"رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" (الإمام الشافعي)
يتملكني يقين تام من أن صدوركم ـ إخوتي أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب ـ تتسع للوم والعتاب وللنقد والنقد الذاتي، الذي قد يكون قاسيا، ولكنهم منطلق من الغيرة على هذا البيت الكبير الذي يضمّنا جميعا، الموسوم بـاتحاد كتاب المغرب.
وعلى هذا الأساس، ألتمس منكم العذر في أن أقول:
أخيرا، وبعد عام ونصف بالتمام والكمال من المؤتمر الأخير، استيقظتم ذات صباح، واكتشفتم أن هناك شيئا اسمه المجلس الإداري، يستحق أن يلتئم اليوم؛ في حين ينص القانون الأساسي على أن المجلس الإداري يجتمع مرة واحدة في السنة على الأقل.
هل يعني هذا أن المجلس الإداري في نظركم مجرد سقط متاع، "خضرة فوق طعام"، أم هو بمثابة برلمان لمؤسستنا التي كُنّا نصفها حتى وقت قريب بالعتيدة؟
قلت "كنا نصفها"، لأن صورة اتحاد كتاب المغرب اليوم هي غير صورته بالأمس، الشيء الذي يجعلنا نتساءل: هل استنفد الاتحاد أدواره الطلائعية، بعد عقود من التمترس في الخندق المعارض للسلطة وللمؤسسة الرسمية، وغدا مجرد ديكور يؤثث المشهد العام في البلاد؛ ولاسيما بعدما "طبّع" علاقاته مع الكل تقريبا، الشيء الذي يجعلنا نطرح سؤالا آخر يحمل من المرارة الشيء الكثير: أين موقع الاتحاد الآن تحديداً؟
وعوض أن يكون تطبيع العلاقات هذا في خدمة الثقافة المغربية والكتاب المغاربة والكتاب المغربي، وفي النضال من أجل سياسة ثقافية وطنية ومواطنة، وجدنا اتحادَنا يبدو كالحائر الذي لا يهتدي إلى سبيل، يخبط خبط عشواء في كل اتجاه.
فأية حصيلة تقدّمونها كمكتب تنفيذي لاشتغالكم طيلة عام ونصف؟ وأية آفاق تقدمونها كتصور ثقافي؟ وهي حصيلة وآفاق تعكس "عقدة تدني المطالب"، بتعبير أحد كُتّابنا، عقدة تلازم المكتب التنفيذي منذ مدة ليست باليسيرة.
أعرف أن الكثيرين منا، نحن أعضاء في المجلس الإداري، يحسون بالغصّة في حلقهم، وهم يرون صورة الاتحاد قد "تهلهلت" و(تبهدلت)، وأعرف أن الكثير من الكتابات التي تنشر في وسائل الإعلام على قدر كبير من الصحة، وهي تصدر عن غيرة عن جمعيتنا هذه.
أرجو أن تُصْدِقوني القول: هل أنتم جميعا شركاء في تدبير أمور الاتحاد؟ هل كل واحد منكم يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ أم أن التدبير عندكم مجرد فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل؟ هل كلّكم ـ في قرارة أنفسكم ـ راضون عن حصيلة عمل الاتحاد وعن مساره الحالي؟
وحتى لا أُنعت بكوني أطلق الكلام على عواهنه، تعالوا نستقصِِ بعض الأمثلة:
تعلمون جميعا، أنه في عالم اليوم، صارت أية مؤسسة تريد التعريف بنفسها وبأنشطتها تقوم بإنشاء موقع إلكتروني احترافي، يكون بوابَتها المفتوحة في وجه الجميع، وهي خطوة تقوم بها حتى الجمعيات الصغرى ذات الإمكانيات المادية الهزيلة أو المنعدمة. فماذا بالكم باتحاد كتاب المغرب؟
حينما نستفتي "الحاج غوغل" عن "اتحاد كتاب المغرب" يستعمل محركاته السريعة، ليجيبنا أن هناك موقعين يحملان نفس الاسم: أحدهما غير مُحيَّن منذ عام 2006، ويتضمن في واجهته بلاغات النعي... وبالتالي، قد يقدم معطيات غير دقيقة عن راهن الاتحاد. والموقع الثاني، هو الآخر، فقير شكلا ومحتوى، ولا تطاله ـ هو أيضا ـ يد التحيين والحنان؛ كما لو أن قيادة الاتحاد منشغلة بأشياء أخرى أهمّ من ضخ الموقع بالأخبار والأنشطة والمواد المفيدة. فلا عجب، إن كنت أجد نفسي وحيدا كلما دخلت الموقع. فالبرودة تسري في كيانه، حيث لا زوار جددا.
