تشكل حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها ركنا أساسيا في منظومة الملكية الفكرية. ويقوم جوهر حماية الملكية الفكرية على أساس مجمل الحقوق المادية والمعنوية التي تخول للمبدع والمؤلف والمبتكر لحماية إبداعه ومؤلفه وابتكاره، وبموجب هذه الحماية، يمنح الصفة والكفاءة القانونية التي تمكنه من التصرف في ما أنتجه من أعمال أدبية وفنية ومن ابتكارات، وتمنع غيره من التصرف بهذه الإبداعات تحت أي شكل من الأشكال دون رخصة منه.
لذلك فإن المنظومة القانونية للملكية الفكرية الدولية تدير وترعى هذه الحقوق عبر مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحدد المعايير الكونية التي يتوجب احترامها من لدن البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (OMPI منظمة دولية متخصصة تابعة للأمم المتحدة) في هذا الخصوص من جهة، كما تسهر الدول الأعضاء عند سن قوانينها الوطنية على التقيد بهذه المعايير المتوافق عليها عالميا في إطار تدبير الحقوق المادية والمعنوية للمؤلفين وحماية الملكية الفكرية في نطاق حدودها الترابية وسيادتها الوطنية من جهة أخرى.
ولاشك أن هذه الحماية المؤطرة بالقانون الدولي أولا، والمعززة بالتشريعات الوطنية ثانيا، تعد أحد العوامل الأساسية في إرساء ممارسات سليمة وذات مردودية بالنسبة للهياكل والمؤسسات الموكول إليها حماية وتدبير الحقوق الفردية والجماعية للمبدعين والمؤلفين والمبتكرين في كل دولة حسب ما يتيحه نظامها الاجتماعي والتشريعي من نجاعة في التطبيق والأداء، كما تشكل هذه الحماية، في حال توفرها وإنفاذ مضامينها بالشكل الأمثل، إحدى الدعائم المتينة للاقتصاد الوطني للدول، وبالتالي تحقق مكانة مرموقة للإبداع والفكر والمعارف والفنون عبر ما تنتجه قواها الناعمة من مثقفين ومبتكرين وفنانين في مختلف المجالات الفكرية والحقول المعرفية.
من هذا المنطلق يروم هذا الكتاب تسليط الضوء على التجربة المغربية في مجالات التشريع والمأسسة والتدبير الجماعي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بما تمثله من تميز في السياق، وما تعرفه من نقائص واختلالات في التدبير، وكذلك ما تطرحه من قضايا ورهانات في المستقبل. ويتوزع الكتاب على ثلاثة أقسام رئيسية :
القسم الأول: يتناول بالدرس مجمل المفاهيم المتصلة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة،
القسم الثاني: يتناول أهم القضايا المتصلة بتدبير الحقوق الأدبية والفنية للمؤلفين بالمغرب،
القسم الثالث: يتناول ويستشرف الأفاق المستقبلية للقطاع في زمن العولمة.
وتبقى الغاية الموجهة لهذا العمل، متمثلة في محاولة لاستشراف غد أفضل للإبداع والمبدعين في بلدنا العزيز، وهو يخوض تجربته في التحديث والدمقرطة والبناء المؤسسي للدولة المغربية بما يعزز الانخراط بوعي وثقة في مجتمع الحداثة واقتصاد المعرفة، ويعيد الاعتبار للثقافة والفكر وروادهما المبدعين ضمن دائرة الإنتاج والتنمية.
تقديم الأستاذ خالد الناصري
تحت عنوان: "حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة بالمغرب... قضايا ورهانات" يقدم لنا الأستاذ عبد الحكيم قرمان زبدة بحث استغرق عدة سنوات، هو عبارة عن كتاب يجمع بين الاسترشاد بالمقوِّمات العلمية و النظرية المؤطرة للموضوع، و بين الاستعانة بإضاءات الممارسة الفعلية، الأمر الذي يمنح هذا المؤلف قيمة مضافة ثمينة ستغني المكتبة المغربية بمنتوج ذي قيمة عالية.
و لا شك أن مؤهلات الكاتب تجعله مُحِقاَّ في طرق الموضوع من جانبيه الأساسيين، النظري و العملي، اعتماداً على صفتيه المتلازمتين، كرجل علم و نظرية، و كرجل ممارسة و ميدان، ذلك أنه، أستاذ و باحث، مارس الأستاذية بمدرجات كلية الحقوق بالرباط - أكدال و منكب على دراسة القضايا المرتبطة بحماية الملكية الفكرية، كما عمق معرفته بتلك القضايا من خلال المهام الإدارية التي باشرها في المواقع الأمامية لوزارة الاتصال، و هي الوزارة المشرفة على مسألة حقوق المؤلفين و الحقوق المجاورة، أو من خلال المسؤوليات البارزة التي تحملها في المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، هذا بصرف النظر عن الإلمام الواسع بقضايا المجتمع المدني في المغرب.
إن هذه المواصفات تمنح المؤلف شرعية أكيدة للحديث في القضايا التي تشكل محور هذا الكتاب، لتأطيره بمادة علمية جيدة، بعيداً عن السطحية و المقاربات التقريبية، كما أن تتبُّعه الدقيق لتطور مسألة حقوق المؤلف من منظور الباحث و الممارس على السواء، هذا التتبع المزدوج يجعله أهلاً لعرض كتاب مفيد بكل معنى الكلمة.
و تأسيساً على هذا، سيجد الباحثون و المبدعون و كل المعنيين بمسألة حقوق المؤلفين ضالّتهم في هذا المؤلَّف و مادة دسمة لفهم محتوياته و الجواب على تساؤلاتهم، ذلك أن الأقسام الثلاثة التي انبنى عليها الكتاب، تقوم على منهجية علمية منطقية تبدأ بالإحاطة بالمفاهيم المتصلة بالموضوع و تتوقف عند مسألة التدبير في المغرب، وصولاً إلى استشراف الآفاق المستقبلية، كي يخرج القارئ في نهاية المطاف بانطباع جيد على الإحاطة المكتملة بكل جوانب الإشكالية.