الشعر سفر صوفي للبحث عن المعنى، والشاعر مسافر زاده الحرف... وعيه بالكتابة تعبير عن تفاعل حميم مع العالم كما يراه.. يحسه.. يريه.. يحلمه.. يعيه.. يكتبه.
من هنا نسجتُ أسئلتي ووزعتها كالمنشور على عدد من الساكنين جداري الفيسبوكي… أليستِ الكتابة على الجدران لصيقة بالإنسان منذ أول الخربشات في الكهوف إلى لوحات الطين السومرية والمسلات وجدران المعابد إلى جدران المدن الحديثة التي تصاب بالذعر كلما عنّ للمُهَمّشين رَشّ وجهها بما يخدش صمتها ويغرز في جنبها أسئلة الوجود والكينونة.
شاعر عربي يجيد السفر في لغته، بها منها وإليها... يتهمها بالعجز عن تحقيق شهوته في بلوغ ذروة القصيدة، كما يتّهِم الترجمة بالبخل، ويُسْقِط عنها تهمَة الخيانة. محمد حلمي الريشة خِصب الحرف؛ أصدر (14 مجموعة شعرية وأكثر من 10 كتب مختلفة (عناوين دواوينه قصائد قائمة بذاتها:
منذ ديوان "الخيل والأنثى" (1980) إلى "كأعمى تقودني قصبة النأي" (2008) إلى "قمر أم حبة أسبيرين)، نبضُ حرفِه يسبّح وتراً وشفعاً، فجاءت "الأعمال الشعرية" في ثلاثة مجلدات (2008)، إضافة إلى أعماله وافرة ليس آخرها: "مرايا الصهيل الأزرق- رؤية. قراءات. حوارات" (2010).
لنكتشف بعضاً منه في الحوار الآتي:
* إذا قلّبنا أوراق تاريخك ما الذي سنصادفه؟
- إِذا أَنتم مَن سيفعلُ، فلمَاذا أُخبرُكم؟!
سأَتركُكم تعرفونَهُ بالإِبحارِ سباحةً فِي قصائدِي، فأَنا دوَّنتْ فَي قصائِدي الكثيرَ منْ/ عنْ تاريخِي؛ تاريخِ شاعرٍ شقيٍّ/ مختلِفٍ/ مغايرٍ، عاشَ جُلَّ حياتِه لأَجلِ الشِّعرِ؛ ربحَ بعضَ الشِّعرِ، كمَا يظنُّ، وخسرَ أَشياءَ كثيرةً، كمَا يعتقدُ. قلتُ: "يقامرُ الشَّاعرُ حتَّى علَى خسارةِ الحياةِ.. أَنتِ (القصيدةَ أَعني) تُراهنينَ علَى كسبِ خسارتِه".
بالأَمسِ القريبِ، انتهيتُ منْ تدوينِ مَا حاولتُ أَن يكونَ سجلاَّ لِـ/ منْ تاريخِي الشِّعريِّ/ سِيرتي الشِّعريَّةِ، كنوافذَ تطلُّ علَى مسِيرتي الشِّعريَّةِ، باعتبارِ أَنَّ حيَاتي الشِّعرُ، فجاءَ كتَابي (قلبُ العقربِ- سيرةُ شعرٍ). هوَ ليسَ كتابًا مرشِدًا لشِعري، لكنَّهُ يجعلُ القارئَ يُلقي نظراتٍ مَا، فلاَ بأْسَ عليهِ إِن فعلَ، علَى الرَّغمِ منْ أَنِّي أُصرِّحُ هُنا، ولأَوَّلِ مرَّةٍ، بأَنَّي لمْ أَقلْ فيهِ مَا تمنَّيتُ/ تشهِّيتُ/ رغبتُ بقولهِ شخصيًّا، وشخوصًا آخرينَ، وحياةً، و...، لكنَّ عزائِي أَنِّي دوَّنتُ شعرًا مَا لمْ أَقلْهُ فِي هذَا الكتابِ.
