يكشف الباحث المغربي في هذه المقالة، وبعد عرض وصفي مستفيض لكتاب الناقد المصري، أنه لا يقدم فيه أية رؤية واضحة خاصة به حول المنهج الواقعي، تكشف عن موقفه منه، بل يردد تعاريف وأراء النقاد الغربيين في الموضوع، دون زيادة أو نقصان، أحيانا، ومع نوع من الخلط المعرفي والمفاهمي، أحيانا أخرى.

موقع صلاح فضل ضمن النقد الاجتماعي

عبد الحكيم المرابـط

إن غايتنا في هذه الدراسة، هي محاولة الإجابة عن سؤال مركزي مفاده، ما موقع الدكتور صلاح فضل ضمن زمرة النقاد الاجتماعيين العرب؟ وذلك باعتباره أحد النقاد العرب الذين ساهموا في بناء صرح النقد العربي المعاصر، وعايشوا أحداثه التي مر منها، واقتطفوا الثمار التي أنتجها. هذا ما دفعنا إلى القيام بعملية إحصائية بسيطة، لمجمل الدراسات النقدية التي أنتجها صلاح فضل، قصد معرفة، أين تتجلى مساهمته النقدية المباشرة في النقد الاجتماعي؟ فاهتدينا بشكل مباشر إلى كتابه: "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي"، الصادر عن دار المعارف بالقاهرة في طبعته الثانية سنة 1980.

وهكذا عملنا على تقديم خلاصة عامة للكتاب، بغية الكشف عن مواقفه النقدية –إن وجدت- التي تمت بلورتها في ثناياه، ومقارنة ذلك مقارنة بسيطة مع بعض كتبه الأخرى، رغم أنها لا تنصب على معالجة قضية من قضايا النقد الاجتماعي، لكن أهميتها تكمن في إعطاء صورة عامة حول طريقة اشتغال صلاح فضل، وذلك للتمكن من تصنيفه ضمن تيار النقد الاجتماعي أو نفي ذلك عنه.

التعريف بصلاح فضل وإنتاجاته النقدية
ولد الدكتور صلاح فضل (محمد صلاح الدين) بقرية شباس الشهداء بوسط الدلتا في عام 1938م. اجتاز المراحل التعليمية الأولى الابتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية. حصل على ليسانس كلية دار العلوم – جامعة القاهرة عام 1962م.

أوفد في بعثة للدراسات العليا بإسبانيا وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة مدريد المركزية عام 1972م. عمل في أثناء بعثته مدرسًا للأدب العربي والترجمة بكلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد منذ عام 1968م حتى عام 1972م. تعاقد خلال الفترة نفسها مع المجلس الأعلى للبحث العلمي في إسبانيا للمساهمة في إحياء تراث ابن رشد الفلسفي ونشره.

عمل بعد عودته أستاذًا للأدب والنقد بكُلِّيتي اللغة العربية والبنات بجامعة الأزهر. وعمل أستاذًا زائرًا بكلية المكسيك للدراسات العليا منذ عام 1974م حتى عام 1977م. أنشأ خلال وجوده بالمكسيك قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة المكسيك المستقلة عام 1975م. وانتقل للعمل أستاذًا للنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب بجامعة عين شمس منذ عام 1979م حتى الآن.

انتدب مستشارًا ثقافيًّا لمصر ومديرًا للمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد بإسبانيا منذ عام 1980م حتى عام 1985م. رأس في هذه الأثناء تحرير مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد. اختير أستاذًا شرفيًّا للدراسات العليا بجامعة مدريد المستقلة. وانتدب بعد عودته إلى مصر عميدًا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون بمصر منذ عام 1985م حتى عام 1988م. وعمل أستاذًا زائرًا بجامعات صنعاء باليمن والبحرين حتى عام 1994م. كما عمل أستاذًا للنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب بجامعة عين شمس ورئيسًا لقسم اللغة العربية وهو الآن أستاذ متفرغ فيها.

وللدكتور صلاح فضل مؤلفات عديدة أثرت المكتبة العربية في الأدب والنقد الأدبي والأدب المقارن وزودت الباحثين برؤى جديدة في الشعر والمسرح والرواية، منها:

      من الرومانث الإسباني: دراسة ونماذج 1974م.