أتساءل بالله عليكم، هل المسؤولية عندكم مجرد تشريف وليست تكليفا؟ هل تملكت أحدا منكم يوما الغيرةُ على هذا الموقع؟ ألم تسمعوا استغاثة ركن "الأنشطة" فيه الذي يشكو من اليتم والغربة والوحدة، إذ لا يقبع فيه سوى نشاطٍ وحيد، يرجع إلى عام 2010. والشيءُ نفسُه ينطبق على ركن "بلاغات"، فآخر بلاغ أُدرج فيه يرجع إلى عام 2012. (حسب آخر زيارة لي للموقع، ليلة قبل التئام المجلس الإداري).
لماذا أتعب نفسي في السؤال، فالموقع الإلكتروني هو لسان حال اتحادنا، لسان حال واقعه ومآله. وبماذا يمكن أن يُملأ هذا الموقع يا تُرى؟ هل بأخبار اتفاقيات الشراكات التي لا تنتهي، شراكات مع الصينيين والروس والفرنسيين والصرب وربما حتى مع جزر "الواق واق"؟ وشراكات أخرى مع مؤسسات حكومية ورسمية، ومن أشهرها وأطرفها: الشراكة مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير التابعة لوزارة التجهيز والنقل؟ (ربما شَعُرَ البعض بأن كتابات أدبائنا تُخلّف حوادث كثيرة في دروب الحياة!)
أم يُملأ الموقع بخبر نشاط حزبي تزيّي برداء ثقافي قبل بضعة أسابيع؟ فمن المفروض أن لا يتمّ تسخير اتحاد كتاب المغرب في صراع ما بين الهيئات الحزبية. والمطلوب من هيئتنا ـ المستقلة ـ أن تحتفظ بالمسافة الضرورية مع كل الفاعلين السياسيين، وأن تنأى بنفسها عن التخندق في صف لون حزبي معين ضد لون حزبي آخر. وبالواضح، أقول كواحد من أعضاء المجلس الإداري: إنني أحترم كافة الأحزاب المغربية، وأمارس السياسة بمفهومها الضيق في أماكنها المخصوصة؛ ولكنني حين آتي إلى الاتحاد وأنخرط في ديناميته، أخلع قبّعتي الحزبية (إذا كنت أتوفر على هذه القبعة)، لأن ما يجمعني مع زملائي الأعضاء من قضايا ثقافية وفكرية هو قاسمنا المشترك الذي يوحدنا جميعا، وهو أكبر من التصنيفات الحزبية الضيقة. ولذلك، لا أقبل مطلقا أن يتحول اتحادنا إلى حلبة للتطاحن الحزبي.
المنطلقات نفسها تنطبق على اللقاءات الرسمية التي تجمع قيادة الاتحاد ببعض المسؤولين العرب في مناسبات معينة. فالمفروض في هيئتنا أن تحتفظ بالمسافة الضرورية مع هؤلاء وأولئك، لأنها قد تتخذ موقفا اليوم تندم عليه غدا، ولاسيما أنّ مسارات الربيع الديمقراطي العربي لم تتضح بعد، ويمكن أن تفتح آفاقا أخرى غير متوقعة.
لدي سؤال أود منكم جوابا صريحا عليه: هل هؤلاء المسؤولون التي تجالسونهم حول موائد الغذاء والعشاء، يشاطرون اتحاد كتاب المغرب نفس قيم الحداثة والحرية والديمقراطية؟
والخلاصة أنه عوض أن يشكل اتحاد كتاب المغرب قاطرة لطموحات أعضائه نحو التغيير والمساهمة في الرقي بأوضاع الثقافة والمثقفين في المغرب، حيث التهميش والإقصاء، نجد قيادتنا تجتر نفس ممارسات مؤسسات رسمية، بإضاعة الوقت في المهاترات، عفوا المناظرات، مثل تلك التي يعتزم مكتبنا التنفيذي تنظيمها، والتي تذكرنا بسياسة معروفة يلجأ إليها باستمرار مخططو سياسات تكريس الواقع: إذا أردت إلهاء الناس بموضوع معين، فأحدث له لجنة مختصة، أو أقم حوله مناظرة ما...! والحال أنه ينبغي التعجيل بإقامة ندوة دراسية تنظيمية لتقويم مسار الاتحاد وأدائه.
أخيرا، أنقل للأخ الرئيس طلب العديد من أعضاء الاتحاد ومحبيه والغيورين عليه، وذلك على النحو التالي: وأنت تركب الطائر الميمون مُخترقاً آفاق الأرض مشرقا ومغربا (اللهم لا حسد)، رافقتك السلامة في الحل والترحال؛ فقط لا تنس ـ رجاءً ـ شيئاً اسمه: اتحاد كتاب المغرب !