تمهيد:
(هناك مثل يهودي يقول: الإنسان يفكر، والإله يضحك (.) ويطيب لي أن أفكر أن فن الرواية قد جاء إلى العالم صدى لضحك الإله، ولكن لم يضحك الإله أثناء رؤيته الإنسان، الذي يفكر؟ لأن الإنسان يفكّر والحقيقة تفلتُ منه. لأنه بقدر ما يفكر البشر بقدر ما يبتعد فكر الواحد عن فكر الآخر. وأخيرا لأن الإنسان لا يكون أبدا ما يفكر به أنه كينونته. ولم يكتشف هذا الوضع الأصولي للإنسان الخارج من العصور الوسطى إلا في فجر الأزمنة الحديثة: دون كيشوت يفكر، وسانشو يفكر، ومع ذلك فلا تفلت منهما حقيقة العالم فحسب بل تفلت منهما كذلك حقيقة الأنا الخاصة بهما. وقد رأى وأدرك أوائل الروائيين الأوربيين هذا الوضع الجديد للإنسان وأسسوا عليه فنا جديدا هو فن الرواية)[1] لعلنا ندرك من فكرة كونديرا هذه، الشأن الذي يضعه أمام أهمية فن الرواية، كونه انفلاتا على حقيقة العالم وحقيقة الذات. إنها من مراتب قدرات التفكير الممزوج بالمخيلة، وإعمال طاقة الخيال يعتبر أيضا قدرة تفكيرية ستُخرج مخزون الرائي سواء عنينا بذلك الكاتب بطرفه الواقعي أو الراوي المتخيل، أو شخصيات الرواية التي ستشير حتما إلى رؤية الرائي وزمنه وعصره.
الكتابة النسائية:
شهد النصف الثاني من القرن العشرين تحولا كبيرا في الكتابة النسائية، واكتظت الساحة الأدبية والعربية بعشرات الكاتبات في القصة والرواية والمقالة والشعر، وازداد اهتمام النقاد بهن وأفردوا صفحات لإبداعهن، وبرزت من بينهن روائيات طرحن مفاهيم في أعمالهن، ورفض ثقافة العيب السائدة وقيود السلطة الأبوية، واخترقن معظم التابوهات، وأثرن في كتاباتهن هموم المرأة وقضاياها، ومنهن من أتقنَ وامتلكن لغة أجنبية، فكتبن بها، واستطعن الانفتاح على المجتمعات الأخرى.[2] وهذا يجرنا إلى إعادة طرح الدكتورة رجاء بن سلامة حول الكتابة والاختلاف:
من يكون (الراوي) سوى الكاتب وقد برح موقعه؟ هل الكتابة الإبداعية سوى اختلاف مستمر وعدم تطابق أبدي؟ ألا تبدع الكتابة كائنا آخر، لعله بالفعل (لا هو رجل ولا امرأة)؟، وتبعا لذلك هل يمكن أن نتكلم عن (كتابة نسائية)، وأن نتحدث عن (الاختلاف) بين المرأة الكاتبة والرجل الكاتب دون أن نقع في فخّ الاقتصار على فهم سطحي تقليدي للاختلاف يجعله مجرد تنوّع ؟ هل النّصّ امتداد لصاحبه أم طفرة؟ من صنيعة الآخر: النّصّ أم كاتبه، أم كلّ صنيعة الآخر؟ أليس تبادل المواقع أهم من المواقع في هذا المجال؟.)[3] الأسئلة السابقة المطروحة على النص الروائي، كمادة إبداعية اشترك الرجل والمرأة فيه، وبالتالي هو يشي باختلاف إنساني لما يدور في مجتمع يسوده الرجل، أو مجتمع تسيطر عليه المرأة داخليا وإن هُمشت في خارجه. والطموح للناقدة من خلال إثارة أسئلتها الوجودية في الرواية والكتابة بشكل خاص، إيجاد مفهوم موحد يخرج من مفهوم الإنتاج الروائي نفسه، من ذلك مزج الأدوار والضمائر بين الكاتب ومادة إبداعه.
أما الكاتبة بثينة عثمان فتفسر هذا الاختلاف في الكتابة والإبداع بأنه اختلاف طبيعي باختلاف طبيعة الرجل والمرأة فكل منهما وليد لظروف تاريخية واجتماعية وسياسية مختلفة أو تؤثر عليه بشكل مختلف عن الآخر. هذا الاختلاف يكمن ذاته بين مجتمع الكاتب الرجل فليس كل الكتاب بذات الفكر أو الوعي أو الموهبة أو الغزارة في الإنتاج، قس على ذلك اختلاف الكتابة بين المرأة وجنسها باختلاف ظروف العيش والوعي بالتحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية (المشكلة هي أن الرجال والنساء يكتبون بشكل مختلف لأنهم مخلوقات تحمل تجارب تاريخية ونفسية وثقافية مختلفة، مثلما يكتب الاستراليون والأفريقيون بشكل مختلف حتى ولو كانوا يكتبون باللغة نفسها. وهذا لا يعني طبعا أن النساء يكتبن بالطريقة نفسها، أو أن جميع الرجال يكتبون بالطريقة نفسه، ولكن هناك خصائص عامة يحتمل وجودها في كتابة النساء أكثر من كتابات الرجال، وميزات أخرى تميز كتابات الرجال أكثر من كتابات النساء. ويجب أن لا يجري تفضيل أيّ منهما، بسبب جنس الكاتب)[4].
