إلى سجناء الرأي في مصر والعالم، كلهم بلا تمييز
«بدأ نهار جديد، ويبدو كأنه ليل»
تشارلز بودن
مقدمة
لم أختر عنوانا لهذا الكتاب الصغير إلا بعد الانتهاء من المقالة الأخيرة: "الفضح المصلحي أسوأ من التواطؤ". المقالة فضح ذاتي أكثر منها تعرية لمحيط مجتمعي وواقع اباحي، هي خطوة لم تزل غير واثقة على طريق كسر رهاب الخطأ والذى هو من أخطر عوامل جعل حيواتنا القصيرة محض انتظار لانهيار حضاري عظيم. الكتاب حصاد مجموعة من المقالات نشرتها رقميا منذ بدايات 2013 وحتى كتابة هذه السطور، حاولت قدر جهدي خلالها أو على الأقل في بعضها مُشاغبة نفسي والحياة - بحسب تعبير أحد حائزي نوبل.
الكتابة – في الفكر الأنسني - مُغادرة الخوف والرضا والمسالمة !
بنافذة ضيقة جدا – طبقا للبيولوجي جورج والد – يمكن للفرد على مسافة منها أن يرى فقط شقاً من الضوء، فإذا ما اقترب منها ازداد المشهد اتساعا، حتى ينظر الفرد في النهاية من خلال نفس هذه النافذة الضيقة إلى العالم كله.
الخروج من الحصار ليس أبدا بالمهمة الميئوس منها، فهناك ناحية مهمة سنجد الوضع فيها أكثر مدعاة للأمل إذا ما قورن بالموقف بالنسبة لظلمات الماضي، كانت منطقتنا مليئة بويلات الظلم والفساد كما هي مليئة اليوم بهما.
الإنسان يستطيع عندما يرغب أن يسحق الكثير من الظلم والفساد، المهم ألا نسمح بإغلاق النوافذ .. مهما ضاقت!
(1) ما بداخلنا لا يريد الحقيقة
"عندما ينتهي عملها، تتعفن الأكذوبة،
«الحقيقة عظيمة، وستظل باقية، عندما لا يهتم أحد ببقائها أو غيبتها»
من مذكرات السير رونالد ستورس
العنوان هو الرسالة..
في بلادي الكل يتظاهر بالنقاء والطهر! الكل لديه جرأة التقاط حجر ورجم الكل! في بلادي شديدة الهشاشة لا يعرف الناس الاعتراف بالحقائق غير المريحة! ولأني أحب الحقيقة، ولأني حريص على التمكين لفكرنا الأنسني والذي أكتب فيه منذ سنوات، أجرؤ على الاعتراف بوهن شخصي مقارنة بهذا الفكر السامق.
أعيش في مجتمع يدعى العصمة، وهو ويا للمفارقة أبعد ما يكون عن أدنى درجاتها! وصم الحقائق غير المريحة بالتطرف(أو الجنون) عادة "مُكبلة" لبلادي.
الفرنسي هيجو يقول: تعمل العادة في الكائن البشري عمل المرضعات.
بمعنى أن أخلاقنا وتقاليدنا وآراؤنا في الخير والشر ليست سوى عادات.
فمنذ فجر الحياة نتعود نحن معشر البشر على بعض المظاهر والأعمال التي تتأصل فينا على التكرار، فنتصورها نواميس طبيعية، لا أمل في تفكيكها وقتلها!
أعيش هذه الحالة: {قوة الفكر ووهن المفكر}
(2)ثورة فكرية: بيدى لا بيد عمرو
«إن اﺧﺗراع اﻟﺗﻘﺎﻟﯾد أﺿﺣﻰ ﺗﺟﺎرة راﺋﺟﺔ ﺗﻔوق ﻛل ﺗﺻور»
إدوارد سعيد
ﻣن ﯾﻌﻠم؟! رﺑﻣﺎ ﯾﻛون رﺑﯾﻌﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﻣُﻘدﻣﺔ "ﻏﯾر واﻋﯾﺔ"، ﻟﺛورة ﻓﻛرﯾﺔ، ﻟم ﺗﺗﺿﺢ ﻣﻌﺎﻟﻣﮭﺎ ﺑﻌد، ﺗﺗﻔﺟر ﻣﺳﺗﻘﺑﻼ ﺗﺣت أﻗداﻣﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ، ﺑل ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻛﻠﯾﺗﮭﺎ، وﺗﺟﻌل ﻣﺎ ﯾﺣل ﺑﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﻟﻣﺎرﻗﺔ - ﻣن ﺟﮭﺔ رﻓﺿﮭﺎ ﻟﻠﺣﻘﺎﺋق ﻏﯾر اﻟﻣرﯾﺣﺔ وﻣﺑﺎﻟﻐﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﻛﯾد اﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣرﯾﺣﺔ - أﺷﺑﮫ ﺑﮭزاﺋم ﺗُﺷرب ﻓﻲ آﻧﯾﺔ اﻟﻧﺻر.
اﻟﻣﻔﻛر اﻟراﺣل ﻋﺑد ﷲ ﻋزام ﯾﻘول ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "ﻓﻲ ﺧﺿم اﻟﻣﻌرﻛﺔ": "ﻛل ﻣﺑدأ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﻻﺑد ﻟﮫ ﻣن طﻠﯾﻌﺔ ﺗﺣﻣﻠﮫ، وﺗﺗﺣﻣل وھﻲ ﺗﺷق طرﯾﻘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺗﻛﺎﻟﯾف ﻏﺎﻟﯾﺔ وﺗﺿﺣﯾﺎت ﺑﺎھظﺔ، وﻣﺎ ﻣن ﻋﻘﯾدة ﻣن اﻟﻌﻘﺎﺋد أرﺿﯾﺔ ﻛﺎﻧت أو ﺳﻣﺎوﯾﺔ إﻻ واﺣﺗﺎﺟت إﻟﻰ ھذه اﻟطﻠﯾﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑذل ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﻧﺻرة ﻋﻘﯾدﺗﮭﺎ ﻛل ﻣﺎ ﺗﻣﻠك، وﺗﺗﺣﻣل ﻷواء اﻟطرﯾق اﻟﺻﻌب اﻟطوﯾل ﺣﺗﻰ ﺗﺻل إﻟﻰ إﻗرارھﺎ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﺣﯾﺎة إذا ﻛﺗب ﷲ ﻟﮭﺎ اﻟﺗﻣﻛﯾن واﻟظﮭور، وھذه اﻟطﻠﯾﻌﺔ ﺗﻣﺛل، اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺻﻠﺑﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺄﻣول"(1)
ﻛﻠﻣﺎت ھﺎدرة، ﺗدﻋوﻧﺎ ﻟﻠﺗﺳﺎؤل ﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧت ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ واﻟﺗﻲ ﺗﺷﮭد ﺻﻌودا إﺳﻼﻣﯾﺎ رﺳﻣﯾﺎ، ﺗﻣﻠك ﻣﺛل ھذه اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺿرورﯾﺔ ﻟﻼﻧطﻼق ﻧﺣو أﺣﻼﻣﻧﺎ اﻟﺛورﯾﺔ؟
ﻗد ﺗﻛون اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻣﺧﯾﺑﺔ ﻵﻣﺎل ﺷﺑﺎﺑﻧﺎ اﻟﺛﺎﺋر، ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺣق ﻻ ﺳﺑﯾل ﻟﻠﺗﻧﻛر ﻟﮫ!
ﻓﺄوﻟﺋك اﻟذﯾن ﯾﻣﻠﻛون ﻣﺛل ھذه اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﯾوم ھم: ﻗوى اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ، ﻓﺿﻼ ﻋن ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ، وﻓﻲ طﻠﯾﻌﺗﮭﺎ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ. وھو ﻣﺎ ﯾﻔﺳر ﻓﻲ ﺟﺎﻧب ﻣﻧﮫ، اﻟﺻدام اﻟدﻣوي ﺑﯾن اﻟراﺣل ﺑن ﻻدن ورﻓﺎﻗﮫ، وﺑﯾن اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة.
"ﻛﻼم ﺣﻠو..ﺑس ﻧﺑﺗدي ﻣﻧﯾن؟"، ﻋﺑﺎرة ﻟﻘﺎﺋد إﺣدى اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺷﺑﺎﺑﯾﺔ اﻟﺛورﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻼدي، ردا ﻋﻠﻰ اﻗﺗراح اُﻟﻘﻲ أﻣﺎﻣﮫ ﻋن إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﺷﺣﻧﺔ اﻟﺛورﯾﺔ ﻟﺣرﻛﺗﮫ اﻟﻼﻋﻧﻔﯾﺔ ﻓﻲ ﺗدﺷﯾن ﺛورة ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ، ﺗذھب ﺑﺷﻌوﺑﻧﺎ، ﺧﺎﺻﺔ ﺷﺑﺎﺑﻧﺎ، إﻟﻰ آﻓﺎق أرﺣب.
اﻟﺛورات اﻟﻔﻛرﯾﺔ وﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻧظﯾرﺗﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ، إﻧﻣﺎ ﺗﺳﺗﻧد ﻟﻔﺎﺋض ﻣﻌرﻓﺔ وﻟﯾس ﻓﺎﺋض ﻏﺿب ﻓﺣﺳب. اﻟﺣﺎﻟﻣون ﺑﺗﺛوﯾر ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم ﻓﻛرﯾﺎ ﻻﺑد ﻟﮭم ﻣن:
[1] ﺻﻔوة ﻓﺎﺿﻠﺔ ﺗُﻘﺎﺗل ﻋﻠﻰ اﻟﺧطوط اﻷﻣﺎﻣﯾﺔ ﻟﻠﻣﻌرﻓﺔ، وﺗواﻓﻲ ﺷﻌوﺑﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﻘﺎﺋق، اﻟﻣرﯾﺢ ﻣﻧﮭﺎ وﻏﯾر اﻟﻣرﯾﺢ. وأﯾﺿﺎ ﺗﺣرص ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺑﻠوغ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣرﺣﻠﺔ ﯾﺗﺣول ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻔﻛر إﻟﻰ ﺳﻠﻌﺔ!
[2] ﻟﻐﺔ "ﺗﻧوﯾرﯾﺔ - ﻻ ﻣﺟرد وﺳﯾﻠﺔ ﻟﺗﺳوﯾق ﺳﻠﻌﺔ -"، ﺧﺎﺻﺔ وﻧﺣن ﻧﻌﯾش ﻓﻲ ﻋﺻر ﺑدأت ﻓﯾﮫ ﻟﻐﺔ اﻟﺻورة اﻟﺟور ﻋﻠﻰ اﻷﺑﺟدﯾﺎت اﻟُﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﮭﺎ، رﺑﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻏﯾر ﻣﺳﺑوق.
[3] ﺿﻣﺎﺋر ﺣرة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻔف ﺟﺎذﺑﯾﺔ اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ وﻋدم إدﻣﺎﻧﮭﺎ - ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ اﻟرﻗﻣﻲ(2) -، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻗدرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﺣﺗﺿﺎن ﺗﺧﻣﯾر ﺛوري ﺣﻘﯾﻘﻲ، ﺑﻌﯾدا ﻋن ﺛورات اﻟﻼوﻋﻲ اﻟﻌوﻟﻣﯾﺔ.
ﻗوى اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - ﺑرواﻓدھﺎ اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ -، رﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون ﻟدﯾﮭﺎ اﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟزﺧم اﻟﻔﻛري ﻟﺿﺧﮫ ﻓﻲ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ، اﻷرﺟﺢ أن ﻗواھﺎ ﻗد اﺳُﺗﻧزﻓت إﺑﺎن ﻛﻔﺎﺣﮭﺎ اﻟﻣرﯾر واﻟﺷﺟﺎع ﺿد دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، ﻓﻛم ﻣن ﻧﺑﻼء أزھﻘت أرواﺣﮭم، ﻣن ﻏﯾر ذﻧب أو ﺟرم!
ھذا إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻘﮭﻲ [وطﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﺻﻠﺣﯾﺔ/ اﻟﻐﺎﺋﯾﺔ]، ﻟﮭذه اﻟﻘوى اﻟطﻣوﺣﺔ، وﻻ أﻗﺻد ھﻧﺎ اﻟﺗﮭوﯾن، وإﻧﻣﺎ ﺗوﺿﯾﺢ اﻻرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺷﺋون اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ اﻟﯾوﻣﯾﺔ.
وﻟﻧﻧظر ﺣرص ﺣﻛﺎﻣﻧﺎ اﻟﺟُدد ﻋﻠﻰ ﻗطف ﺛﻣﺎر اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ، واﺳﺗﺳﮭﺎﻟﮭم اﻟﺗذرع ﺑﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﺿرورة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ، ﺑﻌﯾدا ﻋن أﺳطورة اﻟﻧﻘﺎء اﻟﺣﺿﺎري وﻏﯾرھﺎ.
أﻣﺎ ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ، ﻓﺎﻷﻣر ﻣﻌﮭﺎ ﺟد ﻣﺧﺗﻠف! واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾﻧﮭﺎ وﺑﯾن ﻗوى اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻏﯾر واردة، ﻓﻌدم اﻟﺗﻛﺎﻓؤ ھﺎﺋل ﻻ ﯾﺣﺗﺎج ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ. ﻣﺎ أود اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﯾﮫ ھو اﻣﺗﻼك اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ وﺣﻠﻔﺎﺋﮭﺎ ﻟﻘﺎﻋدة ﺻﻠﺑﺔ - ﺑﺗﻌﺑﯾر ﻋزام -، ﺗُرﺟﺢ ﻗدرﺗﮭم اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻓرض ﻣﺷﯾﺋﺗﮭم اﻟذﻛﯾﺔاﻟُﻣﺑرﻣﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯾﺔ ﺷﻌوب اﻷرض، ﻓﻲ اﺗﺟﺎه اﻻﺳﺗﮭﻼﻛﯾﺔ واﻟﺧﺿوع ﻟﻠﺳﯾﺎدة اﻟﻧﺎﻋﻣﺔ ﻟﻘوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ.
واﻟﺳؤال: ھل ﺛﻣﺔ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ "ﻣﺣﻠﯾﺔ" ﻟﺗﺛوﯾر ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻓﻛرﯾﺎ ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻌوﻟﻣﺔ؟
ﻧﻌم، ﺛﻣﺔ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ، ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗظل ﻣرھوﻧﺔ ﺑﺄﻣور[ﻣن ﻗﺑﯾل: ﺻﻔوة ﻓﺎﺿﻠﺔ، ﻟﻐﺔ ﺗﻧوﯾرﯾﺔ، ﺿﻣﺎﺋر ﺣرة]، ﺗﺣﺗﺎج ھﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﺟﮭد ﺗﻧوﯾري ﻧﻘدي ﺟﺑﺎر - ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ(3) -، ﯾزﯾد ﻣن ﺻﻌوﺑﺗﮫ "ﻣﺣﻧﺔ اﻟﺗﻧوﯾر"، اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻘﻲ ﺑظﻼﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳره(4)، ﺧﺎﺻﺔ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة، ﻣﻧذ ﺗﺣول ﻣرﻛز ﺛﻘل اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ إﻟﯾﮭﺎ..
ﻻ أﻋظم..وﻻ أﺧطر..ﻣن اﻟﻧﺿﺎل ﺗﺣت راﯾﺔ أﺣﻼﻣﻧﺎ اﻟﺛورﯾﺔ!!
(3) حصار الحياة: الإنسان في قارورة
«إن أخطر ما تهددنا به البيوتكنولوجيا المعاصرة هو احتمال أن تغير الطبيعة البشرية، ومن ثم تدفع بنا إلى مرحلة ما بعد البشرية من التاريخ"
ف. فوكوياما
لا مثيل لمجموعة من المفكرين المستقلين..مملوءة نفوسهم بالمعرفة والفضيلة، آتين من آفاق انسانية رحبة، من أجل تهيئة مجتمعاتهم لثورة فكرية دائمة، شرط أن تكون لديهم حرية التفكير في الزمن وليس واجب انتاج دراسات بشكل طاريء.
في حوار مع صديق لي، قابلته مصادفة في مترو الأنفاق ولم أكن قد رأيته منذ اندلاع ثورة 25 يناير، تطرق الحديث بيننا إلى كتاب للأمريكي فرانسيس فوكوياما، موضوعه البشرية وما يتهددها من مخاطر. وبينما نتبادل الحديث عقدت العزم على اقتناء الكتاب، اعتقادا منى في حداثة صدوره(!)، فقد لفتني كثيرا غموض وروعة تعبير "ما بعد البشري"، ووجدت فيه تحريضا لا يُقاوم على البحث والتأمل!
لجأت كعادتي إلى الانترنت، وكم كانت دهشتي ـ وخجلي بالتأكيد ـ أن ترجمة كتاب فوكوياما موجودة في مكتبتي، بعنوان: نهاية الإنسان: عواقب الثورة البيوتكنولوجية. سعدت جدا بالأمر، خاصة وأن للمترجم القدير أحمد مستجير تراجم أخرى عديدة في الحقل المعرفي نفسه، لعل أبرزها ترجمته المعنونة: الجينوم البشري: القضايا العلمية والاجتماعية، وهي تعالج مشروع الجينوم البشري من مختلف جوانبه النظرية والعلمية والقانونية والأخلاقية، في تغطية رائعة من مقالات اشترك في كتابتها عدد من الشخصيات العلمية أمثال: جيمس واطسون، ووالتر جيلبرت..
خطورة مثل هذه الكنوز المُترجمة أنها تُعرفنا بموضوع غاية في الأهمية للمستقبل، فمشروع الجينوم البشري يهدف إلى فك الشفرة الوراثية للإنسان، من خلال سعي دءوب إلى تحديد هوية تلك الجينات التي تحدد خصائصنا وأمراضنا، وتجعلنا بشرا. التكنولوجيا الحيوية قادرة على "حصار" مسار حياة الإنسان في القرن القادم.
هذه المقالة لم أكتبها بالطبع لفضح تقصيري في حق المعرفة فحسب، وإنما أيضا لعرض ما تداعى لذهني من أفكار، على خلفية هذا التقصير، كموضوع نقل المعارف المختلفة إلى لغتنا الأم، وما يتطلبه من ضخ أموال وجهود ضخمة، لترجمة تراث ومستحدثات الفكر الإنساني، وإخراج ثمار هذه العملية في طبعات لائقة، ونشرها بأسعار معقولة على أوسع نطاق. الترجمة مهمة ليس فقط لأنها تنقل إلينا معارف شتى من مجتمعات لها السبق، ولكن لأنها تمكننا من فهم تلك المجتمعات وآلية التفكير والحياة فيها، فما يحدث عندنا ليس مرده تفاعلات داخلية فقط كما نتوهم.
ثمة حصار لابد من كسره..
العاملون بالحقل الأكاديمي في بلادنا، قد لا يكون بمقدور غالبيتهم إضافة الكثير إلى ثرواتنا المعرفية، فلماذا لا نستفيد منهم في الترجمة، كل في تخصصه، بل ونشترط ذلك في ترقياتهم وإجازاتهم العلمية، خاصة أولئك الذين يذهبون في بعثات.
العالم الغربي يعيش ربيعا ثوريا حقيقيا، لا كربيعنا العربي، سيل الثورات عندهم لا ينقطع، كل يوم هناك الجديد. من هنا، لابد لنا من إيجاد وسائل مبتكرة لحماية مبعوثينا من الانبهار بالغرب وتمكينهم من تجاوز لين المدح والانبهار إلى خشونة النقد الأنسني، فضلا عن واجبنا في تبصيرهم بعواقب الانحشار في ميراثهم الحضاري.
نعلمهم أن يتخذوا من معارفهم أيا كان مصدرها تكأة للوثوب نحو المستقبل.
وجود مناخ فكرى قابل للاشتعال، قد لا يتحقق بالضرورة مع تدفق كل هذا الكم المُستهدف من الترجمات لروائع العالم ومستحدثات الفكر الإنساني، فهناك أمور أخرى لابد من توافرها، كالدوريات والمجلات الفكرية والعلمية. فضاؤنا الثقافي يعاني من فقر مدقع في هذه النوعية من المجلات والدوريات والتي يخضع أغلب المتاح منها لاعتبارات ما أنزل الله بها من سلطان، فمن يشترط الشهرة والأسماء اللامعة في مجتمعات واهنة، ومن يشترط الوساطة والمحسوبية، ومن يطلب مالا يُطلب لاعتبارات الترقيات الأكاديمية..إلى غير ذلك من مُفسدات الفعل الإبداعي.
لابد أيضا من توافر دور نشر حقيقية، أعني صاحبة رسالة، وليست سوبر ماركت، لا تغالي في ثمن بيع الكتاب، ولا تفرط في مستوى لائق من جودة الطباعة ووضوحها. في مجتمعات كمجتمعاتنا لابد من آلية مبتكرة يتم من خلالها حماية القارئ، ليس من الأفكار كما قد يظن الحمقى، لكن من رداءة عملية النشر والتوزيع.
وجود مناخ فكرى قابل للاشتعال، قد لا يتحقق أيضا مع توافر كل هذا، فهناك الكثير مما يلزم عمله! لا أدرى، قد يتطلب الأمر إعلانا صريحا ل"نكبة" مجتمعاتنا فكريا! ذائقة الإبداع متعددة الوجوه، كما أنها أكثر من مجموع مكوناتها
(4) دولة العسكر: أهي صحوة الموت؟
ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر ﻗﺎم ﻣن اﻷﻣوات! ﻋﺑﺎرة ﺳﻣﻌﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺗﻠﯾﻔزﯾون اﻟﺣﻛوﻣﻲ ﻓﻲ ﺑﻼدي، رددھﺎ أﺣد اﻟﻣﺗﺣﻣﺳﯾن ﻟﻼﻧﻘﻼب اﻟﻣﺷﺋوم ﻓﻲ ﻣﺻر. اﻟﻌﺑﺎرة ﺗﺟﺳﯾد ﻟﻐﯾﺎب اﻟوﻋﻲ وﺗﺟذر اﻟﺗﺧﻠف. ﻧﺣن ﺟزء ﻣن اﻟﻌﺎﻟم، وﻣﺎ ﯾﺣدث ﻋﻠﻰ أرﺿﻧﺎ ﻻ ﯾﻧﻔﺻل ﻋﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم، ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ ﻋﻠﻣوﻧﺎ - ﻛذﺑﺎ - ﻓﻲ اﻟﻣدارس واﻟﺟﺎﻣﻌﺎت. ﺑﻼدﻧﺎ ﻻ ﺗﺻﻧﻊ اﻟﺗﺎرﯾﺦ، واﻧﻣﺎ ﺗﺳﯾر ﺑﮫ.
ﺟﻣﺎل ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر ﻛﺎن ﺟزءا أﺻﯾﻼ ﻣن اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﻓﻲ زﻣﻧﮫ، أﺗﻘن أﺻول اﻟﻠﻌﺑﺔ وﺑرع ﻓﯾﮭﺎ، ﻏﯾر أﻧﮫ ﻟم ﯾﺿﻊ ﻗواﻋدھﺎ. ﻣﺄﺳﺎة ﺑﻼدﻧﺎ ھﻲ اﻟﺧﻠط اﻟﻣﺄﺳﺎوى ﺑﯾن وﺿﻊ ﻗواﻋد اﻟﻠﻌﺑﺔ وﺑﯾن اﺗﻘﺎن اﻟﻠﻌﺑﺔ. واﺿﻌو ﻗواﻋد اﻟﻠﻌﺑﺔ ھم اﻷﺧطر.
دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ھﻲ اﻷﺣق ﺑوراﺛﺔ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، أﻣﺎ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻧﺟﺎﺣﮭﺎ ﻣن ﻋدﻣﮫ، ﻓﺗﺣﺗﺎج ﺳﻧوات ﻟﻠﺑت ﻓﯾﮭﺎ. اﻻﺳﻼﻣﯾون - ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف ﻣﺷﺎرﺑﮭم - ھم اﻟوﺟﮫ اﻟوﺣﯾد اﻟﺣﻲ ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﯾوم، ﻓﻠﯾﺄﺧذوا ﻓرﺻﺗﮭم اﻟﻌﺎدﻟﺔ.
(5) الدولة العميقة ولدغ الثورة المصرية
«ﻛُﻠﮫ ﺷِﻣﺎل ﯾﺎ ﺻَﺣﺑﻲ»
ﻋﺑﺎرة ﻛﺗﺑﮭﺎ أﺣد اﻟﺷﺑﺎب ﻋﻠﻰ ﺗﻲ ﺷﯾرت ﯾرﺗدﯾﮫ(5)
رﻏم أﺧطﺎء ﻗﺎﺗﻠﺔ وﻗﻊ ﻓﯾﮭﺎ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺧﻼل اﻟﻔﺗرة اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺗﻰ ﺗﺻدر ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣﺷﮭد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺑﻼدي ﻣﺻر، ﻋﻘب ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر اﻟﻣﺟﯾدة، ﺗظل اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ﻓﻲ ﺑﻼدي ﻣﺻر ﻣﺳﺋوﻟﺔ - إﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر، وﺑﻘوة - ﻋن اﻟﺣﺎق اﻷذى ﺑﺎﻟﺛورة اﻟﻣﺻرﯾﺔ.
وأﻋﻧﻲ ﺑﺎﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ھﻧﺎ اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﺗﻰ اﻗﺗرن ﺗﻌﻣﻠﻘﮭﺎ ﺑﻣﯾﻼد دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، ﻓﻘد ﺳﻌﻰ ﻣؤﺳﺳﮭﺎ اﻟراﺣل ﺟﻣﺎل ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر إﻟﻰ ﺑﻧﺎء ﺑﯾروﻗراطﯾﺔ ﻣﺻرﯾﺔ ﺷدﯾدة اﻟﺗرھل واﻟﻔﺳﺎد، اﺳﺗﻧد اﻟﯾﮭﺎ وﺧﻠﻔﺎؤه ﻓﻲ اداﻣﺔ ﺣﻛﻣﮭم، واﺣﻛﺎم ﻗﺑﺿﺗﮭم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ..
اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻓﺷل اﻻﺳﻼﻣﯾون ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ، ﻟﻌدم أﺧذھم ﺑﺎﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﺗﺟﺎرب اﻟدوﻟﯾﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﺻدد. اﻟﻔﮭﻠوة أوردت دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة اﻟﻣﮭﺎﻟك. اﺣﺗﺿن اﻻﺳﻼﻣﯾون أﻓﻌﻰ ﺳﺎﻣﺔ وھم ﯾظﻧون - ﺑﻐرور ﻣُﺳﺗﻔز - أﻧﻔﺳﮭم ﺑﻣﻧﺄى ﻋن ﻟدﻏﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣﻣﯾﺗﺔ.
ﻣﺎ ﯾزﯾد اﻷﻣر ﺗﻌﻘﯾدا ھو أن اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻣﺗرھﻠﺔ واﻟﻔﺎﺳدة ﺗرﺑطﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﺗﺷﺎﺑﻛﺔ وﻣﻌﻘدة وﻣﺗراﻛﻣﺔ، ﺣﺗﻰ أن اﻻﻗﺗراب ﻣﻧﮭﺎ - ﺳﻠﺑﺎ أو اﯾﺟﺎﺑﺎ - ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺗردد ﺻداه ﻓﻲ اﻧﺣﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، ﺑﻣﺧﺗﻠف ﻣﻛوﻧﺎﺗﮫ وﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻏرﯾب وُﻣدھش..
اﻷﻣر - إذن - ﯾﺗطﻠب ﺑﺣﺛﺎ ﺟﺎدا، ﻻ أراه ﻣﯾﺳورا ﻓﻲ ظل ﻏﯾﺎب ﺻﻔوة ﻓﺎﺿﻠﺔ .. ﻓﻲ ظل ﻏﯾﺎب ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻼﻣﺻﻠﺣﺔ واﻟﻼﺧوف. إن ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﺑﺣق ھﻲ ﺣﺿﺎرة اﻟﺿرورة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ.
ﻗرأت ﻟﻣﻧﺳق ﺣرﻛﺔ ﺷﺑﺎب 6 أﺑرﯾل ﻗوﻟﮫ إن ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر ﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟﻣرﺑﻊ "ﺻﻔر"، وھو ﻋﻠﻰ ﺣق، ﻓﺎﻻﻧﺗﻛﺎﺳﺔ ﺷدﯾدة وﻣزﻟزﻟﺔ، ﻏﯾر اﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺧﻠو ﻣن ﻓﺎﺋدة، إن ﻧﺣن ﺗﻌﮭدﻧﺎ ﻣﺎ ﺣدث ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧزﯾﮫ واﻟﻣﻧظم، رﺑﻣﺎ ﻧﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺗﻌوﯾض ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎطﻲ ﻣﻊ 25 ﯾﻧﺎﯾر.
(6) الإسلاميون والعسكر: صراع الضعفاء
ﺑوﻗوع ھﺟﻣﺎت اﻟﺣﺎدي ﻋﺷر ﻣن ﺳﺑﺗﻣﺑر ﻋﺎم 2001، ﻓﻲ ﻋﺎﺻﻣﺔ ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ، ﺗﻘرر اﻧﮭﺎء ﺣﻛم اﻟﻌﺳﻛر ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ، ﻟﻌﺟزھم اﻟواﺿﺢ ﻋن اﺣﺗواء وﻟﺟم الإﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
وﺑﺎﻟﻔﻌل ﺟﺎء اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ آﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ، إذ ﺣرم اﻟﻌﺳﻛر ﻣن ﻓرﺻﺔ ﻗﻣﻊ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن، ﻓﺎﻟﺷﺑﺎب ﻏﯾر اﻟُﻣﺳﯾس ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺔ، واﻟﻣﺳﺎس ﺑﮭم ﯾزﯾد اﻷﻣر اﺷﺗﻌﺎﻻ، ﺑﯾﻧﻣﺎ الإﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ھو اﻟﺣﻠﯾف اﻟﻣﺳﺗﺗر ﻟﻠﺷﺑﺎب، ﯾﺷﺎرك ﺑﻘوة ﻓﻲ اﻟﺛورة ، وﯾﺣﺷد أﻧﺻﺎره ﻓﻲ ﻣﻠﯾوﻧﯾﺎت ھﺎدرة.
اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ آﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ وﺧﺻوﺑﺔ اﻟﺧﯾﺎل، ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻋﺑﻘرﯾﺔ واﻓدة، ﻓﺎﻓﻼس ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ الإﺳﻼﻣﯾﺔ ﯾﻘف ﺣﺎﺋﻼ دون اﻟﻘﺑول ﺑﻔﻛرة وﺟود ﺧﯾﺎل ﻋرﺑﻲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﯾﺻﺎل اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻟﻠﺳﻠطﺔ - وھذا ﺣﻘﮭم ﺑﻌد ﻋﻘود اﻟﻘﻣﻊ واﻻرھﺎب - ﻣن ﺧﻼل ﺛورة ﻻﻋﻧﻔﯾﺔ، ﯾﻘودھﺎ "ﺟﯾل اﻻﻧﺗرﻧت".
