في موسوعة "المنسي في الغناء العربي" لزياد عساف يسلط الباحث المتخصص في الموسيقا والغناء الضوء على المغيب من تراث الأغنية العربية والقوالب الغنائية القديمة والعلاقة بين الفنانين، ومنها التجربة الجمالية السمعية في منتصف القرن العشرين للمغني المصري عبد الغني السيد.

عبدالغني السيد .. من الطفولة المريرة إلى نجومية الغناء في الثلاثينيات

زياد عـسّـاف

كثيراً ما عانى في طفولته من معاملة زوجة الأب القاسية والتي حاولت إبعاده عن البيت بكل الوسائل حتى وصلت بها الامور إلى دلق الماء الساخن عليه أثناء نومه، مما أحدث حرقاً كبيراً في كتفه وبقي يعيش حالة من الذعر لفتره طويله، من هنا وجد الأب بأنه لا بد من إعادته إلى حضانة أُمه المطلقه والتي بدورها أرسلته للعمل –أستورجي– "تلميع الموبيليا". وأثناء العمل بدأ يغني بصوته الجميل الذي لفت انتباه المارة في الشوارع، ومن على شرفات البيوت كثيراً ما كانت الصبايا تصغي إلى ذلك الصوت الشجي القادم من محلات "علي خليل" للموبيليا، في أحد الايام تصادف وجود الموسيقار زكي مراد فأعجبه صوته، ومن هنا قرر أن يتبناه فنيا فقدمه للغناء بالأفراح والصالات الغنائية، وأقام معظم الوقت في بيته وأخذ يتدرب مع أبنائه المطربة ليلى مراد والملحن منير مراد، من هنا كانت الانطلاقة الأولى له وأصبح بعد ذلك المطرب عبدالغني السيد نجم الغناء في الثلاثينيات وما بعد.

زيارة إلى منزل عبدالغني السيد

للكتابة والتدوين لسيرة حياة عبدالغني السيد (1908-1962) كان لا بد من الالتقاء بإبنه الوحيد المقيم في القاهرة، وبعد جهود مضنية بذلتها في البحث عنه حتى كدت أفقد الأمل بذلك، حتى فاجئتني الصديقة الفنانة التشكيلية إيناس محمد أحمد باحضارها لي رقم تلفونه، على الفور بادرت بالإتصال به ورحب باللقاء وحددنا الموعد في الساعة الثامنة مساء، وزاد من سعادتي أن اللقاء سيكون في منزل عبدالغني السيد نفسه، توجهت للعنوان الكائن في شارع أبو العلا – بناية الإنجليز– وكان استقبال نجله الفنان المهندس محمد عبدالغني السيد بغاية اللطف والمودة، لدرجة أنني لم أشعر بالوقت وجلسنا بالصالة التي كان يستقبل بها والده كبار نجوم الفن والغناء مثل عبدالوهاب وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ ومحمد الكحلاوي.

ولم أستطع إخفاء سعادتي عندما أخبرني محمد عبدالغني السيد أن الكرسي الذي أجلس عليه كان المقعد الخاص للموسيقار بليغ حمدي، بدأ الحوار بالحديث عن الحياة الأسرية والاجتماعية لعبد الغني السيد الذي تزوج ثلاث مرات، الأولى كانت قريبة له وكان زواجا من النوع التقليدي وأنجب منها زينب وبثينة، أما الزوجة الثانية فكانت ابنة مسؤول كبير في مرحلة الاربعينيات، والتي أُعجبت بصوته وهندامه، وحين تم التعارف بينهما وطلبت منه أن يقدم لها أسطوانه من أُغنياته هدية لها، فأهداها أُغنيته الشهيره "صحيح الدنيا مالهاش أمان"، فأحبته أكثر من خلال هذه الأغنية، وتم بينهما الزواج ولعدة أيام فقط بعد صدور قرار من الملك فاروق بتطليقهما، كونه لم يُرد أن تصبح عادة متبعة ويتزوج الناس البسطاء من طبقات الأعيان، وليس حسبما أُشيع في بعض الصحف أن الملك فاروق أرادها زوجة له، حدث بينهما الانفصال رغم الحب الكبير الذي جمعهما معاً.

