بمشاركة 100 قيادية نسائية... مؤتمر "المرأة وربيع العرب" يتبنى خريطة طريق لتعزيز المشاركة
تشكيل "منتدى القيادات السياسية النسائية في العالم العربي"، وتوجيه سلسلة نداءات وتوصيات للأحزاب ومؤسسات المجتمع والحكومات والبرلمانات العربية
خلال الفترة من 24 – 28 كانون الثاني/ يناير 2014، وبدعوة من مركز القدس للدراسات، توجهت إلى العاصمة الأردنية، عمان، عشرات القيادات والناشطات السياسيات من 13 دولة عربية، يمثلن مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري في: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السودان، اليمن، السعودية، البحرين، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين والأردن، للمشاركة في أعمال مؤتمر "المرأة وربيع العرب" الذي التأم يومي 24 – 25 من كانون الثاني. كما شارك في المؤتمر عدد من الخبراء ورجال الدين والمختصين من عدة دول عربية. ولقد تركزت مداولات المؤتمر والاجتماعات التي عقدت على هامشه، حول عناوين ومحاور عدة، منها:
المرأة والمشاركة السياسية، قبل الربيع العربي وبعده ... المرأة في الدساتير والتشريعات العربية ... المرأة في خطاب جماعة الإخوان المسلمين.. المرأة في خطاب الحركات السلفية ... المرأة من منظور الخطاب الإسلامي الشيعي ... والإسلام و"مواطنة" المرأة ... وعرضت في المؤتمر عشرون ورقة عمل، دارت في مجملها حول هذه العناوين.
واتسمت مناقشات ما يقرب من المائة من المشاركات والمشاركين في المؤتمر، بالعمق والمكاشفة والمصارحة، عكست حالة الاختلاف والتباين بين الحركات الإسلامية وفي أوساطها من جهة، وبينها وبين التيارات المدنية والعلمانية من يسارية وقومية وليبرالية ووطنية من جهة ثانية، كما جسدت بعض المداخلات وما رافقها من ارتفاع درجة الحدة في النقاش، حالة ضعف التواصل وغياب الحوار بين الناشطات من مختلف التيارات، كما أنها أظهرت حجم المصاعب والتعقيدات التي تتميز بها المرحلة الانتقالية التي تمر بها معظم الدول والمجتمعات العربية.
في محور "المرأة والمشاركة السياسية"، أجمعت المشاركات على تثمين الدور الريادي والمبادر الذي اضطلعت به النساء العربيات في ثورات وانتفاضات السنوات الثلاث الفائتة، ووجهن تحية إجلال وإكبار للنساء اللواتي قضين في ميادين النضال، ولزميلاتهن ممن تعرضن للإصابة والاعتقال والمطاردة، وتوقفن بكل تقدير واحترام أمام كفاح المرأة الفلسطينية من أجل حريتها واستقلال شعبها.
لكن المشاركات لاحظن بكل أسف، أن التمثيل السياسي للمرأة في مختلف المؤسسات والسلطات العربية ما زال دون مستوى تضحياتهن ومشاركتهن السياسية، فكنّ شريكات في "الغرم" لا في "الغنم"، الأمر الذي يستدعى تكثيف الجهود وحشد الطاقات من أجل النهوض بتمثيل المرأة في قيادات الأحزاب ومجالس الحكم المحلي والبرلمانات والحكومات.
وإذ أبدت المشاركات تفهماً لمطالب بعض الحركات النسائية العربية بتخصيص 30 بالمائة من مقاعد البرلمانات للنساء، إلا أنهن عبّرن عن القلق من مغبة تحويل "الكوتا" النسائية إلى محاولة لتجميل صورة بعض أنظمة الحكم العربية، واعتبرن أن الهبوط عن حاجز "المناصفة" في تمثيل النساء في مختلف المؤسسات والسلطات، يُعد انتقاصاً من إنسانيتهن وكرامتهن و"مواطنتهن".
وفي محور "المرأة في الدساتير والتشريعات العربية"، وبعد التداول في "حال" النساء في دساتير وتشريعات أكثر من عشر دول عربية، من بينها دول "الربيع العربي"، عبرت المشاركات عن ارتياحهن لـ "دسترة" مبادئ الإنصاف والمناصفة في دستوري المغرب وتونس الجديدين، وثمّنَ التقدم الحاصل في مكانة المرأة وتمثيلها وحفظ حقوقها في عدد من الدول العربية، بيد أنهن سجّلن وبالإجماع، استياءهن من استمرار حالات التمييز في الحقوق ضد المرأة، وتفشي مظاهر الانتهاك لـ "مواطنة" النساء في عدد كبير من الدول العربية، بما فيها بعض الحقوق الأساسية، وناشدن قادة هذه الدول والقوى السياسية والاجتماعية والمدنية والحركات النسائية فيها، تكثيف العمل لإنهاء هذه الأوضاع الشاذة، وتمكين النساء من حقوقهن المتساوية، باعتبار ذلك معياراً حاسماً للحكم على درجة تقدم مجتمعاتنا وتحضرها وتحررها.