أما الروائية نوال السعداوي فتقول أن القيود على المرأة هي قيود لا متناهية بتجلياتها المختلفة الاجتماعية من عادات وتقاليد وبيئة وتعاليم والزواج والأسرة وقوانين، فإذا جاءت المبدعة بطاقة على الإفلات من كل هذا،فسوف تصطدم في قيد الرجل الناقد أو الناشر أو التجاهل الإعلامي وهي أزمة الكاتبة المبدعة. (إذا أفلتت المرأة من قيود التربية والتعليم والأسرة والزواج وبدأت تبدع وتنشر إبداعها على الناس، فإنها تواجه بالعديد من المخاطر والعقوبات التي قد تدفعها دفعا إلى التوقف عن الإبداع.)[5] لكن السؤال البديهي الذي نسأله اعتباطا لماذا ترغب المرأة أن تكتب وتبدع خصوصا السرد أي الرواية؟ وقد تتبادر إلى الأذهان الكثير من الإجابات المنطقية وغير المنطقية ولنقترح مثالا على الرؤية العامة لهذا الموضوع: (ومن هنا فإن المرأة في روايتها تشتغل وفق خطاب مسبق يملي عليها تراكمات من جدل العلاقة بين الرجل والمرأة. فالرجل هو المهيمن في السياسة والمجتمع، حتى بلغ الأمر في بعض الخصوصيات الثقافية إلى إقصاء هوية المرأة.)[6]
وهو رأي لا ننكر جديته، لكني أطرح وجهة نظر الباحثة ألفة يوسف لاختلافه عن المطروح: (أتكون كتابة المرأة عموما وكتابتها الرّواية خصوصا اشتهاء لموضوع يمتلكه الرجل رمزيا أو ربّما عند البعض امتلكه الرجال تاريخيا؟ ويبدو أن اشتهاءنا أيّ موضوع يمتلكه الآخر ليس اشتهاء محضا بل اشتهاء لا واعيا لمتعة مفترضة يحققها ذلك الموضوع للآخر. ألا نرى الطفل- ذلك الذي لم تقو رقابته الاجتماعية بعد – يفتك من أخيه لعبة لا لأنه يشتهيها في ذاتها ولكن لأنه يتصور أنها تُمتع أخاه (.) هل تطلب المرأة القهوة؟ وهل تكتب المرأة الرّواية لتتمتع بما تتصور أنه أمتع الرجل عبر التاريخ؟ هل تكتب المرأة مشتهية موضوع الرجل؟ هل تصرح بعض النساء بأنه لا فرق بين كتابة الرّجل وكتابة المرأة سعيا نحو امتلاك القلم الذي هو صنو رمزي للقضيب يخطّ على الورق كلمات تنتسب إلى الكاتب؟ هل تكتب المرأة لتعارض الجاحظ الذي يرى - أن كلام الرجل أعز عليه من أبنائه- فيكون كلام المرأة أعز عليها من أبنائها، وتستطيع المرأة أخيرا أن تنسب إليها قولا هو ابن يحمل اسمها خلافا للابن الذي لا ينتسب إليها؟.
ألا تكتشف المرأة في أقصى الكتابة أن موضع الذكوري المتكلم الكاتب لا يجيبها عن سؤال ذاتها، فتنشئ كلاما مختلفا يحاول أن يكتب الأنوثة؟ هل من الصدفة أن تكون أكثر الشخصيات الأساسية في روايات المرأة نساء وأن يعمدن جلهن إلى ضمير المتكلم . ألا تكتشف المرأة في أقصى الكتابة جرح الأنوثة الأصلي وهو أن موضع المرأة الأصلي ليس بإزاء الرجل بل بإزاء ما يسمى المرأة الأخرى تلك التي من المفروض أن تمتلك سمات الأنوثة المثالية)[7] وتفسر الباحثة رشيدة بنمسعود رفض بعض المبدعات لمصطلح (الأدب النسائي)، بالرغبة في انتحال موقع الرجل، والهروب من صفة الدونية التي يمكن أن ينعت بها أدبهن. وتكرر أن هذا الوضع الاستلابي قد جعل المرأة تتخلى عن قضيتها،وتتنازل عن الدفاع عن خصوصيتها في الكتابة المختلفة كحق طبيعي. والسبب في ذلك يعود إلى الواقع الحضاري العام المتميز بهيمنة الأيدلوجية الذكورية، وطبيعة المجتمع العربي البنيوية التي أعطت الرجل صلاحية قراءة التاريخ على حساب المرأة)[8]
وهذا ما أكدته في مقالتها (أقنعة الكتابة النسائية) بأن المرأة المبدعة قد احتمت عبر تاريخها الطويل بالكتابة من أجل مقاومة الإقصاء والقمع وإيديولوجية الصمت متوسلة بأشكال مختلفة[9]
الرواية في البحرين:
بشكل عام بدأت الرواية الخليجية، والبحرينية بوجه خاص في التشكل في فترة حديثة نسبيا، يتفق عليها الباحثون وهي منتصف القرن العشرين، يؤرخ لها الباحث المحادين أن أكثر الروايات ظهرت في المملكة العربية السعودية وبعدها الكويت والبحرين فبقية الأقطار الخليجية.[10] ويرى الباحث فهد حسين أن الرواية في البحرين تأخرت في الصدور بسبب عوامل فنية الشكل؛ لأن الفن الروائي يحتاج إلى تقنيات أكثر عمقا من الفن القصصي[11]. هذا ما يؤكده الدكتور إبراهيم غلوم في أوائل الدراسات النقدية لأدب القصة في الخليج أن القصة والرواية بشكل خاص لن تبرز في هذه المنطقة إلا وفق شروط معينة في قوله: (لعل هذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن فن القصة لم يكن لينشأ ويبرز في مجتمع البحرين والكويت ما لم يشهد هذا المجتمع تطورا أو تغيرا في شبكة العلاقات القائمة في الحياة العامة بين الناس وما لم تتخلق في باطنه نطف كثيرة من عناصر الدراما التي تتوغل بها التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية نحو طبيعة الإنسان في الخليج العربي فتحدد سماته الإنسانية والفكرية وتجس نبض حياته وتصعد بها في سبيل رسم هوية هذا الإنسان العربي وصياغة ميوله وأهوائه ومعتقداته وتطلعاته أمام مواجهات الواقع وأزماته المستمرة.)[12].
بينما يرى الباحث منصور سرحان أن القصة والرواية مرت بثلاث مراحل:
· مرحلة الصحافة وإبراز الكتابة القصصية عبر الصحافة المحلية وذلك عبر فترة الأربعينات.
· مرحلة الخمسينات اعتبرها بداية تكوين القصة الحديثة بمقوماتها الفنية .
· مرحلة الستينات والسبعينات تطور القصة وبداية نشرها.[13]
والباحث البحريني فهد حسين يرى أن عقد الثمانينات من القرن العشرين كما قلنا سابقا يمثل النشأة الحقيقية للرواية البحرينية؛ حيث صدرت أول رواية بحرينية للكاتب محمد عبدالملك سنة 1981م،- ويقصد بذلك رواية الجذوة-[14] ؛ بينما نجد من خلال مراجعة إصدارات الروائي محمد عبدالملك أن رواية الجذوة صدرت 1980و جاءت إصدارات الكتاب البحرينيين كالتالي:
· رواية اللآليء للروائي عبدالله خليفة هي ثاني رواية بحرينية عام 1981،
· تلتها رواية أمين صالح (أغنية ألف صاد الأولى) عام1982،
· وأيضا رواية القرصان والمدينة لعبدالله خليفة بتاريخ 1982م.
· تلتها للكاتب نفسه رواية الهيرات 1983م.