      منهج الواقعية في الإبداع الأدبي 1978م.

      نظرية البنائية في النقد الأدبي 1978م.

      تأثير الثقافة الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانتي 1980م.

      علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته 1984م.

      إنتاج الدلالة الأدبية 1987م.

      ملحمة المغازي الموريسكية 1988م.

      شفرات النص، بحوث سيميولوجية 1989م.

      ظواهر المسرح الإسباني 1992م.

      أساليب السرد في الرواية العربية 1993م.

      بلاغة الخطاب وعلم النص 1993م.

      أساليب الشعرية المعاصرة 1995م.

      أشكال التخيل، من فتات الحياة والأدب 1995م.

      مناهج النقد المعاصر 1996م.

      قراءة الصورة وصور القراءة 1996م.

      عين النقد على الرواية المعاصرة 1997م.

      نبرات الخطاب الشعري 1998م.

      تكوينات نقدية ضد موت المؤلف 2000م.

      شعرية السرد 2002م.

      تحولات الشعرية العربية 2002م.

      الإبداع شراكة حضارية 2003م.

      وردة البحر وحرية الخيال الأنثوي 2004م.

      حواريات في الفكر الأدبي 2004م.

      جماليات الحرية في الشعر 2005م.

      لذة التجريب الروائي 2005م.

ومما ترجمه من المسرح الإسباني:

      الحياة حلم، لكالديرون دي لاباركا 1978م.

      نجمة أشبيلية، تأليف لوبي دي فيجا 1979م.

      القصة المزدوجة للدكتور بالمي، تأليف بويرو باييخو 1974م.

      حلم العقل ودون كيشوت، تأليف بويرو باييخو 1975م.

      وصول الآلهة، تأليف بويرو باييخو 1977م.

حول كتاب "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي"
في بداية هذه الدراسة، يعرض صلاح فضل لمميزات الواقعية، دون تحديد أي واقعية يقصد، وتتجلى هذه المميزات على حد تعبيره في:

 - أنها أشد المذاهب الأدبية حيوية وأطولها عمرا.

 - أنها الأكثر انتشارا في العالم حيث تتجاوز الحدود الإقليمية.

 - قدرتها على التحول من مذهب إلى منهج.

وانطلاقا من نظرة صلاح فضل البانورامية، يشير إلى أن الواقعية لم تظفر بدراسة معمقة ومنهجية في النقد الأدبي العربي بالعناية التي تستحقها، بالرغم من كثرة ترديد نقادنا لمصطلح الواقعية إلى درجة الإبتدال، لكنهم قليلا ما أجهدوا أنفسهم في تحديده بطرقة علمية موضوعية دقيقة.

وقد اقتصرت الواقعية في النقد الأدبي العربي، على حد تعبير صلاح فضل، على تيارين، أحدهما، يعرض لها بشكل مبتسر عام ويخلط بينها وبين الطبيعية التي تتسم بالتشاؤم، والثاني يغرقها في الركام الأيديولوجي الماركسي بطريقة منهجية متجاهلا انتصار الواقعية النقدية في الأدب الغربية والعربية عل السواء. هذا الخلط، وهذه الضبابية في تحديد الواقعية في النقد الأدبي العربي، وخاصة في مصر، يرجعه صلاح فضل إلى الظروف العصيبة التي مرت بها مصر، والتي فرضت على كثير منهم عزلة حجبت عنهم إمكانية استشراف هذه الأفاق الرحبة. وقد أحس صلاح فضل بصعوبة المأمورية وهو بصدد تقدم هذه الدراسة إذ يقول: «لذلك فإنني عندما أقدم هذه الدراسة التي تبدو في الظاهر أنها جاءت متأخرة عن موعدها، أدرك صعوبة المهمة التي أتصدى لها، وحساسية الأرض التي أخطو فوقها»(1(

الفصل الأول: وجوه الواقعية.