*يقال إن الشاعر لا يسكن الوطن بل يسكن الوهم... أليس الشاعر صوتاً وضميراً لوطنه؟
- مَن قالَ هذهِ المقولةَ لاَ بدُّ وأَنَّهُ يسكنُ "خارجَ التَّغطيةِ"! بلغةِ الاتِّصالاتِ الخليويَّةِ. لاَ شكَّ أَنَّه واهمٌ/ متوهِّمٌ، كمَا لو أَنَّه لمْ يَعرفْ شاعرًا، أَو يقرأْ شعرًا/ قصيدةً حتَّى، مطلقًا.
قلتُ فِي أَحدِ نصوصِي مخاطبًا الشَّاعرَ: "تجيئكَ الفصولُ.. تمرُّكَ الأَمكنةُ.. لستَ زمانيًّا.. لستَ مكانيًّا.. لستَ فِيها..". ليسَ معنَى هذَا أَنَّ الشَّاعرَ خارجَ المكانِ والزَّمانِ، بلْ هوَ يكتبُ لعصرِه فِي عصرٍ آتٍ، ويعيشُ المستقبلَ منْ أَجلِ الواقعِ.
ثُمَّ: مَا هوَ مفهومُ الوطنِ للشَّاعرِ بِهذا القولِ: إِنَّ الشَّاعرَ إِنسانٌ كونيٌّ؟
هوَ يسكنُ وطنَهُ كجَغرافيا محدَّدةٍ بأَسبابٍ شتَّى، لكنَّ الشِّعرَ يُسكِنُه الكونَ كلَّه. هوَ يهتمُّ، مؤكَّدًا، بقضَايا وطنهِ، وهوَ، مؤكَّدًا أَيضًا، تعنيهِ قضَايا الإِنسانِ في هذهِ الحياةِ.
لمناسبةِ السُّؤالِ؛ أَنا استغربتُ مقولةَ الفِلسطينيِّ (إِدوارد سعيد): "إِنَّ الإِنسانَ الَّذي لمْ يَعدْ لهُ وطنٌ، يتَّخذُ منَ الكتابةِ وطنًا يقِيمُ فيهِ."
أَسأَلهُ: هلْ هذهِ مقولةٌ (مجازيَّةٌ)؟! هلْ كلُّ إِنسانٍ كاتبٌ؟!
الفلسطينيُّ، الَّذي هوَ كذلكَ، والَّذي فقدَ وطنَهُ، هلْ يخترعُ وطنًا بالكتابةِ يقِيمُ فيهِ؟! هذَا إنْ كانَ كلُّ فلسطينيٍّ كاتبًا. لكنَّ الكتابةَ، مهمَا علاَ شأْنُها وإِنسانيَّتُها، لنْ تكونَ بديلاً عنِ الوطنِ أَبدًا. حتَّى أَنَّ مقولتَهُ ليستْ تنطبقُ علَى الكُتَّابِ أَنفسِهم، أَيضًا؛ فالكتابةُ ليستْ بديلاً عنِ الوطنِ، وهيَ لنْ تستعيدَ الوطنَ المفقودَ وحدَها.
*هل تؤمن بانبعاث وطن تتآكله الجروح ويغرق في ضماداته؟
- ربَّما سببُ هذا السُّؤالِ هوَ فِلسطينُ، أَو هيَ وأَخواتُها (كلُّهنَّ/ بعضهنَّ) العربيَّاتُ الأُخرياتُ.
بالتَّأكيدِ أُؤمنُ، وبالضَّرورةِ أَن نُؤمنَ جميعُنا، بهذَا الانبعاثِ وإِن طالَ زمنًا، وبقدرتِنا علَى مدِّ جُسورِ التَّقريبِ إِليهِ لتحقيقهِ، كيْ لاَ نظلَّ الَّذينَ يُكتَبُ لهمْ تاريخُهم (تاريخُ اليأْسِ) كأَنَّنا نراهُ فِي الزَّمنِ الآتي.
