكلنا يعرف بعضهم حق المعرفة. ذلك ان تلك النخب الخائبة المفلس معظمها من كل اهمية وقيمة ناهيك عن الثقافة او الفكر ما تنفك تنذر نفسها في كل مرة لزعامة الثورات المضادة التي لا تجيد سوى معارضات فنادق الخمس والسبع نجوم والشتات. ويركض بعضهم وراء وزراء خارجية دول اعداء العرب والمسلمين ومن الاخيرين واهمهم امثال هيلاري كلينتون وجون كيري هم انفسهم من اعراب الشتات. فجون كيرى الامريكي افتراضا الكاثوليكى زعما هو مثل مادلين اولبرايت وغيرها كثر في الادارة الامريكية يهودي متنصر من اعضاء طائفة الاوباس دايOpus Dei ذلك ان غالبا ما يعتنق معظم الصهاينة المتنصرين -ومنهم بينجامين ديزائيلي الى مادرلين وجون كيري وروث كيللى وزيرة التربية في وزارة بلير الثالثة وبعض المحافظين الجدد عقيدة طائفة الاوباس داي، مع ان الصهاينة كانوا وما يبرحون يناصبون الكاثوليكية العداء. وينتحل أولئك الصهاينة كاثوليكية طائفة الاوباس دي وهي طائفة كاثوليكية متطرفة متساررة تشارف الكبالا Kabala مثلما يلاحظ عبر التاريخ المسكوت عنه. الا ان الامر بات معروفا تباعا.
ويرجع البعض طائفة القبالاه الى تنويعات طرق صوفية يهودية كانت قد ظهرت في القرن الرابع عشر والخامس عشر وبخاصة غب سقوط ممالك الاندلس، حيث كانت البغضاء الدينية وتعقب الغرماء قد تفاقمت مجددا، وانتشرت محاكم التفتيش. والكبالا ناد صغير مغلق لا يسمح بسوى عضوية جماعة معينة تدعى التطهرية والمثالية وأحيانا الثورية كالمحافظين الجدد، ويدعي الاخيرون انهم تروتسكيين يتعينون على اشعال الثورة بعدما يئسوا من خواء اليسار التقليدي. ومن وجهة ثانية فحيث قيضت معارضات المنافي والشتات سانحة مجددة للوصول الى المناصب المحتملة او على الاقل النية لحجز مقعد عند درجة كمتدربين السلطة عندما يعاد توزيع الغنائم، مثلهم مثل الخزر والاعراب الذين كانوا يلتحقون او يدعون الالتحاق بصفوف قوات الفتح على اواخر الفتوحات والتوسعات او-و يختلقون اسباب للغزوات فالغنائم. فقد كانت غاية بعض النخب والمتثاقفين وما تبرح هي التشارك في اقتسام المغانم. ومن هؤلاء أولئك الذين تراكضوا فالتحقوا انتهازا ووصولية وتهافتا على الصيت والغنى بالاحرى جهلا وتمولا- يكادون يقتلون انفسهم جريا وراء الانتماء الى جماعات لم يكن يهم ان كانت تلك الجماعات صهيونية او تكفيرية. فكل شيء جائز ومبرر تحت شعار المعارضة او-و الثورة المزعومة باسم الشعب. المهم ان ينضم معظم هؤلاء الى عضوية واحدة من فصائل المعارضات الخارجية امثال تلك التي نشأت مع ليل الثورات المضادة فيركبون موجة الثورة العالمية المضادة بخيلاء من اشعل ثورة باسم الشعب وهم الذين ينذرون انفسهم لخيانة ذلك الشعب الذي لا يعرفون عنه شيئا وبيع الشعوب لخصومها فتلك النخب وأولئك المتثاقفين هم وكانوا غالبا وسيلة أولئك الخصوم لخديعة الشعوب.
وقياسا فقد كانت تلك الوجهة لما يسمى الربيع العربي حرية بان تعبر عن نفسها بالنتيجة في ثورات عربية مضادة اتصل حبل سرتها بالضرورة بالثورة العالمية المضادة وقد اعاد النشوء المتسارع للرأسمالية المالية العالمية المتسيبة Promiscuous تلك انتاج اسباب ازدهار الصهيونية العالمية تحت شعار الجشع جميل وكل شيء جائز وعلى ما يرام . فقد غدت الصهيونية العالمية تعلن عن نفسها وخطابها وان بقيت تتستر على اجندتها الحقيقية بوصفها مشروع مالي لم يعد يكترث بالتلفع بعباءة عقيدة بعينها. ذلك انه ان باتت الصهيونية العالمية معولمة تستقطب كل من يعلن بلا تحفظ او حياء او-ويضمر في قلبه شعار الرأسمالية المالية بان الجشع جميل فلم يعد ثمة امر يذكر او ينشى في ان تكون صهيونيا. فلا بأس بالصهيونية وما الذي يدعو للتبرؤ من الصهيونية؟ وما هو العيب في الصهيونيةWhat is wrong with Zionism? حسب تصريح احد اتباع برنار هنري ليفي Bernard-Henry Livy (BHL) في أحد اوائل اجتماعات المجلس الوطني السوري بباريس.