· ثم فوزية رشيد كتجربة أولى للرواية النسائية عام 1983م[15]
التي يذيل تأريخها- بغرابة في الطرح - الباحث منصور سرحان بقوله (وتعد هذه الرواية إحدى أول روايتين صدرتا في البحرين في إطار الحركة الأدبية المحلية المعاصرة)[16] والجلي مما سبق نفي هذا الطرح. وإذا كان الباحث يؤرخ لأول قصة قصيرة نسائية بحرينية عام 1979م لنورة الشيراوي وهي قصة للأطفال بعنوان (تراب الصفاة)[17] والتي تلتها مجموعات قصصية لقاصات عبر مشهد الثمانينات والتسعينات، فإن أول رواية نسائية بحرينية تنشر على الساحة البحرينية هي رواية الحصار وذلك عام 1983م للروائية فوزية رشيد التي تبدأ في تأريخ الكتابة نسائية بل وتتوقف حكرا عليها بمنطوق مقومات الرواية الحديثة،وقد أدرجت هذه الرواية ضمن أهم مائة رواية عربية خلال مائة عام في استفتاء شامل أجراه اتحاد الكتاب في مصر وسوريا واختيرت لترجمتها إلى ست لغات حيّة. وبين الرواية الأولى والثانية مسافة ليست بالقليلة زمنيا فقد أصدرت عام 1990م روايتها الثانية وهي الثانية أيضا على مستوى الكتابة نسائية بشكل عام تحت عنوان (تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة) وبينهما كانت مجموعاتها القصصية القصيرة التي شكلت الكثير من الوعي تجاه المسألة الأنثوية والإبداع.
تأتي الرواية الثالثة لها بعد عشر سنوات عن دار الهلال بالقاهرة عام 2000م
لا كما ذكرها الباحث منصور سرحان في كتابه بعام 2006م.[18]
كما صدر لكاتبات هن بعيدات نوعا ما عن الساحة الأدبية حضورا عمل روائي واحد، وقد صعب علينا العثور على نتاج بعضهن، منها:
1. حصة جمعة الكعبي رواية (شجن بنت القدر الحزين) عام 1992م، وهي كما يصفها الباحث تتحدث عن فتاة تسمي نفسها شجن للهروب من سلطة العائلة والزواج بمن تريده بعد إرغامها على الزواج والفشل فيه.
2. ليلى حسن الصقر رواية (بدرية تحت الشمس) عام 1997م تتحدث عن البحرين أيام زمان.
3. فتحية ناصر رواية (الحجابان) عام 2004م حول الحجاب كظاهرة اجتماعية في المجتمع البحريني.[19]
4. منيرة سوار رواية (نساء المتعة) عام 2008م.
اتجاهات الرواية الخليجية:
(بناء على تأثر الكتاب في البحرين بالمدرسة الواقعية، حاولوا جعل الأثر الأدبي ذا صلة وثيقة بالواقع المعيش، ومعالجته في ضوء الرؤية الفكرية والتوجهات التي كان يحملها هذا الكاتب أو ذاك من خلال الكتابات القصصية أو الروائية،)[20] ويضيف الروائي البحريني فريد رمضان: (لقد سعت الرواية البحرينية مثلها مثل الرواية العربية بشكل عام إلى محاولة الوقوف على موضوع تحرر المرأة من خلال تحرر الرجل. يبقى إلى أي مدى نجحت في تحقيق ذلك، فالظلم الاجتماعي والعاطفي يهيمن على الاثنين عبر سلطة الدين والمجتمع، وعلاقة كل هذا بدور الوعي المتحقق في ظل هيمنة السلطة على الموارد الاقتصادية وسطوة المجتمع الريعي في بلورة إنسان متحرر فكريا واجتماعيا وعاطفيا، لذلك دائما ما نجد الرجل في الرواية العربية يسعى للخروج عن الخلاص الأبدي، وكذلك تفعل المرأة في خروجها من مأزقها الخاص، وسجنها الأكبر)[21]
من خلال القولين نجد أن اتجاه الرواية البحرينية بشكل عام قد أخذ عدة قضايا وتوجهات، خاصة وهي تتشكل بشكل قوي في فترة الثمانينات وهي فترة كانت خصبة بتوجهات سياسية واجتماعية تأسست في العقدين السابقين وكونت جيلا واعيا لهذه المبادئ، فكان لابد من أن تحمل الرواية هذه الإرهاصات التحررية والفكرية بكل توجهاتها، لذا فقد انسحبت الرواية إلى تدوين فترة الاحتلال الانجليزي ومقاومة الشعب له، وأيضا أبرز التوجهات الفكرية والسياسية آنذاك.
ولم يقف الروائي البحريني بشكل عام على نمط واحد من أنماط الحياة البحرينية، بل رأينا اختلاف الطرح والرؤية عند الروائيين فحين لزم البعض الشكل الواقعي المحض، تناول البعض تقنية تتداخل الصورة الشعرية والمتخيل الروائي، واستمد البعض من التاريخ رؤيته الخاصة للأحداث الآنية، أضف إلى من جعل مفهوم الهوية البحرينية رؤية طاغية في معظم رواياته. وعند الرجوع إلى ما طرحه الكاتب فريد رمضان بتساوي الظلم الواقع على الجنسين من قبل سلطة الدين والمجتمع بواقعه الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تساوي الاثنين في محاولة قهر هذا الواقع والخروج من تبعيته بوعي إبداعي. والسؤال المطروح من خلال هذا القول الذي بطبيعة الحال لا ننكر فيه لفتته الإنسانية العالية، وذلك في نظرته إلى المرأة ككيان إنساني بحت تتساوى معه في كل الظروف الخارجية الواقعة عليه. و مع ذلك هل حقا تتساوى قضايا الظلم والقهر الديني والاجتماعي والسياسي بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا؟ هل معاناة الرجل المبدع عينا هي معاناة المرأة المبدعة؟ هل الرفض والتصدي، بل الترصد لكل كلمة تخرج من قلم المرأة، حتى يصل أحيانا لشن الهجوم على حياتها الشخصية هو ذات الترصد والهجوم بالنسبة للرجل؟!
هذه الأسئلة هي المدخل لنظرة الكاتبة المبدعة لواقعها من خلال إبداعها ربما ترصد لنا إجابات حولها. وفي العموم نرى أن الناقدة ألفة يوسف تجد أن كتابة المرأة متنازعة بين توجهين: أحدهما الوصول إلى موقع الرجل والإحلال،ثم الوصول إلى المرأة المثالية؛ وعليه تجد أن كتابة الأنثى لن تخلو من صورتي المرأة المقهورة، والمرأة الثائرة والمناضلة- وحتى هذا المصطلح واقعا أقصد المرأة المناضلة يحتاج إلى توضيح لاحق_ (بين اثنين شوق وهمي إلى موضع الذكوري وشوق فعلي إلى الأنثى الكاملة المفترضة تكتب المرأة، فكيف تكتب المرأة؟ تكتب المرأةُ المرأة بين حقلين دلاليين أثنين كبيرين هما المرأة الخاضعة المقهورة من جهة والمرأة الثائرة من جهة ثانية)[22] وبوجه عام من خلال رصد بعض إبداعات الكاتبات الروائيات البحرينيات نجد النموذج النسائي طاغيا بوجه عام، وينحصر في الحقلين السابقين: المرأة المقهورة وهو الغالب، والمرأة الثائرة.