تزوج للمرة الثالثة من شجون توفيق راسخ،  والتي كان لها من اسمها نصيب، حيث عاشت قصة كفاح في تربية أبنائها بعد وفاة عبدالغني السيد إلى أن نال أبناؤها ليلى وإيمان ومحمد درجات عليا في التعليم، واستحقت على إثر ذلك لقب «الأُم المثالية» على مستوى جمهورية مصر العربية عام 1981.

أصدقاء ولكن..

من المحطات المهمة في حياة عبدالغني السيد علاقته بالمطرب والموسيقار محمد عبدالوهاب كانت بداية هذه العلاقة عندما استعانت المطربة منيرة المهدية بعبدالغني السيد للقيام بدور البطولة في مسرحية "كيلوبترا" الغنائية بدلاً من عبد الوهاب الذي قرر أن يسافر إلى بيروت لقضاء إجازته هناك.

حقق عبدالغني في هذه المسرحية نجاحا ملفتاً كممثل ومغني جعل منيرة المهدية تمدد العرض شهرا إضافيا، علم عبدالوهاب بهذا النجاح وبغيرة الفنان قطع إجازته وعاد إلى القاهرة ليشاهد العرض الختامي لـ"كيلوبترا".

نشأت بينهما صداقة كانت بظاهرها وطيدة، لكنها لا تخلو من الحساسية والغيرة الفنية من قبل عبدالوهاب، مما انعكس ذلك سلبياً على مسيرة عبدالغني الفنية والذي كان يستشير موسيقار الأجيال بمشاريعه الفنية وكانت نصائحه أغلبها ليست من صالح «السيد» فكان مثلاًعندما يستشيره: "عندي عرض لحفل غنائي في المنصورة"، يكون رد عبدالوهاب "يعني ح يدوك كام؟!.. إنسى". أيضاً علاقة عبدالغني بأم كلثوم كانت مقطوعة بسبب قربه من عبدالوهاب الذي كان يُشكل منافسا لهذا ذاك الوقت.

عبدالغني السيد كان مرحا وصاحب نكتة ويمتلك هواية تقليد الفنانين المطربين وبدقة وكان عبدالوهاب يستعين به من خلال هذه الموهبة وكثيراً ما كان يطلب منه تقليد المطربين الجدد وفي حال كان عبدالغني يقلده مطرباً ما بطريقة ساخرة، كان عبدالوهاب يرفض التلحين لهذا المطرب، أما إذا قلده بطريقة جادة ورزينة كان ذلك جواز المرور له من خلال لحان عبدالوهاب له.

تبقى أصدق العبارات هي التي يقولها الناس لحظة وفاة صديق لهم، عند وفاة عبدالغني اليسد قال عبدالوهاب عبارته الشهيرة "هزمني عندما ظهر، وهزمني عندما تركني ورحل" وهذا ما يؤكد أنه كان منافساً قوياً خاصة عندما أجرت مجلة الأثنين "الكواكب فيما بعد" استفتاء للجمهور عن أحب المطربين لديهم, كان عبدالغني السيد الاول وفاز عبدالوهاب بالمرتبة الثانية.

شارع محمد علي .. نموذج الافلام الغنائية

في بداية الأربعينات التقى عبدالغني السيد بالملحن محمود الشريف في إذاعة يافا في فلسطين عندما كان يشارك في تقديم بعض الحفلات هناك، في ذاك اللقاء عرض عليه الموسيقار الشريف لحن من أُغنياته ليقدمها في فيلم "شارع محمد علي"، اتفقا وقام عبدالغني السيد بالبطولة والغناء، قدم في هذا الفيلم أغنيته الشهيرة "ولا يا ولا" التي لا زال الكثير من المطربين يقلدونها إلى الآن، فيلم "شارع محمد علي" والذي حقق نجاحاً كبيراً أثناء عرضه، أصبح نموذجا للعديد من الأفلام المصرية الغنائيه بعد ذلك، حتى بتنا نلمح ذلك في العديد من الأفلام، من خلال قصة تحكي عن مطرب مغمور يعيش قصة حب مع فنانة مشهورة أو فتاة أرستقراطية، يفترقان نتيجة سوء فهم أو من خلال وشاية من العوازل يحقق بعد ذلك الشاب شهرة كبيرة كمطرب وتعود المياه لمجاريها بينه وبين بطلة الفيلم، من هذه الأفلام التي اتخذت هذا المنحى "شارع الحب" و"حكاية حب" و"معبودة الجماهير" لعبد الحليم حافظ، و"لحن حبي" و"ماليش غيرك" لفريد الأطرش، و"وداعاً يا حب" لمحرم فؤاد.