ﯾؤﻛد زﻋﻣﻲ ھذا اﻧﮫ ﺑﻌد ﻣرور ﻋﺎم ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌود اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﻠﺳﻠطﺔ ﻓﻲ ﻣﺻر، وﺟدﻧﺎ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ اﻏراق اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ أوﺣﺎل اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ، ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﺑﻧﻔس ﺳﯾﻧﺎرﯾو اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ. ﻓﺎﻟﺷﺑﺎب ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺔ، واﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ - ھذه اﻟﻣرة - ھﻲ اﻟﺣﻠﯾف اﻟﻣﺳﺗﺗر، ﺗدﻓﻊ ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﻠﯾوﻧﯾﺎت ھﺎدرة..
أﻟم أﻗل إن ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻣُﻔﻠﺳﺔ، ﻓﮭﺎ ھﻲ ﻋﺑﻘرﯾﺔ اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟواﻓدة، ﺗُﺳﺗﮭﻠك دون أدﻧﻰ اﺿﺎﻓﺔ، وﺳط أﻏﺎﻧﻲ اﻟﻧﺻر وادﻋﺎء اﻟﺗﻔوق واﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ واﻟﺑطوﻟﺔ..
اﻟﻌﺳﻛر اﻵن ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن وﺟﮭﺎ ﻟوﺟﮫ. ُﯾدرك اﻟﻌﺳﻛر أن اﻻﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ھم اﻟﻧواة اﻟﺻﻠﺑﺔ ﻟدوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة، وُﯾدرك اﻻﺳﻼﻣﯾون أن اﻟﺟﯾش ھو اﻟﻧواة اﻟﺻﻠﺑﺔ ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر اﻟﮭرﻣﺔ. ﻣﺎ ﻧﺷﮭده اﻵن ھو - ﺑﺣق - ﺻراع اﻟﺿﻌﻔﺎء!!
اﻟﺻراع ﻧﻔﺳﮫ ﺳﺑق وأن ﺣدث اﺑﺎن ﺛورة 23 ﯾوﻟﯾو 1952، ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﯾﺧﺗﻠف اﻵن، ﻓﻧﺣن ﻧﻌﯾش ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻌوﻟﻣﺔ، واﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - وﯾﺎﻟﮭﺎ ﻣن ﻣﻔﺎﺟﺄة - أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣزاج اﻟﻌوﻟﻣﻲ. ﻓﺎﻟﻌوﻟﻣﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺟدﻟﯾﺔ، ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم، وﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى اﻧﻛﻔﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻣﻧﮭﺎ اﻟدﯾن، وھو ﻣﺎ ﯾﺗواﻓر - ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣُدھش - ﻓﻲ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
اﻟدﯾن واﻟﺳوق ھﻣﺎ ﻗﺎطرة اﻟﻌوﻟﻣﺔ!
(7) فكرة التمكين: بين الضرورة العملية والاضرار بالمستقبل
«ﻧﺣن ﻗوم ﻋﻣﻠﯾون»
ﻋﺻﺎم اﻟﻌرﯾﺎن
ﻟوم ﻗﺎس ﯾُوﺟﮫ ﻟﻺﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ، وﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻣﻧﮫ ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻹﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻌرﯾﻘﺔ، ﻟﺣرﺻﮭم اﻟﺷدﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻣﻛﯾن ﻷﻧﺻﺎرھم ﻓﻲ اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ. ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻟﯾﺳوا أول ﻣن ﯾﺄﺗﻲ ﻣﺛل ھذا اﻟﺳﻠوك اﻟﺿﺎر، ﻓﻘد ﺳﺑﻘﮭم اﻟﻌﺳﻛر إﻟﻰ ھذا، ﻋﻘب ﺻﻌودھم إﻟﻰ اﻟﺳﻠطﺔ ﻓﻲ ﻣﺻر، ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺔ ﺛورة 23 ﯾوﻟﯾو 1952.
اﻟﺗﻣﻛﯾن ﯾُﻌطﻰ اﻷوﻟوﯾﺔ ﻟﻸﻧﺻﺎر واﻟﻣرﯾدﯾن واﻷﺣﺑﺔ، ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن ﻣدى اﻟﺟدارة واﻻﺳﺗﺣﻘﺎق، ﻓﮭدﻓﮫ - داﺋﻣﺎ - ھو ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺳﯾطرة واﻟﺗﺣﻛم، وﺿﻣﺎن اﺳﺗداﻣﺔ اﻟﺣﻛوﻣﺔ، واﺟﺗﺛﺎث أﻧﺻﺎر وﻣرﺗزﻗﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔﺎﺳدة اﻟزاﺋﻠﺔ ﻣن اﻟﻔﺿﺎء اﻟﺑﯾروﻗراطﻲ.
ﻓﻛرة اﻟﺗﻣﻛﯾن ﻻ ﺑﺄس ﺑﮭﺎ، ﻟوﻻ أن ﻧﺗﯾﺟﺗﮭﺎ اﻟﺣﺗﻣﯾﺔ ھﻲ اﺳﺗﺑدال "آﺧرﯾﺔ" ﻣﺣﻠﯾﺔ - رﺑﻣﺎ أﺳوأ - ﺑﺄﺧرى، دون ﺗﺣرﯾر ﻟذات طﺎل ﻟﯾل اﻏﺗراﺑﮭﺎ، ودون اﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ واﻟﺧﯾر اﻟﻌﺎم واﻟﻔرص اﻟﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ. وﯾزﯾد ﻣن ﺑؤس ﻓﻛرة اﻟﺗﻣﻛﯾن اﻣﺗزاﺟﮭﺎ ﺑﺷواﺋب أﺧرى ﻛﺎﻟﻘراﺑﺔ واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻣﺷﺗرك اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ..
ﺑﻼدﻧﺎ ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﻟﺗﺟﺎوز ﻓﻛرة اﻟﺗﻣﻛﯾن اﻟﺑﺎﻟﯾﺔ إﻟﻰ أﻓﻛﺎر أﺧرى ﺧﻼﻗﺔ، ﺗﺣﻘق اﻷھداف اﻟﻣﺷروﻋﺔ ﻟﻠﺗﻣﻛﯾن، وﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ﺗﻌﻔﻰ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻣن ﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻣﻛﯾن وﺗداﻋﯾﺎﺗﮫ ﻏﯾر اﻟﻣرﻏوﺑﺔ، ﻛﻣﺎ ﻋﺎﻧﯾﻧﺎ ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ ظل دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، واﻟﺗﻲ اﻣﺗد ﺣﻛﻣﮭﺎ ﻟﻌدة ﻋﻘود، ﻟم ﺗﺳﻠم ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻣن ﺗداﻋﯾﺎت اﻟﻌﺳﻛرة و"ﻛﻠﮫ ﺗﻣﺎم ﯾﺎ أﻓﻧدم"..
ﺗﺟﺎوز ﻓﻛرة اﻟﺗﻣﻛﯾن - إن ھو ﺣﺻل ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ - ﺧطوة ﺟﺑﺎرة ﻋﻠﻰ طرﯾق ﺗﺣرﯾر ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ وﺗﻘوﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل. اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ أن اﻟﺗﻣﻛﯾن ھو دوﻣﺎ اﻟﺣل اﻷﺳﮭل أﻣﺎم اﻟﺣﻛﺎم اُﺟدد واﻟدول اﻟوﻟﯾدة، رﻏم ﻛوﻧﮫ اﻷﻛﺛر إﺿرارا ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت.
ﻧرﯾد ﻣﺟﺗﻣﻌﺎ ﺣرا ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻣود واﻟﺗﻣﺎﺳك، ﺑﻌﯾدا ﻋن ﻣﻧطق اﻟﻘﺑﻠﯾﺔ، أﻗرب ﻟﻠﺣﻛم اﻟرﺷﯾد واﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ. اﻟﺗﻣﻛﯾن وﺻﻔﺔ "اﻵﺧر" ﻹﻓﺷﺎل اﻟدول، وإﻓﺳﺎد اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت.
(8) في انتظار الانهيار العظيم
ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ، وﻣن ﺑﺎب أوﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ اﻟﻌرﺑﯾﺔ، ﻟم ﺗﺳﺗﻔد ﻛﺛﯾرا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺑدو ﻣن ﻓﻛرة اﻟﺗﻧوﯾر - ﺑﺷﻘﯾﮫ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ، واﻟﻧﻘدي - رﺑﻣﺎ اﺳﺗﻧﺎدا ﻟﻛون اﻟﻔﻛرة إﺣدى ﻣﻛﺗﺳﺑﺎت اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ، ﻓﺿﻼ ﻋن ﻋدم اﺗﺳﺎق اﻟﻔﻛرة ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﻊ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻧﻘﻠﯾﺔ، واﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻘﮭﻲ/اﻟﻐﺎﺋﻲ، وﻛذا اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻟﻠﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ..
ﻣﺎ ﯾزﯾد اﻷﻣر ﺻﻌوﺑﺔ ﻣﻊ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ھو ﻋﺟزھﺎ المزمن ﻋن اﺑﺗﻛﺎر ﻣﻌﺎدل إﺳﻼﻣﻲ ﻟﻔﻛرة اﻟﺗﻧوﯾر، ﯾﺣﻔظ ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻛﺑرﯾﺎﺋﮭﺎ، وﯾﻣﻧﺣﮭﺎ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻟﯾس اﻟﺳﯾر ﺑﮫ! ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ - ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻧظرﯾﺎ - ﻓﻲ اﻧﺗظﺎر اﻧﮭﯾﺎر ﻋظﯾم، ﻛوﻧﮭﺎ ﻣﻣزﻗﺔ ﻣﻧذ ﻗرون، ﺑﯾن ﻣﻣﺎﻧﻌﺔ اﻟﺗﻧوﯾر اﻟﻐرﺑﻲ، وﺑﯾن اﻟﻌﺟز ﻋن اﺑﺗﻛﺎر ﻣﻌﺎدل ﻟﮫ.
ھذا اﻟﺗﻣزق - ﺑرأﯾﻲ - ﻟن ﺗﺗﺣﻣﻠﮫ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻛﺛﯾرا، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ اﻟرﻗﻣﻲ وﻣﺎ ﺑﻌده! ﺳﺗﺻل ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ﻟوﻗت ﺗﺟد ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻏﯾر ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺿﻲ ﻗدﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺣﺎﯾﻠﮭﺎ اﻟراھن ﻋﻠﻰ آﻻﻣﮭﺎ، واﻟذي ﯾﺗم ﻣن ﺧﻼل اﻟﻌﯾش ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﯾن. ﻓﺷﻌوﺑﻧﺎ ﻟﮭﺎ ﺣﯾﺎة ﻣﺳﺗﺗرة، ﺗﺗﺣﻠل ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻣن ﻛﺎﻓﺔ - أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻣﻌظم - ﻣﺳﺑﺑﺎت اﻷﻟم اﻟﺣﺿﺎري. وﺣﯾﺎة أﺧرى ﻋﻠﻧﯾﺔ ﯾﻣﯾل اﻟﻧﺎس ﻓﯾﮭﺎ ﻟﻼﺗﺷﺎح ﺑﻛل ﻣﺎ ھو ﺷﺎﺋﻊ وﻣﺄﻟوف.
ھذه اﻻزدواﺟﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻗد ﺗﻧﺟﺢ، ﺑل ھﻲ ﻧﺎﺟﺣﺔ ﺣﺗﻰ اﻵن، ﻓﻲ ﺗﺄﺟﯾل "اﻻﻧﮭﯾﺎر اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻌظﯾم"، ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﻲ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟظﺎھرة، ﻓﺛﻣﺔ اﻧﮭﯾﺎر ﻏﯾر ﻣرﺋﻲ ﺣﺎﺻل، ﻣﯾداﻧﮫ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟﻣﺳﺗﺗرة، ﺣﯾث ﻻ ﺻوت ﯾﻌﻠو ﻓوق ﺻوت اﻟﺗﻣﻠﻣل واﻟﺗﻣرد.
أﻗول اﻧﮭﯾﺎر، ﻛون ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻣﺟرد ﻗﮭر ﻋﺷواﺋﻲ - وﺿﺑﺎﺑﻲ واﻧﺗﻘﺎﺋﻲ وﻏﯾر ﻣﻌﻠن ﻓﻲ أﻏﻠب اﻷﺣﯾﺎن - ﻻﻏﺗراﺑﮭم اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ، ﻓﻔﻲ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟﻣﺳﺗﺗرة ﻧﻔﻌل ﻣﺎ ﻻ ﻧﻔﻌﻠﮫ ﻓﻲ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟظﺎھرة، ﺑل وﻧزﯾد اﻟطﯾن ﺑﻠﮫ ﺑﺄن ﻧﺗﺷدد ﻟﺣد اﻟﻣزاﯾدة ﻓﻲ اﻧﺗﻘﺎد ﻣﺎ ﯾﻔﻌل ﺧﻔﯾﺔ، وﻧﺣﯾطﮫ ﺑﺳﯾﺎج ﻣﺗﯾن ﻣن اﻟﺳرﯾﺔ واﻟﺣذر واﻟﺗدﯾن.
ﯾﻧطﺑق ھذا أﻛﺛر ﻣﺎ ﯾﻧطﺑق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻛون اﻟﺟﻧﺳﻲ ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ - إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻣﻛوﻧﺎت أﺧرى ﺑﺎﻟطﺑﻊ -، ﻓﻔﻲ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟﻣﺳﺗﺗرة ﻣﺗﻧﻔس ﻗوي ﻟﮭذا اﻟﺻداع المزمن.
ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ إذن، وﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ، ﻗﺎدﺗﮭﺎ آﻻﻣﮭﺎ ﻟﺗﺣﺎﯾل وﺗﻣرد ﺧﻔﻲ، ﯾﺗﻣﺗرس وراﺋﮭﻣﺎ اﻟﺗواء اﻟذﻛﺎء، وأﻣراض اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أﺧرى ﺷدﯾدة اﻟﺗﻌﻘد واﻟﺗراﻛم، وھو ﻣﺎ ﯾﻧذر ﺑﺣدوث ﻣﺎ ﺳﻣﯾﺗﮫ "اﻻﻧﮭﯾﺎر اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻌظﯾم"، ﻟﯾس ﻟﻌدم اﺣﺗراﻣﻲ ﻟﮫ، ﻓﺎﻟﺗﻣرد دوﻣﺎ ﻣوﺿﻊ اﺣﺗرام وﺗﻘدﯾر، وإﻧﻣﺎ ﻓﻘط ﻟطﺑﯾﻌﺗﮫ، ﻓﮭو ﻋﺷواﺋﻲ وﺿﺑﺎﺑﻲ واﻧﺗﻘﺎﺋﻲ، ﺑدأ ﻓﻲ ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟُﻣﺳﺗﺗرة وﻟﺳوف ﯾزﺣف ﻓﻲ اتجاه ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟﻌﻠﻧﯾﺔ!
ﺗﺻدع ﺳرطﺎﻧﻲ ﻏﯾر ﻣرﺋﻲ، ﯾﻌﻘﺑﮫ اﻧﮭﯾﺎر ﻣﻔﺎﺟﺊ وﺷﺎﻣل ﻟﻠﺑﻧﺎء اﻟﺣﺿﺎري.
(9) الوسطية والعملية والغائية
ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺧﺻﺎﺋص ﻋدﯾدة، ﻟﻌل أﺑرزھﺎ وأﻛﺛرھﺎ ﻧﻔوذا ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎش:[اﻟوﺳطﯾﺔ، واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ، واﻟﻐﺎﺋﯾﺔ]. دارﺳو ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮭم ﻟﮭذه اﻟﺧﺻﺎﺋص وﻓﻲ ﺗﻧﻘﯾﺑﮭم ﻋن ﺟذور آﻻﻣﻧﺎ اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ، ﻻ ﯾﺗﺟﺎوز ﺟﮭدھم اﻟﺗوﻗﯾر اﻟﺷدﯾد ﻟﮭذه اﻟﺧﺻﺎﺋص، أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻣﺳﺎﻟﻣﺗﮭﺎ، ﻓﺿﻼ ﻋن ﺗوﺟﯾﮫ اﻟﻠوم ﻟﻸﺟﯾﺎل، ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺣﺎﻟﯾﺔ، ﻣن ﻣﻧطﻠق ﻣﺳﺋوﻟﯾﺗﮭﺎ ﻋن ﻋدم اﺳﺗﺛﻣﺎر ھذه اﻟﺧﺻﺎﺋص وإﺧﻔﺎﻗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﺎﻛﺎة ﻣﺎ ﺟرى ﻓﻲ ﺻدر ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻟﻌﺗﯾﻘﺔ، ﻓﺎﺳﺗﻌﺎدة "ﯾوﺗوﺑﯾﺎ" اﻟﺳﻠف ﺣﻠم ﯾراود ﺣﺗﻰ أﻛﺛرﻧﺎ ﺗﻣﻠﻣﻼ.
دارﺳوﻧﺎ ﻟم ﯾﺟرؤوا - ﺑﻌد - ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺷرﯾﺢ اﻟﻧﻘدي ﻟﮭذه اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟراﺳﺧﺔ، واﺧﺗﺑﺎر ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟذاﺗﯾﺔ، ﺣﯾث اﻻﻛﺗﻔﺎء ﺑدراﺳﺔ ﺗﺄﺛﯾرھﺎ، وإداﻧﺔ اﻟﻔﺷل ﻓﻲ اﺳﺗﺛﻣﺎرھﺎ.
اﻟوﺳطﯾﺔ ﻣﺛﻼ - وﻣن اﻟﻧظرة اﻷوﻟﻰ، ﺣﺎل اﻟﻧظر اﻟﻧزﯾﮫ واﻟﻣﻧظم - ﺗﺣﻣل ﻓﻲ طﯾﺎﺗﮭﺎ ﺑذور ﻣﻌﺎداة اﻟﺗطرف، وﻟو ﻛﺎن ﺧﻼﻗﺎ، رﻏم أن اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ ﺗطرف، ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﺧروج ﻋن اﻟﻣﺳﺎر اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﻲ اﻟﻌﺎم، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﺻوﺑﺔ واﻹﻟﮭﺎم.
ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻓﻲ وﻟﻌﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﻠول اﻷﺳﮭل واﻷﻛﺛر إﺿرارا ﺑﺎﻟﻣﺳﺗﻘﺑل، ﯾزﻋﺟﮭﺎ ﻛﺛﯾرا اﻟﺧروج ﻋن اﻟﻣﺄﻟوف وارﺗﯾﺎد آﻓﺎق ﻏﯾر ﻣﺄھوﻟﺔ، ﻣوﺻدة ﺑذﻟك اﻟﺑﺎب أﻣﺎم اﻻﺑﺗﻛﺎر، اﻟﻣرﻏوب ﻣﻧﮫ وﻏﯾر اﻟﻣرﻏوب. اﻟﻣﺧﺎطرة واﻷﻟم ﻻ طﺎﻗﺔ ﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﻟﻣﺗﻌﺟﻠﺔ ﺑﮭﻣﺎ!
ﺑﯾد أن اﻟﻐرﯾب ھو ﺗﻛﺎﻟب ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﮭﻼك ﻧﺗﺎج ﻋﺑﻘرﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻷﺧرى، دون أدﻧﻰ وﺧز ﺿﻣﯾر أو ﺧﺟل، ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺔ ﻗﻧﺎﻋﺔ ﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ، ﻣﻔﺎدھﺎ أﻧﻧﺎ ﻧﻣر ﺑﻌﺻور اﻧﺣطﺎط، ﺑﻌد ﻋﺻور ازدھﺎر، ﻓﺎﻟﻧﺟﺎح ﻋﻧدﻧﺎ ﯾﺟب ﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ! ﻻ ﺗﺗﻘﺑل ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أن اﻟﻧﺟﺎح اﻟذي ﻻ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣﻘوﻣﺎت اﻻﺳﺗداﻣﺔ أﺳوأ ﻛﺛﯾرا ﻣن اﻟﻔﺷل.
ﻣﻌﺎداة اﻟﺗطرف، ﺑﺗﺣﺎﻟﻔﮭﺎ ﻣﻊ ﺧﺻﺎﺋص أﺧرى ﻛﺎﻟﻌﻣﻠﯾﺔ واﻟﻐﺎﺋﯾﺔ..اﻟﺦ، ﺗﻧﺗﺞ ﻣزﯾﺟﺎ ﺣﺿﺎرﯾﺎ آﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطورة، ﻻ ﯾدوم ﻣﻌﮫ ﻧﺟﺎح، وﻻ ﯾﺳﺗﻔﺎد ﻣﻌﮫ ﻣن ﻓﺷل..!!
ﻣن ھﻧﺎ، ﻓﺎﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﻟو ﻋﺎدت ﻋﺻورﻧﺎ اﻟذھﺑﯾﺔ - وﻗد ﻛﺎﻧت ذھﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻌض ﺟواﻧﺑﮭﺎ وﺧرﺑﺔ ﻓﻲ ﺟواﻧب أﺧرى -، ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ سيصيبها اﻟﻌطب، ﻓﺎﻟوﺳطﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ واﻟﻐﺎﺋﯾﺔ، ذﻟك اﻟﻣزﯾﺞ اﻟﻌﺑﻘري، ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﯾطﻔﺊ ﺑﻣﺎﺋﮫ ﺷرارة اﻟﺗطرف اﻟﺧﻼق..
ﻓﺎﻟﻣﮭم ﺑرأي ﻛﮭﻧﺔ ھذا اﻟﻣزﯾﺞ ھو اﻟﻌﯾش..وﻟو ﻛﺎن أﺳوأ ﻣن اﻟﻣوت!
ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﻟﺗﺧﻠﻰ دارﺳﻲ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻋن دأﺑﮭم ﻓﻲ اﻻﻛﺗﻔﺎء ﺑﻠوم اﻷﺟﯾﺎل اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﻟﺗﻔرﯾطﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﯾراﺛﮭﺎ اﻟﺣﺿﺎري! واﻟﺗﺑﺎﻛﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺻور ذھﺑﯾﺔ، ﺗﺳﺗﻌﺎد ﺣﺗﻣﺎ - ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظرھم -، ﺑﻣزﯾد ﻣن اﻻﻧﺣﺷﺎر ﻓﻲ ﺧﺻﺎﺋص ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ واﻟﻣﺳﺎﻟﻣﺔ اﻟﺗﺎﻣﺔ.
ﻣﺎ ﻧﺗﺻوره ﺧﻼﺻﺎ، ھو - وﺗﻠك ھﻲ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ - ﻣﻘﺗل ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ.
(10) هجمات 11/9: ذكرى التمرد على أسطورة الاستقلال
ﻟﻸﺳطورة اﻟردﯾﺋﺔ ﻣذاق طﯾب ﻓﻲ اﻟﻔم اﻟﻌرﺑﻲ، وھو ﻣﺎ ﯾﻔﮭﻣﮫ اﻟﻐرﺑﯾون - ﺧﺎﺻﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﯾن - ﺟﯾدا! ﻣن ھﻧﺎ، ﻋﻣدت اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ، ﺑﻌد أﻓول ﻋﺻر اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻷوروﺑﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي، إﻟﻰ اﻟﺗﺄﺳﯾس "اﻷﺳطوري" ﻻﺳﺗﻘﻼل أوطﺎﻧﻧﺎ اﻟﺛﺎﺋرة.
ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﺳﺗﯾﻘظت ﻓﺟﺄة - ﻛﺎﻟﻌﺎدة - ﻋﻠﻰ ﻣزاج اﻟﺗﺣرر اﻟوطﻧﻲ اﻟﺛوري، وھو ﯾﺗﺣول ﺑﯾن ﻋﺷﯾﺔ وﺿﺣﺎھﺎ، وﻋﻠﻰ ﯾد أﺳﺎطﯾر ﻣﺣﻠﯾﺔ، ﻣﺣﺑوﻛﺔ اﻟﻧﺳﺞ، إﻟﻰ ﺣﻛم ﻋﺳﻛري - ﻣطﻌم ﺑﻣﻠﻛﯾﺎت اﺳﺗﺑدادﯾﺔ -، ﯾﺑﺷر ﺑﻌﺻر اﺳﺗﻘﻼل اﻟﺷﻌوب! وﯾﻧﺎھض اﻟﻐرب اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري، وﺳط ﺣﻣﻼت دﻋﺎﺋﯾﺔ ﻣﺳﻌورة، ﯾزﯾدھﺎ ﺗﺄﺟﺟﺎ ﻣﮭﺎﺟﻣﺔ اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﮭذه اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ، ﻋﻠﻰ ﻣرأى وﻣﺳﻣﻊ ﻣن ﺷﻌوب ﻣﺗﻌطﺷﺔ ﻟﻠﻛﺑرﯾﺎء اﻟوطﻧﻲ!
ﻋﺑﻘرﯾﺔ اﻟﺳﺑﺗﻣﺑرﯾﯾن ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﺗﻔردھم دون ﺑﻘﯾﺔ أﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم، ﺑﺎﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺣطﯾم اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ، وإزاﺣﺔ اﻟﺳﺗﺎر ﻋن اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض، ﺻﺎﻧﻊ اﻷﺳﺎطﯾر اﻟردﯾﺋﺔ، وﺣﺎﻣﻲ اﻟﺣﻘﺎﺋق ﺑﺎﻷﻛﺎذﯾب! ﻋﺑﻘرﯾﺗﮭم أﯾﺿﺎ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﻗدرﺗﮭم ﻋﻠﻰ ﺗﻌرﯾﺔ زﯾف اﺳﺗﻘﻼﻟﻧﺎ اﻟوطﻧﻲ، وأن اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ھو ﻣن "ﯾﺣﻛم ﻣن وراء ﺳﺗﺎر"!
أﻗول ﺗﻔردھم، وأﻋﻧﻲ ﻣﺎ أﻗول. ﻓﺄھل اﻟرأي وﻣﻌﺎھدﻧﺎ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ وﻣراﻛزﻧﺎ اﻟﺑﺣﺛﯾﺔ..اﻟﺦ، ﻛل ھؤﻻء ﺗﻌﺎﯾﺷوا ﻣﻊ اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ، وﻣن ﺛم ﺳﻠﻛوا ﻓﻲ أﺑﺣﺎﺛﮭم وآراﺋﮭم ﻣﺎ زاد اﻟطﯾن ﺑﻠﮫ! ﻛوﻧﮭم ﻟم ﯾﺗطرﻗوا ﻟﻸﺳطورة، ﻟﻛﺷف ﺳرھﺎ، واﻛﺗﻔوا ﺑﺎﻧﺗﻘﺎد ﺳﻠوﻛﯾﺎت وﺗﺻرﻓﺎت وﺳﯾﺎﺳﺎت..اﻟﺦ، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو أراح اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ، وﺻﻧﺎﻋﮭﺎ.
ﻧﺗﯾﺟﺔ ذﻟك ﻣﺎ ﻧراه اﻟﯾوم ﻣن ﺗﺧﺑط وارﺗﺑﺎك، وﻗﺗﺎل ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺧطﺄ! اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ﺳﻣﺢ ﻟﻧﺎ ﺑﺎﻟوطﻧﯾﺔ وﺿن ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺑﺎﻟﺣرﯾﺔ، ﻓﺄﺻﺑﺣﻧﺎ ھﯾﻛﻼ ﺧﺎوﯾﺎ! أدرك ھذا اﻟﺳﺑﺗﻣﺑرﯾون، ﻓذھﺑوا ﺑﯾﺄﺳﮭم وﺿﻌﻔﮭم إﻟﻰ دﯾﺎر اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض، وﺷﻧوا ھﺟﻣﺎﺗﮭم..
اﻟﻣدھش أﻧﮫ ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﺎء اﻟرد! ﺣﻛم ﺑﺎﻹﻋدام - ﺷدﯾد اﻟﻘﺳوة - ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر- اﻟﻣطﻌﻣﺔ ﺑﺑﻌض اﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻻﺳﺗﺑدادﯾﺔ - واﺳﺗﺑدال دوﻟﺔ إﺳﻼم ﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﮭﺎ!
اﻟﻐرب ﯾرﯾد دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ رﺻﺎﺻﺔ رﺣﻣﺔ ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ، وﻧﺣن ﻧﺗﻣﻧﺎھﺎ - ﻣﻊ اﻹﻗرار رﺑﻣﺎ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك - طوق ﻧﺟﺎة ﻟﻧﺎ، وﻟﻸﺟﯾﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ.
(11) تجربة العيش في مجتمع فاسد
ﻣﻔﺎﺟﺄة اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ أن اﻟﺷﻌوب ﻻ ﺗﻘل ﻓﺳﺎدا ﻋن اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ! وأن ﻓﺳﺎد اﻷﻧظﻣﺔ أھون ﻛﺛﯾرا ﻣن ﻓﺳﺎد اﻟﺷﻌوب، ﻓﮭو ﻋﺎر ﻣﻔﺿوح، ﻓﻲ ﺣﯾن أن ﻓﺳﺎد اﻟﺷﻌوب، ﯾﺳﺗره إﺟﻣﺎع اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﮫ، ﺣﯾث ﯾﺑدو إرادة ﺷﻌﺑﯾﺔ. ﻣن ﯾﺗﺻدى ﻟﮭﺎ، ﯾﺻﯾر ﻣﺳﺗﺑﺎﺣﺎ.
واﻟﺳؤال: ھل ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻔﺳﺎد ﻣﺷروﻋﺎ ﺣﯾن ﯾﺟﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﮫ؟!
ﻣﺎ ﻧراه اﻟﯾوم ھو اﺟﺗﻣﺎع اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﺑﺎطل، إﻧﮭﺎ "ﺟﺎھﻠﯾﺔ أﺧﻼﻗﯾﺔ"، ﻻ ﺗﺟد ﻣن ﯾﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺑﺣث واﻟدراﺳﺔ، ﻓﺎﻟﻣﻧوط ﺑﮭم اﻟﻘﯾﺎم ﺑذﻟك ھم ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺔ ﻗوى اﻟﻔﺳﺎد اﻟﻌﺎﺗﯾﺔ!
أﻧﺎ ﺣﺎﺻل ﻋﻠﻰ درﺟﺔ دﻛﺗوراه اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ، وﻟﯾﺗﻧﻲ ﻣﺎ ﻓﻌﻠت! ﻣﺎ ﻧﺣﺻل ﻋﻠﯾﮫ ﻣن ﺷﮭﺎدات ﻣﺟرد أوراق، ﻓﺎﻗدة ﻟﻠﻣﻌﻧﻰ واﻟﻘﯾﻣﺔ، وإﻻ ﻓﻛﯾف أﻓﮭم أن ﺗﺿم أوﺳﺎطﻧﺎ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ ﺳﻣﺎﺳرة وﺑﺎﻋﺔ وﻣرﺗزﻗﺔ، ﯾﻧﺧرون ﻓﯾﻣﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﻣن أطﻼل..
