تشكل الشاعرة المغربية قصيدتها من خلال نفس سردي طافح مشبع بالحكي، هي ملخص أوراق للزمن وأيام متصلة، لكن لحيوات وحالات نفسية مختلفة حيث يصبح الزمن جسرا للحظة خاصة هي الحلم لتنجلي الحالات جميعها في أفقه ومجازاته..

أوراقُ الأيّـام الثَّـمانية

سعيدة تاقي

 

بِـانْتِـبـاه:

لاثْـنَـيْن سيأتي مُفْـرَداً عابِـساً، تَـبْـسُـمُ الأوراقُ النّاعِسة.

السذاجة لا تلوي على شيء، غير تنسيق بعض التوق البريء. و الصّفاءُ ما زال يغازل البداية العاشقة.. فوق المزهريات قد تينَعُ لساعات ناضراتُ الورود.

في الجُعْـبَة بعضُ الأحلام، و ليالٍ أخرى لم يَطـلْـها بعدُ رَكْضُ الأسبوع.

 

 

بجوار الجِدار:

لـثُـلاثاء لا يُـتـقِـن العَدَّ، و لا يمَيِّـزُ بين الزَّوْج و المعشوقة.

عيناهُ لأحَدٍ لا يَنْسى ماضيه.

و قلْبُه لإِثْنَيْنِ يصرخُ لاهِثاً.

لثُلَاثـاء لا يُتقِـن العدَّ، أضاعَ رأْسَه بين الاتِّجاهات:

ثالِـثُـكَ لم يكُن مرفوعاً..

و أنتَ تُـطِلُّ على الشارع من خَلْف زجاج النافذة، كُنْـتَ تَرى نفسَكَ تمشي على قدمين في الأسفل بخُيَلاء.

 

 

من جَديد:

يقف في المُنتَصَف تماماً ذلك الأربعاء، بين دهشة البداية الموغِلة في جسِّ نبضِ التوتُّـر، و حسرَةِ النهاية المُغرِقَة في تعب بَـوْصَلةٍ تـاهت بها المُنْحَنَـيات..

يتوسطُّ بمذاقه المُنْفلِـت نُـكهَة الإنهاك.

يفـتَح للشَّغَب نوافذ الانتظار بعيداً عن ذاكرة لا تُصالِحُ، حين تُصالِح، غير تفْـتِيتِ ألوان القلْـب من جديد.

 

 

بعضُ البَياتِ الشتوي:

لخميسٍ أزرَق أكثر من اللازم.. يثَـرْثِرُ أكثر من المعتاد.

يترصَّدُ عثراتِ الأيّام السالِفة، لِـيسحَبُ كلَّ الرَّصيد المشحون.. و يمضي دون احتساب الخسارات.

لخميس لا يُمسِك نواياه جانِباً. يتركها دوماً تسير قابِضَةً على قَـلْـبِـه، كي لا يُمسِكَ بتلابيبِها..

لا تَدَعْها تسبِقْـكَ دون أن تلحقَها.. فرقُ التوقيت بين يقظَتِـكَ و استقامَتِها قد يستغرقُ نَـوماً كامـلاً..

 

 

تَحْريرُ رقَـبَة:

لجُمعةٍ تقتَرِف أزياءَ مغايِرة، ترتدي كلَّ المناسِك بفائض تبتُّل.. تصالح العُـرْفَ و التقليد و العادة.. و تغْتَرِفُ من الأصالة حاجَة كلِّ الأيام و أكثر، كفّارةً للغدِ الذي سيَتلوها على هواه..

لجمعَة لا تمَلُّ طعامها أو شرابها أو الـتفَافِـها.. لا تُتْعِـبُها حلقاتُ النفاق، و فائض الوعظ، و جلْـد النَّميمة...

كوني مثلما شئتِ، بكِ الأفراد جماعة.

 

 

بكلِّ الألوان:

لِـسبتٍ ساعتُه دوماً تخذُل نومه.. تشْـتِهي غيرَه، و هو الماثلُ بفراغِه أمام دقّـاتِها. تستفيقُ باكِراً مثل الأيام التي سبقَـتْه، لتدفَـعَه إلى لَمْلَمَة باقي كلماتِه المُبعثَرة، قبل نهاية الأسبوع.

لسبتٍ لا يعرِفُ الوَقْر في البيت، و لا يترك لفوضى الاثنين أن تنال من نظامه لوْناً. يستَميت ليصْرِفَ تضاريسه نحو جغرافيات أخرى.. لكن التّاريخَ يمكُر بينابيعِه المتجدِّدة، و يراوِدُ الصَّخْرَ عن اسمٍ هو له.

لسبْتٍ يحب أن يعبَّ الحياة من ورود أخرى، غير أزهار حديقـتِه الخلفية. لكن الثلج يرسمُ بياضَه فوق كلِّ اللّوحات، و يتركُ للفراشات حقَّ التزلُّج الافتراضي.

ستغنِّي لكَ العصافيرُ.. أَرْهِفْ سمعَـكَ قليلاً، إنّها تشدو..

لكَ...

 

 

بسبْقِ إصْرار:

لأحَدٍ خائِنٍ بامتِيَازٍ، لا يحفَظُ وعودَه مهما امتـدَّتِ الأشهُرُ.

يداري عجزه بأمانٍ جديدة يقتطِفها كل أسبوعٍ و هو يتشدَّقُ بـالآمال الكبرى. لا يتورَّعُ عن الاشتهاء.. عن الحُلم، مهما كبَّدَ باقي التفاؤل مزيد انكسار.

لأحدٍ مخاتِلٍ لا يتقِن غير الهروب.

لا يُمْكِن لباقي الأيام أن تكُونَ له وفيَّةً.

 

 

هلْ مِن مَزِيد:

الثَّـمِـينُ ليس يوماً.

ليس له من أيام الأسبوع سوى مراوغة أحجارها السبعة.. لا يرتدي أسماءها أو ساعاتِها.. لا يستيقظ صباحاً مثلها، و لا يغفو آخر النهار نكايةً بضجيج لا يتقِنُ الليلُ اصطناعَه.

الثمينُ لا يحبّ لوناً محدَّداً، لكنّه يخبِّئ للقَـلْـبِ بعضَ حواشيه.. و يغازلُ الأديم بجسدٍ هُوَ له.

الثمين لا يغالِبُ خيوطَ حَبْكِه المتداخلة، و لا يُفرِط في البحث عن أصل الحكاية. الثمين ثمينٌ فِعلاً.. إنّه حُلْمُ يومٍ لا يشبِه باقي الأيام.. يلاحق نقصَها باكْتِماله، و يكابِرُ ضعفَها باحتِمالاتِه المضاعَفَة.

و للحلْمِ كلُّ الأحرُف تهتِفُ بِـاسم أيام ثمانية، هَلْ مِن مَزيد.

 

saidataqi@gmail.com