قدم عبدالغني السيد للسينما ما يقارب الـ16 فيلماً، أربعة منها قام بها بدور البطولة والأفلام الأخرى ظهر كمغن فقط أو أدوار ثانوية من أهم هذه الأفلام بالإضافة لـ«شارع محمد علي»، "المرأة كل شيء"، "ضحيت غرامي"، "البيت الكبير"، "طاقية الإخفاء" مع الفنانة تحية كاريوكا، "أسرار الناس"، "نور من السماء" مع فاتن حمامة، "بنت العمدة"، "سفير جهنم" مع هاجر حمدي، "عريس من اسطنبول" مع راقية ابراهيم، وشارك بالغناء في فيلم "عايدة" مع أُم كلثوم، وأفلام أخرى مثل "وراء الستار"، "بابا أمين"، وفيلم "كيلو99" الذي تم تصويره خلال أسبوع واحد فقط تماشياً مع أحداث العدوان الثلاثي 1956.

من خلال حواري مع المهندس محمد عبدالغني السيد، اعتبر أن والده أخطأ عندما ركز جل اهتمامه على الإذاعة ولم يرسخ حضوره سينمائياً كباقي المطربين الذين بقيت أعمالهم أرشيفاً ولا زالت تعرض لغاية الان وهذا ما تأكد بعد ذلك من خلال ضياع جزء كبير من أرشيف عبدالغني السيد في الإذاعة.

"ع الحلوة والمرة" .. حكاية أغنية

في جلسة مشتركة مع مجموعة من الأصدقاء على مقهى البستان في القاهرة حدثني الفنان المهندس ناجي الشناوي عن الحكاية التي كانت وراء ظهور أغنية "ع الحلوة والمرة" الشهيرة التي غناها عبدالغني السيد، وذلك عندما اكتشف والده الشاعر الغنائي مأمون الشناوي في أحد الايام وجود ورقة تتضمن كلام غزل في جيبة البنطلون الذي يرتديه، استفسر من الشغالة التي في بيته عن سر هذه الرساله، ارتبكت في البداية ثم اعترفت له بأنها تعيش قصة حب مع المكوجي الذي تعوّد الشاعر الغنائي مأمون الشناوي أن يرسل ملابسه لديه، ووجدها المكوجي فرصة كي يبعث لها رسائل الغرام في جيوب ملابس الشاعر الغنائي الكبير، على الفور طلب الشناوي الشاعر من الشغالة إحضار هذا الشخص ظناً منها للوهلة الأولى إنه سيعاقبه، بعد لقائه به أبدى الشناوي الأب إعجابه فيما يكتب وقال له أنت مؤهل لأن تكون شاعراً غنائياً حيث كانت رسالته للشغالة قصيدة بالعامية تقول كلماتها: "ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين .. ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين"، غناها بعد ذلك عبدالغني السيد من ألحان محمود الشريف وحقق من خلالها شهرة كبيره، أما المكوجي وبفضل تشجيع مأمون الشناوي له أصبح فيما بعد الشاعر الغنائي المعروف سيد مرسي الذي غنى من كلماته فيما بعد نجوم طرب الزمن الجميل مثل ليلى مراد، محمد فوزي، شادية، نجاة الصغيرة، وردة، فايزة احمد، ومحرم فؤاد..