حالاتُ التَّيئيسِ/ الإِحباطِ/ الانكسارِ المُتتاليةِ منْ عدمِ استطاعتِنا النهوضَ منْ تحتِ الرَّمادِ، هيَ أَفعالُ الآخرِ النَّقيضِ لتدويمِ أَمدِ الهزائميَّةِ فِي دواخلِنا.
إِذا لَو لمْ نُؤمنْ بضرورةِ الانبعاثِ وحتميَّتةِ، فإِنَّنا نعملُ علَى تكريسِ الوقائعِ المؤلمةِ التَّي تُبقينا داخلَ حصاراتٍ متتالياتٍ؛ سياسيَّةٍ، واقتصاديَّةٍ، واجتماعيَّةٍ، ونفسيَّةٍ، وشخصيَّةٍ...الخ. وبالضَّرورةِ القُصوى أَن لاَ نجعلَ مُكوثَ الحالِ الثَّقيلِ مجَّانًا للآخرِ النَّقيضِ، كيْ نعجِّلَ بالانبعاثِ بعدَ إِيمانٍ.
*أي علاقة ممكنة بين الإبداع الأدبي والنقد بأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة؟
- لا زلتُ أَنظرُ إِلى كثيرٍ منَ النَّقدِ الأَدبيِّ علَى أَنَّه فائضٌ عنِ الحاجةِ الكتابيَّةِ، لأَنَّه يجعلُ منْ نفسِه هكذَا. إِذا كانَ دورُ المبدعِ، أَو وظيفةُ الفنَّانِ، بتعبيرِ (كمبرلي باين) "أَن يجعلَ القبيحَ جميلاً، والفارغَ ممتلئًا، والعاديَّ خارقًا للعادةِ"، فهذهِ وظيفةُ الفنَّانِ كمَا رَآها هوَ، وأَنا كثيرًا مَا أَرى هذهِ الوظيفةَ يتقمَّصُها ناقدُ الأَدبِ، فيفعلُ هذَا فِي نصوصٍ عديمةِ القيمةِ، وضحلةِ المضمونِ، وفقيرةِ الشَّكلِ حتَّى، وهذَا لغرضٍ فِي نفسهِ، أَو هوَ، أَصلاً، فقيرُ الموهبةِ النَّقديَّةِ.
ثمَّ: مَا حاجةُ الإبداعِ الأَدبيُّ إِلى النَّقدِ؟ مَاذا يفعلُ النَّقدُ للإبداعِ؟ هلْ يحتاجُ الإِبداعُ إِلى مَا بعدَ الإِبداعِ نقدًا؟ طالمَا أَنَّ أَدبًا مَا يوصفُ بالإِبداعِ وقدْ حقَّقَهُ، فماذَا سيفعلُ النَّقدُ الأَدبيُّ لهُ، حتَّى بأَبعادِه الثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والسِّياسيَّةِ؟
النَّقدُ العربيُّ القديمُ كانَ وضعَ مقاييسَ قاسيةً وأُطرًا محدِّدةً للشِّعرِ، وكانَ يحاكِمُ النُّصوصَ داخلَها حتَّى ضمنَ المعقولِ واللاَّمعقولِ. أَيُّ معقولٍ، غَير سلامةِ اللُّغةِ وصحَّتِها، فِي نصٍّ شعريٍّ يتفاعلُ كيميائيًّا داخلَ مخيلةِ الشَّاعرِ المبدعِ؟! لهذَا قلتُ: معظمُ الشِّعرِ العربيِّ القديمِ وما بعدَ القديمِ، نظمٌ وليسَ شعرًا. حتَّى أَنَّ ذاكَ النَّقدَ أَثَّرَ علَى المتلقِّي، وليسَ القارئَ فِي حينهِ، وكثيرًا منَّا يعرفُ حكايةَ الشَّاعرِ المجدِّدِ فِي عصرهِ (أَبي تمَّام) معَ أَحدِ المتلقِّينَ شِعرَهُ بأُسلوبهِ السَّاذجِ.