ﺗﺷﻌر وأﻧت ﺗرﻗب أﺣدھم أﻧﮫ ﻧﺧﺎس، ﻻ ﻋﻠم ﻋﻧده وﻻ ﻧﺧوة وﻻ ﻣروءة.
اﻟﻔﺳﺎد اﻟﺷﻌﺑﻲ ظﺎھرة ﻣﺎ أظﻧﮭﺎ وﺟدت ﻓﻲ ﻏﯾر ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ، و ﻻ أدري ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻛﺎن ﺷﻌب ﻓﺎﺳد أن ﯾﺗﻣرد ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮫ! أﻏﺎﻧﻲ وﻛﺗﺎﺑﺎت ﻣدح اﻟذات، ﻣﻧﺗﺷرة ﺑﻐزارة ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ، وﻛﺗﺎﺑﺎت ﺟﻠد اﻟذات، ﻟﯾﺳت ﺿد ﻓﺳﺎد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، ﺑل ھﻲ دون ذﻟك!
أﺟواء اﻟﻔﺳﺎد اﻟﺷﻌﺑﻲ أﻓرزت وﺻﺎﯾﺎ ﺗﺗوارﺛﮭﺎ اﻟﺷﻌوب اﻟﻔﺎﺳدة، ﺗﺣض ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠف واﻟدوران وادﻋﺎء اﻟﻐﺑﺎء واﻟﻔﮭﻠوة..إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن أوﺣﺎل. ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أﻗرب ﻟﺟﺣور ﻓﺋران ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﺟﻣﻌﺎت ﺑﺷرﯾﺔ. وﻟﺷد ﻣﺎ ﺗﻣﻧﯾت أن أﻋﯾش ﻋﯾﺷﺔ ﻛرﯾﻣﺔ، وأن أﻧﻔض ﻋن ﻧﻔﺳﻲ وﺻﺎﯾﺎ آﺑﺎﺋﻲ وﺟدودي [ﻣن ﯾﺟﺑن ﯾﺳﻠم]. ﻟﺷد ﻣﺎ ﺗﻣﻧﯾت أن أﻋﯾش ﺑﻌﯾدا ﻋن ﺟﺎھﻠﯾﺔ أﺧﻼﻗﯾﺔ، ﺗﺟرد اﻟﺣﯾﺎة ﻣن ﻣﻐزاھﺎ، وﺗﺣﯾﻠﮭﺎ ﻋﺑﺛﺎ..
(12) الخروج من الجاهلية الأخلاقية
ﻻ أﻋﺗﻘد أﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﺑﻣﻘدور اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - ﺣﺎل اﻛﺗﻣﺎل ﻗﯾﺎم دوﻟﺗﮫ، وھو ﻣﺎ أﺗوﻗﻊ ﺣدوﺛﮫ - ﻗﯾﺎدة ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﺳﮭوﻟﺔ إﻟﻰ ﺧﺎرج ﺣدود اﻟﺟﺎھﻠﯾﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ، رﺑﻣﺎ ﻻﻧﺣﺷﺎر ﻣﻧظرﯾﮫ ﻓﻲ ﺧﺑراﺗﮭم اﻟدﻋوﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ، ﻓﺿﻼ ﻋن ﻗﻧﺎﻋﺗﮭم اﻟراﺳﺧﺔ ﺑﺎﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﺳﺗﻧﺳﺎخ ﺑﻌض اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﻣﺿﯾﺋﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ، دون اﻷﺧذ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎر ﺗﻌﻘد وﺗﺷﺎﺑك اﻟﻠﺣظﺔ اﻟراھﻧﺔ.
اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺷرﯾك - دون وﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ - ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﻓﻲ اﻟوﺻول ﺑﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺟﺎھﻠﯾﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ. ﻓﻔﻲ اﻟوﻗت اﻟذى ﺣﻛم ﻓﯾﮫ اﻟﻌﺳﻛر ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﺎﻟﺣدﯾد واﻟﻧﺎر ﻟﻌﻘود ﻋدﯾدة، ﻛﺎن اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ھو اﻟﺧﺻم اﻟطﺎﻣﺢ إﻟﻰ واﻟﻌﺎﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾر اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن ﻧﯾر اﻟﻌﺳﻛر واﻗﺎﻣﺔ دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ. ﻓﻲ ظل ﺗﻐﯾﯾب ﻛﺎرﺛﻲ ﻟﻸوﺟﮫ اﻷﺧرى ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ.
اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﺟﮫ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﻧﺿﺎﻟﮫ - واﻟﺗﻰ ﻻ ﺗﺧﻠو ﻣن روﻋﺔ -، دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﺑدﯾﻣﺎﺟوﺟﯾﺗﮭﺎ وﻣﻐﺎزﻟﺗﮭﺎ ﻷدﻧﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﻌوب ﻣن ﻏراﺋز، وﻣن ﺛم وﺟد ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻘﯾدا ﻓﻲ ﻣﺳﺎﻋﯾﮫ اﻟﺛورﯾﺔ، ﺑﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﺣﯾوات ظﺎھرة ﻣﺿﻠﻠﺔ، ﯾﻌﻠم اﻧﮭﺎ ﻛذﻟك، وھو ﻣﺎ اﺳﺗراﺣت إﻟﯾﮫ ﺷﻌوﺑﻧﺎ وأﻛﺳب دﻋوﺗﮫ أرﺿﯾﺔ واﺳﻌﺔ..ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ وظﻔت دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر واﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﻌﺑﻘرﯾﺔ..
اﻟﻌﺳﻛر ھم اﻟﺳﯾﺎدة اﻟﺻﻠﺑﺔ وﺳﻠطﺔ اﻷﻣر اﻟواﻗﻊ، واﻻﺳﻼﻣﯾون ھم ﻗﺎطرة اﻟﺳﯾﺎدة اﻟﻧﺎﻋﻣﺔ، ﯾﺑﺎرك رﻣوزھم - ﻓﻲ ﺛﻘﺔ وﻗوة - ﺗﻣزق ﻣواطﻧﯾﮭم ﺑﯾن ﺣﯾﺎﺗﯾن، اﺣداھﻣﺎ ﻣﺳﺗﺗرة واﻷﺧرى ﻋﻠﻧﯾﺔ، ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ ﻋﺷواﺋﯾﺔ وﻓﮭﻠوة اﻟﻌﺳﻛر. ﻓﺿﻼ ﻋن ﺗﺑﺷﯾرھم ﺑﺣﺗﻣﯾﺔ اﺻﻼح "اﻟظﺎھر" ﻟـ "اﻟﺑﺎطن"!
أﻛﺳب ھذا اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﺷﻌﺑﯾﺔ - ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔت -، ﻏﯾر اﻧﮭﺎ ﺷﻌﺑﯾﺔ ﻣﺗرھﻠﺔ ھﺷﺔ، ﻧظرا ﻟﻌدم اﺳﺗﻧﺎدھﺎ ﻟﺑﻧﯾﺔ ﺗﺣﺗﯾﺔ أﺧﻼﻗﯾﺔ ﺻﻠﺑﺔ، ﺗﺿرب ﺑﺟذورھﺎ ﻓﻲ أﻋﻣﺎق اﻟﺿﻣﯾر اﻟﺑﺷري.
اﻟطرﯾف، ﺑل ﻟﻧﻘل اﻟﻛﺎرﺛﺔ، أن ﻣﺎ اﺟﺗﮭد اﻻﺳﻼﻣﯾون طﯾﻠﺔ ﻋﻘود ﻓﻲ ﺗﺻدﯾره إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، وﻣﺎ اﺣﺗﻔوا ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾوات ظﺎھرة ﻣﻐﻠﻔﺔ ﺑرﻗﺎﺋق اﻟﺗدﯾن، ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ارﺗد إﻟﻰ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻧﻔﺳﮫ، ﻓﻧﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺑدو ﻣن ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ وﻛوادره. ﺗﻠك ھﻲ ﻣﺣﻧﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
اﻻﺳﻼﻣﯾون ﻟﯾﺳوا ﺑﻣﻌزل ﻋن ﺟﺎھﻠﯾﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﻻﺧﻼﻗﯾﺔ، وإن زﻋﻣوا ﺧﻼف ذﻟك، ﻓﮭم ﺗﺣت وطﺄة اﻟﻘﮭر اﻟﻌﺳﻛرى واﻟﺣرص ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻣﺎﻟﺔ اﻟﺷﻌوب ﻟﺟﺎﻧﺑﮭم، ھﺎدﻧوا ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم ورﺿوا ﻣن اﺑﻧﺎﺋﮭﺎ اﻟﻌﯾش ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﯾن، اﻟﻘﺷور اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ، وھو ﻣﺎ اﻧﺗﮭﻰ ﺑﺎﻟﺟﻣﯾﻊ إﻟﻰ ﺟﺎھﻠﯾﺔ أﺧﻼﻗﯾﺔ.
(13) دولة الإسلام السياسي: الطموح الحاضر والاستراتيجية الغائبة
ﺛﻣﺔ دوﻟﺔ وﻟﯾدة ﺗﻠوح ﺑوادرھﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺿﺎﺋﯾن اﻟﻌرﺑﻲ واﻻﺳﻼﻣﻲ، ﺗﺳﺗﻧد ﻓﻲ ﺻﻌودھﺎ إﻟﻰ ﻗﺎﻋدة ﺻﻠﺑﺔ ﻣن اﻷﻧﺻﺎر، ﯾزﯾد ﻣن ﺣﻣﺎﺳﮭم ﺗرﻧﺢ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺗﺣت وطﺄة ﺿرﺑﺎت اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ، وﺗﺧﻠﻰ اﻟﻐرﺑﯾﯾن - ﻻﻋﺗﺑﺎرات ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭم - ﻋن ھذه اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﮭرﻣﺔ. ﺑﯾد ان اﻟﺧﻠل اﻟرھﯾب ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة، ھو اﻓﺗﻘﺎرھﺎ ﻟرؤﯾﺔ اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ واﻋدة، ﺑﻣﻧﺄى ﻋن اﻟوھم واﻟﺷﻌﺎرات اﻟﺟوﻓﺎء، ﺗﻣﻛن ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟداﺧل واﻟﺧﺎرج، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻗﺎﺑل ﻟﻠﺗﺧﺻﯾب واداﻣﺔ اﻟﻧﺟﺎح.
أوﻟﻰ رﻛﺎﺋز ھذه اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ ھو وﺟوب اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻏﯾر اﻟﻌﺷواﺋﻲ ﻣﻊ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ، واﻟﺗﻰ ﺗﺳﺗﻧد ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺗﮭﺎ ﻟﻠزوال إﻟﻰ دوﻟﺔ ﻋﻣﯾﻘﺔ ﺷدﯾدة اﻟﺗرھل واﻟﻔﺳﺎد، ﯾﺻﻌب اﻟﻧﯾل ﻣﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﮭﻠوة، ﻓﺎﻟطﺎﻣﺢ إﻟﻰ اﺣﺗوء ھﻛذا ﺑﯾروﻗراطﯾﺔ أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻐرق ﻓﻲ أوﺣﺎﻟﮭﺎ ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﮭﺎ وﺗطﮭﯾرھﺎ. اﻟﻧﻣوذج اﻟﻣﺻري ﺧﯾر دﻟﯾل، ﻓﻘد ﻓﺷل اﻻﺳﻼﻣﯾون ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺑﯾروﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ. ﻏرﻗوا ﻓﻲ أوﺣﺎﻟﮭﺎ، ﻗﻠدوا ﺳﻠوﻛﯾﺎﺗﮭﺎ، اﺳﺗﺳﻠﻣوا ﻻﻏراء ﻓﻛرة اﻟﺗﻣﻛﯾن ﻋﻠﻰ ﺧطورﺗﮭﺎ. ظﻧوا أن ﻗراﺑﺗﮭم اﻟﻠﺻﯾﻘﺔ ﻣﺻدر ﻗوة ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﻧﺿﺎل واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ!
رﻛﯾزة أﺧرى ﻟﯾس ﺑﻣﻘدور اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﺗﺟﺎھﻠﮭﺎ واﻟﻘﻔز ﻓوﻗﮭﺎ، وھﻲ ﺣﺗﻣﯾﺔ ﻗﯾﺎدة ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم ﻟﺧﺎرج ﺣدود اﻟﺟﺎھﻠﯾﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ، ﻟﯾس ﺑطراﺋق اﻟوﻋظ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ، ﻓﺎﻷﻣر ﺗﺟﺎوز ﻓﻲ ﺗﻌﻘدة وﺗﺷﺎﺑﻛﮫ ﻣﺛل ﺗﻠك اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺑرﯾﺋﺔ. وإﻧﻣﺎ ﺑﺗﻔﻛﯾك ﺟريء، وﺗﺷرﯾﺢ ﻗﺎس ﻟﺗﺟرﺑﺗﻧﺎ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ظل اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ، ﻣﻊ ﺿرورة ﻣراﺟﻌﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن أﻧﻔﺳﮭم ﻟدورھم ﻓﻲ اﻟﻣﺷﮭد اﻷﺧﻼﻗﻲ، ﻓﺎﺳﮭﺎﻣﮭم ﻗوي ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟوﺟدان اﻷﺧﻼﻗﻲ، وﺗﻐﺎﺿﯾﮭم ﺗم ﻋن اﻟﻛﺛﯾر، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل اﻻﺣﺗﺿﺎن واﻟﺣﺷد.
اﻟﺣﺿﺎرة اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﻠﮭث ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ اﻻﻓﻼس! أﺿﺣت ﻓﺎﻗدة ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻟﻠﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻻﺑداع واﻻﺑﺗﻛﺎر، وھو ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺻرخ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﺗﺿﻣﯾن اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺗﮭم اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ ھذه اﻻﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣؤرﻗﺔ، واﻗﺗراح ﺣﻠول ﺧﻼﻗﺔ، رﺑﻣﺎ ﺗﻔرض ﻋﻠﯾﮭم ﺣﻣﺎﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺑﻐﺿوﻧﮫ، أﻋﻧﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ، ﻓﻼ ﺳﺑﯾل ﺑرأﯾﻲ أﻣﺎم اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﺳوى اﻟﺳﻣﺎح ﺑطراﺋق اﺧرى ﻣن اﻟﺗﻔﻛﯾر، ﻻ ﺑدﯾل أﻣﺎﻣﮭم ﻋن اﻟﻣﺧﺎطرة واﻷﻟم. ﯾﻌﯾد ھذا ﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ رﺣﺎﺑﺗﮭﺎ وﯾﻔﺗﺢ اﻟﻣﺟﺎل أﻣﺎم ﺑروز ﺻﻔوة ﻓﺎﺿﻠﺔ وذوى اﻟﻧظر اﻟﺑﻌﯾد.
رﻛﯾزة أﺧرى ﺗﺳﺗﺣق اﻻھﺗﻣﺎم اﻟﺷدﯾد، وھﻲ ﻋدم اﺳﺗﺳﺎﻏﺔ اﻟوﺟدان اﻟﺷﻌﺑﻲ ﻟﻔﻛرﺗﻲ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ، ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﺣرﯾﺔ وﻻ ﺣب ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ، ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻟﻐﯾر اﻟﻣرﯾﺢ ﻣﻧﮭﺎ! اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ھﻣﺎ اﻟﺣﺎﺿر اﻟﻐﺎﺋب، اﻟﻛل ﯾذﻛرھﻣﺎ وﯾﻣﺟدھﻣﺎ، ﺑﯾد أﻧﮭﻣﺎ - ﻟﺷﻌوﺑﻧﺎ - ﻛﺎﻟﺳراب، ﻣﺣض وھم..
ﺗﻠك ﻛﺎﻧت ﺑﻌض ﻣﻼﻣﺢ اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ ﻟدوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ/اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ، أﺧﺗﻣﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﻠﻣﺢ اﻷﻛﺛر اﯾﻼﻣﺎ وھو ﺗﺳﯾد اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻟﻠﺣﯾﺎة، ﻓﻼ ﯾﻛﺎد اﻟﻣرء ﯾﻔﻛر ﻓﻲ أﻣر إﻻ وﯾﻛﺗﺷف أن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻗد ﺳﺑﻘوه إﻟﯾﮫ، ﻻ ﯾﻛﺎد اﻟﻣرء ﯾﺳﻠك طرﯾﻘﺎ إﻻ وﯾﻛﺗﺷف أن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻗد ﻣروا ﻣﻧﮫ، ﻓﻼ ﯾﻣﻠك إﻻ اﻟﺗﻘﻠﯾد واﻟﻣﺣﺎﻛﺎة، وھو ﻣﺎ ﺗﺿطر اﻟﯾﮫ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﻌد اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺟدل اﻟﻌﻘﯾم واﻟﻧﻘﺎش ﺣول ﻣدى اﻟﻣﺷروﻋﯾﺔ واﻟﺟواز. اﻟﻐرﺑﯾون ھم اﻟﻧﻣوذج واﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ اﻟﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ وﻟﻐﯾرھﺎ ﻣن اﻟﺣﺿﺎرات. ﺗﺷﻌر وأﻧت ﺗرﻗب ﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻷرض وﻓﻲ اﻟﻔﺿﺎء أن اﻟﺣﯾﺎة ﻟم ﺗﺧﻠق إﻻ ﻟﮭم. أن اﻟﺟرأة ﻟم ﺗﺧﻠق إﻻ ﻟﮭم. اﻟﺣرﯾﺔ أﺻﺑﺣت ﻏرب. واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أﺻﺑﺣت ﻏرب..
(14) روما الجديدة: امبراطورية قوى السوق الكونية
ﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ، ﻣن ﺗﺧﺑط وارﺗﺑﺎك - ﻣﺛﯾرﯾن ﻟﻠﺷﻔﻘﺔ -، ﻣﺻدره ﺟﮭل اﻟﺳواد اﻷﻋظم ﻣن أﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﺎﻟﺗﺣول اﻟﻛوﻧﻲ اﻟراھن، وھو ﺟﮭل ﺗﻐذﯾﮫ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر وأﻧﺻﺎرھﺎ، ﻋﻠﻰ أﻣل اطﺎﻟﺔ ﻋﻣرھﺎ ﻷﺑﻌد ﻣدى ﻣﻣﻛن، ﻓﺿﻼ ﻋن ﺧﺷﯾﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻣن ﺗﻌرﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ، ﻟﺿﻌف ﺛﻘﺗﮭم ﺑﺎﻟﺷﻌوب، وﻗﻧﺎﻋﺗﮭم ﺑﺄﻓﺿﻠﯾﺔ ﻋدم ﻣﻌرﻓﺗﮭﺎ ﻟﻣﺎ ﯾزﯾد ﻋن ﺣﺎﺟﺎﺗﮭﺎ اﻟﯾوﻣﯾﺔ.
ﻧﺣن ﻧﻌﯾش ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻌوﻟﻣﺔ!! ﻧﺣن ﻣواطﻧون ﻓﻲ ﺟﻣﮭورﯾﺔ، أو ﻟﻧﻘل اﻣﺑراطورﯾﺔ، ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ. اﻧﮭﺎ روﻣﺎ اﻟﺟدﯾدة، اﻟﺳوق ﻓﯾﮭﺎ ھو اﻟﺳﯾد، واﻟﻣواطن ﻓﯾﮭﺎ ھو اﻟﻣﺳﺗﮭﻠك. اﻧﮭﺎ دوﻟﺔ اﻓﺗراﺿﯾﺔ، اﻟرأس ﯾوﺟد ﺣﯾث ﻋﺎﺻﻣﺔ ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ - اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ -، أﻣﺎ اﻟﺟﺳد ﻓﻣﺗراﻣﻲ اﻷطراف، اﻧﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳره، ﺑﻘﺎراﺗﮫ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ، وﺣﺿﺎراﺗﮫ وﺛﻘﺎﻓﺎﺗﮫ اﻟﻣﺗﻌددة.
ﻟم ﯾﻌد ﺛﻣﺔ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﺣدود!! اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ أن اﻟدوﻟﺔ - اﻷﻣﺔ وﻣﺎ ﯾرﺗﺑط ﺑﮭﺎ ﻣن أﻣور، ﻻ ﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﮭﻣﺎ! ﻏﯾر أن ﻣﺎ ﯾؤﺳف ﻟﮫ ﻛﺛﯾرا ھو أن ﻓﻛرة اﻟدوﻟﺔ - اﻷﻣﺔ ﺗﻐﺎدرﻧﺎ وﻟم ﻧﺳﺗﻔد ﻣﻧﮭﺎ، ﻧدﻓﻊ اﻟﯾوم ﺑﻌﯾدا ﻋﻧﮭﺎ، وﻗد أﺻﺑﺣت ﻣﺣض أوﺣﺎل. أﻓﮭﻣﻧﺎ اﻟﻌﺳﻛر أن اﻟدوﻟﺔ ﻻ ﺗﺗﺟﺎوز وﻻ ﯾﻧﺑﻐﻰ ﻟﮭﺎ أن ﺗﺗﺟﺎوز ﺗﺧوم اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻣﺗﺷﻧﺟﺔ اﻟﻣﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺣرﯾﺔ وھو ﻣﺎ أورﺛﻧﺎ ﻓﺷﻼ وﻓﺳﺎدا.
اﻻﺳﻼﻣﯾون ھم اﻷﻛﺛر اﻟﺗﺻﺎﻗﺎ ﺑﺧﺻﺎﺋﺻﻧﺎ اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ، ﯾﺟﻌﻠﮭم ھذا ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻷﻛﺛر ﺗﺿررا ﻣن اﻓﻼﺳﻧﺎ اﻟﺣﺿﺎري، وﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى ﯾﺟﻌﻠﮭم ھذا اﻟﺧﯾﺎر اﻷﻓﺿل ﺣﺎﻟﯾﺎ، ﻟﺿﻣﺎن وﻗوف ﺣﺿﺎراﺗﻧﺎ وﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ وﺟﮭﺎ ﻟوﺟﮫ أﻣﺎم أوﺟﺎﻋﮭﺎ وآﻻﻣﮭﺎ، ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺗﺑرﯾرات اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ، ﺑﺄن ﻣﺎ ﻧﻌﺎﻧﯾﮫ ﻣﺣض ﻋرض، ﯾﺧﺗﻔﻰ ﻓور اﺳﺗﻌﺎدة اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻻﻧﺣﺷﺎر ﻓﻲ اﻟﻣﯾراث اﻟﺣﺿﺎري.
(15) الرجل الأبيض والقيادة بالأسطورة
اﺑﺣث ﻋن اﻷﺳطورة! ﻓﻠﻸﺳطورة دور ﺧطﯾر ﻓﻲ اﺣﻛﺎم ﻗﺑﺿﺔ اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ﻋﻠﻰ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ. اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض دارس ﺟﯾد ﻟﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ، وﻣن ﺛم ﻧﺎﺳﺞ ﺑﺎرع ﻷﺳﺎطﯾرﻧﺎ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ. أﺳطورة اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻰ ﺧﯾر ﺷﺎھد ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﺑراﻋﺔ. ﻓﻘد أﻋﻘب وﻓود ﻓﻛرة اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻟﻣﻧطﻘﺗﻧﺎ ظﮭور ﻧزﻋﺎت ﻟﻼﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻲ، ﺑﻠﻐت ﻓﯾﻣﺎ ﻧﻌﻠم ﺣدا ﺛورﯾﺎ أزﻋﺞ اﻟﻐرﺑﯾﯾن. وھﻧﺎ ﺗﻔﺗﻘت اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋن أﺳطورة اﻻﺳﺗﻘﻼل وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻣﺻدرا ﻟﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟوﻟﯾدة - ﺣﯾﻧﮭﺎ -.
أﺳﻛروا اﻟﺷﻌوب اﻟﻣﺗﻌطﺷﺔ ﻟﻠﻛﺑرﯾﺎء ﺑﻧﺷوة اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻰ، ﻓﻠم ﺗﻧﺗﺑﮫ إﻟﻰ ﺣﯾﻠﺔ اﻓراغ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ ﻟﻼﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻲ ﻣن ﻣﺿﻣوﻧﮫ، وھو اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻛراﻣﺔ اﻻﻧﺳﺎﻧﯾﺔ.. ﯾﺎﻟﮭﺎ ﻣن ﻓﻛرة ﻋﺑﻘرﯾﺔ! اﻧﮫ اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض وﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﺳﺞ اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ وﺗوطﯾﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺷدﯾد اﻟدرﺑﺔ. اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻰ أﺻﺑﺢ ﺑﻔﺿل ﺣﯾﻠﺔ اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﮫ، ﻏﺎﯾﺔ ﻟم ﺗﺗورع اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟوﻟﯾدة - واﻟﻣدﻋوﻣﺔ وﻗﺗﮭﺎ ﻣن اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض - ﻋن اﺳﺗﺧداﻣﮭﺎ ﻟﺗﺑرﯾر ﺗﺟﻔﯾﻔﮭﺎ ﻏﯾر اﻟﻣﺳﺑوق ﻟﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﺣرﯾﺔ وﺗﺿﯾﯾﻘﮭﺎ اﻟﺷﺎذ ﻋﻠﻰ اﻷﺟﺳﺎد واﻷرواح واﻟﻧﻔوس.
اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ﯾﻛرر اﻵن اﻟﺣﯾﻠﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ، وإن اﺧﺗﻠﻔت اﻷﺳطورة ھذه اﻟﻣرة!! اﺧﺗﯾﺎر اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض اﺳﺗﻘر ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﺗﺻﺑﺢ أﺳطورة "ﻣﺎ ﺑﻌد ھﺟﻣﺎت 11/9".
اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ أﻣر ﻋظﯾم وﻧﺑﯾل، ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺷﺄن اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻲ ﻣن ﻗﺑل، ﻏﯾر أن ﻣﺎ ﯾﺛﯾر اﻟرﯾﺑﺔ واﻟﺷك ھو ﻣﺎ ﻧرﺻده ﻣن ﺣﻔﺎوة اﻟرﺟل اﻷﺑﯾض ﺑﺎﻓراﻏﮭﺎ ﻣن ﻣﺿﻣوﻧﮭﺎ، وﺗﺻﯾﯾرھﺎ ﻣﺟرد آﻟﯾﺔ ﻟﺗﺣرﯾر اﻷﺳواق، وﻓﺗﺢ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أﻣﺎم ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ اﻟُﻣﺳﺗﺗرة..أﻣﺎم اﻟﻌوﻟﻣﺔ..
ﯾﻌﺿد وﺟﮭﺔ اﻟﻧظر ھذه اﻓﻼس اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ وﻋﺟزه، ﺣﺗﻰ ﻋن ﻣﺟرد ﺟذب اﻟﺷﻌوب ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ. ﻓﺿﻼ ﻋن ﺗدﺧل ﻋﺎﺻﻣﺔ ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ ﻟﻧﺻرة اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ، دون اﯾﻼء أى اھﺗﻣﺎم ﺑﻌﺷواﺋﯾﺔ وﻓﮭﻠوة، ﯾﺷﺗرك ﻓﯾﮭﻣﺎ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﺳﻛر.
واﻟﺳؤال: ھل ﺗﻘوى ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺟﻧﯾب اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﺻﯾر اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟوطﻧﻲ؟ أو ﺑﻌﺑﺎرة أﺧرى: ھل ﺗﻘوى ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺻون اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ وﺿﻣﺎن ﻋدم ﺗﺣوﻟﮭﺎ ﻷﺳطورة ردﯾﺋﺔ، ﯾوظﻔﮭﺎ اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻰ ﻟﻘﯾﺎدة ﺷﻌوﺑﻧﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺟدﯾدة ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻵﻻم..
(16)الهرولة إلى الاستقرار
اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻓﻲ ﺑﻼدي، أﻋﻧﻲ ﻣﺻر، ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮭم أﻧﺻﺎر دوﻟﺗﻲ اﻟﻌﺳﻛر واﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ، ﯾﻠﮭﺛون ﻓﻲ اتجاه اﻻﺳﺗﻘرار، وﻟوﻻ ﺗﻌﺎرض اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ - ولله اﻟﺣﻣد - ﻻﺗﻔﻘوا ﻋﻠﯾﻧﺎ، وﻣﺎت اﻷﻣل! ﻟﻌدﻧﺎ إﻟﻰ اﺳﺗﻘرار ﻣﺷﺑﻊ ﺑﺎﻟﺧراب، ﻟطﺎﻟﻣﺎ ﻋﺎﻧﯾﻧﺎ وﯾﻼﺗﮫ، ﺗﺣول ﺑﯾﻧﻧﺎ وﺑﯾﻧﮫ اﻟﯾوم ﺳﯾوﻟﺔ اﺟﺑﺎرﯾﺔ، ﺗﻌﯾﺷﮭﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ واﻟﺗﻰ ھﻲ أﺻﻼ ﻣﺳﺗﻧﻘﻌﺎت راﻛدة، ﺗﺧﻠو ﻣن ﻛل ﺷﻲء، ﻋدا اﻟرﻛود واﻟﺳﺄم!
رؤﯾﺗﻰ ھذه ﯾؤﻛدھﺎ - ﻣﺛﻼ - اﻗﺑﺎل اﻟﻌﺳﻛر واﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻋﻠﻰ ﺗوظﯾف ﻋﺑﺎرة اﻟﺷﯾﺦ اﻟراﺣل ﻣﺗوﻟﻰ اﻟﺷﻌراوي: [اﻟﺛﺎﺋر اﻟﺣق ھو اﻟذى ﯾﺛور ﻟﯾﮭدم اﻟﻔﺳﺎد ﺛم ﯾﮭدأ ﻟﯾﺑﻧﻲ اﻷﻣﺟﺎد]. ﺣد ﻋﻠﻣﻲ أن اﻟﺷﯾﺦ أطﻠق ﻋﺑﺎرﺗﮫ ھذه ﻟﺗﮭدﺋﺔ ﻣﺎ ﺑدا ﻟﮫ ﯾوﻣﮭﺎ ﻧذر ﺛورة ﺿد ﻧظﺎم اﻟﺣﻛم. ﻏﯾر أن اُﻣﺿﺣك ﻓﻲ اﻷﻣر ھو ﺗﻧﺎوب اﻟﻌﺳﻛر واﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺑﺎرة، وﻓﻘﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ..! ﻛﻧت ﻓﻲ زﯾﺎرة ﻻﺣدى اﻟﻘرى اﻟرﯾﻔﯾﺔ، ﺣﯾث ﯾﺣﺗﻔظ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﻣﺧزون اﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻣن اﻟﺗﻌﺎطف واﻷﺻوات اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﯾﺔ، ﻟﻣﺣت ﻋﻠﻰ أﺣد أﻋﻣدة اﻻﻧﺎرة "ﺑوﺳﺗر" ﻗدﯾم ﻟﻠدﻋﺎﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﯾﺔ، ﯾﺣﻣل ﺻورة ﻣرﺷﺢ اﺳﻼﻣﻲ، ﻣﺷﻔوﻋﺔ ﺑﻌﺑﺎرة اﻟﺷﻌراوي ﻋن ﺗوﺻﯾف اﻟﺛﺎﺋر اﻟﺣق. أﻋﺎد ھذا ﻟذاﻛرﺗﻲ ﺣرص اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن اﺑﺎن اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟﺑرﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﺎ ﺑﻌد ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر اﻟﻣﺟﯾدة ﻋﻠﻰ اﻟﮭروﻟﺔ إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻘرار، دون ﺣرث اﻷرض وﺗطﮭﯾرھﺎ، ﻣن ﺑﺎب ﺑﺷر وﻻ ﺗﻧﻔر، واﺳﺗﻌﺎﻧﺗﮭم ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ذﻟك ﺑﻌﺑﺎرة اﻟﺷﯾﺦ اﻟﺷﻌراوي، ﻋﺑر ﻛﺗﺎﺑﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﺗﺻل إﻟﯾﮫ أﯾدﯾﮭم.