وعند مناقشة محور "المرأة في خطاب جماعة الإخوان المسلمين"، لاحظت غالبية المشاركات، أن ثمة "مساحات رمادية" في خطاب الجماعة حين يتصل الأمر بحقوق النساء السياسية والمدنية، وطالبن بـ "تظهير" هذه الحقوق في خطابها وممارستها. وإذ دار جدل عميق حول هذا الموضوع، فإن بعض المشاركات ممن يمثلن تيار جماعة الإخوان المسلمين، قدّرن الحاجة لتطوير هذا الخطاب، وإن كنّ تحفظن على الحدود القصوى التي تطالب بها بعض الحركات العلمانية، والتي تصطدم بموضع النص في الخطاب الديني. ولفتت مشاركات عديدات إلى تفاوت مكانة المرأة والنظرة إليها بين جماعات الإخوان المسلمين في الأقطار العربي، وأعدن ذلك إلى التباين في السياقات السياسية والحقوقية والتاريخية التي تُميّز الدول والمجتمعات العربية بعضها عن بعضها الآخر.
واتفقت المشاركات على أن مختلف الأحزاب السياسية، وليس جماعة الإخوان وحدها، أخفقت في إنصاف النساء الناشطات في صفوفها، فالمرأة في معظم هذه الأحزاب، بما فيها اليسارية والقومية والليبرالية العلمانية، ما زالت تحتل أدواراً ثانوية، فعضويتها ما زالت محدودة في صفوف هذه الأحزاب، ومكانتها تتناقص كلما ارتفعنا في السلم القيادي لهذه الأحزاب، أما الفجوة بين الخطاب والممارسة فيها، فما تزال على اتساعها.
وعند مناقشة محور "المرأة في الخطاب السلفي"، بدا واضحاً أن ثمة إجماع على أن هذا الخطاب بمجمله، وعلى تفاوته، ما زال ينتهك حقوق المرأة ويمس بإنسانيتها ويتهدد مكاسبها الأساسية، ما تحقق منها وما هو قيد التحقيق، وطالبت المشاركات مختلف التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، بتمييز خطابها النسوي عن خطاب هذه الحركات، والتصدي لكل محاولات العودة بالنساء إلى عصور التهميش والإلغاء، وعدم تغليب اعتبارات التحالفات السياسية وحساباتها الطارئة، على مصالح النساء وحقوقهن الأساسية والثابتة.
وعُرضت في المؤتمر مداخلات عن موقع "المرأة في خطاب حركات الإسلامي السياسي الشيعي"، فجرى التركيز بشكل خاص على الموقع المرجعي للنساء من "آل البيت" في هذا الخطاب، ومن أعقبهن من نساء رائدات في التاريخ الإسلامي القديم والحديث، وجرى استعراض مواقف بعض المراجع الشيعية الداعمة لمشاركة المرأة والمُساندة لحقوقها وتمثيلها و"مواطنتها"، من دون إغفال الحاجة للتصدي لنزعات التطرف والفتاوى الشاذة التي تصدر عن تيارات سياسية شيعية تحط من قدر المرأة وتقترح مصادرة حقوقها وتكرس استلابها وتبعيتها.
وعند مناقشة محور "الإسلام و"مواطنة" المرأة"، أجمعت المشاركات في المؤتمر، ومن مختلف التيارات، على القول بأن صحيح الإسلام لا يصطدم مع تمكين المرأة كمواطنة متساوية، في الحقوق والواجبات مع الرجل، وأن الإسلام يشجع المرأة على المشاركة والعمل والإنتاج، ويكفل لها حقوقها المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما فيها تسنم الولاية العامة وجلوسها على مقاعد السلطة القضائية، وفي شتى ميادين العمل العام ... كما أجمعت المشاركات على أن الإسلام يوفر مرجعية قيمية وأخلاقية رفيعة لجميع أتباعه من رجال ونساء، دونما حاجة للوصاية أو التبعية أو الاستتباع والاستعباد.