1- المرأة المقهورة:
توزعت من خلال الأعمال الروائية نموذج المرأة النمطية التي تمثل الخضوع لسلطة الرجل ومفاهيمه، وقد تمثل هذا القهر بمراحل مختلفة من عمر المرأة: طفلة أم زوجة أم كونها أما. كذلك تنوعت أشكال القهر من قبل الرجل والمجتمع:
· قهر الزوج لزهراء من خلال الضرب و إهانتها بالكلام البذيء (وما كادت تخطو بقدمها داخل الشقة، حتى فوجئت بكفه تنهال على صدغها.! لم يكتف بذلك، بل جرا من حجابا وألقى بجسدها على الأريكة وهو يزمجر بأعلى صوته. إن المومسات هن فقط من يقبلن على أنفسهن التسامر والضحك مع رجال أغراب في الشارع، وأنا لم أعرف إنني متزوج من مومس إلا اليوم!)[23]. وكذلك تتكرر سمة الضرب وكأنها حق عرفي اكتسبه الرجل تجاه المرأة لتهذيبها ! كما نرى في شخصية بدرية (شدّ علي بدرية من ذراعها بعنف . لطمها بالجدار (.) تمتزج الصفعات بالركلات (لماذا . لماذا يا علي)[24]
· استغلال الرجل للقانون والسلطة المخولة له من أجل قهر المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها وهي الزواج مرة أخرى من غيره. (لم يتم طلاقها بسهولة بعد ذلك!. فقد أذاق على المر لها ولأشقائها. حتى أنهم لم يصدقوا كيف استطاعت شقيقتهم معاشرته كل هذه السنوات، وهو الذي كان أمامهم للحمل الوديع أقرب! لم يطلقها بعد ذلك إلا بعد أن أقسم لها بأنها لن تعاشر رجلاً آخر بعده. وإلا فإن مصيرها سيكون بحرمانها من ابنتها إلى الأبد!.)[25] الزوجة الخاضعة، النمطية المغلوبة على أمرها حيث الأعمال اليومية لمنزل الأسرة الممتدة، فيقع العبء كله على الزوجة الصغيرة: (ومع شروق الشمس الملتهبة. الذائبة في صدر السماء تحلب بدرية النعاج. ثم تغسل ثيابها في العين. وتغسل كيانها معها وهي توشوشها بأسى. وتعود يخفي حنين تلملم الأخشاب لتشعل النار وتطهو الواقع المر مع الأرز في قدرها. وتستند على الجدار وراء الرحى. كما كانت أمها لتطحن الحب. وخطوات علي تبتر أفكار بدرية لترفع رأسها الملطخ بالغبار في قامته الفارعة وهي يبحلق فيها يصرخ: كم أتمنى أن أدخل البيت مرة ولا أراك تكنسين!! ألا تتعبين؟! مللت من رؤيتك ملطخة بالغبار.
فتطرق بدرية برأسها بأسى وعلى وجهها ابتسامة مسكينة. مقهورة. كسيرة. وعلي يتكيء بجسده على الجدار وهو يمسح يديه المبللتين في ثوبه ويعبث بشاربه. ويقول بغضب ساخط: لعنة الله عليك يا ابنة عيسى. أنا منهك. جائع وأنت تكنسين الأرض. أيهما الأهم أنا أم الأرض؟!)[26]
قهر المرأة وحرمانها من التعليم، إما سابقا حيث أن التعليم محتكرا على الرجل فقط، كما نرى في شخصية بدرية (استجمعت بدرية شتاتها وتمتمت كأنها تفجر إعصارا: لو بقت الدودة في شرنقتها لما أضحت فراشة. يجب أن تهرب منها قبل أن تضحى كفناً لها.ـ ماذا تقصدين؟!
هتفت بدرية بوجل قبل أن تهرب الكلمات من حلقها: لماذا لا أذهب للمدرسة؟! إني أريد تعلم كل شيء. كل شيء.
ضحك جمعة حتى اهتز جسده النحيل فاستلقى على ظهره مجيباً: أنت بنت. والبنت مكانها البيت . رفعت بدرية رأسها بحذر وهي تقول بتردد: ولكني يا أخي أريد أن أتعلم في المدرسة! رد جمعة بحنق: عيب . عيب يا بدرية. هل جننت؟! اصمتي لئلا تقطع أمي لسانك ويواريك أبي بالتراب) [27] فهي بهذا تطرح رؤية سابقة كون المرأة مصيرها للبيت فقط وخدمة الأهل والزوج. بينما ما طرحته نساء المتعة في شخصية دلال وهي شخصية حديثة عدا عن كون المرأة مصيرها للزواج، مسألة منع اختلاط المرأة بمجتمع الرجال، وكذلك هو عدم التكافؤ بين الرجل المسيطر الأخ مع البنت فهو خريج ثانوية فقط، مما يقلل فرص السيطرة، وإمكانية استقلالها اقتصاديا (وقد صدق حدسها. فعندما تخرجت من الثانوية. فاتحت شقيقها الأكبر برغبتها في الالتحاق بالجامعة. فما كان منه إلا أن أجابها بقوله. لم يدخل أحد منا الجامعة، جميعنا عملنا بشهادتنا الثانوية، وأنت بالذات لست في حاجة إلى الدراسة ولا حتى للعمل. من الأفضل أن تجلسي في البيت حتى ييسر الله لك أمرك وتتزوجي أسوة بشقيقاتك!)[28].
· سيطرة الأخ داخل الأسرة: نرى أن العرف الاجتماعي يترك للرجل سيطرة واسعة وممتدة منذ طفولته على أخواته برغم أنهن يكبرنه سنا، بل قد تقع الأم أيضا تحت سيطرته:(كبرت وهي غير مقتنعة بكثير من الأمور التي كان يلزمها بها أبويها وأشقائها، حتى شقيقها الذي يصغرها بأربعة أعوام كان يعتبر بمثابة ولي أمرها. فله الحق في محاسبتها لو تأخرت عن العودة إلى البيت. أو أطالت حديثها على الهاتف. أو حتى تلفظت بما لا يعجبه!. لم تكن سعيدة ببيئتها ولا فخورة بها، إلا أنها كانت مستسلمة لها. فلم تحاول التمرد يوماً على ما لا يعجبها)[29].