ﺗﺻرﻓﮭم ھذا أﻟﺣق اﻟﺿرر ﺑﺷﺑﺎب ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر، وأﺟﮭض اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺛورﯾﺔ. وھﺎ ھم اﻟﻌﺳﻛر اﻟﯾوم ﯾﻔﻌﻠون ﻣﺎ ﺳﺑق وﻓﻌﻠﮫ اﻻﺳﻼﻣﯾون، ﺣل دور اﻟﻌﺳﻛر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺑدو ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎوب ﻋﻠﻰ ﻋﺑﺎرة اﻟﺷﯾﺦ، أﺟﮭزة اﻋﻼﻣﮭم ﺗرﺟﻊ ﺻداھﺎ، ﻓﻲ ظل ﺳﻛوت اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻋﻧﮭﺎ، ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﺷﺑﺎب ﻓﻲ ﺣﯾرة إزاء ﺗﺳﺑب اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﺑﻘﺻر ﻧظرھم ﻓﻲ اﻟﺑﺎس اﻧﻘﻼب ﻋﺳﻛري ﺛوب ﺛورة!
(17) الفساد في مصر: طبيعة حمائية وقابلية للاستدامة
للفساد المصري – ولا أدري مدى انطباق هذا على شركائنا في الثقافة – طبيعة حمائية، لا أظنها متاحه لغيره، على الأقل بنفس الصقل والحبكة. فلا تكاد تفكر في الفساد المصري إلا وتجد نفسك أمام كتلة متشابكة من الخيوط الدقيقة، تجد نفسك أقرب إلى اليأس منك إلى الرجاء، تجد نفسك أقرب إلى الضحك الساخر منك إلى البكاء. وسرعان ما تتمتم: ما كل هذا العفن الأخلاقي؟! لم يقنع الفساد في مصر على الأرجح بما يقنع به نظيره في سائر المجتمعات، فأحاط نفسه بدروع واقية، أكثرها خطورة "حاضنة شعبية"، قد لا توجد خارج هنا!
في مقالة سابقة تحدثت عن فكرة الحاضنة الشعبية للفساد، وخلصت إلى القول بجاهلية أخلاقية تعيشها مجتمعاتنا، تتجاور جنبا إلى جنب، مع القيم العليا والعقائد الموروثة، في سلام مُشبع بالقداسة، لا تؤرقه – إن لم تكن تحض على توقيره – خصائص حضارية، بمأمن من التفكيك والتخريب الخلاق، في ظل تجفيف منابع التطرف والطرائق "غير الفقهية" في التفكير. الأمر إذن شديد التراكم والتعقيد، والحاضنة الشعبية لا بديل عن اختراقها وتدميرها، كي لا تجد الجاهلية الأخلاقية ملاذا آمنا، ويتسنى للثوار "الأخلاقيين" اصطيادها. الشعب هو من يُنتج الجاهلية الأخلاقية ويغذيها ثم يعود ليتأثر بها! دائرة مُفرغة جهنمية لابد من كسرها، ولنبدأ بأضعف حلقاتها، وهي البيروقراطية المصرية، كونها تتآمر على مُناهضي الرداءة والركود..
هذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فلنشرع في ايقاف كارثة التجفيف المنهجي لمنابع التطرف والخروج عن السياق المجتمعى العام، عبر السماح بطرائق فلسفية وعلمية في التفكير. الاسلاميون مهما بلغ نقاء الكثيرين منهم وحسن القصد، لن يقدروا بطرائقهم الفقهية في التفكير – وحدها – على بلوغ أحلامهم في خلافة إسلامية غير فارغة المضمون.
دليل ذلك مُعاناتهم اليوم في مواجهة دولة العسكر الهرمة والفاسدة، العسكر ليسوا أقوياء، وإنما الشديد الضعف هو الاسلام السياسي، لعدم امتلاكه قوة الخيال! فلا اطلاع لكوادره على التفكير الفلسفى، ولا استفادة من القوة الناعمة للفنون الراقية، ولا تخلص من رهاب الفشل والخطأ. الاسلاميون لا يستوعبون محنتهم ومحنة أبناء حضارتنا: [ما بداخلنا لا يريد الحقيقة]!
(18)محاولة لتشريح فكرة
الإخوان المسلمون: "هيئة إسلامية جامعة، تحمل مشروع اليقظة في العالم الإسلامي كله"، هذه هي فكرة جماعة الإخوان كما وردت في موقعها الرقمي الرسمي. الفكرة خطيرة، غير أنها – برأيي – لم تحظ بالدراسة الكافية من جانب باحثينا، عكس الحال مع باحثى الغرب، فجامعات الغرب تذخر بدراسات أكاديمية، لا تترك صغيرة وكبيرة في الجماعة إلا وأحصتها!
الناس عندنا – حتى مفكرينا وباحثينا – مشغولون بالأحداث اليومية والسلوكيات الإخوانية، فتجدهم إما كاره لها كراهية التحريم، وإما مُحب لها مُدافع عنها بالحق والباطل. والنتيجة الحتمية ما نراه، خاصة على الفضائيات والمواقع الرقمية من عراك الديوك، وهو مشهد كاشف للعجلة والمصلحية، على خلاف ما يُعتقد. من يُرد الفهم يبحث عن "الفكرة التأسيسية". الفكرة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين تحتاج لدراسة مُكثفة وعميقة، وما أحاوله هنا - مجرد - إطلالة سريعة في شعاب الفكرة، على أمل تطوير لاحق، والتنبيه لخطورة الفكرة.
ماذا أراد حسن البنا بجماعته؟ سؤال تفتح الإجابة عليه أروقة النقاش. الثابت هو أن الراحل حسن البنا درس تجربة النبي محمد وكيف نجح في خلق نواة صلبة لمجتمع جديد، سرعان ما زاد عدد أفراده على نحو مُذهل، وتوسع ليضم أراض وشعوب خارج شبه الجزيرة العربية. وجد البنا في عبقريته دعما لحلمه وسعيه النبيل للملمة حبات عقد الخلافة المنفرط . السؤال اللاحق: هل انتبه البنا لاختلاف ظروف التجربتين، أعني النبوية والاخوانية؟
النبي محمد بدأ المجتمع الإسلامي من نقطة الصفر، حيث لم يكن له وجود قبلي، أما البنا فقد سعى ليس للبدأ من نقطة الصفر، وإنما لإيقاظ المجتمع الاسلامي القائم ولملة حبات عقده المنفرط، فقد تزامنت جهود البنا مع انهيار الخلافة الاسلامية واقتسام الغربيين لأراضيها الشاسعة. أهداف إخوانية نبيلة لا خلاف، لكن المأزق هو عدم مراعاة البنا لاختلاف ظروف تجربته. بدا ذلك واضحا في مُحاكاته للتجربة النبوية وتجاهله لما سينشأ لاحقا من إزدواجية.
حدث هذا بالفعل، إذ سرعان ما بدأت المناوشات ثم الصدام الصريح بين المجتمعين، الإخواني الوليد وكيانات المجتمع القائم/القديم. رحل حسن البنا ولم يجد أو بمعنى أصح لم يُمهله الزمن لعلاج هذه المعضلة، معضلة تحول المجتمع الاخواني الوليد لمجتمع "مواز"..
التطورات اللاحقة ساهمت في تعقيد الأمر، وليس التخفيف من حدته. فقد أعقب إغتيال حسن البنا خضوع العالم الاسلامي، بما فيه منطقتنا، لأنظمة عسكرية وملكيات مُستبدة، عملت – ولاتزال - على تجييش المجتمع القائم بقوة ضد مجتمع الاخوان "المواز". أسفر ذلك عن:
[1] نزوع المجتمع الاخواني للتقوقع على الذات وسعيه لبلوغ الاكتفاء الذاتي، حتى يستطيع الصمود، فعناصره – أو معظمها - مُضطهدة ومحرومة من الالتحاق بالمؤسسات الرسمية.
[2] سعى المجتمع الاخواني لاكتساب حاضنة شعبية، على حساب أمور كثيرة، لعل أخطرها تجاهله لجاهلية أخلاقية يحياها المجتمع القائم، بل وربما تورط المجتمع الإخواني – بوعي أو بلا وعي - في تقديم الغطاء الشرعي لها، من خلال إفراط رموزه وحلفائه - من الدعاة والوعاظ – في إشاعة أن الظاهر كفيل بإصلاح الباطن، وإلا فكيف نفسر التدين الشديد والانحطاط الأخلاقي.
[3] افتقاد المجتمع الاخواني لقوته كقاطرة أُريد لها إيقاظ المجتمع وإحياء همم أبنائه الساقطة، فحظ المجتمع الإخواني من الابداع والخلق، قد لا يُجاوز الصفر بكثير.
بعد هجمات 11 سبتمبر تخلى الغربيون عن الأنظمة القائمة وأبدوا عدم ممانعة بل وربما أيدوا وصول الإسلاميين إلى الحكم. جماعة الإخوان المسلمين هي الأعرق بين حركات الإسلام السياسي، ومن ثم يأتي صعودها الرسمي وبالتبعية صعود الاسلام السياسي منطقيا إلى حد كبير. فهم بحق الوجه ربما الوحيد الحي لحضارتنا، بفضل حماقة العسكر وقصر نظرهم.
أوصل الصعود الرسمي لجماعة الاخوان – ومن ورائها بقية حركات الاسلام السياسي – أوضاع مجتمعاتنا لحافة الهاوية! فنُذر الحرب الأهلية في كل مكان. أو بعبارة أخرى: كيانات المجتمع القائم/القديم في مواجهة المجتمع الاخواني "المواز". المجتمعان ضعيفان، ومن هنا تصنع المحددات الدولية والاقليمية الفارق، وهي بوضوح في صالح صعود الإسلام السياسي.
الاسلاميون – وغيرهم من المفكرين غير الاسلاميين – عليهم واجب الترفع عن تفاصيل الأحداث اليومية، ومناقشة كيفية صياغة قواعد جديدة داخلية للعبة في مجتمعاتنا ما بعد دولة العسكر، فنحن أبناء حضارة واحدة. ونجاح الاسلاميين – إن هو حصل، رغم تضاؤل فرصه – نجاح لحضارتنا العريقة. لنناقش كيفية مساعدة المجتمع الاخواني "المواز"، على الخروج من قوقعته، فلم يعد ثمة حاجة للتقوقع، ولنناقش التداعيات المحتملة لهكذا بنية إخوانية داخلية على السلطة في بلادنا، فروابط القرابة والمصالح المشتركة والمُشترك الأيديولوجي، لن تكون مُفيدة للجماعة ولا لمجتمعاتنا ونزاهة الحكم فيها، كما كنت مُفيدة للجماعة في أزمنة الاضطهاد..
لنناقش محنة الجاهلية الأخلاقية في مجتمعاتنا وكيفية الخروج منها، خاصة وأنها على ما يبدو تسللت إلى حركات الاسلام السياسي نفسها، وهو ما يستلزم تطعيم حضارتنا بطرائق جديدة للتفكير، في مقدمتها التفكير الفلسفي. لنفتح رئات جديدة في صدر حضارتنا المخنوق.
(19) من السلوك الثوري إلى التفكير الثوري
ﻓﻲ ﺗﺻرﯾﺢ ﺻﺣﻔﻲ ﻗرأﺗﮫ ﻣؤﺧرا ﻟﻣؤﺳس ﺣرﻛﺔ ﺷﺑﺎب 6 أﺑرﯾل اﻟﻣﺻرﯾﺔ، أﺑدى أﺣﻣد ﻣﺎھر ﻗﻠﻘﮫ اﻟﺷدﯾد إزاء ﺗﻧﺎﻣﻲ ﻣﻧﺎخ اﻟﺧوف ﻓﻲ ﻣﺻر، ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺔ اﻻﻧﻘﻼب اﻟﻌﺳﻛري ﻓﻲ 30 ﯾوﻧﯾو، واﻧﺻراف اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺷﺑﺎب ﻋن اﻟﻌﻣل اﻟﺛوري. وأﻛد ﺣﺗﻣﯾﺔ اﻟﺑدء ﻣن اﻟﺻﻔر ﺗﻘرﯾﺑﺎ!
ﻛﻼم ﻣﮭم ﺟدا، ﻟﯾس ﻓﻘط ﻓﻲ ﻛﺷﻔﮫ ﻻﺣﺗﻣﺎل اﻧدﻻع ﻣوﺟﺎت ﺛورﯾﺔ أﺧرى ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ، واﻧﻣﺎ أﯾﺿﺎ ﻻﻗرار ﺻﺎﺣﺑﮫ، وھو ﻗﯾﺎدة ﺛورﯾﺔ ﺑﺎرزة، ﺑﺄن ﻣﺎ ﺷﮭدﺗﮫ ﺑﻼدﻧﺎ ﻓﻲ 25 ﯾﻧﺎﯾر ﻣﺣض ﺳﻠوك ﺛوري، اﻧﺗﮭﻰ ﺑﻣﺟرد اﻧﺗﮭﺎء اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺛورى، وارﺗداد أﺻﺣﺎﺑﮫ إﻟﻰ ﻣﺳﺎرھم اﻟﻣﻌﺗﺎد ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة. ﻣن ھﻧﺎ، ﯾﺑرز اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﺳﻠوك اﻟﺛورى واﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺛوري.
اﻟﺳﻠوك اﻟﺛوري ﻣﺷروط ﺑﺗواﻓر اﻷﺟواء اﻟﺛورﯾﺔ واﻟﻣﺣرﺿﺎت اﻟﺛورﯾﺔ..اﻟﺦ، ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺛوري اﻟذى ﯾﻌﻧﻰ ﺗﺟذر اﻟﺳﻠوك اﻟﺛوري واﺳﺗداﻣﺗﮫ، اﺳﺗﻧﺎدا ﻟﻠﺗوﻟﯾد اﻟﺛورى اﻟذاﺗﻲ، ﻓﻲ داﺧل ﻋﻘل وﻗﻠب ﺻﺎﺣب اﻟﺳﻠوك اﻟﺛوري.
ﻏﯾﺎب اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺛوري ﻋن ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أﻣر طﺑﯾﻌﻰ، رﺑﻣﺎ ﻟﺗﻌﺎرﺿﮫ ﻣﻊ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻘﮭﻲ اﻟذى ﯾﺳﻣﺢ ﺗﺣت اﻟﺣﺎح اﻟﺿرورورة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﺑﺎﻟﺳﻠوك اﻟﺛوري، وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺳﺗرﯾﺢ ﻟﮫ ﻛﺛﯾرا، وﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﻧﮭﺎﺋﮫ ﻓﻲ أﺳرع ﻣدى ﻣﻣﻛن. وھو ﻣﺎ ﯾﻔﺳر ﻟﻧﺎ ذﯾوع ﻋﺑﺎرة اﻟﺷﯾﺦ اﻟﺷﻌراوي: [اﻟﺛﺎﺋر اﻟﺣق ھو ﻣن ﯾﺛور ﻟﯾﮭدم اﻟﻔﺳﺎد، ﺛم ﯾﮭدأ ﻟﯾﺑﻧﻲ اﻷﻣﺟﺎد]
ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻻ ﻏﻧﺎء ﻟﮭﺎ ﻋن اﻟﺳﻣﺎح ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻰ وﻣﻌﺎھده اﻟﻣﺗﺧﺻﺻﺔ، ﻓﻣﺑﻘﺗﺿﻰ ھذا اﻟﺗﻔﻛﯾر ﯾﺻﺑﺢ اﻟﺗﻣرد واﻟﺟرأة ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻟﺣﯾﺎة ﺳﻠوﻛﺎ ﻣﺳﺗداﻣﺎ وﻟﯾس ﻗﺎﺻرا ﻋﻠﻰ أوﻗﺎت اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺛوري. وﺑﺎﺳﺗداﻣﺔ اﻟﺳﻠوك اﻟﺛوري ﯾﺻﯾر اﻻﻧﺳﺎن "ﻓﺿﯾﻠﺔ وﻣﻌرﻓﺔ" ﺗﻣﺷﻲ ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾن، أوﻟﺋك ھم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ، أو اﻟﺻﻔوة اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ واﻟﺗﻰ ﻻ ﻏﻧﻰ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻋﻧﮭﺎ، ﻓﻠﻧﺳﻣﺢ ﺑوﺟودھﺎ وﻟو ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﻣﺎ ﻧﺣب. اﻟﻣﺧﺎطرة واﻷﻟم ﺳﻼح ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻻﻗﺗﺣﺎم اﻷﻓق اﻟﻣﺳدود..
(20) شبابهم وشبابنا
ﺷﺑﺎﺑﻧﺎ ﻗردة ﻓﻲ أﻗﻔﺎص "رﻗﻣﯾﺔ"، وﺷﺑﺎﺑﮭم ﺻﻘور ﺗﺣﻠق ﻓﻲ ﻓﺿﺎء اﻟﺣرﯾﺔ اﻟرﺣب، ﻻ ﯾﻌرﻓون أﻓﻘﺎ ﻣﺳدودا وﻻ ﯾطﯾب ﻟﮭم ﺳﻛن اﻟﺟﺣور وأﺧﻼق اﻟﻔﺋران. ﺷﺑﺎﺑﮭم ﻗﺎدة اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل وﺷﺑﺎﺑﻧﺎ ﻣﺳﺗﮭﻠﻛو اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل، ﻻ ﺣﯾﻠﺔ ﻟﮭم ﺳوى اﻟﻠﮭﺎث ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ اﻟرﻗﻣﯾﺔ، وﺗﺗﺑﻊ ﻣﺎ ﯾﻘذف ﺑﮫ طوﻓﺎﻧﮭﺎ. ﺷﺑﺎﺑﮭم ﻻ ﯾﻌرف اﻟﺧوف وﺷﺑﺎﺑﻧﺎ ﻣﺣﺎط ﺑﺧطوط وھﻣﯾﺔ، ﺗﺷﯾﻊ اﻵﺧرﯾﺔ ﻋﻧﮭﺎ أﺳﺎطﯾر وأﺳﺎطﯾر!
اﻟﻛﺛﯾرون ﻋﻧدﻧﺎ ﻻ ﯾﻌرﻓون ﻛﯾرﻣﯾت روزﻓﻠت أو ﺟﺎرد ﻛوھﯾن أو ﻏﯾرھم اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺷﺑﺎب اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﻣﺳﺗﺗر، اﻟﻛﺛﯾرون ﻻ ﯾﻌرﻓون ﺷﯾﺋﺎ ﻋن ھؤﻻء اﻟرواد "ﺣﻣﺎة اﻟﺣﻘﺎﺋق ﺑﺎﻷﻛﺎذﯾب"، رﻏم ارﺗﺑﺎط ﻣﺻﺎﺋرﻧﺎ - اﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر - ﺑﺄﻓﻛﺎرھم وﻗدراﺗﮭم ﻏﯾر اﻟﻌﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﮭم واﺳﺗﻧطﺎق أوﺿﺎﻋﻧﺎ اﻟﺣﯾﺎﺋﯾﺔ وﺗوﺟﯾﮭﮭﺎ إﻟﻰ ﺣﯾث اﻟﻧﻔﻊ ﻟﺑﻼدھم وﺣﺿﺎرﺗﮭم، وﻟو ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﺗﻛرﯾس ﺣﯾواﺗﻧﺎ اﻟذﻟﯾﻠﺔ.
ﻛﯾرﻣﯾت روزﻓﻠت أﺣدھم وﻗد زار ﺑﻼدﻧﺎ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻧﺗﮭﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ، ﺿﻣن ﺟوﻟﺔ ﺷرق أوﺳطﯾﺔ، ﺧﻠص ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻔﻛره اﻟﺛﺎﻗب إﻟﻰ ﺣﺗﻣﯾﺔ اﺳﺗﺑدال ﺣﻛم ﻋﺳﻛري ﻓﺎﺷﻲ ﺑﺣﻛم ﻓﺎروق ﻏﯾر اﻟﺟﺎد، ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ ﺧطر اﻟﺷﯾوﻋﯾﺔ واﻟﻣد اﻟوطﻧﻲ اﻟﺛوري. ﻛﯾرﻣﯾت ھذا ﺑﺎﺣث راق واﺳﺗﺧﺑﺎراﺗﻲ ﺷﮭﯾر، ﯾﻌرﻓﮫ أوﻟو أﻣرﻧﺎ ﻣﻣن ﻋﺎﺻروه ﻣن ﺟﯾل ﻧﺎﺻر وھﯾﻛل. ﻧﺻب ﻟﮭم ﺑﻌﺑﻘرﯾﺗﮫ ﺳﯾرﻛﺎ، وﻏﺎدرھم ﯾؤدون ﺣرﻛﺎﺗﮭم اﻟﺑﮭﻠواﻧﯾﺔ، وﺳط اﻧﺑﮭﺎر ﺷﻌوﺑﮭم اﻟﺳﺎذﺟﺔ وﺻﯾﺣﺎت اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ. روزﻓﻠت ھذا ﻟم ﯾﻔﻛر ﺑﺎﺣث ﻣﺻري أو ﻋرﺑﻲ ﺣﺗﻰ اﻟﯾوم - رﻏم ﺗﻌدد ﻣﻌﺎھد وﻛﻠﯾﺎت دارﺳﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺦ - ﻓﻲ ﺗرﺟﻣﺔ أﯾﺎ ﻣن ﻛﺗﺑﮫ، ﻋﻠﻰ أھﻣﯾﺗﮭﺎ ودورھﺎ ﺷدﯾد اﻟﺗﺄﺛﯾر.
ﺻﺎﺣﺑﻧﺎ اﻵﺧر ھو ﺟﺎرد ﻛوھﯾن اﻟذى ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾرا ﻋن ﻣواطﻧﮫ روزﻓﻠت ﻓﻲ اﻟدھﺎء واﻟﻣﻌرﻓﺔ، ﺳوى ﺧروﺟﮫ ﻣن ﻋﺑﺎءة ﻋﺻرﻧﺎ اﻟرﻗﻣﻲ، ﺣﯾث ﺟﺎء ﺑﺄﻓﻛﺎره ﻟﯾﺄﺧذﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﯾث ﯾراد ﻟﻧﺎ أن ﻧذھب ﻋﻠﻰ أﺟﻧﺣﺔ اﻟرﻗﻣﯾﺔ. أﻓﻛﺎر ﻛوھﯾن وزﻣﻼﺋﮫ ﺣوﻟت ﺷﺑﺎﺑﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺣض ﻗردة ﻓﻲ أﻗﻔﺎص رﻗﻣﯾﺔ. ﺣﺳﺎﺑﺎت اﻟﻔﯾس ﺑوك وﺗوﯾﺗر..اﻟﺦ ﻣﺟرد ﺟﻠﺳﺎت ﻓﺿﻔﺿﺔ وﻧﻔﻰ اﻟﻔﻛر وﺗﺣرﯾض أﺣﯾﺎﻧﺎ.
ﻓﻛرة اﻟﺟﮭﺎد ﻋﻧد ﻛوھﯾن ﻣرﻧﺔ وﻗﺎﺑﻠﺔ ﻻﻋﺎدة اﻟﺗوﺟﯾﮫ، ﻟﺗﺻﺑﺢ ﻣﻌول ھدم ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر اﻟﺗﻰ ﻟطﺎﻟﻣﺎ ﺣظﯾت ﻟﻌﻘود وﻋﻘود ﺑدﻋم آﺑﺎﺋﮫ وﺟدوده، ﺣﺗﻰ أن أﺟﯾﺎﻻ ﻧﺷﺄت ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﺗظﻧﮭﺎ ﻗدرا ﻣﺣﺗوﻣﺎ، وﯾﺻﯾﺑﮭﺎ اﻟﻐﺛﯾﺎن ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺻدﻣﮭﺎ أﺣد ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌدو أﺳطورة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻛﺳر!!
ﺧروج ﺷﺑﺎﺑﻧﺎ ﻣن أﻗﻔﺎﺻﮭم اﻟرﻗﻣﯾﺔ ﻣرھون ﺑﻘﺑﺿﺔ ﻣﺿﻣوﻣﺔ وﻧﻔس ﺗرﻧو ﻟﻸﻓق اﻟرﺣب.
(21) الأنسني والاستعلاء بالتمرد
اﻟﺗﻣرد ﻓﺿﯾﻠﺔ ﻻ ﯾﻧﻛرھﺎ إﻻ ﺳﺎﻗط اﻟﮭﻣﺔ! وﻟﺷد ﻣﺎ ﯾؤﻟﻣﻧﻰ ﻓزع أﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻣن ھﻛذا ﻓﺿﯾﻠﺔ راﻗﯾﺔ، ﺑل وﺗﻣﺎدﯾﮭم ﻓﻲ اﻋﺗﺑﺎرھﺎ اﺳﺗﮭﺎﻧﺔ ﺑﻣﺎ أﻟﻔوه ﻣن ﺧطوط وھﻣﯾﺔ. ﺧطوات ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻟﻸﻣﺎم ﺗﺛﺑت ﻟﮭؤﻻء أن ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﺎ ﯾﻌوق اﻟﺳﯾر، اﻷرض ﺗزھو ﺑﺧطو اﻟﻣﺗﻣردﯾن ﻋﻠﻰ أدﯾﻣﮭﺎ. اﻛﺗﺷﺎف ﻛﮭذا، ﯾﺣدث ﺣﺎل وﻗوﻋﮫ، زﻟزاﻻ ﻋﺎﺗﯾﺎ، ﺗﺗﮭﺎوى ﻋﻠﻰ أﺛره ﻛل ﺑﻧﺎﯾﺎﺗﻧﺎ اﻟﺧﺎﺋرة، ﻟن ﺗﺻﻣد ﺣﯾﻧﮭﺎ ﺳوى اﻟﺑﻧﺎﯾﺎت ﺟﯾدة اﻷﺳﺎس. اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ أن ﺗﻘود ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﯾث ﻗﺎدت ﻣن ﻗﺑل اﺧوﺗﻧﺎ اﻟﻐرﺑﯾﯾن، اﻟﺣرﯾﺔ ﺗﻌﻧﻰ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠق، ﻻ اﻻﻧﺗﺻﺎر ﻟﺧﯾﺎرات ﺟﺎھزة.
ﻧﻔس اﻷﻧﺳﻧﻲ ﺗﺣدﺛﮫ دوﻣﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﺎ ھو أﺳوأ ﻣن ﺣﯾﺎة ﺑﻼ ﺗﻣرد..ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﺎ ھو أﺳوأ ﻣن اﻟﻣوﺗﻲ اﻷﺣﯾﺎء. ﻓﯾظﻧﮫ ﺳﺎﻗطو اﻟﮭﻣﺔ ﻣﺗﻌﺎﻟﯾﺎ ﺑﺗﻣرده، وھو ﻟﯾس ﻛذﻟك! ﻛل ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣر أﻧﮫ أراد وﺟرؤ أن ﯾﻛون ﺣرا، ﻓﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎ أراد! ﻣﺷﻛﻠﺗﻧﺎ أﻧﻧﺎ ﻧﻧﺷد اﻟﺣرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﯾﺎدﯾن، وھﻲ داﺧﻠﻧﺎ! ﯾﻛﻔﻰ أن ﺗﻘول أﻧﺎ ﺣر وﺗﺗﺻرف ﺑﻣﺳﺋوﻟﯾﺔ، ﺣﯾﻧﮭﺎ ﯾﺗﺣﻘق ﻟك ﻣﺎ ﺗرﯾد، ھﻛذا ﺑﺑﺳﺎطﺔ..
ﺗﺟﻔﯾف ﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﺗطرف ﯾﺋد ﺑذور اﻟﺗﻣرد ﻓﻲ ﻣﮭدھﺎ، وﯾطﻠق اﻟﻌﻧﺎن ﻟﻠرﻛود واﻟرداءة ﯾﻧﮭﺷﺎن ﺟﺳد وروح ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺎ ﻧﻌﺎﻧﻰ اﻟﯾوم. اﻟﺗطرف ﻟﯾس ﻛﻠﮫ ﺷرا، وﻻ ﻣﻔر ﻣن اﻟﻣﺧﺎطرة واﻷﻟم. ﺗﺟﻔﯾف ﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﺗطرف ﻛﺎرﺛﻲ، وﻟﻧﻧظر ﺑﻧزاھﺔ وﻣوﺿوﻋﯾﺔ إﻟﻰ اﻟرﻣﺎدﯾﺔ وﻣﺎ أورﺛﺗﮫ اﯾﺎﻧﺎ ﻣن أﻣراض ﻋﺻﯾﺔ، ﻓﻼ أﺷر ﻣن وﺳطﯾﺔ ﻣﺳﺗﺑدة، ﺗﺣرم اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن ﺗطرف ﺧﺻب ﺧﻼق.