"البيض الأمارة"

لم يتمالك محدثي محمد السيد نفسه عندما سألته عن أُغنية "البيض الأمارة" التي غناها كارم محمود بصوته وهي بالأصل لوالده، فحدثني كيف أن كارم محمود سجلها بصوته على أسطوانات ونسبها لنفسه بعد رحيل والده، وتابع كلامه والمرارة تبدو على وجهه، كيف أن والده تعرض لإهمال شديد من وسائل الإعلام وهو بدوره من يبادر بالإتصال بهم لتذكيرهم بذكرى وفاته التي صادفت منذ أيام قليله، وحاز على التكريم بعد سنوات عديدة من وفاته من خلال جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 1989.

غنى عبدالغني السيد جميع الوان الغناء ما بين العاطفي والوطني والديني ولحن له أشهر الملحنين في ذاك الوقت منهم رياض السنباطي، كمال الطويل، بليغ حمدي، محمد عبدالوهاب، عبدالفتاح بدير، عبدالحليم نويره، محمد فوزي، محمد الموجي.

من أجمل الأغاني العاطفية التي قدمها "انا وحدي يا ليل سهران"، "بحبك مهما أشوف منك"، "الحلو شاورلي بمنديله"، "ليه يا جميل ياللي بعادك طال"، "جبال الكحل"، "آه من العيون"، "سبحان اللي صور"، "يا بايع الصبر"، "أنا وإنت في الهوى"، "لا دمع كفى وطفى النار"، "الحب حلم جميل"، "كفاية البعد يا نسمة العصاري"، "عطشان والنبي"، "آه يا حبيبي"، "يا موعودين بالهنا"، "افرح.. افرح"، "ودي السلام والنبي"، "يا حبيبي الله يخليك"، "عمر الحب مالهش نهاية"، "صعبان عليه"، "الدنيا غنوة بقربك"، "وحشتني عينيه"، "إنت فاكر ولا ناسي"، "سحر جمالك فاق الحد"، "إنت على بالي"، "بكره ح تندم"، "العشرة صعبانة عليا"، وكانت آخر اغنياته "أنا ما تنسيش" والتي أعادتها المطربة لطيفة التونسية فيما بعد.

ومن أغانيه الدينية "يا حاج بيت الله"، "يا رمضان" بالإضافة للعديد من الأدعية والإبتهالات الدينية وكان لعبدالغني السيد العديد من الزيارات لفلسطين لإحياء ليالي رمضان هناك من خلال إذاعة يافا عدا عن مشاركته بإحياء العديد من الحفلات هناك كان منها ان أحيا وغنى بصوته بحفل عرس لـ"آل خورما" في فلسطين في أوائل الاربعينات، محمد عبدالغني السيد والذي درس فنون الموسيقى تأثر بوالده، وأعاد توزيع بعض أغاني الوالد وإعادة تلحينها. وأنا في ضيافته استمعت إلى أُغنية عبدالغني "إيه فكر الحلو بيا" من ضمن الأغاني التي أعاد تلحينها وتوزيعها بأسلوب جديد وجميل، إلا إنه لم يلق الدعم لتنفيذ هذه الفكرة لغاية الآن.

من شعبي إلى عبدالناصر

قدم عبدالغني السيد العديد من الأغاني الوطنية في مرحلة الخمسينات تقارب الـ30 أُغنية التي ضاع معظمها في أرشيف الإذاعة إلى أن قامت السيدة هدى بنت جمال عبدالناصر بإعطاء محمد عبدالغني بعض هذه الاغنيات التي كانت تحتفظ بها، ومع إستلام السادات الحكم منع بث هذه الاغاني، ومن أشهرها "من شعبي إلى عبدالناصر"، "خمس فدادين"، "الأرض دي أرضنا"، "العربي أخو العربي"، "نداء الوطن"، "كلنا عمال"، "يا مسافر المنصورة"، "تحيا بلادي"، "ثورة الأحلام" ولبغداد ومن شعر علي الجارم والحان رياض البندك غنى عبدالغني السيد "بغداد يا بلد الرشيد".

