"لَمْ أَعِدْ أَحدًا بأَنَّني سأَكونُ شاعِرًا..
لَقدْ وُلِدتُ هكذَا!"
مِن/ بهذهِ الكلماتِ النَّافذيَّةِ، يُصدِّرُ الشَّاعرُ والباحثُ والمترجمُ "محمَّد حِلمي الرِّيشة" كتابَهُ الموسومَ: "قلبُ العقربِ- سيرةُ شعرٍ". وقدْ أَوردَ: "إِشارةً لاَ بدَّ مِنها": "هذهِ السِّيرةُ الشِّعريَّةُ، ليستْ سِوَى ومضاتٍ ممَّا أَمكنَ للذَّاكرةِ أَن تَستحضرَهُ آناءَ إِضاءَتِها/ كتَابتِها، لذَا فهيَ لاَ تُغنِي، مُطلقًا، عنْ قراءَةِ أَعمالي الشِّعريَّةِ، وكِتاباتي الأُخرى، والحواراتِ الَّتي أُجرِيتْ مَعي، والقراءَاتِ، والمُقارَباتِ، والدِّراساتِ النَّقديَّةِ، وأَيِّ شيءٍ، وكلِّ شيءٍ أُنجزَ عنْ تَجرِبتِي الشِّعريَّةِ".
قدَّم للكتابِ الشَّاعرُ والأديبُ الفلسطينيُّ "عَلي الخَليلي"، قبلَ رحيلهِ ببضعةِ أَشهرٍ، تحتَ عنوانِ: "محمَّد حِلمي الرِّيشة قلبُ الإِبداعِ والتَّفرُّدِ- مَا تيسَّرَ منْ تقديمٍ"، وممَّا وردَ فِيهِ:
"لاَ بدَّ لنَا منَ البحثِ فِي هذَا الشِّعرِ، لنعرِفَ مرمَى التَّسميةِ، أَوِ العنونةِ المقصودةِ: "قلبُ العقربِ". وقدْ وصلَ بِي البحثُ إِلى أَنَّ الشِّعرَ الَّذي تتأَسَّسُ عليهِ السِّيرةُ، شِعرٌ غيرُ مَسبوقٍ فِي قوَّتهِ البلاغيَّةِ، وتفرُّدهِ الحسِّيِّ، وتجلِّياتهِ الإِبداعيَّةِ، مَا يجعلُ منهُ قلبًا لكلِّ هذهِ المأْسَسةِ، فلِماذا فِي المحصِّلةِ، لاَ يكونُ قلبًا للعقربِ؟ لاَ يريدُ أَن ينكسرَ بعنونةٍ، أَو تسميةٍ ضعيفةٍ وهشَّةٍ، ذاتِ صلةٍ بالفراشةِ، أَوِ الوردةِ، أَو قطرةِ النَّدى، أَو مَا يشبِهُ، علَى الرَّغمِ منَ القيمِ الفنِّيَّةِ والإِنسانيَّةِ العاليةِ للفراشةِ والوردةِ وقطرةِ النَّدى، طالمَا قامتْ إِرادتهُ الذَّاتيَّةُ المنتِجةُ للشِّعرِ علَى التَّحدِّي الإِنسانيِّ والحضاريِّ، لاَ بالعنفِ، بلْ بالحبِّ العميقِ، وبكلِّ عناصرِ التَّفوُّقِ الوجوديِّ.
الشِّعرُ، وفقَ هذهِ المحصَّلةِ، يُصارِعُ كيْ يفرضَ حضورَهُ. ولاَ بدَّ لهُ فِي هذَا الصِّراعِ مِن أَن يكونَ فِي سيرتهِ المنجَزةِ: "قلبُ العقربِ"، حتَّى وهوَ يتحسَّسُ الفراشةَ والوردةَ، ويكتبُ عنهُما، ويتماهَى معَ الهشاشةِ الشَّكليَّةِ الَّتي تنداحُ فِيهما".
أَمَّا النَّاقدُ والكاتبُ المصريُّ "د. محمَّد سَمير عَبد السَّلام"، فقدْ قدَّمَ مقاربةً نقديَّةً تحتَ عنوانِ: "الهوية الجمالية ودلالاتها الثقافية في السيرة الشعرية (قلب العقرب) للشاعر محمد حلمي الريشة"، جاءَ فِيها:
"أما وصف (قلب العقرب) فيتجاوز الدلالات السلبية السابقة حول دال (العقرب) في الوعي الجمعي، وكأن الشاعر ينتخب من المعاني التي ارتبطت به فكرة "التحول الصاخب"؛ فالعقرب يبدو معبراً، أو تجاوزاً للحالة النسبية الراهنة، وهو ما تحققه القصيدة بالفعل- في وعي محمد حلمي الريشة؛ إذ تتشابك الضمائر، والصور، والعناصر الكونية في تشكيل استعاري/واقعي جديد يوحي بتشكل طفرة للتجاوز، أو العبور باتجاه نقطة مضيئة متعالية، والعودة الملتبسة منها إلى الشعور بعودة الحنين إلى تجاوز آخر مغاير؛ ومن ثم، فالعقرب جوهرة للتحول، والاختلاف، في الوقت نفسه.