إِذا كانَ دورُ النَّقدِ الأَدبيِّ الحديثِ، الحديثَ عنِ الشِّعرِ الإِبداعيِّ، بأَن يسلِّطَ الضَّوءَ عليهِ، فلاَ داعيَ لهذَا، لأَنَّ الشِّعرَ مضيءٌ ذاتيًّا. وإذا كانَ دورُه الشَّرحَ، فإِنَّه بهذَا كمَن يفتِّتُ وردةً بحثًا عنْ مصدرِ رائحتِها الَّتي لنْ يدركَهُ أَبدًا. وإذا كانَ دورُه التَّفسيرَ كمَن يفسِّرُ الماءَ بالماءِ، فإِنَّ القارئ المبدعَ لاَ يحتاجُ إِلى أَن يتوضَّأُ قبلَ قراءَتِه للشِّعرِ!
* هل هناك إرادة عربية لمساءلة الثقافة وتفعيل دورها في التنمية؟
- لاَ بالتأْكيدِ، وهذَا بارزٌ جدًّا علَى المُستوى الرَّسميِّ بشكلٍ فاضحٍ حتَّى. نحنُ نعرفُ أَنَّ الإرادةَ الرَّسميَّةَ معطَّلةٌ إِن لمْ تَكنْ مسلوبةً، سياسيًّا، بأَمرِ الآخرِ النَّقيضِ. ثمَّ إِنَّ المُستوى الرَّسميِّ هوَ مَن يمتلكُ مقوِّماتِ التَّنميةِ، وحتَّى "التَّنميةَ الثَّقافيَّةَ" فهوَ لاَ يُريدها أَن تنمُو (موازنةُ وزارةِ الثَّقافةِ- في أَقلَّ منْ فلسطينَ- ثلاثةٌ فِي الأَلفِ فِي المائةِ!)، وخاضعٌ، أَيضًا، لشروطِ اليدِ العُليا وأَوامرِها الاقتصاديَّةِ.
يبقَى الكلامُ عنِ الإِرادةِ الوطنيَّةِ/ الشَّعبيَّةِ، والَّتي عَليها أَن لاَ تكتفِي بمساءَلةِ الثَّقافةِ ثمَّ تركنُ إِلى السُّؤالِ فقطْ، رافعةً العتبَ عنْها، بلْ يجبُ أَن تفعِّلَ التَّنميةَ الثَّقافيَّةَ، بطرائقَ مختلفةٍ، ولَو باللُّجوءِ إِلى التَّضحيةِ لإِحداثِ/ إِنهاضِ الوعيِ الثَّقافيِّ الَّذي هوَ عَصَبُ الوعيِ العامِّ. صحيحٌ أَنَّ الإِبداعَ الأَدبيَّ/ الثَّقافيَّ عملٌ فرديٌّ، لكنَّ لهذهِ الفرديَّةِ دورًا فِي الوعيِ الجمعِيِّ.
إِذن؛ لكيْ تكونَ هناكَ إِرادةٌ عربيَّةٌ لمساءَلةِ الثَّقافةِ عنْ تفعيلِ دورِها فِي التَّنميةِ ككُلٍّ، يجبُ علَى المثقَّفِ/ المبدعِ أَن يمتلكَ إِرادتَهُ، أَو أَن يعملَ علَى استعادتِها أَوَّلاً، وكمَا قالَ (شكسبير): "لاَ شيْءَ يأْتينا منْ لاَ شيْء".