ظاهرة الأغاني الأكثر مبيعاً

في الثلاثينات حققت أغنية عبدالغني السيد "نسيتي حبي بعد اللي كان" مبيعاً قارب المليون نسخة، هذه الظاهرة كانت موجودة سابقاً وحقيقية، نظراً لوجود مؤسسات التحقق من التوزيع آنذاك، ووجود مؤسسات محايدة يتم الاحتكام لها، و كانت متبعه في معظم بلاد العالم، على صعيد الأغنية العربية كثيراً ما تناوب المطربون والمطربات العرب الفوز من حيث الأغاني التي تحقق طلباً كبيراً من المستمعين، كأغنيات أُم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم وفايزة أحمد وشادية وكثيرون غيرهم.

في هذه الأيام لم تعد أرقام التوزيع مؤشراً لنجاح أو رواج الأغنية لمطرب ما، لغياب النقد والتقييم الحقيقي من قبل فنانين وموسيقيين ذوي خبرة بالإضافة للمهرجانات الغنائية التي تقيمها بعض المحطات ويكون معيار نجاح أغنية ما يعتمد على الشكل الظاهر والابهار مع غياب اللحن الجميل والكلمة المعبرة والصوت القادر، مع ذلك يبقى للزمن الجميل حضوره، ففي المناسبات العامة كعيد الأم مثلاً نجد أن أُغنية "ست الحبايب" لفايزة احمد تكون الأكثر مبيعاً، كذلك في خضم الأحداث الوطنية تعود وتحقق الأغاني الوطنية بيعاً أكثر كأغنية "زهرة المدائن" لفيروز أو "أخي جاوز الظالمون المدى" لعبدالوهاب، في مناسبات الأعياد يكثُر الإستماع لأغنية أم كلثوم "ياليلة العيد"، وأثناء أداء فريضة الحج  "عليك صلاة الله وسلامه" لأسمهان، وللنجاح "وحياة قلبي وأفراحه" لعبد الحليم.

في يوم .. في شهر .. في سنة

لم تكن هناك أية حساسية أو منافسة بين عبدالغني وعبدالحليم حافظ كما كانت تبث وسائل الإعلام والصحافة آنذاك، وأثناء حديثي مع نجل عبدالغني عن طبيعة العلاقة بينهما أكد لي عكس ما كان يشاع تلك الفترة، بل قبل أن يغني حليم "صافيني مرة" تم عرضها على عبدالغني السيد إلا أنه اعتذر وقال أن عبدالحليم أفضل من يغنيها، وكانت فاتحة الشهرة له بعد ذلك، وعن طبيعة العلاقة الإنسانية التي كانت تربطهما عاد ذات يوم عبدالغني السيد للمنزل باكياً بعد زيارته لحليم في المستشفى الذي كان ينزف دماً وقتها بعد إجراء عملية جراحية له.

في شتاء عام 1962 كان عبدالغني السيد في زيارة لمنزل تحية كاريوكا وزوجها الفنان فايز حلاوة محاولاً الإصلاح بينهما، نتيجة الخلافات بين الزوجين، تلك اللحظة ردت عليه الفنانة تحية كاريوكا بأسلوب قاس تأثر منه عبدالغني السيد، وأحس بالمرارة والأسى بعد أن كان يشعر بأنه صديق العائلة، على إثرها تعرض لنوبة قلبية وتم نقله إلى المستشفى، زاره عبدالحليم في ساعاته الأخيرة وقال له عبدالغني "نفسي العب طاولة مع بليغ حمدي وعلي اسماعيل"، ثم طلب من حليم أن يغني له "في يوم .. في شهر .. في سنة" بصعوبة غناها حليم له محاولاً إخفاء دموعه تلك اللحظة.

وفي الحفلة الغنائية الأولى لعبدالحليم بعد وفاة عبدالغني السيد، طلب منه الجمهور أن يغني لهم "على قد الشوق"، إلا أنه يومها خاطبهم قائلاً "سأغني الآن الأغنية التي كان يحبها عبدالغني السيد إهداءاً مني لروحه "في يوم .. في شهر .. في سنة.."