(22) الإخوان المسلمون: قواعد تُصلح بدمائها أخطاء القيادة
ﺑﺎﻧﺗﮭﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ واﻧﺗﮭﺎء ﻋﺻر اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻷوروﺑﻲ وﻗﻊ اﺧﺗﯾﺎر ﻗوى ﻋظﻣﻰ ﻋﻠﻰ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ - اﻟﻣطﻌﻣﺔ ﺑﺑﻌض اﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟُﻣﺳﺗﺑدة - ﻟﻣلء اﻟﻔﺿﺎء اﻟﻌرﺑﻲ، ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻟﻣد اﻟﺷﯾوﻋﻲ واﻟﻣد اﻟﺛورى اﻟوطﻧﻲ. ﻣن ھﻧﺎ، ﺗﺟرأ ﻣؤﺳﺳو دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﻓﻲ ﻣﺻر- ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻏﯾرھﺎ - ﻋﻠﻰ ﺗﻛرﯾس اﻻرھﺎب واﻟﺧوف. ﻓﻲ ﻣﺻر ﻛﺎﻧت ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻹﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن رأس اﻟذﺋب اﻟطﺎﺋر، وﻻ ﯾﻣﻛن ﺑﺣﺎل ﻟوم ﻗﯾﺎدات اﻹﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻗﺗﮭﺎ، ﻓﻘد ﻛﺎﻧوا أﻧﻘﯾﺎء ﻟﺣد ﻛﺑﯾر، دﻓﻌوا ﺑدﻣﺎﺋﮭم اﻟذﻛﯾﺔ ﺛﻣن رﻓﺿﮭم ﻟﻘواﻋد اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟﺟدﯾدة - وﻗﺗﮭﺎ - وھﻲ ھﯾﻣﻧﺔ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ.
أﻣﺎ اﻟﯾوم، أﻋﻧﻲ ﻣﺎ ﺑﻌد ھﺟﻣﺎت 11 ﺳﺑﺗﻣﺑر وﻋدم ﻣﻣﺎﻧﻌﺔ اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﻌود اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻟﺳدة اﻟﺣﻛم ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺗﻧﺎ، ﻓﻼ ﯾﻣﻛن إﻋﻔﺎء ﻗﯾﺎدات اﻹﺧوان ﻣن وﯾﻼت ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﮭﺎ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ وﻏﯾره اﻟﯾوم ﻓﻲ ﻣﺻر، ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟﺣﺳﺎﺑﺎت ﺧﺎطﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣرﻋب، ﺳواء ﻓﻲ ﺧﯾﺑﺔ ﺻﻔﻘﺎت اﻟﻘﯾﺎدات اﻹﺧواﻧﯾﺔ ﻣﻊ ﻓﻠول دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، أو ﻓﻲ رﻛوﻧﮭم إﻟﻰ اﻟﻌﻧﺎد واﻟﺗﻛﺑر ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻟﻘوى اﻟﺛورﯾﺔ ﻏﯾر اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ، ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺷﺑﺎب، وھو ﻣﺎ ﺳﮭل ﻣﮭﻣﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ﻓﻲ ﻟدغ اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن.
ﻣﺎ ﻧراه اﻟﯾوم ھو ﻧﻔرة اﻟﻘواﻋد اﻹﺧواﻧﯾﺔ - ﻣﻊ ﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﻘوى اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻷﺧرى - ﺗﺻﻠﺢ ﺑدﻣﺎﺋﮭﺎ أﺧطﺎء اﻟﻘﯾﺎدة! ﺗﻌﺎطف ﺷدﯾد أﺳﺗﺷﻌره إزاء دﻣﺎء ﺑرﯾﺋﺔ ﺗراق ﺑﻐﯾر ﺣق، وﻟﺷد ﻣﺎ أﺗﻣﻧﻰ أن ﺗﺟرؤ ھذه اﻟﻘواﻋد، ﺣﯾن ﯾﺣدث ﻣﺎ أﺗوﻗﻌﮫ وﻏﯾري ﻣن ﻋودة اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن إﻟﻰ اﻟﺣﻛم ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ - ﺑﻔﺿل ﻣﺣددات دوﻟﯾﺔ وإﻗﻠﯾﻣﯾﺔ وداﺧﻠﯾﺔ -، ﻋﻠﻰ ﻣراﺟﻌﺔ ﻧﺳق اﻟﻘﯾﺎدة اﻟﻘﺎﺋم، ﻓﻠوﻻ أﺧطﺎء ﺳﺎذﺟﺔ وﻛﺎرﺛﯾﺔ وﻗﻌت ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻘﯾﺎدة ﻟﻣﺎ اﺿطرت اﻟﻘواﻋد ﺷدﯾدة اﻟﺣﻣﺎس واﻟﻐﯾرة ﻟﻣواﺟﮭﺔ آﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، ﺑﻛل ﻋﺟﺑﮭﺎ وﻗﺳوﺗﮭﺎ.
(23)لن أنزل مع حضارتي في قبرها
ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﺗﺣﺗﺿر، وﺣﯾن ﺗﻣوت ﻟن أﻧزل ﻣﻌﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺑرھﺎ! ﺳﺄﺣﯾﺎ ﺑﻌدھﺎ أﻧﺳﻧﯾﺎ، وﻟن أﻛرر أﺧطﺎﺋﮭﺎ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﻛرھت اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﺣﺑﮭﺎ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﺧﺎﻓت اﻟﺣرﯾﺔ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﻌﯾﺷﮭﺎ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﻣﺣظورات ﻓﯾﻼ وردﯾﺎ(6) ﯾرﺑك ﺑﺈﻟﺣﺎﺣﮫ اﻟﺑﺷر واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﻔﺿﺢ اﻟﺧﯾﺑﺔ.
ﺣﺿﺎرﺗﻲ أﻓرطت ﻓﻲ ﺗوﻗﯾر اﻟﺳﻠطﺔ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﺗﺣﺳس ﺣرﯾﺗﮫ أﻣﺎﻣﮭﺎ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ أﺳﻠﻣت ﻗﯾﺎدھﺎ ﻟﺻﻧﺎع اﻷﺳﺎطﯾر اﻟردﯾﺋﺔ - أﻓﻛﺎر ﻛﺑﯾرة ﻣﺣﺷوة ﺑﺎﻟرداءة - واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﻧﺎﺻﺑﮭم اﻟﻌداء.
ﻟم ﺗؤت ﺣﺿﺎرﺗﻲ إﻻ ﻣﻣﺎ اﻋﺗﺑرﺗﮫ ﻣوطن ﻗوة وھو ﺧﺻﺎﺋﺻﮭﺎ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﺗﻌﮭد ﺧﺻﺎﺋص ﺣﺿﺎرﺗﮫ ﺑﺎﻟﺗﺧرﯾب اﻟﺧﻼق وﻻ ﯾﺗﮭﯾب ﺗﻘوﯾض اﻟﻣﺷﺋوم ﻣﻧﮭﺎ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ أﻓرطت ﻓﻲ ﺗدﻟﯾل اﻟوﺳطﯾﺔ وأﻏرﺗﮭﺎ ﺑﺎﻻﺳﺗﺑداد واﻷﻧﺳﻧﻲ ﻣوﻟﻊ ﺑﺎﻟﺗﻣرد اﻟﺧﻼق، راﻓض - ﺑﺷدة - ﺗﺟﻔﯾف ﻣﻧﺎﺑﻌﮫ.
ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﺧﺎﻓت اﻟﻔﺷل واﻋﺗﺑرت اﻟﻧﺟﺎح ﻋﺑﺋﺎ ﺛﻘﯾﻼ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﻻ ﯾﻔﻌل. ﺣﺿﺎرﺗﻲ ظﻧت ﷲ ﺟﻼدا ﻗﺎﺳﯾﺎ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﯾﺣﺑﮫ. ﺣﺿﺎرﺗﻲ ھزﻣت ﻧﻔﺳﮭﺎ واﻷﻧﺳﻧﻲ ﻟﯾس ﻣﮭزوﻣﺎ ﻣﺎدام ﯾﻘﺎوم.
ﺣﺿﺎرﺗﻲ ﻏﺎﻟﯾﺔ، ﻟﻛن اﻟﺣﯾﺎة واﺟب وﻣﺳﺋوﻟﯾﺔ..
(24) مظاهرات الطلبة ما بعد العسكر
أﺗﻣﻧﻰ ﺑﻌد رﺣﯾل اﻟﻌﺳﻛر واﻧﺗﮭﺎء ﻋﻘود ﺣﻛﻣﮭم أن ﯾﻧﮭض اﻟطﻠﺑﺔ وﻣﺎ ﺗﯾﺳر ﻣن ﺷرﻓﺎء أﻋﺿﺎء ھﯾﺋﺔ اﻟﺗدرﯾس ﺑﺟﺎﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﻌبء إﺧﻼء اﻟﻔﺿﺎء اﻷﻛﺎدﯾﻣﻲ ﻣن ﺧﻔﺎﻓﯾش اﻟرداءة واﻟرﻛود. دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭﺎ أن ﺗﺳﺗﻣر ﻛل ھذه اﻟﻌﻘود ﻟوﻻ ﺑراﻋﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻣﻛﯾن ﻟﻠرداءة واﻟرﻛود ﻓﻲ ﻓﺿﺎﺋﻧﺎ اﻷﻛﺎدﯾﻣﻲ، ﻓﮭذا أﺳﺗﺎذ ﯾﺗواﺻل ﻣﻊ ﺟﮭﺎت أﻣﻧﯾﺔ وﯾﻣدھﺎ ﻓﻲ ﻧﺷﺎط وھﻣﺔ ﺑﺗﻘﺎرﯾر ﻋن زﻣﻼﺋﮫ، وھذا أﺳﺗﺎذ ﯾﺟﺗﮭد ﻓﻲ إدارة ﻣﺎﻓﯾﺎ اﻟدروس اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ وﺷراء وﺑﯾﻊ اﻟرﺳﺎﺋل اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ واﻷﺑﺣﺎث، وھذا أﺳﺗﺎذ ﯾﺑﺗز ﺗﻼﻣﯾذه وﯾﺳﺧرھم ﻟﺧدﻣﺔ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ واﻟدﻧﺎءة ﻻ اﻟﻣﻌرﻓﺔ واﻟﻔﺿﯾﻠﺔ، وھذا أﺳﺗﺎذ ﯾﺗﺑﺎھﻰ ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ ﺑﺟﮭﺎت ﺳﯾﺎدﯾﺔ، وھذا أﺳﺗﺎذ ﯾرى ﻛل ھذا اﻟﻌﻔن وﯾﺻﻣت. اﻟﻧوع اﻷﺧﯾر ھو اﻷﺧطر، ورﺑﻣﺎ اﻷﻛﺛر ﻋددا، وھو ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻰ ﺣرج ﻣوﻗف ﺟﺎﻣﻌﺎﺗﻧﺎ وطﻼﺑﻧﺎ.
اﻟﻣﺧﯾف ھو إﺣﺗﻣﺎل أن ﯾظل أو ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻔﺎﻗم ھﻛذا ﺣرج ﺗﺣت دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - ﺣﺎل ﻗﯾﺎﻣﮭﺎ -، ﻓﻌﻧﺎﺻر اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﺗﻐﻠﻐﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ وﺗﻌﻠم ﺟﯾدا ﻛﺎرﺛﯾﺔ اﻷوﺿﺎع، ورﻏم ذﻟك ﻟم ﻧر أو ﻧﺳﻣﻊ ﻋن ﺗﺣرﯾض ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻟﻠطﻼب ﻋﻠﻰ اﻟﺛورة - ﻣﻊ إﻗراري ﺑﺄھﻣﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺣدث اﻵن - إﻻ ﺣﯾن ﻟدغ اﻟﻌﺳﻛر ﻓﻲ ﻣﺻر دوﻟﺗﮭم اﻟوﻟﯾدة واﻋﺗﻘﻠوا رﻣوزھم، وﻛل ﻣﺎ أخشاه أن ﯾﻛون إﺳﻼﻣﯾو اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗد أﺻﺑﺣوا ﺟزءا ﻣن اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ، ﻻ ﺟزءا ﻣن اﻟﺣل.
ﻣﺎ اﻟﺣل إذن؟
ﻧﺣﺗﺎج ﻟﺛورة طﻼﺑﯾﺔ ﯾﺣرض ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾﻘودھﺎ ﺷرﻓﺎء اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ، ﺑﻌﯾدا ﻋن ﻣﻧطق اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ اﻷﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ وﺿرورة ﺗوﻗﯾر أﻋراﻓﮭﺎ وﺗﻘﺎﻟﯾدھﺎ. ﻻ ﻛراﻣﺔ ﻷﺳﺗﺎذ ﺟﺎﻣﻌﻰ ﯾﺻﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﻧﺟس، ﻻ ﻛراﻣﺔ ﻷﺳﺗﺎذ ﺟﺎﻣﻌﻰ ﯾﺗﻌﺎﻣﻰ ﻋن وﯾﺳﺎﻟم ﺑدم ﺑﺎرد ﻛل ھذه اﻟرداءة واﻟرﻛود، ﻣﮭﻣﺎ ﺗذرع ﺑﺄﺳﺑﺎب.
(25)ثورة 25 يناير: عندما يكون الشعار محشوا بالرداءة
ﻓﻲ ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر ﺑرز ﻓﺟﺄة ﺷﻌﺎر ﻣدروس ﺑﻌﻧﺎﯾﺔ، وھو: [اﻟﺷﻌب ﯾرﯾد إﺳﻘﺎط اﻟﻧظﺎم]. ﺧطورة ھﻛذا ﺷﻌﺎر ﺗﻛﻣن ﻓﻲ اﺧﻔﺎء اﻟطرﯾق اﻟﻣرﺳوم واﻟواﻗﻌﻲ ﻟﺛورة ﯾﻧﺎﯾر وھو ﺗﻘوﯾض دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - ﺑﻣؤﺳﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﺳده - واﺳﺗﺑدال دوﻟﺔ إﺳﻼم ﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﮭﺎ. ﻟم ﯾﻛن ھدف ﺛورة ﯾﻧﺎﯾر، وﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟراﺋﺞ، اﻻطﺎﺣﺔ ﻓﻘط ﺑﺣﻛم ﻣﺑﺎرك، ﻓﮭو ﻣﺟرد اﻣﺗداد ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر واﻟﺗﻰ ﺗﺣﻛم ﻣﺻر ﻣﻧذ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ، ﻣﺑﺎرك ﻟم ﯾﻛن ﻣﺑﺗدﻋﺎ واﻧﻣﺎ ﺳﺎر ﻋﻠﻰ ﺧطﻰ أﺳﻼﻓﮫ [اﻟﺷﻌب ﯾرﯾد إﺳﻘﺎط اﻟﻧظﺎم]، ﺷﻌﺎر ﻣدروس - ﺣﻘﺎ - ﺑﻌﻧﺎﯾﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ، ﻓﺎﻟﺷﻌب ﺑﺎﺋس وﻻ ﻗﺑل ﻟﮫ ﺑﺷﻌﺎرات ﺗﻧوﯾرﯾﺔ، وﻗﯾﺎدات اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ وﻓﻲ طﻠﯾﻌﺗﮭﺎ ﻗﯾﺎدات اﻻﺧوان ﻻ ﯾﻌﻧﯾﮭم ﻓﻲ ﻗﻠﯾل أو ﻛﺛﯾر ﺗﻧوﯾر اﻟﻘطﯾﻊ اﻟﻣﺻري اﻟﺑﺎﺋس، أﺿف إﻟﻰ ذﻟك ﺣرص اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻋﻠﻰ اﺧﻔﺎء دورھم اﻟﻘوي واﻟﺣﺎﺳم ﻓﻲ اﻟﺗﻣﻛﯾن ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، وﻓﻲ ﻋدم ﻣﻣﺎﻧﻌﺔ اﻟﺻﻌود اﻟراھن ﻟﻼﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﻛﺎرﺛﯾﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل، ﻓﺷﻌﺎر اﻟﺛورة ھو راﯾﺔ ﺗﺗﺣرك اﻟﺟﻣوع ﺗﺣﺗﮭﺎ وﺗﮭﺗدي ﺑﮭﺎ، وھو ﻣﺎ ﺣﺻل ﺑﺎﻟﻔﻌل، ﻓﻘد اﺳﺗﺑﺳﻠت اﻟﺟﻣوع اﻟﮭﺎدرة ﻓﻲ رﻓﺿﮭﺎ ﻟﺣﻛم ﺣﺳﻧﻰ ﻣﺑﺎرك، ووﻗﻊ ﻓﻲ ظﻧﮭﺎ أن وﻗوﻓﮫ ﻓﻲ ﻗﻔص ﺣدﯾدي ھو ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف، وھﻲ ﻗﻧﺎﻋﺔ رﺑﻣﺎ ﻋﻣﻠت ﻗﯾﺎدات ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻻﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺎﻧﺗﮭﺎزﯾﺔ وﻗﺻر ﻧظر ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻣﯾﻘﮭﺎ، ﻣﺳﺗﻌﯾﻧﺔ ﻓﻲ ذﻟك ﺑﻌﺑﺎرة اﻟراﺣل ﻣﺗوﻟﻲ اﻟﺷﻌراوي [اﻟﺛﺎﺋر اﻟﺣق ھو ﻣن ﯾﺛور ﻟﯾﮭدم اﻟﻔﺳﺎد، ﺛم ﯾﮭدأ ﻟﯾﺑﻧﻲ اﻷﻣﺟﺎد] ﻓﻲ ﻣواﺟﮭﺔ اﻟﻘوى اﻟﺛورﯾﺔ ﻏﯾر اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ، وھو ﻣﺎ ﻣﻧﺢ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ﻣﻼذا آﻣﻧﺎ وﻓرﺻﺔ ﻻﻟﺗﻘﺎط اﻷﻧﻔﺎس، ﻟﻣﻌﺎودة ﻟﻣﻠﻣﺔ اﻟﺻﻔوف وﺗرﺗﯾب اﻷوراق، وﻣن ھﻧﺎ ﻛﺎن طﺑﯾﻌﯾﺎ أن ﺗﻧﺟﺢ اﻟﺛورة اﻟﻣﺿﺎدة ﻓﻲ 30 ﯾوﻧﯾو. واﻵن، وﻗد وﺟد اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻧﻔﺳﮫ وﻗد أطﯾﺢ ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﮭﯾن وﺟرت اﻋﺗﻘﺎﻻت واﺳﻌﺔ ﻟرﻣوزه وأﻧﺻﺎره، ﺑل وﻗُﺗل اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﮭم ﻓﻲ ﻣواﻗﻊ ﻋدﯾدة، ﻟﻌل اﺑرزھﺎ ورﺑﻣﺎ ﺳﯾﻛون أﻛﺛرھﺎ ﺗﺄﺛﯾرا ﻋﻠﻰ ﻣﺟرﯾﺎت اﻷﻣور ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ "راﺑﻌﺔ اﻟﻌدوﯾﺔ"، ﺣﯾث اُرﯾﻘت اﻟدﻣﺎء ﺑﻐزارة! اﻵن، واﻵن ﻓﻘط ﺑرز اﻟﺷﻌﺎر اﻷﻛﺛر ﺗﻧوﯾرﯾﺔ وﺟدﯾﺔ وھو: [ﯾﺳﻘط ﺣﻛم اﻟﻌﺳﻛر]. اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ أن ﺗﻛﻠﻔﺔ ﺗﺄﺧر ﺑروز ھذا اﻟﺷﻌﺎر ﺑﺎھظﺔ، وﻻ أدري أي ﺿﻣﯾر ﯾﺗﺣﻣل ﻛل ھذا اﻟﺗدﻣﯾر وﺗﻠك اﻟدﻣﺎء اﻟذﻛﯾﺔ. ﻧﺣن ﻧﺣﺗﺎج ﻟﺟﮭد ﻧﻘدي ﺣﻘﯾﻘﻲ، ﻟﯾس ﯾﻛﻔﻰ وﺣده ﻛل ھذا اﻟﺗﺣرﯾض واﻻﺳﺗﻔزاز.
(26)الاستقرار والثورة: خصمان أم شريكان؟
ﻛﻠﻧﺎ ﻧذﻛر ﻣﺎ ﺷﮭدﺗﮫ ﻋﻘود ﺣﻛم اﻟﻌﺳﻛر ﻣن ﻣزاﯾدة ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻘرار واﻋﺗﺑﺎره ﻣﺑررا ﻟﻠﻘﻣﻊ واﻻرھﺎب ﻓﻲ ﺣق ﻣﻧﺎھﺿﻲ اﻟظﻠم واﻟﻔﺳﺎد. ﻓﺑﺎﺳم ﺻون اﻻﺳﺗﻘرار ﺷرﻋﻧت ﺗرﺳﺎﻧﺔ ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺳﺎﻟﺑﺔ ﻟﻠﺣرﯾﺎت، ﻋﻠﻰ اﻣﺗداد ﻣﻧطﻘﺗﻧﺎ، ﻣن اﻟﻣﺣﯾط إﻟﻰ اﻟﺧﻠﯾﺞ، ﻓﻛﻠﻧﺎ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘرار إﺧوة!..
ﻓﻛرة اﻟوطﻧﯾﺔ - وھﻲ ﻓﻛرة ﻛﺑﯾرة وﻧﺑﯾﻠﺔ - ﺗم ﺣﺷوھﺎ ﺑﺎﻟرداءة وﻣن ﺛم ﻓُرﻏت ﻣن ﻣﺿﻣوﻧﮭﺎ وھو اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻛل أﺻﺣﺎب اﻟوطن وﻣن ﯾﻠوذ ﺑﮭم. أﺳﻔر ذﻟك ﻋن ﻓﺷل اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗراﻧﺳﻔﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺗﻧﺎ، وﻣﺎ ﻧراه اﻵن ﻣن ﺗﺣﻠل ﻟﻣؤﺳﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﺳدة - واﻟﻣﺗرھﻠﺔ - وﺗرﻧﺣﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟرﻗﻣﯾﺔ. ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻐرب وﻗد ﻣﻛث ﻣﻧﮭﺎ ﻛل ﻣﺎ ھو طﯾب، وراﺣت ﺗﺄﺗﻠف ﻓﻲ ﺗﻛﺗﻼت ﻋﻣﻼﻗﺔ، ﻛﺎﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ. اﻟوطﻧﯾﺔ ﺷﺟرة ﻻ ﺗزھر أﻏﺻﺎﻧﮭﺎ دون ﻣﺎء اﻟﺣرﯾﺔ. ﺑﺎﻧدﻻع ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر اﻟﻣﺟﯾدة ﺗﺧﯾﻠﻧﺎ أن ﺛﻣﺔ ﺗﻐﯾﯾر ﺳﯾﺣدث وأن اﻻﺳﺗﻘرار واﻟﺛورة ﺳﯾﺗﻌﺎﯾﺷﺎن ﻣﻌﺎ وﯾﺗﺑﺎدﻻن اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ واﻟود، ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرھﻣﺎ وﺟﮭﺎن ﻟﻌﻣﻠﺔ واﺣدة. ﻟﻛن، ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺷﮭرت ﻗﯾﺎدات اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻋﺑﺎرة اﻟﺷﻌراوي اﻟﻣﺷﺋوﻣﺔ [اﻟﺛﺎﺋر اﻟﺣق ھو ﻣن ﯾﺛور ﻟﯾﮭدم اﻟﻔﺳﺎد، ﺛم ﯾﮭدأ ﻟﯾﺑﻧﻲ اﻷﻣﺟﺎد] ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﻘوى اﻟﺛورﯾﺔ ﻏﯾر اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ - ﺧﺎﺻﺔ ﻣن اﻟﺷﺑﺎب اﻟﺛﺎﺋر - ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، وراﺣت ﺗﺑﺷر ﻣواطﻧﯾﻧﺎ ﺑﻔردوس اﻻﺳﺗﻘرار، وھﻧﺎءة اﻟرﺿﺎ واﻻﺳﺗرﺧﺎء.
اﻹﺳﻼﻣﯾون واﻟﻌﺳﻛر ﻣﺻﻠﺣﯾون - أو ﺑﻠﻔظﺔ ﻣؤدﺑﺔ: ﻋﻣﻠﯾون - وﻻ ﯾﺗﻣﺗﻌون ﺑﺑﻌد اﻟﻧظر، وﺗﻠك آﻓﺔ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ. ﻣﺎدﻟﯾن أوﻟﺑراﯾت ﻗﺎﻟت ﻓﻲ ﻣذﻛراﺗﮭﺎ: ﺑﻌد اﻟﻧظر ﻧﺎدر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ. ﺛورﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن - وھﻧﺎ ﻣﻘﺗﻠﮭم - ﻣؤﻗﺗﺔ وﻣرھوﻧﺔ دوﻣﺎ ﺑﺑﻠوغ أھداف ﻣﺣددة. أزﻣﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ نواﺟﮭﻧﺎ ﻧﺣن وھم، ﻛوﻧﮭم ورﺛﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﺑﺣﻛم اﻷﻣر اﻟواﻗﻊ وﺧﻠو ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻣن اﻟﺑدﯾل. ﺗﻔﻛﯾك ھذه اﻟﻣﻌﺿﻠﺔ ﻣطﻠوب، أﻋﻧﻲ ﻣﻌﺿﻠﺔ ﺗﻧﺎﻓر اﻻﺳﺗﻘرار واﻟﺛورة، ﻓﺎﺳﺗﻣرار اﻟﺧﺻوﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺳﯾﻔﺿﻲ ﺑدوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة وﺑﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل إﻟﻰ آﻻم ﺟدﯾدة.
وﺣده اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻏﯾر اﻟﻔﻘﮭﻲ ھو اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻدى ﺑﺟرأة وﺟﺳﺎرة إﻟﻰ ﻣﻌﺿﻠﺔ ﻛﮭذه واﻋﻔﺎء اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻣن ھﻛذا ﺣرج. ﻓﻠﯾﺳﻣﺢ ﺣﻛﺎﻣﻧﺎ اﻟﺟدد ﺑﺟﮭود ﻧﻘدﯾﺔ أﻧﺳﻧﯾﺔ، دوﻧﻣﺎ اﺳﺗﺧدام ﻟﻔزاﻋﺔ اﻻﺳﺗﻘرار. ھذا اﻷﻣر - إن ھو ﺣﺻل - ﯾﺻب ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة وﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ ﻛﻛل. ﻓﺎﻻﺳﺗﻘرار وﺣده - ﻓﻲ ﻏﯾﺑﺔ اﻟﺛورة - ﯾﻧﺗﮭﻲ ﺣﺗﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻔن واﻟرداءة.
(27)ماذا يُصلح الطعام إذا فسد الملح؟
ﻣن ﻣﯾراث ﺣﻛم اﻟﻌﺳﻛر - واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة - ﻓﺳﺎد اﻟﻣﻠﺢ أو إﻓﺳﺎده. اﻷﺟﮭزة اﻟرﻗﺎﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﺗﻘدم اﻟﻣظﻠوم إﻟﯾﮭﺎ ﺑﺷﻛواه، ﻓﻼ ﺗﻠﺑث اﻟﺷﻛوى أن ﺗﺗدﺣرج ﻟﺗﺳﺗﻘر ﻓﻲ ﯾدي اﻟظﺎﻟم! ﯾﻘف اﻟﻣظﻠوم ﺣﺎﺋرا، ﻓﺈذ ﺑﺄوﻻد "اﻟﺣﻼل" ﯾﮭﻣﺳون ﻓﻲ أذﻧﮫ ﺑﺄن ﯾﻛﻔﻰ ﺧﯾره ﺷره، وﯾﺣﻣد ﷲ أن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻗﻔت ﻋﻧد ھذا اﻟﺣد.. ﻣﺎذا ﯾﺻﻠﺢ اﻟطﻌﺎم إذا ﻓﺳد اﻟﻣﻠﺢ؟ ﻻ ﺷﻲء، وﺣده اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﻌرﺑﻲ - بمعناه اﻟرﺣب واﻟﺧﺻب - ھو اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺑدال ﻣﻠﺢ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻣﻠﺢ ﻗد ﻓﺳد. اﻟطﻌﺎم اﻟﻔﺎﺳد ﺛﻣﺔ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﻻﺻﻼﺣﮫ، أﻣﺎ اﻟﻣﻠﺢ ﻓﻼ ﺳﺑﯾل - اﻟﺑﺗﺔ - ﻻﺻﻼح ﻓﺳﺎده. واﻟﺳؤال: ھل ﯾﻌﻲ اﻹﺳﻼﻣﯾون ﻣﺛل ھذا اﻷﻣر؟
ﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻓﻲ ﻣﺻر واﻟﺗﻰ اﻧﻘﻠﺑت ﻋﻠﯾﮭﺎ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر ﻓﻲ 30 ﯾوﻧﯾو ﻻ ﺗﺑﺷر ﺑﺧﯾر، ﻓﻣﻠﺢ دوﻟﺗﮭم - ﻛﻣﺎ ﺑدا - وإن ﻟم ﯾﻛن ﺑﻧﻔس درﺟﺔ ﻓﺳﺎد ﻣﻠﺢ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر إﻻ أﻧﮫ ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻌطب اﻟﺷدﯾد، ﻟﯾس ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ وإﻧﻣﺎ ﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺑﻧﯾﺗﮭم اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ واﻟﺗﻰ ﺗﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻘراﺑﺔ واﻟﻣﺻﻠﺣﺔ واﻟﻣﺷﺗرك اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﯾﺻﻌب ﻣﻌﮫ ﺣﻔﺎظ دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة ﻋﻠﻰ اﺳﺗداﻣﺔ ﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﻣﻠﺢ، وﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﺣﺿﺎرﺗﻧﺎ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣرﯾر - ﻓﻲ ﻣﻌظم أوﻗﺎﺗﮫ - ﺧﯾر ﺷﺎھد. ﻻ أﻗﺻد ﺑﻘوﻟﻲ ھذا أﻧﻲ ﯾﺎﺋس ﻣن دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ، راﻓض ﻟﻘﯾﺎﻣﮭﺎ. ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس، وﺟود اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻓﻲ رأﯾﻲ ﺷدﯾد اﻷھﻣﯾﺔ، ﻷﺳﺑﺎب ﻋدﯾدة ﻣﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻻ اﻟﺣﺻر:
أوﻻ، ﺗﺄﻛد ﻓﺳﺎد ﻣﻠﺢ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة -، وھو ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ ﻋﺟزه اﻟﻣﺳﺗدام ﻋن إﺻﻼح اﻟطﻌﺎم.
ﺛﺎﻧﯾﺎ، أھﻣﯾﺔ ﺧوض ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ، ﻓﻣن ﺷﺄن أﻣر ﻛﮭذا وﺿﻊ أﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أﻣﺎم ﻣﺷﺎﻛﻠﮭم اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ اﻟﻣراوﻏﺔ، ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺗﻐﻠﺑوا ﻋﻠﯾﮭﺎ وإﻣﺎ أن ﺗﻌﺟزھم ﻋﻠﻰ ﻧﺣو واﺿﺢ وﺻرﯾﺢ.
ﺛﺎﻟﺛﺎ، اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑذﺧﻣﮭﺎ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ - ﻣﮭﻣﺎ ﺗواﺿﻊ - ﺗﻔﺿل ﻣﯾوﻋﺔ دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة -، ﺣﯾث ﻻ ﻟون وﻻ طﻌم وﻻ راﺋﺣﺔ.