 - 1 – نشأة المذهب الواقعي وتطوره
يشير صلاح فضل في بداية هذا المحور، إلى أن الفلسفة أسبق من الأدب في استخدام مصطلح الواقعية، ولعل أول من أشار إلى هذا المفهوم هو كانت في كتابه "نقد العقل الخالص" (1790) متحدثا «عن المثالية وواقعية الأهداف الطبيعية»(2) ، وبعده شيلنج في إحدى مقالاته سنة (1795)، حيث يقدم تعريفا للواقعية الخالصة على أنها «هي التي تؤكد اللاأنا، أي ما هو خارج الذات»(3)   أما انتقال هذا المصطلح إلى الأدب، فقد تم مع الكتاب الألمان، حيث يتحدث شيلير في كتباته عام (1798) عن الأدباء الفرنسيين، فيصفهم بأنهم واقعيين أكثر منهم مثاليين.

وبعد شيوع هذا المصطلح بين الأدباء الرومانتيكيين الألمان، التقطه الكتاب الفرنسيون، وأقاموا منه هيكلا متناسقا وتناميا، ولم يحدد مدلول كلمة الواقعية بدقة - في نظر صلاح فضل – إلا من خلال خصومة حادة نشبت في منتصف القرن التاسع عشر، بين بعض النقاد التشكيليين من جانب، وكاتب قصصي من الدرجة الثانية، هو شامفلوري Champhlory. هذا المصطلح، سيتخذ صياغته الدقيقة عندما أصبح شعارا لمجموعة من الكتاب الكبار، على رأسهم في الجيل الأول "ستندال" و" بلزاك"، وفي مقدمة الجيل الثاني "فلوبير" الذي حكم عليه بسبب قصته "مدام بوفاري" عام(1857) بالفناء، محاكمة جعلت من الواقعية الأخلاقية، قضية العصر في القرن التاسع عشر.

ويشير صلاح فضل كذلك، إلى أن أثر "بلزاك" كان حاسما في انتصار الواقعية، فهو الذي أدخل مصطلح "Milieu" أي الوسط، إلى الأدب ونقله عنه علماء الاجتماع وكبار النقاد الكتاب، مثل "تين" و "زولا"، وتعد المقدمة التي كتبها عام (1842) لمجموعته القصصية "الكوميدية البشرية"، التي أذاع فيها هذا المصطلح لأول مرة، بمثابة الإعلان عن المذهب الواقعي، كما كانت مقدمة "كرومويل" لفيكتور هيجو هي إعلان عن الرومانسية. وقد فعل تأثير الواقعية الفرنسية مفعوله في باقي الأقطار الأوربية، خصوصا في إنجلترا التي ظهر فيها هذا المصطلح للأول مرة بتحليلهم لأعمال "بلزاك". وكذلك الأمر بالنسبة لأمريكا، التي سرعان ما تحمس نقادها ترديدا لأصداء الواقعية الفرنسية مع "هنري جيمس" (1864). ليعود ترديد مصطلح الواقعية من جديد، في ألمانية خصوصا مع ماركس وإنجلز.

وانتقل المصطلح إلى روسيا في ستينيات القرن التاسع عشر، حيث برز في تلك الآونة موقف "ديستويفسكي"، الذي كتب عام (1863) يرفض الواقعية الطبيعية الفوتوغرافية، ويدافع عن اهتمامه الحي بالعناصر الخيالية الفردية. ويعد  تولستوي، الذي دافع من خلال كتابه النظري "ما هو الفن" وإن لم يذكر كلمة الواقعية، فقد برز من خلال تحليله تحليلا واقعيا للصدق وخاصة صدق العواطف وضرورته المطلقة في الأدب والفن.

 -2 -الرؤية الفردية للواقعية النقدية
يشير صلاح فضل إلى أن وصف الواقعية الغربية بالنقدية، جاء للتمييز  بينها وبين الواقعية الاشتراكية، كما تم التمييز من قبل الفلسفة بين الواقعية البسيطة والواقعية النقدية، حيث أن الأولى تتقبل الأشياء على ما هي عليه، دون إدراك المظهر الخارجي والواقع الحقيقي، في حين أن الثانية، تتمثل الحياة بالبعد عن حالة الإدراك العفوي الذي يتم للوهلة الأولى، إذ لابد بعد ذلك من إخضاعه للنقد والتمحيص، حتى يستوي في شكل ناضج من أشكال المعرفة الواقعية الحقة.