وفي الحصار نرى أيضا محاولة الأخ فرض سيطرته على أخته أمل بالرغم من كونها الأكبر(يشعر أنها منافسه الوحيد في البيت وأنه لم يستطع قط أن يلجمها كما يجب)[30]. ونراه في موضع آخر يحاول قهرها من ناحية زعزعة إيمانها بالتمسك بخطيبها المعتقل، عن طريق بيان تقدمها بالسن، وكلام الناس عليهم. (أنت أختي و يهمني مستقبلك. غداً تصبحين في الثلاثين ولا زلت في الانتظار.
صمتها يدفعه للاستمرار:
ـ ماذا تنتظرين؟ خالد! هذا الحلم قد يكون قيد خطوة أو سنوات أخرى طويلة.
يقترب منها:
ـ يجب أن تدركي هذا. ألسنة الناس لا ترحم.)[31]
زواج الطفلة (الزواج المبكر): تتجه شخصية بدرية إلى إدانة صارخة للعرف في مجتمع البحرين قديما وهو تزويج البنات في سن التاسعة والعاشرة، هذا الزواج الذي يسرق الطفولة منها ((آه. آه يا زمن. لماذا سرقت مني الشمس؟! لماذا انتزعت مني أظافر طفولتي. وألعابي؟ لماذا؟ لماذا تشعل النيران في جسدي؟!! آه. إن دموعي حارة. ملتهبة. تفتت بقايا طفولتي.
همي الدمع على صحراء وجدب.
همي الدمع فما أطفأ لهيب قلب. آه.
إنهم هناك في الخارج يضحكون. ويغنون. ويرقصون!! من أجل من؟! من أجلي؟!))[32]. نرى الطفولة تشكل مراسيم الزواج كما تشكل مراسيم زواج دميتها، دون أن تفهم سياق الحدث معلنة صرخة واضحة لهذا العرف البائس
(وأصداء الطبول ترتفع. أمها تشدها من يدها. وهي لا تفهم. والبخور يدوخها أكثر. والطبول تدق في أحشائها أكثر وأمها تسرح لها شعرها وتجدله بالريحان والورد. وهي لا تفهم. والماء يغسل جسدها وهي لا تفهم. وأمها تكحلها برموش الليل. وهي لا تفهم. وتدسها داخل ثوب جديد مطرز. وهي لا تفهم وتلبسها حلى ذهبية من رأسها حتى أخمص قدميها وهي لا تفهم. والزغاريد تعلو.ز وتنخر قلب بدرية. وهي لا تفهم)[33].
ويبلغ القهر أشده حينما تصبح سلعة للمتاجرة تتخطفها الأيدي دون أن تعلم هي أو تختار أو حتى تعلم باسم زوجها:
(ترى ما اسم زوجها؟!! فقط لو كانوا قد أخبروها عن اسم المصير. عن هويته!! ألهذه الدرجة هي حجر حقير باعها أبوها وأخذ مهرها دون أن يسألها؟!
ـ نعم أخذتك! لقد دفعت لأبيك (50 روبية) لكوني لي. ولكن حتى الخبز لا تجيدينه.!!
ولم تعد بدرية تستطيع أن تسمع. الدنيا تدور بها. تحطمها. وشيء ما ينقر رأسها. لم تعد تستطيع أن تتحمل. والغمام الأسود يتراكم في صدرها. أيستطيع قلبها الصغير الغض المحمل بكل أطنان الحزن أن يتحمل أكثر؟!
أيستطيع؟! آه.
لقد تأكدت الآن أنها رخيصة. رخيصة جداً.
كان كل شيء مجرد صفقة. صفقة موتها. زوجها دفع. وأبوها باع ودس ثمنها في جيبه. وهي الوحيدة التي تدفع الثمن غالياً. غالياً. غالياً.
من جسدها. من نزيف قلبها. من أعصابها. من طفولتها. من صحتها. من فتات أحلامها.
تدفع أغلى ثمن)[34]
ويضع المجتمع له تبريرا لقهر طفولة المرأة، مخافة العار(مازلت صغيرة يا بدرية. إذا كبرت ستفهمين قيمة الستر للبنت. لأن الشرف يا ابنتي إذا ضاع تضيع كل الأسرة. تعيش في عار أسود. وحل لا تمسحه الدماء)[35]
· عنف المرأة للمرأة: من نماذج القهر التي نجدها تتكرر في الرواية النسائية؛ خصوصا لنمط المرأة العادي والخاضع لسلطة الرجل‘ هو قهر المرأة للمرأة سواء كانت أما على طفلتها، أو زوجة ابنها، أو كانت عمة عانس حرمت من حقها فقررت الانتقام في صورة المرأة الأخرى. والطريف أن تكون المرأة أداة لتطبيق قانون الرجل والمجتمع الحرفي على المرأة الأخرى.
من هذه الشخصيات:
شخصية أم علي وفرض سيطرتها على زوجة ابنها (وتشدها صورة أمه. أم علي. بنظراتها المقيتة الصارمة. وشعرها كومة القطن الأبيض. وصوتها الذي يفجر الزلزال في أعماقها.61 وأم علي لا ترحم بقية طفولتها. لا تستطيع الانتظار أكثر. إنها تريدها امرأة بأي ثمن. لا تستطيع أن تفهم الصراع المستعر في أعماقها بين الحلم والواقع. تود لو تسحبها من شعرها حتى تعجنها بيديها. لو تسويها كحبات القمح تحت رحاها. تريدها تابعة لها. ورائها. فبعد طلاق علي من زوجته الأولى التي رفضت أن تعيش تحت ظلال أمه. لن تسمح أم علي لأي امرأ’ مهما كانت أن تتعدى على مكانها كسيدة البيت الأولى)[36]
شخصية أم جمعة أم بدرية،التي قبلت تزويج طفلتها بعمد وإصرار تاركة للعرف كما تقول سنته وحكمه عليها وعلى ابنتها، بالرغم من معرفتها بمحبة بدرية للتعليم والحياة( سامحيني. سامحيني يا جزءاً من أحشائي. سامحيني يا بدرية. سامحيني لأني سحقتك بيدي. لأني حشرتك بأصابعي العشرة في دنيا الكفاح. في الواقع. بين ذرات الأرض. سامحيني. سامحيني لأني بعتك! كيف هان علي أن أبيع نفسي؟ كيف؟! لا تظني أني بعتك عندما زوجتك فكل بنات الحد يتزوجن في سنك بل أصغر منك. كل البنات ليس لهن فم. ليس من حقهن أن يقلن لا. وإلا فالموت مصيرهن. لكنني كنت أدرك جيداً أنك مختلفة با بدرية. أنك لست ككل البنات. أنت الحلم. أنت الطفولة. أن كل البراءة يا بدرية. كيف هان علي أن أدفن كل طموحك في لحظة؟! أن أبيع كل أحلامك في لحظة؟! ربما هكذا زوجوني يا بدرية. هكذا تزوجت كل شقيقاتي وعماتي وخالاتي. هكذا تزوجت كل جداتي. كل بنات الحد. واستسلمنا لواقعنا. وعشنا! لكن مشكلتك يا بدرية أنك لم تستطيعي أن تمتزجي بالواقع بعد. لم تفهمي أن الزواج هو مصير وقدر كل بنت. كنت أظنك ستتعذبين يوماً. أياماً. شهوراً. سنة. ثم ينتهي كل شيء. وتستسلمين بعدما تنتهي كل أوهام الطفولة.)[37]
شخصية أم عيسى / الجدة: كان قهر الجدة لزوجة ابنها الغائب عيسى في رحلة الغوص قهر رمزي حيث استطاعت فرض قهرها على جسد الزوجة الشابة بفرضها الثوب الأسود، فإذا ما حاولت رفضه والثورة عليه هددتها بالتفريق بينها وبين زوجها وكأن الثوب الأسود معادل لسجن المرأة وموتها في غياب الرجل.(خالتي اسمعيني أرجوك وافهميني لقد. تعفنت داخل ثوبي الأسود. إنه يخنقني! أنا لا أدري كيف أقول لك. لكن. ثوبي يشعرني أن زوجي قد أخذته الأمواج مني. أنه لن يعود. لن يعود. إن لون الموت يحرقني. إني أحس به كفنا لزوجي. لولدك يا خالة. أنا لا أطلب منك سوى طلب واحد، أن أخلعه. أن أخلع الموت لألبس ثوباً أبيض يعطيني الأمل بأني أنتظر حقيقة لا وهماً. بأني أنتظر قلباً ينبض. أنتظر أنفاساً من محارة تحمل كل دانات الأرض!.