* في الشعر تتوازى الظواهر والأسئلة وينتفي البياض لميلاد جديد مع كل نبضة حرف... هل ما زال الشعر العربي قادراً على تحقيق الخلود؟
- جميلةٌ وحقيقيةٌ ومدهشةٌ العبارةُ الَّتي سبقتِ السُّؤالَ!
كلمةُ "الخلودُ"، كمَا فقِهتُها هُنا، تَعني استمرارَ/ بقاءَ/ ديمومةَ الشِّعرِ العربيِّ. هوَ تحقَّقَ منذُ (العصرِ الجاهليِّ!)، ولا يزالُ يتحقَّقُ، وسوفَ يظلُّ هكذَا، مَا دامَ يخرجُ الشُّعراءُ الحقيقيُّونَ المبدعونَ منْ رحمِ الإِبداعِ.
كمْ أَنظرُ إِلى الشِّعرِ، والإِبداعِ العربيِّ عمومًا، أَنَّه الجدارُ الأَخيرُ للإِنسانِ العربيِّ؛ فكلُّ شيءٍ منهوبٌ أَمامَ عينيهِ ومِن بينِ يديهِ، وهوَ مستلبٌ، ومقهورٌ، ومُزَنزنٌ فِي بوتقةٍ ضيِّقةٍ جدًّا قاهرةٍ لهُ وكاتمةٍ لصوتِ عقلِه وقلبِه وجسدِه.
* هل تؤمن بالكتابة ناياً أم منشاراً أم عصاً أو غير ذلك؟
- نايًا فِي الشِّعرِ. قلتُ: "أَيَّتها القصيدةُ../ لنْ تكُوني بدونِ عاطفةِ الشَّاعرِ اللُّغويَّةِ../ كلُّ ذاكَ الرُّكامِ الجافِّ ليسَ أَنتِ،/ مهمَا نَزفتْ قداسةُ الفكرةِ../ السَّيفُ للشَّرِّ، والطَّيفُ للشِّعرِ".
الشِّعرُ لاَ يمكنُني أَن أَتحمَّلَهُ قاسيًا/ صارخًا/ عنيفًا، أَو مَا شابَه. أَنا لاَ أَستطيعُ تقبُّلَه حينَ يكونَ مثلَ بيانٍ سياسيٍّ، أَو حزبيٍّ، أَو مَا شابَه، فكيفَ أُؤمنُ بهِ منشارًا، أَو عصًا؟! الشِّعرُ الإِبداعيُّ يتغلغلُ فِي الحواسِّ، بعدَ أَن يتشكَّلَ بلغةِ مَا بعدَ الحواسِّ! لاَ.. لاَ.. الشِّعرُ، إِن هوَ أَداةٌ، فهوَ أَداةُ جمالٍ، لاَ أَداة قُبحٍ.
ربَّما أَقبلُ، إِلى حدٍّ قريبٍ جدًّا، أَن تكونَ الكتاباتُ الأُخرى منشارًا، أَو عصًا، أَو غيرَ ذلكَ. لكنَّ السُّؤالَ المهمُّ: هل يجوز للكتابةِ الإِبداعيَّةِ أَن تصيرَ أَداةَ عقوبةٍ؟!
إِنَّها البحثُ عنِ الجَمالِ المكنُوزِ فِي الأَشياءِ، إِذ يَراها المبدعُ بعَينهِ الثَّالثةِ، ولاَ يَراها العاديُّ. يكتبُها المبدعُ بيدِه الثَّالثةِ، ليقرأَها العاديُّ، فيَرشحُ مُغايَرةً عمَّا كانَ عليهِ.