هذه الرؤية الفلسفية، هي التي انتقلت إلى مجال الفنانين والكتاب الكبار، الذين كانت خاصيتهم المشتركة، على حد تعبير صلاح فضل، هي عجزهم عن قبول الواقع الاجتماعي الذي طغت عليه النزعة الفردية الرأسمالية، وعدم الرضا بهذا المحيط، والتسليم به. ويشير صلاح فضل كذلك، إلى أن أدباءنا في العالم العربي لم يدركوا الأبعاد الفلسفية للواقعية ومراحل تطورها، وتجاهلوا حقيقة هامة وهي أن عملية بعث الواقعية العظمى لم تنفرد بها الاشتراكية في إطارها المذهبي الملتزم، بل قام كبار الكتاب المبدعين في الغرب بدور رئيسي في الاستفادة من نبعها والاحتفاظ بأسسها مع إثرائها بخلاصة تجاربهم الفنية والحيوية، من هنا فإن تقاليد الواقعية النقدية لم تنقطع ولم تتوارى من الأفق وإن اختلفت الوجوه والتسميات.

وفي الأخير، لم يدخر صلاح فضل جهدا في تقديم أراء بعض نقاد الواقعية الاشتراكية في الواقعية النقدية، لتوضيح الصورة العامة لهذا الاتجاه.

 - 3 -أصول الواقعية الاشتراكية
هنا يعود بنا صلاح فضل إلى أسس النظرية الماركسية، التي تنظر إلى الإنسان من خلال الإنتاج الذي يحكم وجوده الاجتماعي، حيث يدخل في علاقات إنتاج محددة ضرورية ومستقلة عن إرادته، وهي علاقات تنطبق على مستوى معين من تطور قواه الإنتاجية المادية، ومجموع هذه العلاقات يمثل البنية الاقتصادية للمجتمع وهي القاعدة الواقعية التي تقوم على أسسها البنية العليا التشريعية والسياسية والثقافية.

وقد تم الإعلان عن الواقعية الاشتراكية، عقب ذلك، خلال المؤتمر الأول للكتاب السوفيت سنة (1934) وتحدد على لسان " أندري جدانوف" على الوجه التالي:

أن الرفيق "ستالين" قد عين كتابا مهندسين للنفس البشرية.

وقد حاول مكسيم غوركي، باعتباره رئيس اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر أن ينفث فيه روحا تحريريا يحد من التيار الحزبي الجارف.

كما تمت الإشارة كذلك، إلى موقف تروتسكي المتميز من الفن والذي يؤكد في نفس الوقت موقف لينين.

الفصل الثاني: الأسس الجمالية للواقعية
1 - اتجاهان في الفكر الجمالي.
يشير صلاح فضل في هذا المحور، إلى أن كتاب النظرية الجمالية الواقعية ينقسمون في تصوراتهم إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى تمثل الخط الأساسي للواقعية الاشتراكية، ويمثله لوكاش ومدرسته، والثاني يستلهم أعمال بريخت وتأملاته النظرية. أما أوجه الاختلاف بين هذين الاتجاهين، فيكمن، بالدرجة الأولى، في تصورهما عن طبيعة الفن ووظيفته، إذ أن الفن طبقا للاتجاه الأول، هو صيغة من صيغ المعرفة تفسر الواقع الموضوعي وتتجلى وظيفته في حدود التعليم المباشر، بينما يعتبر الاتجاه الثاني، الفن صيغة من صيغ العمل القادرة على إعطاء الإنسان أسمى درجة الوعي بنفسه.

2 - من المحاكاة إلى الانعكاس
انطلق صلاح فضل في مقاربته لهذا الموضوع، من الإشارة إلى الأصول الأولى للمحاكاة كما تبلورت عند أفلاطون، الذي يعتبر المحاكاة الحقيقية هي محاكاة للمثل العليا، وأما محاكاة الطبيعة، فهي مجرد حلم يعكس الظلال. ثم عند أرسطو، الذي يعتبر الطبيعة هي الواقع الحقيقي، والفن هو تجسيم لواقع أكثر رقيا. وقد فهمت الكلاسيكية – على حد تعبير صلاح فضل- مصطلح المحاكاة الأرسطي، على أنه النسخ الحرفي للطبيعة.