استهداف الشرق الاوسط الجديد والوهابية للإسلام السنى:
المهم فورا هو ان الثورة المضادة المحلية والعالمية باتتا مشروعا مجددا غايته المجددة ضرب الاسلام السنى مجددا مثلما كانت غاية كافة مشاريع ضرب الاسلام السنى منذ عبد الله ابن سبأ او ابن السوداء الى مشروع محمد ابن عبد الوهاب. فالواقع ان كل من المشروع الشرق اوسطي الباكر .الفطير بهذا الوصف والمشروع الوهابي كانا يستهدفان الاسلام السنى منذ اكثر من قرن والا حرى باكرا منذ ابن السوداء حتى محمد ابن عبد الوهاب وما يسمى الربيع العربي وتباعا. ومن المفيد تذكر ان المشروع الوهابي لم يكن ليكتب له النجاح في منتصف القرن التاسع عشر الا بتأييد محمد ابن سعود وصولا الى ما يشارف الهيمنة في القرن العشرين فالواحد والعشرين، وبتأييد وتمويل وتدريب وتسليح بعض العناصر والجماعات الجهادية والتكفيرية التي تستدعي الوهابية السعودية وغير السعودية. فقد حقق المشروع الوهابي "انتشارا واسعا بعد أن تبناه محمد بن سعود كمذهب لحركته التي سرعان ما سيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية، بسبب الدعم المالي الكبير، إلى أن انتقلت أفكارها إلى بلدان أخرى، حيث تأثر بها بعض علماء مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان القريبة"(3).
بين محمد على ومحمد بن عبد الوهاب:
سيكون من غير الموضوعية اغفال مشروع اخر تساوق ومشروع الوهابيين السعوديين وهو ذلك الذي كان حريا بان يصدر عن علاقة محمد علي الكبير المعقدة بالاستانة ونزوعه نحو تكريس حكمة بغاية خلق شرط سلطة أسراتية وراثية، دعامتها مشاريع توسعية في جزيرة العرب والسودان وحتى في المكسيك تعاونا مع فرنسا في اخماد ثورة المكسيك. ولعله من المفيد تذكر ان الحروب المصرية العثمانية مع الوهابيين وحروب الاخيرين على الولايات العثمانية من العراق وبلاد الشام الى اليمن الخ طوال اعوام 1824-1832 وحرب اليونان 1829 كانت قد مهدت الى تمزيق الخلافة العثمانية، وصولا الى اتفاقية لندن 1832. وكان تمزيق الخلافة قد يسر غزو فرنسا للجزائر في 1830 وصولا الى اعلان الحماية على مصر وغيرها باتفاقية برلين 1878. وكان من مغبة تلك الحروب التي كانت بمثابة ربيع عربي والاحرى تمهيد لسايكس بيكو، عبورا بما سمى الثورة العربية الكبرى تكاذبا، تكريس شرط التدافع نحو افريقيا كما كان لها اهمية كبرى في اتصال النزوع الرأسمالي المالي- الصهيونية العالمية نحو ما يسمى الشرق الاوسط الكبير او الجديد. ولعله من المفيد ملاحظة ان الحروب الوهابية في جزيرة العرب وبلا د الشام والعراق على الاسلام السني، تحت راية صون الاسلام السنى والعودة به الى الاصول أو الى السلف الصالح، كانت تنويعا على حركة التنوير الاوربية الغربية التي كانت تدعو الى نقاوة وطهارة المسيحية بالعودة الى اصولها التطهرية. ولا يعنى التعريف الاجرائي operational concept للتطهرية كما ذكرنا في مكان اخر سوى الاصولية وغايتها تكفير كل من يجدف بتعاليمها هي.