* هل تنفع الحروف لتحصين الروح؟
- لنَدَعِ الرُّوحَ وشأْنَها، ونَدْعُ العقلَ والقلبَ والجسدَ. فالرُّوحُ الَّتي هيَ مفتاحُ الحياةِ، هيَ ذاتُها مفتاحُ الموتِ. وطالمَا أَتينا الحياةَ بفعلِ فاعلِينَ، وطالمَا سنُغادرُها أَيضًا، فإِنِّي لاَ أُفكِّرُ فِي هذَا المفتاحِ إِلاَّ صُدفةً:
(حينَ كانُوا فِي المشفَى يُعِدُّونني لعمليَّةِ القلبِ المفتوحِ وقدْ توقَّفتْ عضلةُ القلبِ بشكلٍ كاملٍ عنْ حركتِها الذَّاتيَّةِ، وجعلُوها تعملُ ببطاريَّةٍ، سأَلني أَحدُ الأَطبَّاء- طبيبٌ صديقٌ لِي- فِيما إذا كنتُ أَخشى الموتَ، نظرًا لخطورةِ وضعِي، فأَجبتُه: لمْ يَخطُرْ ببالِي هذَا الَّذي يُدعَى الموتُ حتَّى منذُ إِصابتي بذبحةٍ صدريَّةٍ وجلطةٍ ثانيةٍ بعدَ وصُولي قسمَ العنايةِ المكثَّفةِ. هوَ لمْ يقُلْ بعدَها أَيَّةَ كلمةٍ، ربَّما "صدمَهُ" ردِّي! وحينَ همَّ بالذَّهابِ إِلى غرفةِ العمليَّاتِ، أَدارَ وجهَهُ مستمِعًا لِي: مَا هوَ الموتُ يَا صديقي الطَّبيبُ؟ لمْ يأْتِ أَحدٌ منهُ مطلقًا بعدَ أَن ماتَ فيخبرُنا عنْ نفسهِ وعنِ موتِه، فيجعلُني أَشغلُ بالي فيهِ. مَا أُفكِّرُ فيهُ هوَ أَنَّني لنْ أَستطيعَ أَن أَقرأَ وأَكتبَ بعدَ موتِي.. هذا فِعلُ الموتِ فِيَّ بالنسبةِ إِليَّ. لمْ يُجبْ/ يعلِّقْ. شكرتهُ، وشكرتُ الموتَ الَّذي لمْ يأْتِ بعدُ).
مقابلَ هذا، فإِنَّني كنتُ/ ما زلتُ أَشغِلُ الذَّاتَ المبدِعةَ/ الشَّاعرَ فيَّ، بمَا أَستطيعُ إِنجازَهُ فِي سنيِّ حياتِي المحدودةِ، فهوَ الأَبقَى منِّي.
لنُحصِّنَ العقلَ والقلبَ والجسدَ؛ الفكرَ والعاطفةَ والحواسَّ الإِنسانيَّةَ، بالحروفِ الثَّريَّةِ الجَمالِ، والمشتعلةِ بتأَمُّلٍ، والمضيئةِ بذاتِها لذواتِنا، إذ كمْ نحنُ بحاجةٍ إِلى سبرِ أَعماقِ الذَّاتِ عقلاً وقلبًا وجسدًا، ونَزْعِ الحواجزِ المقامةِ بين الذَّاتِ ذاتِها وذواتِ الآخرينَ، عبرَ الحوارِ الصَّافي النَّقيِّ، المشحونِ بالصِّدقِ والصَّراحةِ، الهادفِ إِلى تحقيقِ الإِنسانيَّةِ للإِنسانِ، لعلَّ العقلَ والقلبَ والجسدَ يخرجونَ إِلى الحياةِ الحقَّةِ، إِذِ الأُكسجينُ المُتبقِّي فِي حُفرةِ وأْدِهم قَرُبَ انتهاؤهُ، فيقولونَ سراحَهُما بحريَّةٍ منْ أَجلِها لهُما.
بطاقةٌ ذاتيَّةٌ- أَدبيَّةٌ: محمَّد حلمي الرِّيشة
· شاعرٌ وباحثٌ ومترجمٌ.
· مواليدُ مدينةِ نابلُس- فِلسطين.