أما فيما يخص النقاد الواقعيين، فقد بلورا فكرتهم عن العلاقة بين الواقع والفن، مستخدمين مصطلحا خاصا بهم، هو "الانعكاس"، على الرغم من التداول القديم له قبل الواقعية بقرون سحيقة، أما الدلالة الفلسفية لمفهوم الانعكاس عند الواقعيين، فتتمثل في أن كل تصور للعالم الخارجي ليس إلا انعكاسا في الوعي الإنساني لهذا العالم الذي يوجد مستقلا عنه، وقد استمر صلاح فضل في شرح ذلك، بالوقوف عند لوكاش الذي تتضح عنده العلاقة بين هذا المفهوم والاهتمام بالموضوع، وبين الانعكاس والشكل والمضمون.

3 - النموذج والبطل
يشير صلاح فضل إلى أن مفهوم النموذج، تدوول عند النقاد والأدباء الألمان والفرنسيين، فيما بعد، بمعنى الشخصية العالمية العظيمة، والتي تصل في أبعادها إلى حد الأسطورة، وقد تابع صلاح فضل هذا المفهوم عند "سانت بوف" و"بلزاك" ثم "تين" ثم عند "كارل يونغ" الذي درس النماذج الشخصية من الوجهة النفسية
. أما النقاد والأدباء الواقعيين، كما يشير إلى ذلك صلاح فضل، فقد انتقدوا التصورات السالفة لمفهوم النموذج، لما ينطوي عليه من عناصر فردية ذاتية، واقترحوا بدل ذلك، مفهوم "البطل النموذجي"، الذي اعتبروه بمثابة القنطرة التي تصل مابين الواقعية والمثالية.

4 - منظور المستقبل وروح الملحمة والشعر
يشير صلاح فضل من خلال هذا المحور، إلى أن ما يسمى "بمنظور المستقبل" في الأدب، يعني من الوجهة الموضوعية، الاتجاهات التي تحدد طريقة تطور الأحداث وتحكم مسيرتها، والمستقبل الذي تنشده الواقعية هو مستقبل مملوء بالتفاؤل.

وبعد ذلك، راح صلاح فضل يحدد مفاهيم الملحمة ودلالتها، عند لوكاش ومدرسته، وفي المقابل عند بريخت وأتباعه.

الفصل الثالث: الصراع الجدلي والحصاد الأخير
1 - نقد الواقعية للمذاهب الأخرى
هنا يتحدث صلاح فضل، عن الصراعات التي خاضتها الواقعية مع المذاهب الأخرى، لإثبات ذاتها كمذهب متميز عن باقي المذاهب الأخرى، كالكلاسيكية والرومانسية والطبيعية والسريالية وغيرها
.

2 - من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي
 في هذا المحور، عالج صلاح فضل اتجاها جديدا من الواقعية ظهر على مستوى النقد الأدبي، يتمثل في "اجتماعية الأدب". وقد تتبع صلاح فضل هذا التيار، منذ نشأته في منتصف القرن العشرين، مشيرا، في الآن ذاته، إلى أن البعض يرجع أسس هذا الاتجاه، إلى مدام دوستايل "الأدب باعتبار علاقته بالمؤسسات الاجتماعية"، وقد أشار صلاح فضل كذلك، إلى المكونات النظرية لاجتماعية الأدب و نتائجه التطبيقية، كما أبرز المعالم الأساسية لأكبر مدارسه و قواعد البحث التي تنتجها كل مدرسة.

وهكذا وقف صلاح فضل في الأخير، مشيرا إلى أن هناك منهجان واضحان في دراسة اجتماعية الأدب و تحليلها على مستويات مختلفة.

الأول، يمكن تسميته بعلم اجتماع الظواهر الأدبية.

الثاني، يمكن تسميته بعلم اجتماع الإبداع الفني في الأدب.

الفصل الرابع: تنويعات إقليمية
1 - أوربا تعيد تقييم الماضي
لقد ركز صلاح فضل في هذا المحور، على العالم الألماني إيرباش من خلال كتابه "الواقع كما يتجلى في الأدب"، و الذي أعاد من خلاله تقييم التراث الأدبي الأوربي في ضوء الواقعية في لحظة من اللحظات التاريخية المتوترة، التي يتسنى فيها مراجعة النفس، وإلقاء نظرة شاملة على مصار الإنسان من فوق قمة الأحداث المتراكمة، جراء ما أحدثته النازية من دمار للبشرية إبان الحرب العالمي الثانية.

