سمعت صوت ديك العم صالح يصيح كما كان يصيح صباح كل يوم ؛غير أني لم أرَ صاحبه يغادر منزله كعادته ليصلي الفجر في مسجد الحي ثم يركب دراجته بعد الصلاة مسرعا لمحطة العمال علّه يجد أحدا يبحث عن عامل.
استرقت نظرة من النافذة لمنزله لا أعرف سبب غياب عمي صالح ،وإذا بأبي يصيح فيّ غاضبا:
- ابتعد عن النافدة" يا البرهوش".
- لكن أبي؛عمي صالح لم يبرح منزله اليوم ؛قد يكون مريضا .ثم إني أرى الناس يتوافدون تباعا على منزله.!!
بصوت شديد ردّ:
- وما بك أنت؟ قد يكون أولئك ضيوف زوجته المشعوذة!!
- أبي إن زوجتي عمي صالح طيبة ولا تف..........
استطرد قبل أن أكمل جملتي :
- أتركه وشأنه.إذا كان مريضا فلكل مقبرة ستسعه بقبر.أغلق تلك "الشلخة" وعاود مكانك !
أغلقت النافذة أو "الشلخة" كما يسميها أبي بهدوء وتوجهت صوب جزار الحي أبلغه أنه هو من سيذبح لنا خروف العيد.
كان الجو باردا والضجيج يملأ الأزقة ونفس السؤال يتكرر:كم ثمن الخروف؟في طريق عودتي سمعت أحدهم يحدث امرأة قد تكون زوجته بأن العم صالح الذي يعمل بشركة بناء قد تعرض لحادث وبترت ساقه اليمنى كما أصيب بشلل ألزمه الفراش بغير حراك وأن الشركة لم تعوضه عن هذا الضرر.
عدت مهرولا لمنزلنا لأخبر والدي بما سمعت ،فوجدته مازال مستغرقا في النوم مع أن النهار قد بلغ منتصفه.
- أبي......أبي......
مفزوعا قام يسأل:
- ماذا ؟ أضربك أحدهم؟
- لا إنه العم صالح ؛عمي صالح ...
- من هو عمك صالح هذا؟؟؟
- جارك عمي صالح ؛لقد قطعت ساقه وأصيب بشلل.علينا زيارته.!
أعاد عليه الغطاء مزمجرا: مازلت نعسانا ؛نعسآآآآآآان.
- لكن جارنا،يجدر بك زيارته ؛قد تكون آخر مرة تراه فيها!
نظر إلى الساعة التي على شكل ديك معلقة فوق رأسه ثم غادر فراشه مهمهما: فلنذهب.
دخلنا إلى منزل عمي صالح ؛ووجدنا المسكين لا يحرك ساكنا .
تبادل هو و أبي حديثا لم أسمع منه شيء لكني رأيت العم يشير باتجاه التلفاز والثلاجة وبعض الأثاث؛ثم أبي يقوم نحو هذه الأغراض قائلا:
- ربما التلفاز !أما الثلاجة والأثاث فلا.
طأطأ العم صالح رأسه وأدخل أبي يده في جيبه ليناوله ورقة زرقاء ويحمل التلفاز ويهُمَّ خارجا.
بعد وصولنا للمنزل وضعه والدي فوق مائدة وضغط زر التشغيل لتظهر صورة رجل يقول:
- هنا أخبار العالم.......... هنا الرياضة والموسيقى ........ هنا الثقافة والأدب.......
ابتسم أبي ابتسامة عريضة وطلب مني كأس ماء.
في الغد ؛رأيت أبناء عمي صالح يرتدون ملابس عيد سوادء وريش ديكهم الأبيض تلعبه به الرياح .
لم أسمع من ذلك الحين صوت صياحه؛ لم أعد أسمع غير صوت التلفاز وصوت أبي يضحك.