ارتجفت يدا أم عيسى وهي تشيح بعصاها في وجه أم جمعة ونفسها تجيش بغضب. وعيناها تحملان بريق استنكار رهيب وهي تتمتم بلهجة انتفضت لها أم جمعة: ما هذا الهراء؟ لابد أنك قد جننت! بهذه السرعة انعدم الوفاء من قلبك. بهذه البساطة تريدين أن تدوسي كل عاداتنا وتقاليدنا؟! بهذه البساطة تقولينها! ولمن؟! لي أنا!! حتى يكسو العار ابني!! اسمعيني جيداً منذ أن أتينا إلى هذه الحياة ونحن ندرك أ، الثوب الأبيض لمن هو مثلك عيب. عيب! أتفهمين؟! قاطعتها أم جمعة وهي ترتجف: ولكن.
فاستطردت أم عيسى بلهجة أشبه بالفحيح وهي تتشبث بعصاها: كانت هناك واحدة. واحدة فقط تجرأت ولبست ثوباً أبيض وزوجها غائب. أتدرين ما مصيرها؟ ها؟ لقد طلقها زوجها عندما عاد!! فإن شئت البسي ثوبك الأبيض. ولكن قبل ذلك اعلمي أنك لن تعودي لهاذ البيت أبداً. أبداً.
تراجعت أم جمعة إلى الوراء. داخت. مادت الأرض بها. وبحرمانها. وكلمات الجدة سياط على قلبها تنهشها. تجتر جراح السنين. تصفعها بقسوة على قلبها ووجهها. وكل كيانها. وأناملها مازالت ترتعش وهي تتراخى من على ثوبها الأبيض.)[38]
2- المرأة الثائرة:
لم يأت نموذج المرأة الثائرة، بشكل مستقل عن المرأة المقهورة إذ غالبا ما نراه متجسدا وخارجا من عباءة القهر والخضوع ذاته أحيانا بشكل محسوس كما حدث لزهراء التي انتفضت من تكرار الضرب والسبّ عليها فبدأت بفعل المبادلة وصولا إلى تحررها منه بالطلاق. (وتكرر نفس السيناريو ـ بعد عودتهما للمنزل ـ الذي بدأ بالشتم. ثم الضرب. ثم الركل. ولكن زهراء أضافت هذه المرة جزئية جديدة لم تكن مكتوبة في السيناريوهات السابقة. لقد قاومته بكل قوتها. وردت عليه صفعاته وركلاته. ودخلت معه في معركة لم يحسب حسابها! فكان يتلقى بعض ضرباتها بذهول)[39]
وهكذا لكافة شخصيات نساء المتعة (دلال التي تركت وظيفة التدريس بعد إصرار أخوتها عليها إلى وظيفة عامة في شركة مختلطة كي تكون فرصتها أكبر في الزواج، ومهدية المرأة المسلمة النمطية المتدينة المحبة لزوجها تركته رافضة كل ادعاءاته وتبريراته الدينية لسلوكه الجنسي، وبدرية بدأت في تذكر جسدها وحقه في الحياة بعد هجران زوجها له).
(ارتدت سهير فستانها الأسود الجديد الذي يكشف عن جزء كبير من صدرها وساقيها. ثم فتحت علبة إكسسواراتها لتنتقي منها ما يلاثمه. قلبت يدها في العلبة، لتستقر أخيراً على ارتداء عقد باللون الأحمر. وقفت تتأمل جسدها المثير الذي يشي بتفاصيله نوعية قماش فستانها اللاصق، قبل أن تسدل شعرها الأسود وتضع الروج الأحمر على شفاهها المكتنزة كلمسة أخيرة لمكياجها الصارخ)[40]
أما شخصية أمل في رواية الحصار، وهي شخصية استطاعت الثبات والتمسك بخطيبها خالد المعتقل السياسي وتبني قضيته وآرائه والعمل على عدم التخلي عنها برغم المشاكل الأسرية التي تتصادم معها وأيضا مشاكل المجتمع بشكل عام.
(إنها بشموخها الغريب الذي يعبر عن نفسه في أقسى لحظات الحزن بالسكون والدعة حيناً وبالقدرة على الضحك حيناً آخر يعطي لمشاعرها تلوناً عذباً كبركة أخاذة تتحرك فيها أوراق الأشجار والزهور كلما هب نسيم خفي، ويشعر الذي بجانبها كم هي حزينة للغاية! وكم هي ساكنة! وكم الحياة تنضجها سريعاً.
إنها لم تنقطع عن موعد الزيارة قط.)[41]
3- قضايا أخرى تناولتها الرواية البحرينية النسائية:
· قضية زواج المتعة: من القضايا الجريئة التي طرحتها الكاتبة وإن شابّ هذا الطرح بعض الهنات، لكنه من المواضيع الدينية شديدة الحساسية، واستطاعت عرض هذه القضية بأبعاد مختلفة وبأسباب مختلفة، لكن النتيجة واحدة (لقد طلبت منه استئجار شقة لهما. تحتضن حبهما "بالحلال" بعيداً عن الأعين.