ويشير العقرب في التراث الثقافي العالمي إلى شكول متباينة من التحول، أو العبور من مرحلة إلى أخرى، أو اضطراب يعقبه سكون، أو عقاب؛ فقد ارتبط في أسطورة (أرتميس)، و(أوريون) بموت الأخير بعد أن أرسل إليه بوساطة (جايا)، أو (أبولو)، وتشير الأسطورة إلى امتزاج الحب بالاضطراب، والصراع، والموت، ويقترن في رباعيات (إليوت) بصخب التحول إلى سكون الشتاء؛ فالعقرب يصارع الشمس، ثم يأتي الحريق المدمر الذي يسبق قدوم الثلج، وهو ما يؤكد لقاء المفاهيم المتعارضة عنده؛ كالبدايات، والنهايات، والربيع، وعلامات الموت، وغيرها في النص. وتحمل سيرة شعر محمد حلمي الريشة مدلول التجاوز المستمر، ووهج البدايات الجديدة المميزة لمدلول العقرب، مع الإعلاء من إيجابية التحول في تداعيات النص، والواقع.
ومثلما يعيد الريشة إنتاج ذاتيته، واسمه، من خلال منظور شعري؛ فقد تجلت ملامح الجمال النصي، وانفتاحه غير المحدود، في رؤيته للآخر، أو الآخرين، وللأماكن، وحالات المعاناة، أو التناغم، والسلام الداخلي في لحظات الكتابة، ومدى تفاعلها الإيجابي مع النماذج الكونية، والأبنية الاجتماعية المتحولة".
مؤلِّفُ الكتابِ، تحدَّثَ عنْ كتابهِ تحتَ عنوانِ: "مدخلٌ مُعذِّبٌ قليلاً/ كثيرًا":
"كتابةُ السِّيرةِ الشِّعريَّةِ بصدقٍ وأَمانةٍ وبوحٍ مريحٍ/ شفيفٍ، وإِيجابيَّاتِ التَّجربةِ وسلبيَّاتِهَا، ودونَ بطولةٍ ثلجيَّةٍ، إِضافةً إِلى حواراتِ، ومقالاتِ، وكتاباتِ الشَّاعرِ الأُخرى، وقراءَاتٍ/ مُقارَباتٍ إِبداعيَّةٍ لآخَرينَ مبدعينَ، وغيرِها، لاَ شكَّ أَنَّها تشكِّلُ عتباتٍ، ونوافذَ، ومعابرَ ولُوجٍ للنُّصوصِ الشِّعريَّةِ، علَى الرَّغمِ مِن أَنَّ كلَّ هذَا لاَ يُغنِي عنْ قراءَةِ النَّصِّ ذاتهِ قراءَةً إِبداعيَّةً مِن قِبَلِ قارئٍ مبدِعٍ، لأَنَّ القارئَ خلاَّقٌ آخرُ.
مَا شعرتهُ، ولاَ زلتُ؛ أَنَّ هذهِ الكتابةَ/ السِّيرةَ الشِّعريَّةَ لنْ تكُونَ تحليقًا سهلاً بجَناحيِّ الذَّاكرةِ المُنتبِهةِ والمخيَلةِ التَّأْويليَّةِ، كمَا اقْتـرافُ الشِّعرِ، بلْ هيَ استرجاعٌ/ تأْريخٌ/ إِعادةُ اكتشافِ الدَّهشةِ/ الذُّهولِ/ الجُنونِ! أُعرِّفها مُحاولةً، غيـرَ يائسةٍ تمامًا، لاحتواءِ الأَسفِ/ الهباءِ/ الجُفاءِ. لنْ تكُونَ سهلةَ الإِحاطةِ بكلِّ شيءٍ، إِذْ أَتمنَّى أَنْ أَقولَ كلَّ شيءٍ، أَو شيئًا مِن كلِّ شَيءٍ.
أَعرِفُ، هُنَا، أَنَّ هذَا التَّمنِّي درجةٌ مِن درجاتِ الاستحالةِ، ولكنْ لاَ بأْسَ منَ المحاولةِ/ التَّجريبِ، حتَّى وإِنْ أَودَتْ/ أَدَّتْ إِلى محوِها كاملةً كأَنْ لَمْ تكُنْ!".
احتوَى الكتابُ علَى ثلاثةِ أَجزاء ومُلحقًا:
الجزءُ الأَوَّلُ: "الشَّغفُ والمثابرةُ، فالانقطاعُ".
الجزءُ الثَّانيُّ: "كنتُ أُريدُني شاعرًا فقطْ، ولكنْ...!".
الجزءُ الثَّالثُ: "ومَا أَدراكَ مَا بيتهُ".
مُلحَق: ديوانٌ شعريٌّ موسومٌ بِـ: "مَاذا قالَ العصفورُ صباحًا للوردةِ"، وبإِهداءٍ: "إِلى: فَاتِن (شِعرَزادِ/ ي) مِن قبلُ، الآنَ، ومِن بَعدُ.. محمَّد (شِعرَيارُ/ كِ)"، ضمَّ قصائدَ كانَ الشَّاعرَ قدْ كتبَها خلالَ الفترةِ منْ (1978) إِلى (28/11/1982)، حسبَ مَا وردَ فِيها، وهيَ قصائدُ عموديَّةٌ وتفعيليَّةٌ، لمْ يَنشرْها الشَّاعرُ من قبلُ فِي ديوانٍ شعريٍّ، وظلَّتْ محفوظةً لدَى (شِعرَزادِه) إِلى أَن ضمَّنَها هذَا الكتابَ.
صدرَ عنْ "بيتِ الشِّعرِ" في فلسطينَ. وقعَ الكتابُ فِي (354) صفحةً منَ القطعِ الخاصِّ بالبيتِ، وأَنجزتْ غلافَه نَغم الحَلواني مديرةُ دائرةِ التَّصميمِ والمونتاجِ فِي "بيتِ الشِّعرِ"، أَمَّا الإخراجُ الدَّاخليُّ فكانَ للشَّاعرِ/ المؤلِّفِ نفسِهِ.