· نالَ درجةَ البكالوريوس في الاقتصادِ والعلومِ الإِداريَّةِ، ودرجةَ البكالوريوس في الأَدبِ العربيِّ.
· عملَ في عدَّةِ وظائفَ في مجالِ تخصُّصهِ الجامعيِّ حتَّى العامِ (2000).
· انتقلَ للعملِ في "بيتِ الشِّعرِ الفلسطينيِّ"، وتفرَّغ للعملِ الشِّعريِّ والأَدبيِّ والثَّقافي.
· عملَ محررًا ثقافيًّا.
· شاركَ ويشاركُ في عديدٍ من المؤتمراتِ والنَّدواتِ المحليَّةِ والعربيَّةِ والدَّوليَّةِ.
· تُرجمتْ لهُ نصوصٌ شعريَّةٌ ونثريَّةٌ إِلى اللُّغاتِ الإِنجليزيَّةِ والفرنسيَّةِ والبلغاريَّةِ والإِيطاليَّةِ والإِسبانيَّةِ والفارسيَّةِ.
· قامتْ جامعةُ عبدِ المالكِ السَّعدي فِي المغربِ بتسميةِ جائزةِ الشَّاعرِ محمَّد حلمِي الرِّيشة للشُّعراءِ الجامعيِّينَ الشَّبابِ (2010).
· نالَ جائزةَ المهاجرِ العالميَّةِ للفكرِ والآدابِ والفنونِ فِي ملبُورن- أُستراليا فِي حقلِ الشِّعرِ لموسمِ العامِ (2011).
· اختيـرَ شخصيَّةً ثقافيَّةً للعامِ (2011) مِن قبلِ جريدةِ المهاجرِ ومنظَّمةِ المهاجرِ العالميَّةِ للفكرِ والآدابِ والفنونِ فِي ملبُورن- أُستراليا.
· قامتْ جمعيَّةُ النِّبراسِ فِي المغرب بوضعِ جائزةِ محمَّد حِلمي الرِّيشة العربيَّةِ للتَّلاميذِ الشُّعراءِ (2014).
الأَعْمَالُ الشِّعْرِيَّةُ:
· الخَيْلُ وَالأُنْثَى (1980).
· حَالَاتٌ فِي اتِّسَاعِ الرُّوحِ (1992).
· الوَمِيضُ الأَخِيرُ بَعْدَ التِقَاطِ الصُّورَةِ (1994).
· أَنْتِ وَأَنَا وَالأَبْيَضُ سَيِّءُ الذِّكْرِ (1995).
· ثُلَاثِيَّةُ القَلَقِ 86-90 (1995).
· لِظِلَالِهَا الأَشْجَارُ تَرْفَعُ شَمْسَهَا (1996).
· كَلَامُ مَرَايَا عَلَى شُرْفَتَينِ (1997).
· كِتَابُ المُنَادَى (1998).
· خَلْفَ قَمِيصٍ نَافِرٍ (1999).
· هَاوِيَاتٌ مُخَصَّبَةٌ (2003).
· أَطْلَسُ الغُبَارِ (2004).
· مُعْجَمٌ بِكِ (2007).
· الأَعْمَالُ الشِّعْرِيَّةُ- ثَلاَثَةُ مُجَلَّدَاتٍ (2008).
· كَأَعْمَى تَقُودُنِي قَصَبَةُ النَّأْيِ (2008).
· قَمَرٌ أَمْ حَبَّةُ أَسْبِيرِينٍ (2011).
الأَعْمَالُ الأُخْرَى:
· زَفَرَاتُ الْهَوَامِشِ (2000).
· مُعْجَمُ شُعَرَاءِ فِلَسْطِين (2003).
· شُعَرَاءُ فِلَسْطِين فِي نِصْفِ قَرْنٍ (1950-2000) تَوْثِيقٌ أَنْطُولُوجِيٌّ/ بِالاشْتِرَاكِ (2004).