2 - أمريكا اللاتينية و الواقعية السحرية
يشير صلاح فضل إلى أن الواقعية في هذه القارة الشابة، قد اتخذت مسارين:

أحدهما يتجه نحو التيار الطبيعي الذي يقتفي أثره "زولا"، والثاني أخذ يبحث عن صيغة واقعية خاصة به، حتى اهتدى إلى شكل جديد من أشكال الواقعية، هو الذي يسمى بالواقعية السحرية. وقد عمل صلاح فضل على تتبع هذا الاتجاه، مبرزا أهم معالمه الكبرى، و التي يأتي في مقدمتها أنها تتجه نحو القصة القصيرة كجنس أدبي مفضل، وأنها ذات طابع أسطوري.

تركيب إجمالي

انطلاقا من هذا العرض المختصر، للمحاور التي يقوم عليها كتاب "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي"، يتضح جليا، أن صلاح فضل، لا يقدم أية رؤية واضحة خاصة به حول المنهج الواقعي، تكشف عن موقفه الصريح حوله، بل ظل يردد التعاريف والخلاصات وأراء النقاد الغربيين في الموضوع، فتتبع تطور المنهج الواقعي في النقد الغربي، كما رسم ذلك نقاد غربيين منذ زمن مضى، دون زيادة أو نقصان، أحيانا، ومع نوع من الخلط المعرفي والمفاهمي، أحيانا أخرى، أما إشارته إلى هذا المنهج في النقد العربي، فتظهر عنده في شكل لمحات خاطفة كقوله مثلا: «كثيرا ما يختلط لدى الكتاب ـ خاصة في العالم العربي ـ مصطلح الواقعية بكلمة أخرى لازمته في بداية الأمر (...) وهي كلمة الطبيعية»(4) ، وهذا دون الوقوف عند الأسباب التي أدت إلى ذلك، أو تقديم بديل موضوعي عليه، لإثبات موقفه الصريح.

وإذا حاولنا القيام بإطلالة بسيطة على بعض دراساته الأخرى، فإننا نجد أن هذا هو ديدنه في معظمها، خاصة تلك التي جاءت في مرحلة متقدمة من مسيرته النقدية، كـ " نظرية البنائية في النقد الأدبي" و "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته"، والتي هي دراسات حاول من خلالها صلاح فضل، مد الجسور بين أحدث ما ينتج في الغرب، وبين الثقافة العربية، خصوصا للذين لا يمتلكون القدرة على القراءة باللغة الأجنبية.

أما دراساته النقدية التي تكشف عن مواقفه النقدية الصريحة والتي تسعفنا في تصنيفه، فتأتي في مرحلة متأخرة كـ "شفرات النص"، الذي أعلن من خلاله أنه «سيرتاد أفقا جديدا في التحليل النقدي من منظور تطبيقي بدلا من الوقوف عند التكوينات النظرية، والتعثر في الأسماء والمصطلحات والإغراق في الأفكار والمبادئ»(5)

مما تقدم، وكما أكد صلاح فضل ذاته، من خلال كتابه "شفرات النص"، الذي تعد مقدمته، في نظرنا، بمثابة نقد ذاتي، يتضح أنه ليس هناك من سند نستند إليه لنعد صلاح فضل ناقدا من النقاد الاجتماعيين، وربما فإسهاماته النقدية التي تكشف عن وجهة نظر عميقة، تمكننا من موقعته ضمن أحد التيارات النقدية، هي التي تتجلى من خلال دراستيه، "مقدمة في أساليب الشعرية المعاصرة" و"أساليب السرد في الرواية العربية".

 

باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش

هوامش
(1) صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي،، دار المعارف، ط2، القاهرة، 1980، ص 8

(2)  نفسه، ص 17.

(3) صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ص 17.

(4) صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ص 19.

(5) صلاح فضل، شفرات النص، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 1990، ص 5.