لم تمض دقائق عن خروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جنين فجر 22 آذار/مارس الجاري عقب اغتيال 3 مواطنين فلسطينيين، وإذا بعدد من الناطقين باسم جيش الاحتلال، وما تسمى بـ"الإدارة المدنية" يبادرون بالاتصال بمقرات وكالات الأنباء الفلسطينية والدولية والقنوات الفضائية المحلية والأجنبية على حد سواء؛ لغرض تبرير الجريمة.
من المؤسف بأن الرواية الإسرائيلية وجدت بعض الصدى لها في عدد من المواقع الإخبارية الفلسطينية، وفي معظم الوكالات العالمية... وبالنظر لتواقيع من كتبوا هذه التصريحات في وكالات الأنباء العالمية وبعض الشبكات الإخبارية نقلاً عن متحدثين باسم الاحتلال اتضح بأن غالبيتهم من الفلسطينيين أو العرب ما يدعو لعملية مراجعة ووقفه مع الذات.
الفرق بيننا وبين الكيان الصهيوني، بأنهم يعلمون بتخطيط سليم بعيدًا عن الأهواء والمزاجية، وهم لا يتعاملون بردات فعل، والأهم يراقبون إعلامنا وينتهزون أية فرصة لتوصيل رسالتهم، وبأسلوب يتسم بالدهاء والذكاء، ودائمًا جهدهم المدروس يكون على حساب الحقيقة.
وتاريخ 29 كانون ثان/يناير الماضي عندما كانت رام الله على موعد مع اغتيال الشاب محمد محمود مبارك(20 سنة) من مخيم الجلزون للاجئين، ليس بعيدًا عنا، حيث أن قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي قتلته دون مبرر خلال ساعات عمله الرسمي في مشروع تأهيل طريق وادي البلاط وسط الضفة الغربية، والذي يتم تنفيذه من قبل وزارة الأشغال العامة والاسكان بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
ففي الوقت الذي ادعى فيه جيش الاحتلال بأن الشهيد أطلق النار على قوة إسرائيلية أثبتت الصور التي التقطت في مكان الجريمة زيف هذه الرواية المفبركة، كما أكدت إفادات العاملين بالمشروع ممن رافقوا الشهيد وتابعوا ما جرى عن قرب بأن الضحية كان يحمل راية لتوجيه حركة السير باتجاه قرية دورا القرع، وأن أحد الجنود طلب منه خلع سترة العمل (التي تحمل شعار شركة المقاولات منفذة المشروع)، وعندما التزم بما طُلب منه باغته جنود بإطلاق الرصاص وأصابوه وتركوه ينزف حتى فارق الحياة.
وفي حينه تناقلت بعض وسائل الإعلام رواية الاحتلال المغلوطة، والتمثيلية فاشلة الإخراج التي استندت إلى وضع قطعة من سلاح (كارلو) بجانب الشهيد بعد اغتياله بدم بارد، لإيهام الرأي العام بأن ما حدث كان اشتباكا مسلحا.
وها هو المشهد يتكرر ثانية اليوم، ولكن للأسف كان المخرجون هذه المرة "جهلاء" من أبناء الشعب الفلسطيني، فتطل علينا فضائية الأقصى التابعة لحركة حماس في تقرير لها عن استشهاد المجاهد حمزة أبو الهيجا واثنين من المقاومين في مخيم جنين، وتقول: إن " أبو الهيجا كان يخطط لتنفيذ عملية خطيرة ضد هدف إسرائيلي ولكن تم اغتياله قبل أن تخرج العملية للنور".
إن ابو الهيجا شاب يانع أحب الحياة وعشق الحرية ورفض القيود، ولم يبلغ من العمر أكثر 21 عاما، وبكل الأحوال هو ضحية، ومهما كان نشاطه الوطني ومهما كانت نواياه وخططه، لم يكن مبررًا بأن نأتي بمثل هذه الرواية التي تستخدمها إسرائيل وتقدم الضحية للعالم بأنه "إرهابي"، أو "مخرب" كان يخطط لتنفيذ هجمات خطيرة بحقها، وتظهر نفسها بأنها في موقع الدفاع، مع أنها في الحقيقة بموقع الهجوم وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل.
أن يُقدم الشخص نفسه فداء للوطن، هو أقصى درجات التضحية، ولم يرتق الشهيد حمزة أو غيره من الشهداء إلا لإيمانهم بعدالة قضية شعبهم المظلوم والمقهور ولرفضهم المطلق للاحتلال، وأقل شيء يمكن أن نقدمه في ظل صعوبة الموقف وكثرة التحديات الراهنة هو امتلاك المبادرة بتوعية الجماهير لخطورة المصطلح وإجادة التعبيرات السليمة، وتدريبهم على حسن استغلال الإعلام، لا أن نردد رواية قد تفيد إسرائيل في تبرير مجازرها.
وكمراقب لما تناقله معارف الشهيد أبو الهيجاء، أو غيره من الشهداء الأخيرين على موقع التواصل الاجتماعي لفت انتباهي نشر الشهيد وأحد رفاق دربه عبارات على "فيس بوك" قبيل استشهادهما بساعات قصيرة، ما يستدعي الأمر التنبه مستقبلا إلى مقدرة الاحتلال على تحديد مكان أي شخص يستخدم شبكة الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى أجهزة الخليوي، فالحذر واجب.
أكاديمي وصحفي فلسطيني