راﺑﻌﺎ، اﻷﻣﻣﯾﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣزاج اﻟﻛوﻧﻲ اﻟراھن، وﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أن ﺗﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺧﻼق، ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺣﺎل ﺗﺣت ﺣﻛم دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة - اﻟﺗﻰ ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺗﻘوﻗﻊ وﺗﺟﻔﯾف ﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﺣرﯾﺔ، وھو ﻣﺎ أﻓﺿﻰ ﺑﻣواطﻧﯾﮭﺎ وﻣؤﺳﺳﺎﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺗرھل واﻟﻔﺳﺎد، ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺎ ﻧرى اﻟﯾوم.
ﻣﻌﻧﻰ ھذا أن دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة - ﻟم ﯾﻌد ﻟﮭﺎ ﻣﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ وﻋﻠﯾﮭﺎ أن ﺗﺗوارى وأن ﺗﺧﺿﻊ ﻧواﺗﮭﺎ اﻟﺻﻠﺑﺔ - وھﻲ اﻟﺟﯾش - ﻟﻠﺣﻛوﻣﺎت اﻟﻣﻧﺗﺧﺑﺔ، ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺗﻰ ﺳﺑﻘﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺿﻣﺎر اﻟﺣرﯾﺔ. وﻟﯾس ﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر اﻟزاﺋﻠﺔ أن ﺗﺳﺗﻣريء اﻋﺎﻗﺔ ﺗطور ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ، ﻋﺑر اﺻرارھﺎ - اﻷﻧﺎﻧﻲ - ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء، ﻛون ھذا اﻟﺑﻘﺎء ﯾﻌوق ﺑﺎﻟﺿرورة إﻓراز ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻟﻣﻌﺎدل ﻏﯾر إﺳﻼﻣﻲ - ﯾﺑدأ ﺿﻌﯾﻔﺎ ﺛم ﻻ ﯾﻠﺑث أن ﯾﻘوى - ﯾﻣﺎرس اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﺟﻧﺑﺎ إﻟﻰ ﺟﻧب ﻣﻊ ﻗوى اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
(28)ما بعد العسكر: مخاوف مشروعة
رﺣﯾل اﻟﻌﺳﻛر وﺧروﺟﮭم اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣن اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ وﺣده ﻻ ﯾﻛﻔﻲ! ﺛﻣﺔ ﻣﺧﺎوف ﻣﺷروﻋﺔ ﻣن ﻣﻌﺎودة اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن -ﺧﺎﺻﺔ ﻗﯾﺎدات اﻹﺧوان اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن - إﺟﮭﺎض اﻟﻣوﺟﺔ اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﻣﺣﺗﻣﻠﺔ، ﻣن ﺧﻼل ﺗورطﮭم ﻓﻲ ﺻﻔﻘﺎت ﻓﻠوﻟﯾﺔ ﺧﺎﺋﺑﺔ، ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣرة اﻷوﻟﻰ. ﻓﻼ ﺗزال أﺣﺎدﯾث رﻣوزھم ﻏﯾر اﻟﻣﻌﺗﻘﻠﯾن ﺗﺷﻲ ﺑﺎﻏراﻗﮭم ﻓﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻣﺻﻠﺣﻲ وﻗﺻر اﻟﻧظر اﻟﺷدﯾد. ﯾرون ﻓﯾﻣﺎ ﺣدث ﺧﯾﺎﻧﺔ وﻗﻌت ﻟﮭم ﻓﺣﺳب، وﯾﺗﻌﺎﻣون ﺑدرﺑﺔ ﻋن أﺧطﺎﺋﮭم اﻟﺳﺎذﺟﺔ واﻟﻛﺎرﺛﯾﺔ.
ﻻﺑد إذن ﻣن ﺗداﺑﯾر ﻟﺣﻣﺎﯾﺔ ﺛورﺗﻧﺎ اﻟﻣﺟﯾدة، ﺑل وﺣﺗﻰ ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻣن أﻧﻔﺳﮭم، ﺻﺣﯾﺢ أن اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺗﯾﺎر ﻗوي وﻣؤﺛر ﻋﻠﻰ اﻷرض، ﻏﯾر أن ﻣﺣﻧﺗﮫ ﻓﻲ ﻗﯾﺎداﺗﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ، ﻛوﻧﮭم - ﺑﻘوة اﻷﻣر اﻟواﻗﻊ - ﺧﺎﻟطوا اﻟﻌﺳﻛر وﺗﻣﺎھوا ﻣﻊ ﻧﮭﺟﮭم ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ﻛﺛﯾرا، ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﻘوى اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﺷﺑﺎﺑﯾﺔ واﻟﺗﻰ ﺗﻧﻔر ﺑﻘوة ﻣن ﻗواﻋد اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ، ﺑل وﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﻛﺳرھﺎ وارﺳﺎء ﻗواﻋد ﺟدﯾدة، وﯾﻣﻛﻧﮭم ذﻟك ﻟوﻻ اﻓﺗﻘﺎرھم ﻟﻣﻧظرﯾن ورأي ﻋﺎم ﻣﺳﺗﻧﯾر ﯾﺳﺎﻧدھم. ﻣن ھﻧﺎ، ﻻﺑد أن ﯾﻌﻘب رﺣﯾل اﻟﻌﺳﻛر وﻋودة اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟدﺳﺗورﯾﺔ ﻗﯾﺎم ﻛﯾﺎن ﻣن ﺷﺑﺎب اﻟﻘوى اﻟﺛورﯾﺔ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ - ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺻرﯾﺢ وﻟﯾس ﺧﻔﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﺣدث اﻵن - ﯾﻧﮭض ﺑﻌبء ﺗطﮭﯾر ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﺔ واﻟﻘﺻﺎص ﻟدﻣﺎء اﻟﺷﮭداء، وﻟﯾﻛن ﺑﻘﺎء ھذا اﻟﻛﯾﺎن ﻣرھوﻧﺎ ﺑﺎﻧﺟﺎز ﻣﮭﻣﺗﮫ. وﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﻧﺗﺧﺑﺔ - واﻟﺗﻰ ھﻲ أﺻﻼ ﻓﻲ ﺣوزة اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن - أن ﺗدﻋم ﻣﺛل ھذا اﻟﻛﯾﺎن، وﺗﻧﺄى ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋن اﻟﻌودة ﻟﺗﺣﺎﻟﻔﮭﺎ "ﻏﯾر اﻟﻣﺷرف" ﻣﻊ ﻓﻠول دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر.
وﺣدھم اﻟﺷﺑﺎب ھم اﻟﻘﺎدرون ﻋﻠﻰ ﺑﻠوغ أﺣﻼﻣﮭم وأﺣﻼم ﺷﻌوﺑﮭم. ﻓﺎﻟﻔﺳﺎد اﻷﺳود ﯾﺿرب ﺑﺟذوره ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﺟﺎھﻠﻲ - أﺧﻼﻗﯾﺎ -، وﻗﯾﺎدات اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻻ رﻏﺑﺔ ﻟﮭﺎ وﻻ ﻗدرة ﻋﻠﻰ اﺟﺗﺛﺎﺛﮫ، ﻛوﻧﮭﺎ ﺗﻌﺎﯾﺷت ﻣﻌﮫ ﻟﻌﻘود طوﯾﻠﺔ وﺗرﺑطﮭﺎ ﺑﮫ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻌﻘدة وﻏﯾر ﺳوﯾﺔ ﻓﻲ أﺣﺎﯾﯾن ﻛﺛﯾرة. ﻓﺿﻼ ﻋن اﻏراﻗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻣﺻﻠﺣﻲ واﻓﺗﻘﺎرھﺎ اﻟواﺿﺢ ﻟﺑﻌد اﻟﻧظر ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺑﻧﯾوي. وﻟﻣن ﯾرى ﻓﻲ ﻣﺛل ھذا اﻻﻗﺗراح اﻧﺗﻘﺎص ﻣن ﻗﯾﺎدات اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻣﻧﺗﺧﺑﺔ وﻓرض ﻟﻠوﺻﺎﯾﺔ ﻋﻠﯾﮭم، أﻗول إن ھذه اﻟﻘﯾﺎدات ﺑﺄﺧطﺎﺋﮭﺎ ﻋرﺿت ﺛورﺗﻧﺎ اﻟﻣﺟﯾدة، وﻟﯾﺳت ﻣذﺑﺣﺔ راﺑﻌﺔ اﻟﻌدوﯾﺔ ﺑﺑﻌﯾدة، ﻋﻧدﻣﺎ ﺧرﺟت اﻟﻘواﻋد ﺷدﯾدة اﻟﺣﻣﺎس واﻟﻐﯾرة، ﺗﺻﻠﺢ ﺑدﻣﺎﺋﮭﺎ أﺧطﺎء اﻟﻘﯾﺎدة.
وﺑﺎﻧﺟﺎز ھذا اﻟﻛﯾﺎن اﻟﻣﻘﺗرح ﻟﻣﮭﻣﺗﮫ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ، ﯾﻣﻛﻧﮫ - ﺑﻌد ﻋودة ﺷﺑﺎب اﻻﺳﻼﻣﯾﯾن ﻷﺣزاﺑﮭم - اﻟﺗﺣول ﻟﻛﯾﺎن ﺳﯾﺎﺳﻲ [أو أﻛﺛر]، ﯾﻣﺎرس اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻛﻣﻌﺎدل ﻟﻘوى اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - ﯾﺑدأ ﺿﻌﯾﻔﺎ، ﺛم ﻻ ﯾﻠﺑث أن ﯾﻘوى -. ﺑدون ﻣﺛل ھذا اﻟﺗوازن اﻟذى ھو ﻓﻲ ﻣﺻﻠﺣﺔ دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﻟﯾدة ﯾظل ﺷﺑﺢ اﻟظﻠم واﻟﻔﺳﺎد ﺟﺎﺳﻣﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺎﺳﻧﺎ ﻷﺟل ﻏﯾر ﻣﺳﻣﻰ.
(29) إشكالية تفكيك دولة العسكر
بعيدا عن الجيش باعتباره النواة الصلبة لدولة العسكر وأهمية خضوعه للحكومات المُنتخبة. لدولة العسكر وجود مُتجذر في أرض مصر، ربما لحد لم يكن يتوقعه أكثرنا تشاؤما. فكما أن مؤسسات دولة العسكر مترهلة وفاسدة، كذلك القسم الأعظم من مواطنيها، بما فيهم أنصار الإسلام السياسي – وهذا هو المدهش -. فهؤلاء وإن دأبوا – ولا يزالوا - على ابداء امتعاضهم من ترهل وفساد دولة العسكر، إلا أنهم بمنأى عن جرأة وقوة بناء مجتمع جديد.
مفكرو الإسلام السياسي - كبقية نظرائهم في ثقافتنا – يعملون بالتجزئة ويصنعون طريقهم أثناء السير، أضف إلى ذلك أن للتفاؤل عندهم تفسير غاية في الخطورة وهو "العملية" والهلع من الجدل الفكرى والانصراف عن تشييد الأبنية الفكرية. عبر عن ذلك عصام العريان بقوله: نحن قوم عمليون. المشكلة أنهم لا يأخذون من "العملية" سوى بُعدها التطبيقي، بينما بعدها التنظيري لايشغلهم في كثير أو قليل. وهو ما يُفضي بعمليتهم هذه – وعلى خلاف نظيرتها الغربية – إلى انتهازية عارية وتخبط يسيء لتيار الإسلام السياسي في عصر الرقمية.
النظرية تحمي التطبيق، وتحول دون عشوائيته.. يفسر هذا ما يعانيه الإسلاميون من اخفاقات خطيرة في تعاطيهم مع إشكالية تفكيك دولة العسكر. على خلاف سود جنوب أفريقيا - مثلا – حين شكلوا لتصفية نظام الفصل العنصري/أبارتهيد لجان "الحقيقة والمصالحة – وهي لجان يعترف أمامها المذنبون بجرائمهم ويُبدون ندمهم واعتذارهم ويُمنحون عفوا مجتمعيا". بنجاح هذه اللجان ورئيسها يُضرب المثل.
عشوائية "عملية" الإسلاميين تظل عائقا دون بناء تجربة مماثلة في بلادنا، غير أن من الظلم لومهم وحدهم، فخصائص مجتمعاتنا وحضارتنا الاسلامية وثقافتنا العربية كلها أمور تزيد من حدة الاشكالية. مجتمعاتنا تعيش جاهلية أخلاقية جنبا إلى جنب مع التدين الشديد! مجتمعاتنا يضربها فساد أسود أكسبته السنوات تعقيدا وصلابة. مجتمعاتنا تجفف منابع الحرية والتطرف ومن ثم تندر فيها العبقريات وأصحاب التفكير الاستراتيجي. مجتمعاتنا انحطت فيها الفنون ومن ثم انحطت فيها الذائقة الفنية وهي مهمة جدا في بناء الضمير والذائقة الأخلاقية.
أضف إلى ذلك أن ما بداخلنا – نحن العرب - لا يريد الحقيقة، وأننا لا نحترم الضعف والفشل ولا نؤمن سوى بالقوة والنجاح – بغض النظر عن رداءته -. فالعربي وكما يقول الغربيون يصير معتدلا فقط عندما يفقد سلاحه ويصبح ضعيفا، نلمس ذلك حتى في أنفسنا.
من هنا، تثور تساؤلات عديدة من أبرزها: ما العمل لتجنب خيار التفكيك الخشن لدولة العسكر وعدم تحول الحرب الأهلية "الناعمة" الدائرة الآن إلى حرب أهلية خشنة؟ ما العمل لضمان تجنب انتقال أمراض دولة العسكر المترهلة والفاسدة إلى دولة الإسلام السياسي الوليدة؟ ما العمل لضمان استدامة تحصين دولة الإسلام السياسي الوليدة من الظلم والفساد؟ ما العمل للاستفادة من القوى الثورية غير الاسلامية – خاصة الشباب – في بناء ما بعد العسكر وليس في تفكيك دولة العسكر فحسب؟ ما العمل لزراعة رئة جديدة في صدر حضارتنا المختنق؟..
(30)كفي عبثا واتجارا بآلام الفلسطينيين
استمرار الآلام الفلسطينية لم يعد مقبولا ولا يصب في صالح الفلسطينيين، وحدهم هم من يدفعون الثمن(!!)، فالشعب الإسرائيلي يعيش كما نتابع في الصحف والاعلام حياة مرفهة ومستقرة لحد كبير، وحدهم أهل فلسطين هم من يتجرعون الكأس، بعيدا عن النخب الفلسطينية الحاكمة التى تختلف بقوة عن نظيرتها الإسرائيلية والغربية عموما، كونها غير أمينة مع مواطنيها على نحو ما نرى في عصر الرقمية، بل وتتاجر بآلامهم عبر شحنهم المستمر ضد اسرائيل وارهابهم من مجرد ذكر إسمها أو إبداء مجرد الرغبة في الانفتاح عليها، في حين أنهم واستنادا لكونهم نخبا حاكمة فاسدة وتجار آلام محترفين يتاجرون بغضب الشعب الفلسطيني لمصالحهم الخاصة.
وربما يفسر لنا هذا سر اختلاف التعاطي الغربي - مثلا - مع مانديلا الجنوب أفريقي وعرفات الفلسطيني، الأخير أغتيل بدم بارد بعد انتهاء صلاحيته على رقعة الشطرنج، شأنه شأن القذافي وصدام حسين وغيرهم. لا حل لآلام الشعب الفلسطيني إلا بانفتاحه على ذوي الضمائر الحية في المجتمع الاسرائيلي، بل ودراسة كل صغيرة وكبيرة في هذا المجتمع المجاور لنا منذ عقود ولا تمل نخبنا الفاسدة إرهابنا ببعبع التطبيع ومهادنة الكيان الصهيوني وموالاة اليهود..الخ ليخلوا لها المجال في المزايدة والاتجار بآلامنا. ما الفرق بين يهودي يؤذيني وعربي يؤذيني. المظاهرات الجارية في بلادنا ليل نهار تُشبه بعض مواطنينا من ذوي الممارسات غير الانسانية بأنهم أسوأ من اليهود. ماذا ننتظر بعد ذلك، تفكيرا جديدا لابد أن ينشأ لإنهاء ديلما الفلسطينيين.
لينفتح الإنسان الفلسطيني بل والعربي عموما على الإنسان الإسرائيلي لاذابة ذلك الجليد القاسي، ولافهام الإنسان الإسرائيلي أننا شعوب منكوبة بنخبها الحاكمة وأننا أبرياء من صفقات ملوثة تتم في الخفاء، وأن الإنسان الاسرائيلي لابد أن يفعل الشيء نفسه. ولنا في أمريكا قدوة حسنة، فأمريكا تكره الإسلام السياسي كراهية التحريم ولاتثق به ولا برموزه ورغم ذلك تتواصل معهم ليل نهار، بل هي تستدعيهم خفية إلى رقعة الشطرنج على أمل لتوجيه ضربة قاضية لمشروعهم الاسلامي، لم تقاطعهم! الأمريكيون يزورون مجتمعاتنا ويخترقون كل شيء، فلنفكر بطريقتهم، عسى وعل..
ولنا أيضا في جيراننا الاسرائيليين قدوة حسنة، فكلنا يذكر ذلك الشاب الاسرائيلي إيلان تشايم جرابيل الذى خطب في الجامع الأزهر خطبة ملآى بالأحاديث النبوية وخرج بمظاهرة حاشدة..لم يتهمه مواطنيه بالتطبيع ولا الخيانة بل يفخرون بهكذا كوادر قادرة على اختراق وتحريك الشارع العربي، مثل هذا الشاب خط هجوم متقدم لبلاده، لما لا يكون لنا مثل هذه الخطوط المعرفية الهجومية المتقدمة..مجرد سؤال؟!
(31)العاطفة ذلك البريء الملوم
ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻧﺳﻣﻊ وﺻﻔﺎ ﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻋﺎطﻔﯾﺔ، ﺗﺄﺧذ "اﻟﻌﺎطﻔﺔ" أﺑﻧﺎﺋﮭﺎ إﻟﻰ ﺣﯾث ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﮭم أن ﯾﻛوﻧوا. ﻗوى اﻟﻔﺳﺎد واﻟظﻠم ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺗرﺳﯾﺦ ﺻورة ذھﻧﯾﺔ ﻟﺷﻌوﺑﻧﺎ ﺗﺣﻣل ھﻛذا ﺑﺻﻣﺔ. وﯾﺄﺗﻲ اﻟﻐرﺑﯾون ﻟﯾزﯾدوا اﻟطﯾن ﺑﻠﺔ ﺑﺄن ﯾﺿﻔوا اﻟﺻﺑﻐﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗوﺻﯾف!
"اﻟﻌﺎطﻔﺔ" ﻟﻔظﺔ ﻓﺿﻔﺎﺿﺔ، ﺗﻧﺿوي ﺗﺣﺗﮭﺎ ﻣﻌﺎن ﺷﺗﻰ ﺗﺑدأ ﺑﻘﯾم وﻣﺛل ﻋﻠﯾﺎ وﺗﻧﺗﮭﻲ ﺑﻣﻌﺎن اﻻﻧﺣﯾﺎز واﻟﻣﺻﻠﺣﯾﺔ واﻟﻼﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟﻼﻧزاھﺔ. اﻟﻣﺿﻠﻠون - إذا - ﻛﺳوا اﻟﻘﻠﯾل ﻣن اﻟﺣﻘﺎﺋق ﺑرﻛﺎم اﻷﻛﺎذﯾب، ﺷﻲء أﻗرب ﻟﻣﺎ ﯾﺳﻣﯾﮫ اﻷﻣرﯾﻛﯾون ﻓﻲ أدﺑﯾﺎﺗﮭم اﻟرﺻﯾﻧﺔ "ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺣﻘﺎﺋق ﺑﺎﻷﻛﺎذﯾب"، ﻣﻊ اﻟﻔﺎرق طﺑﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﯾﺔ واﻟوﺳﯾﻠﺔ، ﻓﻔﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﻟُﻣﺿﻠﻠﺔ ﻛﻼھﻣﺎ رديء. اﻻﻧﺣﯾﺎز واﻟﻣﺻﻠﺣﯾﺔ واﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟﻼﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟﻼﻧزاھﺔ..ﻛﻠﮭﺎ ﻣﻌﺎن ﻣﻛﺎﻧﮭﺎ ھﺎﻣش اﻟﻌﺎطﻔﺔ وﻟﯾس ﺟوھرھﺎ اﻷﺻﯾل. ﻣن ھﻧﺎ، ﻟﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ أن أﺻﺣﺎب اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ - ﺧﺎﺻﺔ اﻷﻧﺳﻧﻲ - ﺧﻠو ﻣن اﻟﻌﺎطﻔﺔ ﻓﻲ أﺑﻧﯾﺗﮭم اﻟﻧظرﯾﺔ وﻧﻘدھم اﻟﻘﺎس اﻟﺧﺷن. ھم ﻓﻲ ﺟوھر اﻟﻌﺎطﻔﺔ اﻷﺻﯾل اﻟﺻﻌب ﺑﻣﻌزل وﺗرﻓﻊ ﻋن اﻟﮭﺎﻣش اﻟرديء اﻟﺳﮭل. ﯾدل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻻﻣﺻﻠﺣﯾﺔ ﺛورﯾﺗﮭم.
اﻟﻣﻔﻛر اﻷﻧﺳﻧﻲ - ﺷﺄن ﻏﯾره ﻣن أﺻﺣﺎب اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ - ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺗﻔﻠﺳف وﯾﻣﺎرس ﻟﻌﺑﺔ اﻟﻧﻘد ﯾﻔﻌل ذﻟك ﺑﻛﻠﯾﺗﮫ اﻻﻧﺳﺎﻧﯾﺔ، ﻛوﻧﮫ ﻻ ھو وﻻ ﻏﯾره ﻣن ﺑﺷر - ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﺣﺗﻰ اﻵن - ﻟﮭم اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺣدﯾد ﻣوطن اﻟﻌﺎطﻔﺔ وﺣدودھﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯾﺗﮭم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ.
ﻻ ﺻﺣﺔ إذن ﻟﻠﻣﻐﺎﻟطﺎت اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺧﻠو اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ وأﺻﺣﺎﺑﮫ ﻣن اﻟﻌﺎطﻔﺔ، ﺑل إن ﻋﺎطﻔﺗﮭم أرﻗﻰ ﻛﺛﯾرا ﻣن ﻏﯾرھم.. ﯾﺗﺟﺳد ھذا ﺑوﺿوح ﻓﻲ ﻋﻠو اﻟذاﺋﻘﺗﯾن اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻋﻧد أﺻﺣﺎب اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ، وھﻣﺎ ﯾرﺗﺑطﺎن ﺑﻘوة ﺑﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ، أﻋﻧﻲ ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﺟوھرھﺎ اﻷﺻﯾل ﻣﻣﺛﻼ ﻓﻲ اﻟﻘﯾم واﻟﻣﺛل اﻟﻌﻠﯾﺎ وﻟﯾس ﻓﻲ ھﺎﻣﺷﮭﺎ اﻟرديء.
اﻟﻌﺎطﻔﺔ ﺑريء ﻣﻠوم ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ، ﯾﺣﺗﺎج ﻟﻣن ﯾﻧﺻره وﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺑرﺋﺗﮫ.
(32)الإله الرقمي وشريعة العولمة!
القرن ال21..هل هو قرن الأديان؟ بعبارة أدق، هل ثمة يقظة للأديان يعيشها العالم في هذا القرن؟..أم أن ما نعيشه – خاصة في منطقتنا - من صعود نسبي للأديان والطائفية الدينية هو صحوة الموت على نحو ما يرى البعض؟ وهل يمكن للأديان أن تزوي وأن تموت كالبشر؟
"الرقمية" هي ما قد يساعدنا على تشريح الاجابة الغربية على هكذا تساؤل، بقدر ما يزعم العولميون من نجاح في فك شفرة الدين. ثمة إمكانية برأيهم لظهور أديان إفتراضية(!!)، تكون خليطا هجينا من نحل وشرائع سماوية وغير سماوية، استنادا إلى سطوة الرقمية وقدرتها على النفاذ إلى قلوب وعقول البشر على نحو لم يسبق له نظير في تاريخ البشر. نسمع اليوم عن الحج الافتراضي والمعابد الافتراضية والزواج الافتراضي..الخ. أمور كهذه لطالما أحيطت بسياج رهيب من القداسة والتوقير تأتي الرقمية لتتجرأ عليها وتحاكيها ببساطة، لم نعرفها قبلا.
الرقمية هي نتاج العبقرية الغربية، بكل ثوريتها وتمردها ونزوعها لاقتحام المجهول، ومن ثم فالرقمية وإن كانت وسيلة إلا أنها جزء أصيل من الرسالة! العولمة هي المضمون الذى تبثه الرقمية على نحو شديد المنهجية والدربة غير مسبوق في قلوب وعقول البشر، في كل مكان. الرقمية في علاقتها بالعولمة نتيجة وسبب، مخلوق وخالق، رسالة ورسول، شريعة وإله، تريدها قوى السوق الكونية ديانة رقمية توحد البشر وتحقق ما لم تحققه الأديان المتعارف عليها اليوم.
نحن – إذن-، إلى جانب الأديان الافتراضية التى يُهيأ الفضاء الرقمي بقوة لافرازها، إزاء ديانة جديدة، الاله فيها – كما تريده قوى السوق المستترة – هو الرقمية، والشريعة هي العولمة، ديانة يُراد لها – كما أسلفت توا – توحيد البشر، ذلك الحلم الذى لطالما راود الكثيرون عبر التاريخ، ولو أن أحدا منهم لم ينجح – ربما لتعارض ذلك مع سنة كونية هى التنوع والاختلاف -. الاله الرقمي..هل ينجح هذه المرة في توحيد البشر في ظل شريعة عولمية، يؤدي البشر بموجبها فريضة التسوق بلا كلل، تقربا لهذا الاله الرقمي، صاحب ما يسمونه "المشيئة الذكية".
أفكار كالمعروضة توا بعيدة تماما عن تفكير مجتمعاتنا ومنظرينا عدا قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا تجد دراساتها وأبحاثها اهتماما يُذكر. لكن، مثل هذه الأفكار في بؤرة اهتمام الغربيين، خاصة من ناحية إمكانية توظيفها في تفكيك الحضارات غير الغربية – خاصة الاسلامية -، باعتبارنا محل اهتمام غربي شديد منذ هجمات 11/9. يظهر ذلك من كم الأبحاث والمراكز البحثية المتخصصة في مجتمعاتنا. إنه استشراق "تفكيكي" لم نعرفه من قبل!
استشراق تفكيكي ليس كنظيره "التنويري" الذى لطالما شكونا منه وشككنا في نوايا أصحابه. هم ملائكة مقارنة بالمستشرقين "الجدد"، والذين هم في خدمة قوى السوق الكونية..
(33) كواليس صناعة القرار في أمريكا
الولايات المتحدة ليست دولة بالمعنى الترانسفالي البسيط، على الأقل في القرن ال21، هي عاصمة قوى السوق الكونية. صناعة القرار الأمريكي عملية شديدة التعقيد والثراء، تغطي الاستراتيجيات الحاكمة للعالم وقواعد اللعبة على كافة المستويات ككل الامبراطوريات المترامية، ناهيك عن امبراطورية في عصر الرقمية. تنفيذ سياسة خارجية لها هذا القدر من التعقيد والثراء ليس ميسورا بكليته للحكومة الأمريكية الظاهرة للعيان والتى يقودها رسميا الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له، كونها مقيدة بقوانين واعراف كونية. من هنا توجد حكومة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية "خفية" – كما يسميها ديفيد وايز وتوماس روس في كتاب قيم لهما يحمل الإسم نفسه -. الحكومة الخفية وهي مخابراتية راقية دورها لا يقل أهمية وثقلا عن نظيرتها "العلنية"، في تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية، ومساعدة نظيرتها العلنية في خدمة أمريكا، خاصة الأعمال "ضبابية" المشروعية.
في عملية التحول الديمقراطي في جمهورية جنوب إفريقيا، على خلفية انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية وانتهاء الحرب الباردة، لم تغب الولايات المتحدة بحكومتيها العلنية والخفية عن المشهد. نجد ذلك مذكورا بشفاقية في مذكرات ووثائق عملية التحول نفسها، بما فيها مخطوطات الراحل نيلسون مانديلا. لم يتهم أحدا مانديلا ونظيره الأبيض ديكليرك بالخيانة، لم يشعر الزعيمان بالحاجة إلى التخفى!
أما في بلادنا – بلاد العرب – معقل الفهلوة والانحطاط الأخلاقي والتمرد على السنن الكونية، نجد خلطا مخيفا للأوراق يجد تجاوبا غربيا غير نزيه. كل سياسي عربي – أو نظام – يرغب في المُزايدة على خصومه وتدعيم موقفه، ويرغب الغربيون بدورهم في تمكينه ورفع شعبيته وتشجيعه على تضليل مواطنيه وعلى التعاون في الخفاء، ليس عليه سوى التلاسن مع أمريكا وسياسييها ويصرخ بحق بلاده في الاستقلال والانعتاق من السيطرة الغربية وأنه لا يخشى في الله لومة لائم.
وسرعان ما يأتيه المدد الغربي في شكل هجوم حاد عليه وعلى تعصبه وكراهيته للغرب واصراره على إستقلال أوطانه. تنجح اللعبة دائما، وينخدع البسطاء! نموذج ناصر في تأسيسه لدولة العسكر خير تجسيد لهذه اللعبة، بشهادة صُناعها.
سؤالي: أمر كهذا مقبول، لكن غير المقبول أن تختفي تماما التحليلات الجادة كما في بقية الدول المحترمة، غير المقبول أيضا أن يُتهم الصُرحاء بتشويه الأبطال والزعماء التاريخيين. لأنه ليس في الأمر تشويها، إلا لو كان ما يجري في الخفاء يُخشى الحديث عنه في العلن لعدم جوازه. شفافية علاقة زعمائنا بالغرب فيه حماية لهم من ابتزاز الغربيين، وكذا حماية لهم من التورط في أمور قد تضر بمواطنيهم.
وإذا كان مثل هذا الكلام ينطبق على القرن ال20، فهو يصح وبدرجة أقوى في عصر الرقمية. لا نريد هيمنة المُضللين وتفسيراتهم الغائمة، يُفرز ذلك، على الأقل في المستقبل البعيد، دولة فاشلة ومجتمعا فاسدا، وليس ما نعيشه اليوم ببعيد.