زمانك راح.. الزمن في الاغنية العربية

"زمانك راح.. وجه بعده.. زمان كله هنا وأفراح"، من الأغنيات الجميلة لعبدالغني السيد تأخذنا في هذه الحلقة للبحث في الأغاني العربية التي تتغنى بالزمن وفي أشكال عديدة وعلى غرار أغنية «السيد» التي تقرن الزمان بالفرح، غنى فريد الاطرش "أحلى الأماني فيك يا زمان.. لُقا الأحبة في كل أوان"، ولشادية "الزمان لما صالحنا.. غيّر الدنيا لصالحنا.. مين يصدق أو يقول.. اللي فات دا يبقى ذكرى.. واللي أحلى منه بكره .. بس لو نصبر تنول". عبدالحليم "قال إيه.. جاي الزمان يداوينا"، وعن ارتباط الزمن بالحنين غنى عبدالوهاب "إمتى الزمان يسمح يا جميل.. واسهر معاك على شط النيل". محمد منير "يرحم أيام زمان". فيروز "كان الزمان وكان". وعبد المنعم مدبولي من أغنية "يا صبر طيب.. يرحم زمان وليالي زمان .. والناس يا متهني يا فرحان ..الدنيا كانت ورده و شمعه .. ولسه ما اخترعوش أحزان".

عن ارتباط الزمان بالحزن تغنى عبدالغني السيد "أه م الزمان والهوى لما يعادوني.. وقعت بين ده وده والحب وعيوني". فريد الاطرش "زمان يا حب.. يا ما غُلبت فيا". فايزة أحمد "غريب يا زمان .. يا زمان مالكش أمان". وردة الجزائرية "حكايتي مع الزمان". ليلى مراد "يا نيل غدر بي الزمان". أسمهان "فرق ما بينا ليه الزمان". محمد الكحلاوي "يللي الزمن قساك". عبدالحليم "فوق الشوك مشاني زماني". ومن رباعيات صلاح جاهين وغناء سيد مكاوي "عجبي عليك يا زمن.. يابو البدع يا مبكي عيني دماً.. إزاي انا أختار لروحي طريق.. وأنا اللي داخل في الحياة مرغماً.. عجبي!".

للزمن في الأغنية الوطنية تغنت شادية "أقوى من الزمن". صباح "عالي ع الزمان تاجك". محمد قنديل "يلف ويدور الزمان .. والبدر وسط الليل يبان .. جوه العراق وكل وقت وله ادان". أم كلثوم "والله زمان يا سلاحي". في حال تقلبات المشاعر والزمن كانت عزة النفس هي الدواء الشافي ولها غنت كوكب الشرق "وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان". محمد عبدالمطلب "ما راح زمانك ويا زماني.. عمر اللي فات ما حيرجع تاني.. كان حلم وراح إنساه وارتاح.. ودع هواك".

ومن أغنية "إيه فكر الحلو بيا" لعبدالغني السيد، "واللي انتهى فات زمانه.. والحلو ليه دمعه خانه.. باعت بيسأل عليا!!.. إيه فكر الحلو بيا؟"

مع تقلبات الزمان يبقى الإحتياج للصديق دوماً وهذا ما تغنى به محمد رشدي "للزمان اخترلك صاحب.. للزمان دور على صاحب"، وكذلك حال ميادة الحناوي "زمان كان لينا بيت واصحاب طيبين"، ومن أجمل ما غنت عفاف راضي "والله زمان على سهر الحبايب.. والله زمان عالصحبة الهنية.. لينا زمان ما قابلناش صاحب.. لا الدنيا هية ولا الناس هيه هيه"؟

محمد عبدالمطلب عندما اشتكى من غدر الأصدقاء غنى للزمن معاتبا:

"غدار يا زمن .. لا ليك خل ولا صاحب

أعز الحبايب خدتهم .. ولا فضلش ولا صاحب

انا صاحبت صاحب .. أتاري صاحبي مصاحب

وصاحب اتنين يا زمن .. مالوش صااااحب"

(ملحق دورية الرأي)

 

(باحث متخصص في الغناء والموسيقى وأدب الطفل)