تعددت الاسباب وسقوط الخلافة العثمانية واحد:
ظهرت الدعوة الوهابية في جزيرة العرب حوالي منتصف القرن الثامن عشر على يد زعيمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، نسبت إليه وسمي أتباعه وأنصاره الوهابيون. ويلاحظ انتشار الحركات المهدوية مثل السودانية والنيجيرية والايرانية عشية اطلالة القرن التاسع عشر. ومن المشوق ملاحظة ان الحركة الوهابية نشأت حوال نفس الوقت. المهم فورا يقول البعض ان الحرب الوهابية كانت وسيلة لتوطيد مركز محمد علي، كما أنها كانت سبيلا لرفع شأن مصر وإعلاء مكانتها، تمهيدا لان تتبوأ المركز الذي نالته منذئذ بين الدول. ذلك ان الغرض من الحرب المصرية الحجازية "انقاذ الحرمين الشريفين من حكم الوهابيين وتجديد ما بين الأمم الإسلامية من الصلات الأدبية والاقتصادية، وإعادة مناسك الحج وتأمين السبيل للحجاج الذين يأتون كل عام من مشارق الأرض ومغاربها"(4) .هذا ويعتقد البعض ان الوهابية مرة ومحمد على مرة اخرى تسببا في سقوط الخلاقة العثمانية. فما الذي حدث ولو تقريبا؟
رغم ان الوهابية تعرضت منذ ظهور حركتها للنقد من قبل كثير من علماء السنة - (حنابلة) و(أشاعرة مالكية وشافعية) و(ماتردية أحناف) كما يقول البعض(5). الا ان النقد لم يصل بين ظهور الوهابية مثلا وبداية نهاية البرجوازية الصناعية ونشوء الرأسمالية المالية او الصهيونية العالمية مما سنعرض له في الجزء الثاني. وقياسا يختلف المؤرخون حول سردية الحروب المصرية على عهد محمد علي وابنيه ابراهيم وطوسون ضد الوهابيين السعوديين. فالبعض يعزو تلك الحروب الى طموح محمد على ونزوعه نحو التوسع وصولا الى الاستيلاء على الأستانة. فان كانت ثمة ضغينة قديمة جدا على الأستانة -اسطنبول- بيزنطة-عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية- التي كانت قد سقطت للعرب في القرن الثالث عشر-خصما على الغرب المسيحي فقد تعين الغرب المسيحي مجددا على استعداء محمد علي على العثمانيين مستغلين طموح محمد علي للوصول الى الباب العالي. وكان من طموح محمد على ايضا انه كان يصبو الى ان يجعل من اسرته اسرة وراثية مثلها مثل اسلافها من الاسرات الوادي نيلية الأسراتية. ويزيد أولئك المؤرخين انه:
1 - ان تعطلت مراسم الحج السنوية اضطربت الأستانة من جهة اتساع دعوة الوهابيين واستيلائهم على الحرمين الشريفين ومنعهم الحجاج الذين لا يتبعون تعاليمهم من الحج، وانتصارهم على الولاة في العراق والشام، فاستنجدت الأستانة بمحمد علي باشا، وطلبت إليه محاربتهم، وكان نفوذهم في ذلك الحين قد بلغ أقصى مداه، ولم تجي سنة 1811 التي جهز فيها محمد علي جيشه لقتالهم حتى كان سلطانهم قد امتد من أقصى الجزيرة إلى أقصاها.
2 - ان محمد على كان–و قد تكشفت طموحاته لدى القوى الاوربية الغربية فقد راحت الاخيرة تحرضه على الامبراطورية العثمانية، مقابل وعده بتكريس سلطته لتغدو وراثية في اسرته. وقد بقيت بريطانيا وراء ذلك المشروع حيث ثابر تشيمبرلين رئيس وزراء بريطانيا على التواطؤ مع محمد على تشتيت قوى الخلاقة الاسلامية.