(34) الكتمان أنثى .. والبوح ذكر
اﻟﻛﺗﻣﺎن أﻧﺛﻰ واﻟﺑوح ذﻛر، ﻛﻠﻣﺎت ﻗرأﺗﮭﺎ ﻟزﯾﻧب اﻟﺧﻔﺎﺟﻲ، ﺗﺄﻣﻠﺗﮭﺎ ﻛﺛﯾرا ﻛوﻧﮭﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣن ﻋواﻟم أﻧﺛﻰ. ﻗﺎدﺗﻧﻰ ﻟﺗﺳﺎؤل ﻟم أطرﺣﮫ ﻗﺑﻼ: ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ أﻧﺛوﯾﺔ - إذن -؟! ﻛﯾف ھذا وﻧﺣن اﻟﺷرﻗﯾون ﻧﻌﺗز ﺑﺎﻟرﺟوﻟﺔ وُﻧﻧزﻟﮭﺎ ﻣﻧزﻟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ، ﻓﻛل راق ﻣرﺗﺑط ﻓﻲ وﺟدان اﻟﺷرﻗﻲ ﺑﺎﻟرﺟوﻟﺔ. ﺣﺗﻰ ﺣراﺋر ﻣﺻر ﯾﮭﺗﻔن ﻓﻲ اﻟﺷوارع "ﺣطوا ﺑﻧﺎﺗﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﺧﺷﯾﺑﺔ، اﺣﻠق ﺷﻧﺑك واﻟﺑس ﺟﯾﺑﺔ". ﻧﺎﺳﯾن أﻧﮭن ﺑدون ﺷوارب وﯾﻠﺑﺳن ﺟﯾﺑﺔ، ﻣﻊ ذﻟك ﻟم ﯾﺳﻛﺗن ﻋن ﺿﯾم. أﺳﺄن ﻟﻠﺟﯾﺑﺔ واﻧﻌدام اﻟﺷﺎرب!
ﺗﻔﺳﯾر ذﻟك ﻋﻧدي رﺑﻣﺎ ﻗﻧﺎﻋﺔ ﻣﺗرﺳﺧﺔ ﻓﻲ اﻟﻼوﻋﻲ اﻟﺷرﻗﻲ واﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻔوﻗﯾﺔ اﻟرﺟل ودوﻧﯾﺔ اﻟﻣرأة، ﻗﻧﺎﻋﺔ ﯾدﺣﺿﮭﺎ اﻟواﻗﻊ ﺑﻌﻔوﯾﺔ، ﺣراﺋر ﻣﺻر ھن ﻣن ﯾﺣﯾﯾن اﻟﺛورة! ﻛﯾف ﻟﻘﻧﺎﻋﺎت ﺷرﻗﯾﺔ وﻋرﺑﯾﺔ ﻛﮭذه: ﻓوﻗﯾﺔ اﻟرﺟل ودوﻧﯾﺔ اﻟﻣرأة وذﻛورﯾﺔ اﻷﺧﻼق واﻟﻘوة ﺑل وذﻛورﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، ﻛﯾف ﻟﻛل ھذا أن ﯾﺳﻛن وﺟداﻧﺎ ارﺛﮫ اﻟﻛﺗﻣﺎن واﻟﺗﺧﻔﻰ وﻋﯾش اﻟظﻼم. ﯾرﻋﺑﮫ اﻟﺑوح، ﯾراه ھﺗﻛﺎ ﻟﺳﺗر.
ﺗﺿﺎرب ﻣﺿﺣك وﻣرﻋب ﻗﺎﺋم. ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺗﻌﯾش اﻟﻛﺗﻣﺎن وﯾرﻋﺑﮭﺎ اﻟﺑوح ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻣﻌﻘل اﻟﺻﻼﺑﺔ واﻟذﻛورﯾﺔ وﻓوﻗﯾﺔ اﻟرﺟل ودوﻧﯾﺔ اﻟﻣرأة. ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻟﻐرب وھو ﯾﻌﯾش اﻟﺑوح ﯾوﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻌﻘل اﻷﻧﺛوﯾﺔ واﻟﻣﯾوﻋﺔ.
ﻟﻣﺎذا ﻧﺳﻣﻰ اﻷﻣور ﺑﻐﯾر أﺳﻣﺎﺋﮭﺎ، وإﻟﻰ ﻣﺗﻰ ﯾﺳﺗﻣر ھذا؟
ھذا أﯾﺿﺎ ﯾﻔﺳر ﻛراھﯾﺔ ﺧﻔﯾﺔ ﻟﻸﻧﺛوﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﻋﻧد ﻧﺳﺎﺋﻧﺎ أﻧﻔﺳﮭن، دﻋك ﻣن أﻏﺎﻧﻲ ﺳﻌﺎد ﺣﺳﻧﻰ وﻧﺎﻧﺳﻲ ﻋﺟرم وﺻﺑﺎح ﻋن اﻟﺑﻧوﺗﮫ، ﻛل ھذا ﺳﺗر ﻟﻛراھﯾﺔ أﺻﯾﻠﺔ، ﻟﯾس ﻟﻠﻣرأة ﻟﺣد ذاﺗﮭﺎ ﻛﻣﺧﻠوق، واﻧﻣﺎ ﻟﻸﻧﺛوﯾﺔ ﻛون ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﻣرارة ﻋﺎﺟزة ﻋن ﺗﺟﺎوز ﻛﺗﻣﺎﻧﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺑوح اﻟذﻛوري.
(35)هيكل وقطب: وجهان لزمن واحد
ﻣﻧذ ﻋﻘود وﺑﺎﻟﺗﺣدﯾد ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وﻧﺷوء ﻧظﺎم ﻋﺎﻟﻣﻲ ﺟدﯾد، ﺛﻧﺎﺋﻲ اﻟﻘطﺑﯾﺔ -اﻟﺳوﻓﯾت واﻷﻣرﯾﻛﯾون -. اﻧﺗﺑﮭت أﻧظﺎر اﺛﻧﯾن ﻣن ﻣﻔﻛرﯾﻧﺎ اﻟواﻋدﯾن، ھﻣﺎ: ﻣﺣﻣد ﺣﺳﻧﯾن ھﯾﻛل وﺳﯾد ﻗطب، ﻟﻠﻌﻣﻼق اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﻧﺎھض اﻟﻘوي اﻗﺗﺻﺎدﯾﺎ واﻟﺣﺎﻟم ﺑﺳﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم.
ﻣﺣﻣد ﺣﺳﻧﯾن ھﯾﻛل ﺻﺣﻔﻲ ﻣﺻري، ﺷﺎب طﻣوح وﻣﺻﻠﺣﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر. ﯾﻌﻣل - وﻗﺗﮭﺎ - ﺑﺻﺣﯾﻔﺔ ﻣﺻرﯾﺔ ﻧﺎطﻘﺔ ﺑﺎﻻﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ وﯾﺳﺎﻓر ﻛﻣراﺳل ﺣرﺑﻲ إﻟﻰ ﻓﻠﺳطﯾن. ﺑﺎرع ﻓﻲ ﻧﺳﺞ اﻟﺻداﻗﺎت واﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﻣؤﺛرة واﻟﻧﺎﻓذة ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻷﺻﻌدة. ﻗﺎريء ﺷدﯾد اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ ﻻﺗﺟﺎھﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻟﺣظﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣﻔﺻﻠﯾﺔ، وﺗداﻋﯾﺎﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾدي اﻟداﺧل واﻻﻗﻠﯾم.
أﻣﺎ ﺳﯾد ﻗطب ﻓﮭو ﺷﺎب ﺛﺎﺋر ﻣﺗﻣرد، وﺟد ﻟﺗﻣرده ﻣﺗﻧﻔﺳﺎ ﺑداﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻛﺎن وأﻣﺛﺎﻟﮫ - ﻛﺄﻧور اﻟﻣﻌداوي - ﻧﺟوم ﻓﻲ ﺳﻣﺎء اﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﻋﺻر ﻣﺷﺗﻌل ﻓﻛرﯾﺎ. ﻏﯾر أن ﺗﻣرد ﻗطب ﻟم ﯾﻠﺑث أن ﻗﺎده إﻟﻰ اﻹﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ - وﻻ أدري اﻟﻣﻼﺑﺳﺎت -، ﻓﺻﺎر أﺣد أﺑرز ﻣﻧظرﯾﮫ، ﺳﺎھم رﺑﻣﺎ ﻛﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﺎھم ﻏﯾره - ﻋدا ﺣﺳن اﻟﺑﻧﺎ - ﻓﻲ ﺗزﺧﯾم اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟﻺﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
ھﯾﻛل وﻗطب - إذن - ﻛﻼھﻣﺎ ﺗﻌرف ﻋﻠﻰ أﻣرﯾﻛﺎ. اﻷول ﻣن ﺧﻼل ﻋﻣﻠﮫ ﻛﺻﺣﻔﻰ ﻣﺣﺗرف وﺻﺎﺣب ﯾﻘظﮫ ﻏﯾر ﻋﺎدﯾﺔ ﻓﻛرﯾﺎ وﺳﯾﺎﺳﯾﺎ. أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ، أﻋﻧﻲ ﻗطب، ﻓﻘد زار أﻣرﯾﻛﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺷﺎھدت ﻋﻧﮭﺎ ﻓﯾﻠﻣﺎ وﺛﺎﺋﻘﯾﺎ ﺷدﯾد اﻷھﻣﯾﺔ، واﻓﺎﻧﻲ ﺑﮫ ﺻدﯾق ﻣدرس ﺑﺎﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ.
ھﯾﻛل رأى ﻓﻲ أﻣرﯾﻛﺎ ﺳﯾدا ﺛرﯾﺎ ﻣﺗطﻠﻌﺎ ﻟﺣﻛم اﻟﻌﺎﻟم، ﻓﻲ ﺣﯾن رأى ﻓﯾﮭﺎ ﻗطب ﺟﺑروﺗﺎ واﻧﺣﻼﻻ. ﺗﻣﺎھﻰ ھﯾﻛل ﻣﻊ اﻟﺣﻠم اﻷﻣرﯾﻛﻲ - ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﺗدﺧﯾن اﻟﺳﯾﺟﺎر وﻟﻌب اﻟﺟوﻟف، رﻏم ﺗواﺿﻊ اﻟﻧﺷﺄة -، ھﯾﻛل ﺗواﺻل ﻣﻊ ﺳﺎﺳﮫ وﻣﻔﻛرﯾن واﺳﺗﺧﺑﺎراﺗﯾﯾن أﻣرﯾﻛﯾﯾن ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺣﻣﯾم وﻏﺎﺋم. ﺑﯾﻧﻣﺎ ﺗﻣرد ﻗطب وﻧﺎﺻب ﺷرﯾﻌﺔ أﻣرﯾﻛﺎ اﻟﻌداء، وﺣﻠم ﺑﺷرﯾﻌﺗﮫ ﻣﻧﺎﻓﺳﺎ ﻟـ"ﺷرﯾﻌﺔ أﻣرﯾﻛﺎ".
ھﯾﻛل اﻣﺗطﻰ اﻟﺻﻘر اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﻣﺣﻠق، وﺑﻠﻎ ﻋﻠﻰ ظﮭره ﺳﻣﺎء اﻟﺳﻠطﺔ واﻟﺛروة واﻟﻧﻔوذ. ﺑﯾﻧﻣﺎ وﻗف ﻗطب داﻋﯾﺎ ﻻﺻطﯾﺎده ﻓﻲ ﺳذاﺟﺔ وﻧﺑل ﺛورﯾﯾن، ﻛوﻧﮫ ﻟم ﯾﻘدر ﺷراﺳﺔ اﻟﺻﻘر اﻷﻣرﯾﻛﻲ واﻟذى أﻏرى ﻓﻌﻼ ھﯾﻛل ورﻓﺎﻗﮫ، ﻓﻧﺻﺑوا اﻟﻣﺷﺎﻧق وروﻋوا اﻟراﻓﺿﯾن ﻟﻐﯾر ﺷرﯾﻌﺗﮭم.
وراﺣت أﯾﺎم وﺟﺎءت أﯾﺎم. وراﺣت أﺷﮭر وﺟﺎءت أﺷﮭر. وراﺣت ﺳﻧوات وﺟﺎءت ﺳﻧوات. وراﺣت ﻋﻘود وﺟﺎءت ﻋﻘود. أورﺛﻧﺎ ھﯾﻛل ورﻓﺎﻗﮫ ﻧظﺎﻣﺎ ﻋﺳﻛرﯾﺎ اﻧﺗﮭﻰ ﺑﮫ اﻷﻣر إﻟﻰ اﻟﻔﺳﺎد واﻟظﻠم. ﻓﺷﻠت اﻟدوﻟﺔ وﻓﺳد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ. ﻗطب أﯾﺿﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻔﻠﺳﺎ، ﺗرك ﺗﻣردا اﺳﻼﻣﯾﺎ ﻧﺎﺻب اﻟﻌﺳﻛر واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة ﻋداءا ﺷدﯾدا وﻧﺎﺻب أﻣرﯾﻛﺎ اﻟﻌداء اﻷﺷد، ﻛون اﻟﻌﺳﻛر اﺳﺗﻘووا ﺑﮭﺎ ﻋﻠﯾﮫ.
ﻣن ھﻧﺎ، ﻗﺎد اﻟﯾﺄس "اﻟﺳﺑﺗﻣﺑرﯾﯾن" إﻟﻰ ھﺟﻣﺎت دﻣوﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻘر وﻛر اﻟﺻﻘر اﻷﻣرﯾﻛﻲ .. اﻧﺗﺑﮫ اﻟﺻﻘر اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﻟﻠرﺳﺎﻟﺔ اﻟدﻣوﯾﺔ وراﺟﻊ اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎﺗﮫ وﻗرر اﻟﺗﺧﻠﻰ ﻋن إرث ھﯾﻛل وﻋدم ﻣﻣﺎﻧﻌﺔ اﺳﺗدﻋﺎء ﺣﻠم ﻗطب إﻟﻰ رﻗﻌﺔ اﻟﺷطرﻧﺞ، ﻋﻠﻰ أﻣل أن ﯾﺿﻊ اﻹﺳﻼﻣﯾون ﺑﺄﯾدﯾﮭم ﻣﺷﮭد اﻟﺧﺗﺎم ﻓﻲ ﻣﺳﯾرة ﺣﺿﺎرة ﻋرﯾﻘﺔ ﺗﻣردت ﻋﻠﻰ ﺳﻧن ﻛوﻧﯾﺔ ﺗﻘﺿﻲ ﺑﺎﺣﺗرام اﻟﺣرﯾﺎت وﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻔﻛر اﻟذى ﻧﺑﻐض. وﻟﺳوف ﯾﻛﺷف اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻋﻣﺎ اذا ﻛﺎن اﻟﺻﻘر اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﻗد أﺣﺳن اﻟﻘراءة.
(36)هيكل ينقض غزله .. بأمر من؟
ﻣﺣﻣد ﺣﺳﻧﯾن ھﯾﻛل - وھو أﺣد ﻛﺑﺎر ﻣؤﺳﺳﻲ وﻣﻧظري دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر - ﯾظل ﺗﺻدره ﻟﻣﺷﮭد اﻧﻘﻼب 30 ﯾوﻧﯾو ﻣﺛﯾرا ﻟﻠﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺗﺳﺎؤﻻت، ﺧﺎﺻﺔ وﻣﻔﻛرﻧﺎ اﻟﻛﺑﯾر ﻣﻌروف ﺑﻌﺑﻘرﯾﺔ ﻏﯾر ﻣﺄﻟوﻓﺔ ﻋﻧدﻧﺎ ﻓﻲ ﻗراءة اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻟﺣظﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣﻔﺻﻠﯾﺔ، وﺗداﻋﯾﺎﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾدﯾن اﻻﻗﻠﯾﻣﻲ واﻟﻣﺣﻠﻲ. ﻓﻠﯾس واردا أن ﯾﻐﯾب ﻋن ھﯾﻛل ﺗﺧﻠﻲ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة، وﻣن وراﺋﮭﺎ ﻗوى اﻟﺳوق اﻟﻛوﻧﯾﺔ، ﻋن دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر واﻟﻣﻠﻛﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﺑدة ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺔ ھﺟﻣﺎت 11/9.
اﻷرﺟﺢ - ﺑرأﯾﻲ - ھو أن ﯾﻛون ھﯾﻛل ﻗد ﺳﺑق ﻛﺎﻟﻌﺎدة ﺗﻼﻣﯾذه ﻣن ﻣﻔﻛرى دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر وھو ﻗدوﺗﮭم إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل. أﻋﻧﻰ أن ﺗﺻدر ﻣﻔﻛرﻧﺎ ﻟﻠﻣﺷﮭد اﻻﻧﻘﻼﺑﻲ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻧﺳﺟﻣﺎ ﻣﻊ ﺗوﺟﮭﺎت ﻋوﻟﻣﯾﺔ. ﺑﻌﺑﺎرة أﺧرى، ھﯾﻛل ﻟﯾس ﺑﻌﯾدا ﻋن اﺳﺗدراج ﻗﺎدة ﻋﺳﻛرﯾﯾن ﯾﻠﻔﮭم اﻟﻐرور وﻗﺻر اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣﺻﯾر ﯾﻔﻘد ﻣﻌﮫ ﻣﺳﺗﻘﺑﻼ أي ﻋﺳﻛرى ﻣﺻري أو ﻋرﺑﻲ ﺟرأة اﻟﺗﻣرد ﻋﻠﻰ ﺳﻠطﺔ ﻣﻧﺗﺧﺑﺔ.
ﺗﺻدر ھﯾﻛل ﻟﻠﻣﺷﮭد اﻻﻧﻘﻼﺑﻲ ﻟﯾس ﻣﺻﺎدﻓﺔ، واﻧﻣﺎ ﺗﺗوﯾﺟﺎ ﻟﺟﮭد ﻋوﻟﻣﻲ واﻗﻠﯾﻣﻲ وداﺧﻠﻰ ﺗﻧﺗﮭﻰ ﻣﻌﮫ ﻓﻛرة دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر وﻗد اﺳﺗﻧﻔذت ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظر اﻟﺟﻣﯾﻊ أﺳﺑﺎب وﻣﺑررات وﺟودھﺎ.
ھذا اﻟرأي ﯾﺟد ﺗﻌزﯾزا ﻓﻲ ﺗﺻرﯾﺣﺎت ﯾطﻠﻘﮭﺎ ھﯾﻛل ﻣن ﺣﯾن ﻵﺧر، ﺑرﺻدھﺎ وﺗﺣﻠﯾﻠﮭﺎ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻧزﯾﮫ واﻟﻣﻧظم ﺗﻔﮭم ﻣﺳﺎر اﻻﻧﻘﻼب وﺗدﺣرﺟﮫ اﻟﻣﺣﺑوك ﻣن ذروة اﻟﻘوة واﻟﺷﻌﺑﯾﺔ إﻟﻰ ھﺎوﯾﺔ اﻟوھن واﻟرﻓض اﻟﺷﻌﺑﻲ.
ھﯾﻛل ﺑﻌد ﻧظر ﻧﺎدر ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣﻐرورة ﻗﺻﯾرة اﻟﻧظر.
ھﯾﻛل أﺣﺳن ﻗراءة اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﻣﻔﺻﻠﯾﺔ ﺑﻌد اﻧﺗﮭﺎء اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ، ﺣﯾن ﺳﺎھم ﻣﻊ ﻧﺎﺻر ﻓﻲ ﺑﻧﺎء دوﻟﺔ اﻟﻌﺳﻛر، ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺻر ﻓﻘط ﺑل وﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻛﻛل. وھﺎھو ﯾﻔﻌﻠﮭﺎ اﻟﯾوم ﺛﺎﻧﯾﺔ، وﯾﺳﺎھم ﻓﻲ ﺑﻧﺎء دوﻟﺔ اﻻﺳﻼم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ. وإن ظﮭر ﻓﻲ اﻟﻣﺷﮭد ﻣﻧﺎوﺋﺎ ﻟﮭﺎ.
ھﯾﻛل ﺑطرﯾﻘﺗﮫ ﯾﺗﻣﺎھﻰ - ﺑروﻋﺔ - ﻣﻊ اﻟطرﯾﻘﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ.
(37) كن أخلاقيا وإلا سحقتك
فى آتون الثورة الفرنسية كان الفرنسي يقابل أخيه، فيبادره بما معناه: [كن أخلاقيا وإلا سحقتك]. تمكين للفضيلة وانفاذ لسلطتها تنتصر له صرخة كهذه. المقصود طبعا ليس الأخلاق الشخصية، فلكل حريته ما لم يتجاوزها إلى حريات الغير. المقصود هنا الأخلاق العامة حين تلتقى وتتشابك وتتصادم المصالح، لم يرض الفرنسي بغير القيم والمثل العليا معيارا للتعامل. تطرف أخلاقي خلاق كهذا مفقود في ثورات الربيع العربي، ولا تزال نفوس مواطنينا يتعايش فيها بغرابة التدين الشديد مع "التعريص – التواطؤ بدم بارد على ظلم وفساد –" في سلام غريب. التدين وحده لا يكفى ولو بلغ أشده، لا يكفى لصون شرف المجتمع وعلو همته.
نمط وحيد للتطرف عرفته مجتمعاتنا بل وحضارتنا ككل هو التطرف الدينى، وقد تأوج في السبتمبريين وهجماتهم الدموية في 11سبتمبر2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية عاصمة قوى السوق الكونية، والحالمة بتوحيد العالم في ظل إلهها الرقمي وشريعتها العولمية. التطرف الديني نجح - وهو نجاح مُلطخ بالدماء -، في اجبار العملاق الأمريكي على تغيير استراتيجياته تجاه منطقتنا بل وحضارتنا الاسلامية. تخلت أمريكا وحلفاؤها عن دولة العسكر والملكيات المستبدة وهاهم يساندوا بحكوماتهم الخفية صعود الاسلام السياسي لرقعة الشطرنج، على أمل أن يضع الاسلام السياسي بنفسه نهاية لنضاله العنيد، ولمسيرة حضارة عريقة لطالما تمردت على سنن كونية، تقضى باحترام الحريات وحماية الفكر الذى نُبغض.
التطرف عادة ما يستفز المجتمع ويحرك ركوده، رهاب التطرف ضرب مجتمعاتنا بقوة، لكننا اليوم وفي محنة جاهليتنا الأخلاقية لا بديل لنا عن السماح إلى جانب الاسلام السياسي بتطرف أخلاقي خلاق، يُساهم في تزخيم الوعظ الاسلامي، بتربية أخلاقية وبناء للضمائر.
القبول بهكذا رأي يفتح الطريق أمام أنماط شتى من التطرف الخلاق لم تعرفها مجتمعاتنا قبلا يقتصر وجودها تقريبا على المجتمعات الراقية. الأصولية البيئية مثلا تدعو لحماية الانسان من ادمان مستحدثات التكنولوجيا وصون انسانيته والطبيعة، بدونهما لا حياة. لو ساد مثلا تحكم التكنولوجيا الحيوية والآلات الروحية..الخ. لن يبق من انسانيتنا شيئا، ولا قيمة وقتئذ لحياة.. تطعيم حضارتنا بهكذا أنماط من التطرف الخلاق يعنى اعلان فشل التنوير التقليدي في مجتمعاتنا. محاولات تطعيم أصحاب التفكير الفقهى بشذرات من التفكير الفلسفي أربكت وجدانهم ولم تُعقب. نجد هذا في علم الكلام، صيره التنوير كصحراء ملآى بالعظام اليابسة.
التنوير القادم أراه طريقة تفكير فلسفي/لاغائي/نقي يُسمح لها بموطيء قدم في حضارتنا الاسلامية، يسير أصحابها جنبا إلى جنب، في خط مواز لأصحاب التفكير الفقهى الغائي. يُكملان بعضهما البعض ويحرصان على صدام خلاق، يتدارك أخطاء التنوير التقليدي وما جرى من تورط رواده في مسائل فقهية شائكة، أكسبتهم عداءا قويا كما في "تهافت الفلاسفة".
(38) لنجرب الظمأ وقد أذلنا الرواء ..
نحن باحثون جيدون عن الرواء، وليس الظمأ!..
الإنسان عندنا لديه جرأة استيراد الأفكار كما السلع، تحت الحاح الضرورة العملية، ولا شيء في ذلك، لولا أنه عادة ما يتم وسط كبرياء مزيف، وانكار هائل ومُربك لوطأة الاحتياج، ومزاعم طارئية الاضطرار والتى عادة ما يُغادرها الحرج وتتحول لأمر واقع وقضاء لا راد له.
خذ مثلا فكرة "اللاعنف" وهي إحدى ثمار التفكير الفلسفي، لها روادها ومُنظريها من خارج حضارتنا، تجد توطينها اليوم في ثقافتنا العربية، بل وحضارتنا الاسلامية، إنما يجري وسط انكار هائل لضعفنا الفكرى وادعاء وقح لعبقرية تطبيق تجب – عندنا – عبقرية التنظير، فضلا عن تبرير الأخذ باللاعنف بأنه أقوى من الرصاص، وأنه الأجدى في مواجهة عسكر مُسلحين، نصرهم في استدراج خصمهم إلى العنف، حيث اليد العليا لهم، ويد غيرهم السفلى.
أمر مُربك حقا، والاصرار عليه أكثر ارباكا. لم أقرأ لأحدهم يناقش إشكالية كهذه، الكل يوغل بقوة في التطبيق ونقد التطبيق والتباهى بعبقرية مُتخيلة ما أنزل الله بها من سلطان. آفة حضارتنا هى نقد تطبيق الأفكار، وليس نقد البنى النظرية للأفكار ذاتها، وهو ما ينتهى عادة إلى وهن وعجز مستدام عن التطوير. لأنه لتطوير جاد، لابد من نقد وتخريب خلاق للأفكار.
من هنا، أتوقع أن تظل مجتمعاتنا في هكذا دائرة جهنمية، أن تظل كببغاء تردد مقولات غاندى وجين شارب ومارتن لوثر كينج وغيرهم، من دون أن يكون لها اسهاما نظريا يُعتد به.
أنا لا أعتب على شبابنا الثائر في هذا، كون التطوير ليس دورهم على الأرجح، هو دور مفكرينا وأساتذة الجامعات وباحثينا. ليس مقبولا منهم رصد وتحليل لا يتجاوز القشور بكثير.
وقوفنا في استيراد السلع والأفكار عند حد الاستفادة العملية بها والاكتفاء بنقد التطبيق وليس نقد البنية النظرية لما نستورده. فلا فرق عندنا بين نقد لموبايل نستورده ونعترض على أمور به ونقبل بأخرى. وبين نقد لفكرة كاللاعنف، واعتراضنا على أمور بعينها وقبول بأخرى.
ما هكذا تُورد الابل أيها المستوردون .
(39) لست عنصرياً !
لابد لنا من نقطة ما نُطل منها على مشهد الحياة، ولا حيلة لنا على ما يبدو في اختيار هكذا نقطة والتى غالبا ما تكون بيئة حضارية يُولد فيها الواحد منا ويتربى ويتشبع وجدانه بمُعطياتها، ناهيك عن حضارتنا الاسلامية والتى هي أصلا بيئة أبوية لا ترضى من أبنائها بغير التوقير الشديد، إلى جانب أنها مُشبعة – ربما عمليا، وليس نظريا – بالقداسة، بما يجعل مراودة ثوارها للنقد والتطوير أقرب لمراودة المستحيل. عدم افادتنا من عصر التنوير يؤكد هذا. من هنا، فالحديث عن انتماء لحضارتنا الاسلامية لا يعني بحالٍ عنصرية صاحبه أو رفضه لغير أبناء حضارته، هو مجرد تحديد لنقطة يُطل المرء منها على مشهد الحياة، لا يعني فوقية حضارية أو تمييزا حضاريا بقدر ما يعني تحديدا لنقطة الانطلاق في إعادة خلق الحياة. حضارة ننتمي إليها هي صخرة تستند إليها أقدامنا حين نثب إلى آفاق الرحابة الانسانية، ضمانة ألا نُقتلع يوما من جذورنا. الرحابة الانسانية لا تعدو كونها اغراقا في خصوصية ثقافية راقية.
ما يصنع الاختلاف هو ذلك المنظار الذى يرى أبناء حضارة بعينها الحياة من خلاله. وكلما تنوعت مثل هذه المناظير ازدادت الحضارة خصوبة وتنوعا وصداما خلاقا بين مكوناتها. ثمة بون يفصل بين منظار فقهي وآخر فلسفي – على سبيل المثال -. صاحب المنظار الأول يفهم النقد والتطوير بأنهما اجادة لاستعادة الماضى وتكرار واستنساخ تجاربه خاصة الناجحة بأكبر قدر من الصرامة الممكنة، مع تغذية كلما اقتضت الضرورة العملية بثمار الحاضر دون أدنى تحرى لطرائق غرس، قد تكون مسئولة عن ثمار "طيبة" تجود بها تربة الغير الحضاري.
أما صاحب المنظار الثاني فيفهم النقد والتطوير بأنهما تخريب خلاق لصرح حضاري بأكبر قدر من النزاهة والتنظيم، مع تحر دؤوب لطرائق الغرس، كون ذلك أشرف وأسمى - برأيه - من ولع استهلاكي بقطف الثمار. هو لا يعمل على تزخيم حضارته بثمار الغير الحضاري تحت الحاح الضرورة العملية كما في حضارتنا، بل يعمل على تزخيمها باختبار طرائق غرس الغير الحضاري وتربة تنبت فيها هكذا ثمار طيبة، رغبة منه في تحرير أبناء حضارته من ذل وعقم الرواء لخصوبة الظمأ، كما في أنسنية هي أحد ثمار التفكير الفلسفي.
أصحاب المنظار الفلسفي لا حظوظ لهم على ما يبدو في حضارات مُشبعة بالقداسة – على الأقل عمليا – كما أسلفت. حضارات الشرق – ومنها حضارتنا الاسلامية – من هذا النوع، هي في تنشئتها لأبنائها تستميت في اجتثاث كل ما تصل إليه من بذور التمرد في النفوس، وحتى من يفلتون بتمردهم تجدهم بغرابة أسرى شرك قطف غرس يد أصحاب المنظار الفلسفي من غير أبناء حضارتهم. فتجد من يباهي بآرسطويته أو ماركسيته أو لاعنفيته..الخ
مع اندلاع الثورات الرقمية والمعرفية، أصبح هناك شريك قوي للحضارات الشرقية – ومنها حضارتنا – في تنشئة أبنائها. شريك هو الرقمية! ومن ثم تواجه نشء المستقبل أمور:
[1] بيئة حضارية إسلامية تحرص على اجتثاث كل بذور التمرد من نفوسهم، حفاظا على قداسة حضارية، ضمنية وغير مُعلنة.
[2] بيئة حضارية إسلامية تحرص على تنشئة جيل متوائم مع بيئته بصورة أقرب لليقين، ليس لديه جرأة التمرد على حضارته ونقدها وتطويرها. جيل يُسمم وجدانه بغرس النفور إزاء كل ما هو مختلف وجديد.
[3] بيئة رقمية زاخرة بثمار الغير الحضاري "ناعمة كانت أم صلبة"، بارعة في "هندسة ثقافية" لحضارات العالم المختلفة.