وناشدت المشاركات رجال الدين الإسلامي المتنورين بخاصة، تكثيف جهودهم الفكرية والعلمية، للتصدي لكل الفتاوى الشاذة التي تكاثرت في السنوات الأخيرة، والتي تحط من قدر النساء، وتحيلهن إلى سلع تباع وتشترى، وتستلب حقوقهن الأساسية، مؤكدات على أن الإسلام الصحيح، براء من كل هذه الترهات.
وعبرت المشاركات في المؤتمر، عن عميق ارتياحهن للحوار والتواصل مع زميلاتهن من مختلف التيارات السياسية والفكرية، ومن دول عربية عديدة، والذي تميّز بالإحساس العميق بالمسؤولية، وتكشف عن رغبة عميقة وإرادة صلبة للنضال المشترك، العابر لحدود الدول والتيارات والأحزاب، من أجل دفع "أجندة المرأة" في العالم العربي إلى الأمام.
ومن دون إغفال لأهمية التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تجابه المرأة في العديد من دولنا ومجتمعاتنا، شددت المشاركات، وفي إجماع نادر، على أهمية أن تولي النساء من مختلف التيارات والأحزاب والبلدان، قضية تعزيز المشاركة السياسية للمرأة العربية وتمثيلها، وضمان حقوق "المواطنة المتساوية" لها، ومواجهة الأفكار والمفاهيم التي تسعى للحط من قدرها ومكانتها، الأهمية التي تستحق، وتعهدن على اختلاف مشاربهن السياسية والفكرية، بالعمل سوية من أجل تحقيق هذه الأهداف السامية، باعتبار مقياساً ومعياراً لدرجة تحرر شعوبنا ومجتمعاتنا وتطورها.
وأجمعت المجتمعات في المؤتمر، على أن الخلافات الحزبية، السياسية والفكرية، التي تفصل بينهن، لا يجب أن تحول دون قيامهن بالعمل سويةً من أجل الدفاع عن حقوق النساء ومشاركتهن، وصولاً لانتزاع حقهن في المواطنة المتساوية، كاملة الحقوق والواجبات، وتعهدن بصياغة أجندة مشتركة للعمل في المرحلة المقبلة.
ورأت المشاركات في المؤتمر، أن قضية المرأة في العالم العربي، لا يمكن أن تكون قضية النساء وحدهنّ، بل هي قضية وطنية بامتياز، تتصدر جدول أعمال الدولة والمجتمع، وطالبن بتشكيل ائتلافات سياسية ومدنية وحقوقية واسعة، من أجل إحراز التقدم على طريق استعادة المرأة لحقوقها وأدوارها. وفي هذا السياق، وجهت المشاركات دعوة للتصدي لبعض الأفكار المتطرفة والشاذة المهينة لإنسانية النساء، وطالبن بتشكيل جبهة من المفكرين ورجال الدين، داعمة لكفاح المرأة وعدالة قضيتها.
وفي ختام المؤتمر، أقرت المشاركات، بالإجماع غالباً، وبأغلبية كاسحة في بعض الأحيان، جملة من المقترحات والنداءات والتوصيات، التي يعتقدن بأنها تشكل ملامح خريطة طريق للمستقبل، تصلح أساساً لعمل مشترك، عابر للأقطار والأحزاب التي يتحدرن منها أو ينتمين إليها، وفيما يلي عدد من أبرز هذه التوصيات:
توصيات للناشطات السياسيات والحركات النسائية:
قررت المشاركات في مؤتمر "المرأة وربيع العرب" تشكيل "منتدى القيادات السياسية النسائية في العالم العربي"، ليكون بمثابة إطار تنسيقي ناظم لنضال الناشطات السياسيات في الأحزاب والبرلمانات ومؤسسات الحكم المحلي ومؤسسات المجتمع المدني، وطلبن إلى مركز القدس للدراسات السياسية، العمل كمنسق لهذا المنتدى إلى حين امتلاكه بنيته المؤسسية المستقلة. واعتبرت المشاركات في المؤتمر أنهن يشكلن نواة هذا المنتدى المفتوحة عضويته لمشاركة نساء أخريات، لم تتح لهن فرص المشاركة في المؤتمر، من دول وأحزاب أخرى.