· الإِشْرَاقَةُ المُجَنَّحَةُ- لَحْظَةُ الْبَيْتِ الأَوِّلِ مِنَ القَصِيدَةِ- شَهَادَاتٌ/ بِالاشْتِرَاكِ (2007).
· إِيقَاعَاتٌ بَرِّيَّةٌ- شِعْرِيَّاتٌ فِلَسْطِينِيَّةٌ مُخْتَارَةٌ- جزْءَانِ/ بِالاشْتِرَاكِ (2007).
· نَوَارِسٌ مِنَ الْبَحْرِ الْبَعِيدِ الْقَرِيبِ- المَشْهَدُ الشِّعْرِيُّ الجَدِيدُ فِي فِلَسْطِين المُحْتَلِّةِ 1948/ بِالاشْتِرَاكِ (2008).
· مَحْمُود دَرْوِيش- صُورَةُ الشَّاعِرِ بِعُيُونٍ فِلَسْطِينِيَّةٍ خَضْرَاءَ/ بِالاشْتِرَاكِ (2008).
· مَرَايَا الصَّهِيلِ الأَزْرَق- رُؤيَةٌ. قِرَاءَاتٌ. حِوَارَاتٌ (2010).
الأَعْمَالُ المُتَرْجَمَةُ:
· لِمَاذَا هَمَسَ العُشْبُ ثَانِيَةً- مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ مِنْ "مُشَاهَدَةُ النَّارِ" لِلشَّاعِرِ كِرِيسْتُوفَرْ مِيرِيلْ (2007).
· بِمُحَاذَاةِ النَّهْرِ البَطِيءِ- مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ وَقَصَصِيَّةٌ (2010).
· مِرْآةٌ تَمْضُغُ أَزْرَارَ ثَوْبِي- مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ لِشَاعِرَاتٍ مِنَ العَالَمِ/ بِالاشْتِرَاكِ (2011).
· أَدْخُلُ أَزرَقَ اللَّوْحَةِ فَيَسْحَبُنِي البَحْرُ- مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ مِنَ العَالَمِ. (2013).
· الخَرِيفُ كَمَانٌ يَنْتَحِبُ- شِعْرِيَّاتٌ مُخْتَارَةٌ مِنَ العَالَمِ (2013).
أَعْمَالٌ أُخْرَى غَيْرُ مَنْشُورَةٍ:
· وَطَنِي هُنَاكَ يحُدُّهُ قَلْبِي- مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ فِي الثَّوْرَةِ الجَزَائِرِيَّةِ.
· كِتَابُ مُخْتَارَاتٍ شِعْرِيَّةٍ مِنَ العَالَمِ (لَمْ يَتِمْ وَضْعُ عُنوَانٍ لَهُ بَعْدُ).
أَعْمَالٌ نَقْدِيَّةٌ وأَدَبيَّةٌ صَدَرَتْ عَنْ أَعْمَالٍ شِعْرِيَّةٍ لِلشَّاعِرِ:
· عَلاَء الدِّين كَاتِبَة: مَرَاتِبُ النَّصِّ- قِرَاءَةٌ فِي سِيرَةِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة الشِّعْرِيَّةِ. (2001).
· مَجْمُوعَةُ نُقَّادٍ وَكُتَّابٍ: ظِلاَلُ الرَّقْصِ- دِرَاسَاتٌ فِي شِعْرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة. (2004).
· د. خَلِيل إِبرَاهِيم حَسُّونَة: ضِفَافُ الأُنْثُى- سَطْوَةُ اللَّحْظَةِ وَطُقُوسُ النَّصِّ- مُقَارَبَاتٌ فِي شِعْرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة. (2005).
· د. أَحمد الدِّمنَاتي: شِعْرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة- تَدْرِيبُ البَيَاضِ عَلَى الخِيَانَةِ؛ حوَارٌ وَمُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ. (2013).