تنازعته ـ إثر اقتراحها ـ مشاعر مختلطة متأرجحة بين صدمة وخوف وقلق وفرحة خفية ورغبة متأججة، فعلق قائلاً:
ـ ولكنك تعرفين بأنني متزوج؟!
ـ لم أطلب منك أن أكون زوجة ثانية أمام الناس، تشترط عليك العدل بينها وبين ضرتها! يكفيني أن نكون لبعض "بالحلال"؟!!
ـ ماذا تعنين بالضبط، وضحي كلامك؟
ـ لن أفرض عليك شيئاً، للزواج الحلال طرق كثيرة، فاختر منها ما يناسبك.
انهارت كل حصونه في لحظة!. ولم يجرؤ على مناقشة الأمر. إنها حتى لم تترك له مهمة الانشغال بالبحث عن عش الحب الملائم، فقد تولت هي بنفسها هذه المسؤولية)[42]
· قضية الخيانة الزوجية: تطل أيضا الخيانة الزوجية بمفاهيم عرفية مختلفة.
من ناحية الزوج: نرى أن صادق وهو الزوج المتدين، حلل علاقاته مع العربيات والأجنبيات بعرف زواج المتعة، وبتصريح من قبل رجل الدين متجاهلا مشاعر زوجته، وحقها في المعرفة. أما عادل فقد تنازعته رغبة العشق والإحساس بالذنب لخيانة زوجة هجر فراشها لفرط خلافاتهما، وبذلك برر مفهوم الخيانة:
(لم تترك له دلال هامشاً كبيراً للمناورة. فقد تعلقت به بعد فترة وجيزة من عملها معه في الشركة. ولم تشكل حقيقة كونه زوجاً وأباً عائقاً بالنسبة لها. لقد كانت دلال تريده. تريده بأي ثمن.
أما هو، فقد حركت دلال المياه الراكدة في أعماقه. وأعادت للحياة كل المشاعر التي تصور بأنها قد ماتت في داخله منذ زمن. لقد أيقظت فيه شهوته للحياة وللوقوع في الحب من جديد!.
لم يفكر يوماً في خيانة زوجته. ولم تكن خيانته لها سهلة على نفسه. فعلى الرغم من الحياة التعيسة. الجافة التي يعيشها. إلا إنه لم يتمنى أن تصل الأمور إلى حد الخيانة.
فقد كانت سهير لا تزال زوجته وأم أولاده، لكن. ما هو فاعل بفؤاده المتعلق بدلال؟
والأهم، ماذا هو فاعل باندفاع دلال نحوه بهذه الطريقة.ز إنه عاجز عن إيقاف مكابح لهفتها عليه).[43]
من ناحية الزوجة: قهر الزوج عادل لها ولأنوثتها بهجرانه لها، جعلها في تخبط لبيان أنها مازالت المرأة المرغوبة، مطلقة ثورتها ضد قيم الرجال في تحليل ما يناسبهم وتحريمه على المرأة.
(إعجاب ؟. افتتان.؟ تعلق.؟ أم. شهوة؟. خجلت من نفسها حينما وصلت في تحليلها لمشاعرها لهذا التفسير!. هل تشتهي رجلاً آخر بخلاف زوجها؟ لم لا؟ ألا يشتهي الرجل نساء أخريات بخلاف زوجته؟!. أفلا يعقل إذاً أن ترغب المرأة في رجل آخر. أي رجل، ترى فيه قدراً من الجاذبية والوسامة؟!. استسلمت لأحلامها وهي تقول في نفسها. بل قمة الجنون ألا أرغب في شاب مثل خالد؟!. يمتلك هو وحده كماً من الفتنة والجمال، يفوق حاجة عشرة رجال من نوعية زوجي عادل!)[44].
· قضية التحرش الجنسي للأطفال: نتيجة التفكك الأسري وضعف التواصل بين الأبناء والآباء تبرز قضية تحرش الأخ المراهق بأخته الصغيرة .
(بصعوبة بالغة، وبعد أن مضى وقت ليس بالقصير، استطاعت سهير البدء بالحديث، وإعادة التفاصيل الموجعة التي أخبرتها بها روان الصغيرة عن تحرش أخيها السطحي بها أثناء غيابهما عن المنزل، وتهديده لها إن هي حاولت إعلامهم بما يجري خلف باب غرفته!. بعيداً عن أعين سوسن المعتكفة في جحرها، والشغالة المنهمكة في أداء مهامها!!.
أين نحن من فتى لم يتجاوز الثانية عشرة إلا بقليل، يتمكن منه فضوله نحو الجنس إلى هذه الدرجة!! إلى درجة أن يتحرش بأخته ويلامس المناطق الحساسة من جسدها، وهي لا تزال في السادسة!!. في السادسة!!.)[45]
· بعض المشاكل السياسية: جاءت الحصار لتسجل حقل الكفاح ضد الظلم والاحتلال وبيان صورة المناضل السياسي، والحركة النضالية في البلاد (حين اقتربت كان الفزع يشوه ملامحها ثم:
ـ أحمد، أحمد يا شيخ مصطفى ومجموعة أخرى من زملائه ـ وبنفس متقطع أردفت:
ـ حدث ذلك اليوم في الصباح، لقد اعتقلوهم جميعاً!
عروق وجهة تنفر وصوته يأتي من بئر عميقة:
ـ ماذا؟ كيف ذلك؟ أحمد! ولكن كيف؟
صوته يزداد خفوتاً ووجعاً وهو يخاطب نفسه:
ـ وأنا أصطاد الأسماك هنا وأكومها!)[46]
4- بعض صور الرجل في الرواية النسائية:
من خلال ما تمّ عرضه من صور للمرأة، تمثلت بشكل كبير صورة الرجل، والتي أغلبها تدور حول الرجل النمطي والتقليدي، فمن أب قاسي، إلى أخ مسيطر، وزوج ظالم وخائن، ورجل دين بصورة سلبية، وكذلك الزوج الكبير والمريض. ربما فقط كانت رواية الحصار هي التي طرحت الرجل الايجابي بوصفه معتقلا سياسيا ومغيرا لواقعه أمثال خالد ورجب وعباس وأحمد وحتى الشيخ مصطفى الرجل العجوز الذي نراه يتغير مع تغير الأحداث، كذلك شكلت رواية الحصار طبقة العمال والفلاحين ومشاكلهم المعيشية. وفي هذا الطرح الايجابي نجد الرجل هنا محبا ومقدرا للمرأة ولحقِّها في الحياة والتحرر.