• شددت المشاركات على الحاجة لتشجيع إنتاج "الفكر النسوي" وبشكل خاص "الفكر النسوي الإسلامي"، وطالبن بالعمل سوياً لتوفير الموارد لتشجيع الكاتبات والباحثات والمفكرات العربيات. كما طالبن بتشكيل أطر رديفة وداعمة لباحثين ومفكرين ورجال دين متنورين، مؤمنين بعدالة قضية المرأة وأولويتها، بوصفها شرطاً لإنجاح المشروع النهضوي العربي، ودعت المشاركات مركز القدس للدراسات السياسية إلى تنسيق أجندة للبحث وقاعدة بيانات للباحثات والمفكرات العربيات المختصات في هذا المجال، وجعلها في متناول القيادات والناشطات السياسيات في العالم العربي.
• أهابت المشاركات، بمختلف مؤسسات المجتمع المدني، العمل كتفاً إلى كتف، مع الناشطات السياسيات والحركات النسائية لخدمة "أجندة المرأة العربية"، باعتبارها أجندة وطنية بامتياز، تكتسب درجة عالية من الأولوية والإلحاح، والانخراط في الكفاح المشترك من أجل تمكين المرأة من حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، دونما تمييز أو انتقاص.
توصيات خاصة للأحزاب السياسية العربية
ناشدت المشاركات في المنتدى، قادة الأحزاب السياسية العربية، بالعمل لتطوير الأنظمة الداخلية للأحزاب السياسية العربية، من أجل توسيع مشاركة المرأة في الأحزاب، وضمان تمثيلها في المؤسسات القيادية، وطالبن بتنسيق جملة مبادرات مع المشاركات في المؤتمر لتطوير برامج الأحزاب وأنظمتها الداخلية لتحقيق هذا الغرض.
• وطالبت المشاركات "منتدى القيادات السياسية النسائية في العالم العربي" بإيلاء هذه المسألة الأهمية التي تستحق، من خلال توجيه المذكرات والرسائل وتسيير الوفود للقاء قادة الأحزاب العربية، على اختلاف مشاربها ومرجعياتها، من أجل تعزيز مكانة المرأة في صفوف الأحزاب وهيئاتها القيادية.
توصيات خاصة للحكومات والبرلمانات العربية:
ناشدت المشاركات في المؤتمر، حكومات الدول العربية وبرلماناتها، العمل على إصلاح التشريعات الناظمة للأحزاب والانتخابات في العالم العربي، وبما يضمن تحقيق الإنصاف والمناصفة في تمثيل النساء في البرلمانات ومختلف مؤسسات صنع القرار ورسم السياسات في الدولة، وتعهدن التعاون والعمل المشترك لإطلاق مبادرات لضمان النجاح في الوصول إلى هذا الهدف.
كما ناشدت المشاركات، حكومات وبرلمانات الدول العربية، العمل على مراجعة وتنقيح الدساتير والتشريعات العربية، لتخليصها من كل ما علق بها من مواد تنتهك حقوق النساء وتنتقص منها، على أن يجري ذلك ضمن مهلة زمنية محددة، وبما ينسجم مع المواثيق والمعايير الدولية والعربية والإسلامية النافذة في هذا المضمار.
أكدت المشاركات على وجوب إقدام الحكومات والبرلمانات العربية، على اعتماد موازنات عامة، مستجيبة للنوع الاجتماعي "الجندر"، باعتبار ذلك معياراً أساسياً للحكم على جدية التوجه لرفع كل أشكال الظلم والتمييز ضد النساء، وبوصفه أقصر الطرق لردم الفجوة الجندرية في دولنا ومجتمعاتنا.
وطالبت المشاركات حكومات وبرلمانات الدول العربية، تكثيف مواجهتها لتيارات التطرف والغلو، سياسياً وفكرياً، وعدم الركون إلى المعالجات الأمنية القاصرة، ودعون إلى توظيف طاقات الدولة والمجتمع، من أجل تكريس الوئام بين المواطنين كافة، بصرف النظر عن أعراقهم ولغاتهم وأديانهم وأجناسهم، وبما يكفل حماية النساء من ظواهر العنف والتهميش والاستلاب.
وإذ عبرت المشاركات، عن عميق ارتياحهن لسير أعمال المؤتمر وغنى مداولاته وأهمية النتائج التي أفضى إليها، ارتأين أن يجري تنظيم سلسلة من المؤتمرات المشابهة، ولكن على المستوى الوطني، وحسبما تسمح الظروف السياسية والأمنية به في الدول العربية، تجمع نساء الدولة الواحدة من مختلف التيارات، وتبحث في عمق المشكلات والتحديات التي تجابه نساء هذه الدول. كما شددن على وجوب انعقاد مثل هذه المؤتمرات بصورة دورية متكررة، وبالتناوب بين العواصم العربية.