كثيرة هي الأفكار التي تنتابني حول الثقافة حاضرا ومستقبلا، لأرى أنها في مأزق كبير، ومن خلال تتبعي للحركة الثقافية سواء في الصحف أو المجلات أو إعلان الجوائز والفائزين بها، يتبين ظلامية تلك الأفكار الثقافية التي يدعي أصحابها التنوير!!
في مقالة لي سابقة حول ما أسميته "أوهام الكتابة"، علق عليها أ. د عادل الأسطة الناقد والأكايمي المعروف "أقدر معاناتك.أنت بدأت تكتب زمن عودة الكتاب من المنفى وكانت لهم تجربتهم الكتابية فلم ترق لهم كتابات الداخل"، لقد وضع يده على الجرح، فالمسألة ذوق شخص أو فئة قليلة، نصبوا أنفسهم حكاما على ما هو جيد حسب أهوائهم وما يظنونه أنه هو الجيد، ولكنها حسبما كتب الدكتور الأسطة لم تكن تلك الأمزجة هي الحكم الوحيد في مسألة الثقافة، فقد ذكر في تعليقه المطول شيئا عن "أحزاب وتنظيمات وعلاقات و...و..."، وقد شهدت شيئا من ذلك شخصيا، فقد نشرت مرتين في صحيفة "الأيام"؛ مرة عندما كنت طالبا في الدراسات العليا عام 1996 مجموعة قصائد قصيرة، وكانت عن طريق زميل لنا له علاقاته مع المحررين في الصحيفة، وبعدها لم ينشر لي في الأيام إلا هذا العام عندما استعنت بصديقي أكرم مسلم وهو ممن له كلمته في الأيام، وبالمصطلح العامي "بمون عليهم"، فقد تم نشر مقالتي عن ديوان باسم خندقجي "طقوس المرة الأولى"، وهكذا يبدو أن ما قاله الدكتور الأسطة صائبا تماما، فلو كنت ممن يطبلون ويزمرون ويعبئون الاستمارات التنظمية، ولست "معارضا" على حد زعم أحدهم لكان لي شأن آخر، ولكن هذه هي محددات حركتنا الثقافية.
موقف آخر، حدث ذلك ويحدث كلما ألتقي بصديقي "عبد الحكيم أبو جاموس" الشاعر والمحرر في صحيفة الحياة الجديدة، وكلما شكوت له همي وغمي من عدم النشر في "الحياة الجديدة"، يبادرني ويستأذنني ليتحدث مع "القوم"، باعتباره ممن يمون عليهم، ولكنني أرفض في كل مرة، فليس هذا ما يجب أن يكون.
وأما الصحيفة الثالثة، صحيفة القدس، فحدث ولا حرج، فهي الصحيفة التي أراسلها مذ كنت طالبا في مرحلة البكالوريوس وإلى الآن، ولكنهم يمتنعون ويتمنعون، على اعتبار أن ما ينشر في صفحتهم الثقافية من النوع "القوي جدا"، وليس لي مكان بين ذلك القوي، ولم تتلطف إدارة الصحيفة غير مرة واحدة عندما نشرت لي قصيدة قصيرة بعنوان "ثرثرة الشفاه"، ولعلها سقطة محرر.
وأما الصحف في غزة هاشم، فلها من الهم نصيب، صحيح أنهم ينشرون لي وينشرون، ولكنهم لا يخرجون عن الدائرة نفسها في المزاج والحزبية، وزد على ذلك شيئا آخر، وهو أنهم انضموا أخيرا لجوقة العازفين في صحف رام الله المنغلقة على حروف أبجدية من ارتضوا من كتابها رضا حزبيا وعلاقات وأمزجة!!
هل واقع الثقافة التي تحكمه الحزبية والمزاج والعلاقات واقع ثقافي سليم؟ أم أنه هو الواقع الذي أنا كنت دائما لا أراه ولا أحس به، إنه مأزق كبير أيها المثقفون، لمن تكتبون؟ وما هي رسالتكم إن لم تكونوا لكل أبناء الوطن أم أنه الفساد المستشري حتى في الثقافة الميتة التي أمتموها عن سبق إصرار وترصد؟؟
إن ما أخشاه فعلا هو الموت، موت الثقافة التي يدخلها هؤلاء النفر في نفق مظلم، وهي أداة مقاومة للظلام، كيف يتم حشرها في أدراجهم؟ يبدو أن المسألة مستعصية وكبيرة وأزمة حقيقية، وهي ليست خاصة بفلسطين الكبت والموت، ولكنها عامة في كل بلد عربي، والتجارب كثيرة، ولا داعي لسردها، أكتفي بما قدمت من شجون الصحافة المحلية المتآكلة!!
لقد صدق أخي الدكتور الأسطة بما قال بأن "الكاتب يكافح طويلا حتى يثبت نفسه وقد لا يلتفت إليه"، ولكن علينا أن نصرخ ضد الموات، لا أقول ذلك دفاعا عن حقي بأن يكون لي مكان في صحافة وطني الثقافية، ولكن أيضا معي مئات من الكتاب ليسوا ناشئين ولكنهم أباطرة فن وأسلوب وأصحاب قضية، لماذا يتم تجاهلوهم يا صحافة، ويا وزير الثقافة، يا أيها الإعلاميون، أين أنتم من هذا المأزق، أم سنظل ممن يكتب للمواقع الإلكترونية التي "جعلتنا أكثر تحررا"من قبضتكم، أعتقد أنني سأظل أناضل دون حقي السليب ولن "أكترث وستجد الكتابة الجيدة مكانا وقراء"، كما نصحني بذلك الأستاذ الدكتور عادل الأسطة الذي أكن له كل احترام وتقدير!!