حضارتنا في انتظار انهيار عظيم
(40)دولة الإسلام السياسي:
عندما تكون المصالح الحياتية مُشبعة بالقداسة
في صفوف الاسلام السياسي الكثير من الشرفاء – خاصة على مستوى القواعد -، لكنهم كثيرا ما يصمتون عن حقائق! .. لابد لتواطئهم من أسباب قوية، فليس سهلا أن يضرب الفساد ضمائر قوم كهؤلاء، في أوقات المحن – كما رأيناهم في الماضى، ونراهم اليوم - يُعرضون أنفسهم وذويهم لصنوف التشريد والتعذيب والسجن، وربما الموت عن طيب خاطر!! إشكالية كهذه شديدة التعقيد والتراكم، النفاذ إليها وتشريحها لابد أن يمر عبر طريقة تفكيرنا الفقهية/الغائية والتى قد لا تبدو مثالبها واضحة للعيان إلا حين يُصبح الاختيار حتميا بين المصلحة الحياتية والحقيقة. ساعتها فقط يُرى التطرف المصلحي لطريقة تفكيرنا الفقهية عاريا من كل شيء. فكيف يقبل شرفاء الاسلاميين عُري أخلاقي كهذا وهم من هم في علوهم!
التفسير برأيي ربما نجده في فكرة "المصالح الحياتية المُشبعة بالقداسة". يلوذ الاسلاميون بهكذا "غطاء" لستر عورة انتصارهم لمصالح حياتية على حساب الحقائق، خاصة حين تُلجئهم الضرورة العملية لوسائل "غير أخلاقية"، ويجدون أنفسهم يقاتلون في جانب هكذا "لاأخلاق". دولة الاسلام السياسي/ الخلافة، رغم نبل الفكرة، تتقاطع بغير مراوغة مع فكرة المصلحة الحياتية المُشبعة بالقداسة، من حيث هي مُلك لابد منه للتمكين للاسلام - والذى هو الحل -.
دائرة جهنمية تكاد تبتلع الاسلاميين ومجتمعاتهم وحضارتهم! ففي سعيهم العنيد والدؤوب لاقامة دولة اسلام سياسي/خلافة - لابد منها تاريخيا للتمكين لشريعة/طريقة حياة إسلامية - عادة ما يضطر الاسلاميون للانتصار لـ"مصالح حياتية" وربما أيضا لوسائل "غير أخلاقية".
والسؤال: هل القيام "المرتقب" لدولة الاسلام السياسي في المنطقة من شأنه كسر هكذا دائرة جهنمية وتفكيك فكرة المصالح المُشبعة بالقداسة؟ أم أنه ربما يزيد الدائرة جهنمية وانغلاقا ويزيدنا احتراقا بويلاتها، من جهة أن استمرار دولة الاسلام السياسي والتمكين لها وتقويتها - كمصلحة حياتية مُشبعة بالقداسة - لا يقل عند الاسلاميين أهمية عن اقامة الدولة نفسها؟..
وهل خسارة الشريعة الاسلامية – بوصفها أسلوب حياة مفتوح على الحاضر - للمزيد من النفوذ لصالح شرائع أخرى، ربما أقواها اليوم شريعة العولمة، يمكن أن يزيد من عمق هكذا إشكالية، من جهة أنه يصب في صالح تكريس فكرة: "المصالح الحياتية المُشبعة بالقداسة"..
وهل لو صح احتمال خسارة الشريعة الاسلامية مستقبلا للمزيد من النفوذ لصالح شريعة العولمة أن تنفجر حضارتنا من الداخل وتشهد انهيارا عظيما يضع حدا لآلامها – المُزمنة -.
أسئلة صعبة .. وحده المستقبل – ربما المنظور - يمكن أن يجيب عنها.
(41)الضرورة العملية: عندما تُنسخ القداسة بالقداسة
لسنا أصحاب حضارة عادية! حقيقة لم يعد مقبولا التعامي عنها أو حتى المراوغة بشأنها. باءت جميع محاولات التنوير عندنا بالفشل، وأظن أن محاولات التخريب الخلاق هي أيضا مُرشحة للفشل! حضارتنا - بالمعنى الأنثروبولوجي – مُحصنة بالقداسة، على الأقل في نقاط محورية .. لا يُستهان بنفوذها ولا بمردودها على مصائرنا ومجتمعاتنا.
الدولة – أو المُلك - مثلا هي تمكين للإسلام والذي هو شريعة والتي هي بدورها أسلوب حياة. والمرأة أيضا، لملابسها وصوتها وجسدها وعلاقتها بالرجل – خاصة الأسرية - وضعية شديدة الخصوصية والتأطير تتقاطع مع نصوص قرآنية وتعاليم نبوية شديدة الرفق بضعف المرأة، تنظر إليها في رقتها كقارورة توشك أن تنكسر في الأيدي.
الثروة هي الأخرى مكون حضاري محصن بالقداسة، فملكية الإنسان الخاصة مُصانة، لا يظلم الانسان حين يحكم فيها كونه مستخلفا فيها من الله. مروءة منه وفريضة عليه أن يُخرج من ماله حقوق غيره، على نحو في الممارسة العملية لااجباري. ولقضية الربا وضعية مماثلة، هي شأن اقتصادي مُحصن بالقداسة، من جهة تحريمه.
العقوبات هي أيضا محصنة بالقداسة ومنصوص عليها بوضوح وتفصيل شديدين في القرآن. في معظمها تقبل بالعقاب البدني لمُرتكب الجرم حين تُنتهك حُرمات بعينها.
المواريث هي أيضا محصنة ومنصوص عليها بدقة عبقرية في القرآن، تراعي في مجملها مسئوليات الرجل الاجتماعية وقوامته "المراوغة" على المرأة .. قوامة من الصعب القول بتعارضها مع فكرة التكامل بين عنصري الحياة، ولو أنها مُشبعة بمزاج شرقي..
حتى الوعود في حضارتنا يُمكن أن يُحصنها "أصحابها" بسياج من القداسة!!
بالصدفة .. وبينما أستمع في الصباح إلى الراديو المصري الحكومي، وجدت المذيع الشاب والذي يحاول جاهدا في برنامجه الخفيف أن يملأ صباح مستمعيه بوهم البهجة وسط أجواء فضائح تنسج خيوطها حول الوطن والناس منذ انقلاب 30 يونيو.
المهم، خصص مقدم البرنامج الحلقة لمناقشة مسألة الوعد والوفاء به. إلى هنا ولا مشكلة، غير أني فوجئت به يجيب على أحد المتصلين والشاكي - على ما يبدو - من إدمانه التقاعس عن الوفاء بوعود يقطعها على نفسه لزوجته! المذيع الشاب وبصياعه مصراوي لا تخلو من استظراف نصح السائل بما معناه: "سهلة قوي، فقط اجعل وعدك مصحوبا بعبارة إن شاء الله، فإن وفيت فبها ونعمت. وإن لم تف تستطيع وقتها ببساطة إرجاع الأمر لمشيئة إلهية أبت عليك الوفاء بهكذا وعد لزوجتك أو غيرها، سهلة يعني"!
كم من الوعود في مجتمعاتنا نراها اليوم تُخلف باسم "إن شاء الله" ..
من هنا، أقول إن طريقة التفكير الفلسفي تمنح صاحبها جرأة التخريب الخلاق لهكذا حضارة إسلامية محصنة في معظم نقاطها المحورية بالقداسة، وهو ما يغرى البعض بالتجرؤ على القداسة، على نحو ربما لا يوجد في غير حضارتنا. الأنسني يرى حضارته طفلا معاقا لا يملك أن ينكرها أو أن يستبدل بها حضارة أخرى. هو منها وهي منه. واجبه أن يناضل لأجل الارتقاء بها وصونها، يناضل بلامصلحة وبلا خوف، وهو يراها تترنح تحت وطأة صدئها وعجزها بل واضطرارها في أحايين كثيرة وكما نرى اليوم لإفساح المجال أمام غرس يد الغير الحضاري كلما أجبرتها الضرورة العملية على هذا!
"الضرورة العملية" وحدها اليوم في حضارتنا من تنسخ القداسة باسم القداسة!
(42) الفلسفة والحياة
للفلسفة صورة ذهنية في الوجدان العربي شديدة الخواء. الناس في بلادي يعرفون عن الفلسفة أنها نفى المقدس وهدر الحياة وفتح أبواب الزيغ والضلال على مصاريعها وأيضا الافتئات على المقدس والشريعة. صورة ذهنية نُسجت خيوطها بحبكة، لم تترك للفلسفة عندنا موطيء قدم.
الفلسفة فضاء رحب لا يضيق بإنسان أو بفكرة، للثورة فيه حضور دائم، إن لم يكن هو ذاته الثورة. الفلسفة فضاء ثوري، عصي على رهاب الخطأ والرداءة والفساد. هكذا كوارث إن هي وقعت - بحكم طبيعتنا البشرية اللامعصومة -، لا يكاد فضاء الفلسفة يدخر جهدا في سحقها. الفلسفة في أبسط تعريفاتها وأغناها هي نُشدان الحقيقة وليست سعيا لامتلاكها. بهذا التعريف قد لا تكون الفلسفة مناسبة لعموم الناس وقد لا يستسيغها الوجدان الشعبي عموما، ليس في مجتمعاتنا فحسب، كونها تعول كثيرا على الحرية المسئولة. عند الخطأ يلفحك جحيم الضمير!
من رحابة الفلسفة أن عموم الناس يجدون في فضائها "طريقة التفكير الفلسفي"، أصحاب هكذا طريقة تفكير يتعاملون مع الحياة من منظور أنها مصالح حياتية مُشبعة بالمعرفة والفضيلة. على خلاف نظرائهم من أصحاب "طريقة التفكير الفقهي"، والذين يتعاملون – كما في مصر - مع الحياة من منظور أنها مصالح حياتية مُشبعة بالقداسة. الفلسفة لا تُعادي هكذا مصالح أو تتجاهلها، تُريدها مُشبعة بالمعرفة والفضيلة، هي تمرد على وسطية وعملية ومصلحية الحياة!
في فضاء الفلسفة تجد "الفلاسفة" يشيدون بتفلسفهم في حيواتهم القصيرة صروح الأبنية النظرية بروعتها وألقها، عند هؤلاء قد تصل المصالح الحياتية لأوهن حضور لها في الوجدان الانساني. من هنا – ربما – تجيء الصورة الذهنية للفلسفة في وجدان شعوبنا وكيف أنها شطط الخيال بعيدا عن المصالح الحياتية، على خلاف ما تأمرنا به شريعة الاسلام والتى هي أسلوب حياة. ما بين أصحاب التفكير الفلسفي والفلاسفة متسع لمحبي الحقيقة. جميعهم يتبع الحقائق لا المصالح الحياتية. جميعهم ثقافته اللامصلحة واللاخوف. جميعهم يروقه الغرس لا قطف ثمار الغير (خاصة الحضاري). الفلسفة بحث عن الظمأ وليس الرواء. الفلسفة تنظر لجذورها وتهضم الحقائق غير المريحة دون صعوبة تذكر. يصعب في حضورها أن يطمئن أو يدوم انكار الحقائق أو أن يشيع التواطؤ على الظلم والفساد(التعريص)، النقد الخشن توأم المعرفة والفضيلة، أما التواطؤ (التعريص) بدعوى حسن معاملة الناس فهو ثمرة محرمة .. يتعففها محبو الحقيقة.
ربيعنا العربي مُلطخ بالفضائح والخديعة، حتى لاعنفيته تجدها لاأخلاقية، هي ليست كلاعنفية غاندي مثلا، يلقي هذا – حتما - بظلال ثقيلة وربما كارثية على حيواتنا ما بعد انكسار حكم العسكر والملكيات المستبدة! الكثيرون يتخذون كالعادة من مقتضيات الضرورة الثورية مبررا لتسويغ هكذا لاأخلاقية. السهولة توأم الرداءة، من هنا لا أستسيغ كثيرا تفاخر الغربيين بربيعنا اللاأخلاقي وتجاهلهم افراطه في الفوضى والخديعة والفضح، على نحو تحكمي تحريضي وليس ثوريا تنويريا، يُفقد هذا ربيعنا العربي، وهو فكرة عظيمة، الشرف الثوري وامكانيات الاستدامة!
ثورات الفوضى والفضح والخديعة هي أردأ أنواع الثورات – للأسف -، غير أن دماء شهدائنا وأوجاع مصابينا ومعتقلينا تظل "أطهر" ما في ربيعنا اللاأخلاقي، لولاها لغطى "العار" ربيعنا!
(43)المواطن "الأمنجي" وبؤس الاستبداد
«أن تكون غير قابل للغزو يكمن في داخلك»
صان تسو
قادتني الصدفة إلى مشاهدة جزء من فيلم "ناجي العلى" بطولة الممثل المصري نور الشريف، وناجي العلي رسام كاريكاتير فلسطيني ثائر، رافض للمساومة وأنصاف الحلول كما فهمت من الفيلم، إغتاله مجهولون في لندن عام 1987. ثمة مشهد في الفيلم توقفت أمامه كثيرا، وهو إخراج الاسرائيليين لأهالي قرية فلسطينية بعد إقتحامها، وإجبارهم على الجلوس في ذلة ومهانة على الأرض خارج قريتهم في حراسة جنود مدججين بالسلاح .. متنمرين بهؤلاء الضحايا العُزل! الفيلم سرعان ما كشف أن هكذا تصرف هدفه تمكين عناصر فلسطينية مُلثمة – طبقا للفيلم – من التعرف على شخصيات المقاومين، لتصفيتهم على أيدي الغُزاة.
هالنى أن مجرد إشارة من إصبع فلسطيني مُلثم كافية لإنهاء حياة أحد مواطنيه، ناهيك أن يُفعل هذا بدم بارد، الملثمون يدخنون سجائرهم ويحتمون بغاصبي أوطانهم، بينما يُسلمون مواطنيهم للموت. الظاهرة ليست جديدة، فكرة أن يجد الغاصب من يتعاون معه من أهل الأرض المغتصبة، قرأت عن حدوثها في بلدان شتى، فرنسا تحت النازية – مثلا – شهدت ويلاتا كهذه. ولنابليون مقولة شهيرة لأمنجي نمساوي، ساعده على غزو بلاده، ألقى نابليون إليه صرة المال وقال: "أقسمت ألا تصافح يدى يد خائن"! الأكثر خطورة وإيلاما هو شيوع هذه الظاهرة في منطقتنا، على الأقل في ظل حكم العسكر والملكيات المستبدة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فعلى خلفية تمكين الغربيين بزعامة أمريكا للاستبداد، لجأ مستبدونا لتسميم نسيجنا المجتمعي بنبت "المواطن الأمنجي" أو "الأمنجية" كما يحلو لنشطاء الربيع العربي تسميتهم.
وأظن هذا تم وفقا لنصيحة غربية، فشيوع "الأمنجية" في مجتمع جدير بتسميمه وإفقاده كل قدرة على التمرد والتطرف الخلاق، من جهة حتمية إقتران شيوع الأمنجية بشيوع الخوف والحذر والتواطؤ والتعريص وسقوط الهمة إلخ. وللربيع العربي المغدور الفضل في الكشف عن هكذا سموم مجتمعية، طفت بعفوية على السطح وكشف الكثير منها عن نفسه، ربما لخوض معركته الأخيرة من أجل البقاء.
يزيد من خطورة ظاهرة الأمنجية، خاصة في الأوطان غير المحتلة كفلسطين، أنها تصبح أشد تدميرا للإنسان الأمنجي – وهو أيضا ضحية – وللنسيج الاجتماعي، حيث يصعب على السذج الاعتراف بوجودها، ناهيك عن التصدى لتفكيكها. فهؤلاء الأمنجية عادة ما يملكون حاضنة شعبية، ربما لا يمتلكها المناضلون أنفسهم. هم يتم غرسهم بدربة في نسيج المجتمع، على إختلاف فئاته وطبقاته ومؤسساته، حتى أن المجتمع في مراحل متأخرة – كالتى نعيشها اليوم – ربما يرى في إجتثاث هكذا ظاهرة سرطانية تهديدا لوجوده وأمنه، ومن ثم يتصدى هو نفسه لحمايتها ويصير الأمنجية أبطالا!! قابلت أحدهم يوما – أو هكذا ظننت على الأقل – فوجدت له وجه لاعب بوكر، جامد غامض، يرى في السلطة خاصة ذراعها الأمنى، آلهة لا تُنازع في الأرض، ولا قبل لبشر برفع رأسه في مواجهتها، وإلا اضهدته وعذبته وغيبته وراء الأسوار هو ومن قد يتصدى للدفاع عنه.
وجدته أيضا شديد الذكاء، غير أن مقاصده الأمنية تُفقده – حتما - رحابة الرؤية وتُوقعه في فخ إلتواء الذكاء. تجده يلف ويدور ليستنطق ضحيته ويورطها ويضع الأنشوطة حول عنقها، بهدف أن يُصيرها دُمية في يدى آلهته. المواطن الأمنجي توأم حكم الاستبداد، ولن تبيد هكذا ظاهرة كارثية – أو على الأقل لن تصبح في حدها الأدنى – إلا بتقويض الاستبداد والاستعانة على تفكيكه بطرائق تفكير لا تعرفها مجتمعاتنا، كالتفكير الفلسفي مثلا، فالتفكير الفقهي - برأيي - غير قادر وحده على تقويض الاستبداد !!
(44) الفضح "المصلحي" أسوأ من التواطؤ
«من كان منكم بلا خطيئة»
المسيح
ربيعنا المصري – وربما العربي أيضا – يشهد طوفانا من الفضح المصلحي، ضمن جهود تقويض دولة العسكر وأنصارها. رموز الدولة المغادرة يبدون عُراة من كل شيء إلا التواطؤ! يصب هذا بطبيعة الحال في صالح ربيعنا المغدور، على الأقل في المديين القصير والمتوسط، غير أن لا تنويرية هكذا فضح تُصادر على خصوبته، تجعله سطحيا عقيما، بعيدا كل البعد عن تجفيف بؤر العفن، وهي في معظمها فكرية حضارية. المفضوح والفاضح - في مصرنا- يفكران بطريقة واحدة!
خطورة التقويض بالفضح المصلحى - في رأيي- انه يسمح بانتقال أمراض الدولة القديمة إلى الدولة الوليدة وهى دولة إسلام سياسي على الأرجح، ناهيك عن اسهامه في تكريس نهج الابتزاز واستباحة الخصوصيات واشاعة الخوف وتدجين النفوس. يظهر هذا بوضوح مثلا في حالة أحد الشخصيات "الفلولية" بمصر، تراه وقد خبت نيران تحامله على الاسلاميين، فقط على خلفية فضيحة جنسية كبرى ضربت أوساطا بعينها مؤخرا. مثل هذا الاستسلام المشبوه لا يصب في صالح صاحب الشخصية أو مجتمعنا أو حضارتنا، فلا هو اقتنع بأنه أخطأ، ولا هو اقتنع بأن في الكرامة والعزة متسع للجميع، ولا هو ولا مجتمعنا حظيا بميزة الفضح التنويري أو الذاتى، كل ما يعرفه الرجل أن قوة تفوق قوة دولته المغادرة، لابد أن يركع أمامها!
أسمى هذا النمط من الشخصية "نفسية بلطجي"، هو نمط لم تستحدثه دولة العسكر، وإن اجتهدت لعقود وعقود في تكريسه وتسويقه بيننا. مواطنونا بمقتضى هكذا نمط يخضعون لـلقوي المتغلب، ويتوقعون ممن دونهم قوة اتيان السلوك نفسه.
من الصعب تبرئة الغربيين – خاصة أمريكا - منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من خطيئة التورط في التمكين لهكذا عفن أخلاقي في أرضنا، عبر دعمهم اللامحدود للدولة المغادرة ورموزها على كافة المستويات، في اتجاه تكريس الخوف واعلاء المصلحية المتطرفة، على حساب آلام مواطنينا وهدر أعمارهم. وهو ما يفسر لجوء السبتمبريين في فك شفرة دولة العسكر إلى ضرب مصالح الغربيين! ولسوف يخبرنا الغد ما إذا كان الغربيون ماضون في ظلمهم، خاصة وأن الثورات الرقمية والمعرفية والبيوتكنولوجية تجعلهم أقرب لشراكة في حكم "مباشر" لمجتمعاتنا، عبر امكانيات غير مسبوقة في هندسة المجتمعات ومزاجها الحضاري. وبرغم تفهمي لشريعة العولمة واقراري بشدة وجدية منافسة العديد من مفرداتها لشريعتنا الحضارية، يظل فرضها "الناعم" – وهو ما أتوقعه – كفيلا بتشييئها وسحق ما تبقى لأهلنا وحضارتنا من أمل في الحياة وفي الثورة والتمرد والتخريب الخلاق.
أعود لحديثى عن الفضح "المصلحى" وأقول إنه ليس تنويريا وليس خلاقا، هو توأم الاذلال والابتزاز وكسر الارادة. هو يحرم مجتمعاتنا من الكسر الذاتي الاختيارى لرهاب الخطأ. ولشد ما أحسد مفكرى الغرب على جسارتهم في فضح أنفسهم وتقيؤ أخطائهم وخطاياهم على مرأى ومسمع من مجتمعاتهم بل والدنيا بأسرها. يمنحهم هذا قوة وتجردا جبارين تفتقدهما شعوب كشعوبنا مشغولة بالستر للخطايا، وليس التقيؤ.
ولا أدرى، هل أرتكب حماقة بتقيؤ خطاياي أو بعضها علنا، على أمل كسر رهاب الخطأ، في مجتمعات شديدة القسوة، تعبد القوة والنجاح، لا تحترم ضعفا ولا يريد ما بداخل أبنائها الحقيقة! أنا مثلا لم أكن إبنا وفيا كما يليق، كنت أقرب إلى العقوق منى إلى الوفاء، ليس تجبرا بل ربما جهلا..لست أدري؟ أيضا لم أكن أخلاقيا في سنوات مضت بنفس قدر ما أتحراه اليوم بعناد وما أنشده من أخلاقية. وربما يكون هذا منطقيا في واقع اباحى كواقعنا، يجعل من الحياة عبئا، يعجزنا عن نقدها وتطويرها، كما في علاقة الرجل بالمرأة مثلا، وقد ترديت في أوحال بؤس هكذا تعاطى مجتمعي رديء. سحقت الفضيلة، تخليت عن مروءة، ولشد ما أشعر بالخجل كلما جال الماضي بصدري. صحيح أن الله ستار، غير أن تقيؤ الخطيئة فضيلة.
الخطايا والأخطاء حفنات من وهن تسكن نفوس البشر، باعترافنا يغادر هكذا وهن نفوسنا ونمتلك جرأة ونزاهة ذكر الفضيلة بلا وخز من ضمير. ولمن قد يعيب على أمثالى تبجحهم بتقيؤ خطاياهم علنا، أسأل: أليس من حقي كإنسان لامعصوم أن تشهد نفسي عبر مراحل عمرى المختلفة، وأنا الآن قد جاوزت الأربعين بسنين، تراكما أخلاقيا يماثل تراكم الثروة لدى الأغنياء. لماذا نقبل من الأغنياء سنوات فقرهم وما راكموه لاحقا من ثروات، وننكر على بعضنا البعض سنوات فقرنا الأخلاقي وما نراكمه من معرفة وفضيلة في سنوات العمر المتأخرة. لنتصالح مع طبيعتنا البشرية!
هوامش:
(1) اﻻﻗﺗﺑﺎس ﻧﻘﻼ ﻋن ھذا اﻟﻣﺻدر: ﺟﺎﺳون ﺑﯾرك، "ﻣﺎ ھﻲ اﻟﻘﺎﻋدة؟ إﻋﺎدة رواﯾﺔ اﻟﻘﺻﺔ ﻣن اﻟداﺧل، ﻓﻲ ﺟﺎﺳون ﺑﯾرك(وآﺧرﯾن)، ﺑدون ﻣﺗرﺟم، ظﺎھرة ﺑن ﻻدن..ﻟﻣﺎذا ﯾﻧﺗﺷر ﻓﻛر اﻟﻘﺎﻋدة ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ؟، (اﻟﻘﺎھرة: اﻟﻣرﻛز اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ واﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ، ﺳﻠﺳﻠﺔ ﺗرﺟﻣﺎت، اﻟﻌدد 2 ـ اﻟﺳﻧﺔ اﻷوﻟﻰ، ﻓﺑراﯾر 2005)، ص 7.
(2) ﻋﻠﻣت ﻣؤﺧرا أﻧﮫ ﻗد ﺻدر ﻛﺗﺎب ﻣﮭم ﻟﺟﺎرد ﻛوھﯾن وزﻣﯾل ﻟﮫ ﻓﻲ ﺟوﺟل. اﻟﻛﺗﺎب ﺑﻌﻧوان: اﻟﻌﺻر اﻟرﻗﻣﻲ اﻟﺟدﯾد، ﯾﻧﺎﻗش ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺑدو ﻣن اﺳﻣﮫ ﺗطﺑﯾﻘﺎت اﻟطوﻓﺎن اﻟرﻗﻣﻲ، وﻟﯾﺗﮫ ﯾﺟد ﻣن ﯾﺗﺻدى ﻟﻧﻘﻠﮫ ﻟﻠﻌرﺑﯾﺔ.
(3) اﻟﺟﮭود اﻟﻣﺑذوﻟﺔ ﻣﺳﺗﻘﺑﻼ ﺳﺗﺄﺗﻲ اﺳﺗﻛﻣﺎﻻ ﻟﺟﮭود ﺗﻧوﯾرﯾﯾن ﻋظﺎم أﻣﺛﺎل ادوارد ﺳﻌﯾد، وﻣﺣﻣد أرﻛون، وﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑدوي، .
(4) ﻋن ﻣﺣﻧﺔ اﻟﺗﻧوﯾر ﯾﻘول ھورﻛﮭﺎﯾﻣر & أدورﻧو ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮭﻣﺎ اﻟﻘﯾم "ﺟدل اﻟﺗﻧوﯾر"، اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ 1947، ﻣﺎ ﻧﺻﮫ: "ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺗﻲ وﺟدﻧﺎ أﻧﻔﺳﻧﺎ ﺑﻣواﺟﮭﺗﮭﺎ طﯾﻠﺔ ﻣﺳﯾرة ﻋﻣﻠﻧﺎ، وھﻲ ﻣﺎ ﺗوﺟب ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺗﺣﻠﯾﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷول ھﻲ: ﺗدﻣﯾر اﻟﻌﻘل اﻟﺗﻧوﯾري ﻟﻧﻔﺳﮫ، ﻟم ﯾﻛن ﻟدﯾﻧﺎ أدﻧﻲ ﺷك أن اﻟﺣرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻻ اﻧﻔﺻﺎل ﻟﮭﺎ ﻋن اﻟﻔﻛر اﻟﻣﺗﻧور. ﻛﺎﻧت ھذه ﻧﻘطﺔ اﻧطﻼﻗﻧﺎ اﻷوﻟﻰ. ﺑل ﻟﻘد ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧدرك وﺑوﺿوح أن ﻣﻔﮭوم ھذا اﻟﻔﻛر، ﻧﺎھﯾك ﻋن اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻌﯾﻧﯾﺔ، وﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺗﻲ ﯾﺗواﺟد ﻓﯾﮭﺎ ھذا اﻟﻔﻛر، إﻧﻣﺎ ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺑذرة ھذا اﻟﺗراﺟﻊ اﻟذي ﻧﻌﺎﻧﯾﮫ ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻣﻛﺎن. واﻟﺗﻧوﯾر إن ﻟم ﯾﺑﺎدر ﺑﻌﻣل ﺗﻔﻛﯾري ﯾطﺎل ھذه اﻟﻠﺣظﺔ ﻣن اﻟﺗراﺟﻊ، ﻓﮭو ﻛﻣن ﯾﻘوم ﺑﺗرﺳﯾﺦ ﻗدره اﻟﺧﺎص". ﻟﻠﻣزﯾد ﻋن ﻣﺣﻧﺔ اﻟﺗﻧوﯾر راﺟﻊ: ﻣﺎﻛس ھورﻛﮭﺎﯾﻣر & ﺛﯾودور ف. أدورﻧو، ﺗرﺟﻣﺔ ﺟورج ﻛﺗورة، ﺟدل اﻟﺗﻧوﯾر ـ ﺷذرات ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ، (ﺑﯾروت: دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟدﯾد اﻟﻣﺗﺣدة، 2006).
(5) اﻟﻌﺑﺎرة ﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ، وﻣﻌﻧﺎھﺎ ان اﻟﻛل ﺑﺎطل!
(6) ﺗﺷﺑﮫ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺟﻧس ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ ﻗﺻﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﺣول ﺗﻠﻣﯾذ اﻟﺳﺎﺣر واﻟﻔﯾل اﻟوردي. إذ ُﯾﻘﺎل ﺑﺄن أﺣد أﺳﺎﺗذة اﻟﺧﯾﻣﯾﺎء(ﺗﺣوﯾل اﻟﻣواد إﻟﻰ ذھب). وﺑﻌد أن ﺷرح ﻟﺗﻠﻣﯾذه اﻟﺧطوات اﻟﻣﻌﻘدة ﻟﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟذھب. ﻗﺎل ﻟﮫ: "وأھم أﻣر ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ أﻧﮫ ﯾﺗوﺟب ﻋﻠﯾك أن ﻻ ﺗﻔﻛر ﺑﺎﻟﻔﯾل اﻟوردي". اﻧذھل اﻟﺗﻠﻣﯾذ ﻟوﻗﻊ ھذا اﻟﺗﺣذﯾر. وﺣﺎول دون ﺟدوى أن ﯾﺗﻘﯾد ﺑﮫ. وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن - ﺑﺎﻟطﺑﻊ - ﻋﺎﺟزا ﻋن أن ﯾطرد اﻟﻔﯾل اﻟوردي ﻣن ذھﻧﮫ. أﺧﯾرا اﺳﺗﺳﻠم اﻟﺗﻠﻣﯾذ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻻﺗﮫ ﻟﺻﻧﻊ اﻟذھب واﻗﺗرب ﻣن أﺳﺗﺎذه ﺑﺣزن ﻗﺎﺋﻼ ﻟﮫ: "ﻟﻣﺎذا ﯾﺎ ﺳﯾدي؟ ﻣﺎ اﻟذى دﻓﻌك إﻟﻰ إﺧﺑﺎري ﺑﺄن ﻻ أﻓﻛر ﺑﺎﻟﻔﯾل اﻟوردي؟ ﻓﻠو ﻟم ﺗﻔﻌل، ﻟم أﻛن ﻷﻓﻛر ﻓﯾﮫ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق". ﻣﺻدر اﻟﻘﺻﺔ: راﻓﺎﺋﯾل ﺑﺎﺗﺎي، ﺗرﺟﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎرس، اﻟﻌﻘل اﻟﻌرﺑﻲ، ﻣوﻗﻊ ﺷﺑﻛﺔ ﻋراق اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل www.iraqfuture.net