وخلاصة القول أن هذه الورقة قد خاضت في عجالة سريعة موضوعا يكاد يندر فيه وجود مرجع مختص في الرواية النسائية في البحرين، فإن جاءت قاصرة فهذا مبحث يحتاج إلى المزيد من الوقت، وتثبيت القضايا المعالجة من خلاله بشكل كبير
قائمة المصادر والمراجع:
1. كونديرا، ميلان: فن الرواية،ت. بدر الدين عرودكي، المغرب، أفريقيا الشرق،2001،ص 144
2. السيوف، نبيلة فايز: قضايا المرأة بين الصمت والكلام في الرواية النسوية، رسالة ماجستير، الأردن، الجامعة الأردنية،2002،ص2
3. بن سلامة، رجاء: بنيان الفحولة أبحاث في المذكر والمؤنث، دمشق، دار بترا،ط1، 2005م ص43
4. شعبان، بثينة: 100 عام من الرواية النسائية العربية، بيروت، دار الآداب، 1999م،ط1 ص13
5. السعداوي، نوال:
6. النعمي،حسن: خطاب الإقصاء والإحلال في الرواية السعودية ‘ كتاب خطاب السرد، الكتاب الأول، جدة، النادي الأدبي بجدة‘ 1427ه، ص666
7. يوسف، ألفة: صورة المرأة في الرواية العربية- منتدى الروائيين العرب، دار سحر للنشر،2005،ط1،ص11-13
8. بنمسعود، رشيدة: المرأة والكتابة، المغرب، أفريقيا الشرق، 2002،ط2،ص149
9. بنمسعود، رشيدة: أقنعة الكتابة النسائية،كتاب فضاءات نسائية، الرباط، منشورات كلية الآداب، 2001،ط1،ص39
10. المحادين، عبدالحميد، جدلية المكان والزمان والإنسان في الرواية الخليجية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001،ص11
11. حسين‘ فهد: المكان في الرواية البحرينية، البحرين، فراديس للنشر والتوزيع،2003،ط1،ص12
12. غلوم، إبراهيم: القصة القصيرة في الخليج العربي، بغداد، منشورات مطبعة الإرشاد، 1981م،ط1،ص28
13. سرحان، منصور:دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والبحوث، 2009م، ط1،ص138[1]
14. حسين، فهد: أمام القنديل- حوارات في الكتابة الروائية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2008، ط1، ص136
15. سوار، منيرة: نساء المتعة، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008، ط1‘ ص48
16. الصقر، ليلى حسن: بدرية تحت الشمس، البحرين، المطبعة الحكومية،1996، ص95
17. رشيد، فوزية: الحصار،بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2006،ط4.ص 111
هوامش:
[1] - كونديرا، ميلان: فن الرواية،ت. بدر الدين عرودكي، المغرب، أفريقيا الشرق،2001،ص 144
[2] - السيوف، نبيلة فايز: قضايا المرأة بين الصمت والكلام في الرواية النسوية، رسالة ماجستير، الأردن، الجامعة الأردنية،2002،ص2
[3] - بن سلامة، رجاء: بنيان الفحولة أبحاث في المذكر والمؤنث، دمشق، دار بترا،ط1، 2005م ص43
[4] - شعبان، بثينة: 100 عام من الرواية النسائية العربية، بيروت، دار الآداب، 1999م،ط1 ص13
[5] - السعداوي، نوال:
[6] - النعمي،حسن: خطاب الإقصاء والإحلال في الرواية السعودية ‘ كتاب خطاب السرد، الكتاب الأول، جدة، النادي الأدبي بجدة‘ 1427ه، ص666
[7] - يوسف، ألفة: صورة المرأة في الرواية العربية- منتدى الروائيين العرب، دار سحر للنشر،2005،ط1،ص11-13
[8] - بنمسعود، رشيدة: المرأة والكتابة، المغرب، أفريقيا الشرق، 2002،ط2،ص149
[9] - بنمسعود، رشيدة: أقنعة الكتابة النسائية،كتاب فضاءات نسائية، الرباط، منشورات كلية الآداب، 2001،ط1،ص39
[10] - المحادين، عبدالحميد، جدلية المكان والزمان والإنسان في الرواية الخليجية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001،ص11
[11] - حسين‘ فهد: المكان في الرواية البحرينية، البحرين، فراديس للنشر والتوزيع،2003،ط1،ص12
[12] - غلوم، إبراهيم: القصة القصيرة في الخليج العربي، بغداد، منشورات مطبعة الإرشاد، 1981م،ط1،ص28
[13] - سرحان، منصور:دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والبحوث، 2009م، ط1،ص138
[14] - حسين‘ فهد: المكان في الرواية البحرينية، البحرين، فراديس للنشر والتوزيع،2003،ط1،ص13
[15] - جاءت هذه التواريخ وفق تتبع تواريخ إصدارات الروائيين من قبل الباحثة.
[16] - سرحان، منصور:دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والبحوث، 2009م، ط1،ص66
[17] - المصدر نفسه، ص139
[18] - المصدر نفسه،ص142
[19] - م.ن.ص144
[20] - حسين‘ فهد: المكان في الرواية البحرينية، البحرين، فراديس للنشر والتوزيع،2003،ط1،ص12
[21] - حسين، فهد: أمام القنديل- حوارات في الكتابة الروائية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2008، ط1، ص136
[22] - يوسف، ألفة: صورة المرأة في الرواية العربية- منتدى الروائيين العرب، دار سحر للنشر،2005،ط1،ص13
[23] - سوار، منيرة: نساء المتعة، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008، ط1‘ ص48
[24] - الصقر، ليلى حسن: بدرية تحت الشمس، البحرين، المطبعة الحكومية،1996، ص95
[25] - سوار، منيرة. م.س. ص52
[26] - الصقر، ليلى حسن: م.س. ص64
[27]- م.ن. ص33
[28] - سوار، منيرة. م.س. ص22
[29] - م.ن.ص20
[30] - رشيد، فوزية: الحصار،بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2006،ط4.ص 111
[31] - م.ن. ص113
[32] - الصقر، ليلى، م.س.ص56
[33] - المصدر السابق، ص53
[34] - م.ن.ص56،65
[35] - م.ن.ص58
[36] - م.ن. ص61_62
[37] - م.ن. ص78
[38] - م.ن.ص 25-26
[39] - - سوار، منيرة: نساء المتعة، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008، ط1‘ ص51
[40] - سوار، منيرة، م.س.ص70
[41] - رشيد، فوزية، م.س.ص31
[42] - سوار، منيرة، م.س.ص65
[43] - م.ن.ص64
[44] - م.ن.ص138
[45] - م.ن.ص185
[46] - رشيد،فوزية، م.س.ص61