وكان رئيس المماليك عندما حكم مصر سنة 1763 قد سعى إلى الاستقلال والتخلص من الحكم العثماني وأعلن انفصاله عن الباب العالي فكان اول ما اولاه اهتمامه عزل الوالي وتجريد جيوشه على جزيرة العرب وفتح معظمها وبسط نفوذه على الحجاز، فاستحق اللقب الذي اسبغه عليه شريف مكة وهو "سلطان مصر وخاقان البحرين". وقياسا فقد خاض محمد علي غمار حرب امتد بها نفوذه على معظم جزيرة العرب، وما ان اضطربت الأحوال السياسية سنة 1840 اضطر محمد علي الى سحب جنوده. على انه من المفيد تذكر ان محمد على عاد فوجد ان في التوسع في جزيرة العرب فرصة للتخلص من طوائف الجنود الأرناءوط والدلاة الذين تعودوا التمرد والشغب مما ازداد معه طغيانهم وتمردهم، حتى صاروا خطرا على الأمن، وعقبة دون استقرار سلطة الحكومة عليه فقد غدت الحملة الوهابية خير سانحة انتهزها محمد علي ليقذف بتلك الطوائف المتمردة إلى الاصقاع النائية من جزيرة العرب، حتى يملك في غيابهم ادخال نظام جديد في الجيش المصري. فخلال الحملة الوهابية تمكن من محاولة ذلك الا ان الظروف لم تقيض له ذلك فأرجأ مشروعه إلى سنة 1820. والى ذلك كانت الحملة ذريعة لإطلاق يد الحكومة في فرض ما تشاء من الضرائب والإتاوات من غير أن يجد الشعب مسوغا للاعتراض عليها، فإن حجة محمد علي باشا فيما فرضه إثناء الحملة الوهابية من مختلف الضرائب والاتاوات الفادحة أن الحكومة في حاجة إلى المال لإنفاقه على حرب مقدسة، ترمي إلى استرداد الحرمين الشريفين وتأمين سبيل الحج، فهي من هذه الناحية جهاد مفروض وكذلك الانفاق عليها.
وهناك من المؤرخين من يزعم ان محمد على كان عازفا عن محاربة الوهابيين السعوديين لبعد ارض المعركة ووعورة الطريق الى جزيرة العرب ذلك ان الحرب الحجازية كانت من أشق الحروب وأطولها مدى ومن أكثرها ضحايا ومتاعب، فقد جردت مصر خلالها حملات عدة مكلفة ماديا وبشريا. وكان ذلك جراء المسافات المترامية بين الفيافي والقفار، وشدة القيظ، إلى قلة المؤونة وندرة المياه وفقدانها في معظم الجهات، إلى محاربة عدو مستبسل بذلك النفس والنفيس دفاعا عن وطنه. فقد تحملت مصر في الحرب الوهابية خسائر جسيمة، ويتساءل المرء عما دفع محمد على الى تلك الحروب مع فداحة الخسائر التي منى بها وما اقتضته من الجهود والضحايا، واحتمال أعبائها سنوات عدة متوالية بلا هوادة ومن غير أن يتردد في بل كان كلما أخفقت حملة جرد الأخرى حتى بلغ النصر والظفر؟
يتبع الجزء الثاني
هوامش وشرح على المتون
(1) بمناسبة مرور 3 سنوات على الربيع اوالحريق العربي وكل عام والعرب واوطانهم من ام الدنيا الى سوريا التاريخ الجيلل وتونس الخضراء واليمن السعيد وليبيا العزيزة علينا وانتم جميعا بالف خير.
(2) لمصلحة القارئ الذي لم يقيض له متابعة هذه الفرضية نقول ان كل من التنوير the Enlightenment والمبدأ الانسانويي Humanism الغربي كانا قد تساوقا فى القرن الخامس والسادس عشر وتداعيات سقوط الاندلس وبداية الهجمة المنظمة على الخلافة العثمانية ضغينه على الخلافات الاسلامية ومغبة سقوط القسطنطينة للمسلمين فى 1453الخ. فقد كان التنوير بريادة وتحريض الطوائف البروتسانتية protestant-فالف حركة احتجاج اي عصيان لمؤسسية العقيدة تحت الوية صون طهارة العقيدة ونقائها بالعودة الى الاصول او السلف. وقياسا فقد كانت الجماعات المشبوهة التى قادت التنوير العباسي قد عبرت عن نفسها فى الخروج على مؤسسية الخلافة الرشيدية (الاسراتية لهارون الرشيد وليس الراشدين) وعلى عقيدة الاسلام السنى. وكان على رأس تلك الجماعات تنويعات الجهميين فالمعتزلة خاصة. فقد كان الاخيرون وجماعات بعينها-اتعرف عليها على مر التاريخ غير المكتوب صراحة.
(3) انظر(ي) الوهّابية السّعودية وديمقراطية الكهوف: مصجطفى قطبي عن Site http://naceur56.maktoobblog.com/ على الشبكة
(4) انظر(ي) مصطفى قطبي الذي اشكره وكذلك انظر(ي) وكيبيديا الوهابية على الشبكة
(5) ومن نقاد الوهابية اعلام مثل سليمان بن عبد الوهاب الحنبلي أخو محمد بن عبد الوهاب في كتابه "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية"، وأحمد زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة في كتبه "فتنة الوهابية" و"الدرر السنية في الرد على الوهابية"، وابن عابدين الحنفي، والصاوي المالكي صاحب الحاشية على تفسير الجلالين انظر(ي) الشبكة