تودع الكلمة أحد كتابها ممن أغنوها من معين فكرهم الوقاد وكتاباتهم المستبصرة، الكاتب والناقد والباحث عبدالرحيم مؤذن، والذي ظل عبر تاريخ حضوره الثقافي والإنساني نبراسا متشبعا بقيم الحداثة والنقد والتمحيص دون محاباة، قامة معرفية تودعنا مبكرا وتفقد الكلمة برحيله أحد كتابها وأصدقائها الذين أمنوا بخطها التحريري وبرسالتها الثقافية، هنا تقرير يقربنا من سيرة الراحل ومكانته في المشهد الثقافي المغربي والعربي..

رحيل الكاتب المغربي عبد الرحيم مؤذن

عُرف الأديب الدكتور عبد الرحيم مؤذن، الذي ودعته الساحة الثقافية المغربية الأحد 27 تموز (يوليو) بهولندا حيث كان يخضع للعلاج، بكونه كان كاتبا متعدد الاهتمامات، فقد جمع بين كتابة القصة القصيرة، والكتابة للأطفال والفتيان، والبحث في أدب الرحلة، بالإضافة إلى الدراسات النقدية والفكرية.
ففي مجال القصة القصيرة نشر «وتلك قصة أخرى» و»أزهار الصمت» و»حذاء بثلاثة أرجل»، علاوة على مجموعة قصصية مشتركة مع القاص إدريس الصغير بعنوان «اللعنة والكلمات الزرقاء». وللأطفال الفتيان كتب «حكايات طارتاد» و»مغامرات ابن بطوطة». كما أصدر دراسات عدة: «الشكل القصصي في القصة المغربية»، «في القصة المغربية»، «معجم القصة المغربية»، «أدبية الرحلة»، «الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر» وغيرها.

والكاتب الراحل من مواليد عام 1948 بمدينة القنيطرة المغربية، حائز على دكتوراة الدولة في موضوع «مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن 19»، وكان عضوا باتحاد كتاب المغرب منذ 1975، وعمل رئيسا لمجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني بكلية الآداب بمدينة القنيطرة، كما كان عضوا بمجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني بنفس الكلية التي كان يدرّس بها. ونشر نصوصه ودراساته بالعديد من الصحف والمجلات المغربية والعربية.

وفي بلاغ نعي أصدره اتحاد كتاب المغرب، تم التأكيد على أن الكاتب عبد الرحيم مؤذن عرف بطيبوبة نادرة، وبوفاء خاص للمبادئ وللقيم التي نشأ وتربى عليها، عدّته في ذلك إبداعه وأبحاثه الرصينة والمجددة، كما يشهد له بحضوره الإبداعي والنقدي والأكاديمي الوازن، وبكتاباته القصصية والمسرحية المضيئة، وبأبحاثه النقدية حول القصة والرواية والرحلة، وغيرها، علاوة على عشقه الكبير للكتابة للأطفال والفتيان، والبحث في قضايا ثقافية وتاريخية وأدبية وببليوغرافية ومعجمية استثنائية، أضحى معها الأستاذ عبد الرحيم مؤذن، رحمه الله، مرجعا أساسيا للباحثين وللطلبة، داخل المغرب وخارجه، وخاصة فيما يتعلق بأدب الرحلة.

والدكتور عبد الرحيم المؤدن، بقي، إلى جانب ذلك، حاضرا بقوة في المشهد النقدي العربي، بقراءاته النقدية في المتن الروائي العربي، في جغرافياته المتنوعة، وفي نصوصه وأسمائه الأساسية المختلفة، من المغرب والشام والمشرق العربي، من غير أن يشغله ذلك عن الاهتمام بالأسئلة الجديدة للقصة القصيرة، ومغايراتها، موازاة مع انفتاحه وإنصاته للمتغير القصصي المغربي.

وكان للفقيد أيضا اهتمام قوي بالبحث المعجمي، حيث قدم اجتهادات مفاهيمية ومصطلحية جديدة، هو الذي عرف عنه، أيضا، كونه أحد الكتاب الكبار الذين ما فتئوا ينتصرون للأفق المغربي، في كتاباته القصصية والرحلية، بشكل ساهم به مؤذن في ترسيخ الأبعاد السردية والتخييلية والجمالية والثقافية والحضارية المغربية، بجانب اجتهاداته النظرية والتحليلية التأسيسية لمقاربة النص الرحلي، في خصوصياته وفي تقاطعاته وقضاياه المتنوعة.

فضلا عن ذلك، يعتبر الكاتب الراحل واحدا من كتابنا الذين بقوا أوفياء لكتابة القصة القصيرة وكذا الكتابة للأطفال، بالمغرب، إلى أن وافته المنية، رحمه الله، في وقت يستعد فيه اتحاد كتاب المغرب لإصدار مجموعة قصصية جديدة له موجهة للأطفال، باللغتين العربية والإسبانية، كان الراحل قد مكّن منها الاتحاد قبل سفره الأخير ليلاقي ربه.

كما أصدر مختبر السرديات والجمعية المغربية للبحث في الرحلة ونادي القلم المغربي بلاغ نعي، وصف فيه عبد الرحيم مؤذن بكونه منارة مشعة في سماء النقد الأدبي وأديبا وناقدا وباحثا له إسهامات رائدة في مجالات القصة والرواية وأدب الرحلة، وتشهد على ذلك أعماله المتميزة وإسهاماته في الكثير من الندوات والملتقيات الوطنية والدولية. وأضاف البلاغ: عبد الرحيم.. وداعاً  بهذه السرعة وأنتَ الذي كنتَ تولدُ مع كل نص جديد حينما تكتشفُ أن الحياة نهر ممتد في الروح والمآثر.. وأنتَ قد تركتَ  أنهرا تجري وتسقي القراء مما تركته خالدا وحاضرا… ألَمْ تكن سبّاقا  في التأسيس للدرس الرّحلي ومجددا في السرد القصصي للكبار والصغار وفي النقد القصصي الجدري والعميق .. أوَ لمْ تكن مناضلا ثقافيا تجوب البلاد طولا وعرضا لاستكمال رسالتك، أستاذا جامعيا باحثا وأديبا مثقفا وفاعلا جمْعيا يضحي بوقته وراحته وصحته وماله من أجل أفكار جميلة نؤمن بها جميعا؟

نعرف أنك رحلتَ ولم ترحل، لأن مشاريع أخرى كنت تفكرُ فيها ولم يُمهلك الموت كي تنجزها، قلق كبير في النفس وغيرة على ثقافتنا وحياتنا التي قاومتَ في البحث  لها عن معنى روحي عميق.  

تبقى الإشارة إلى أن عبد الرحيم مؤدن توفي بالديار الهولندية، حيث كان يتابع علاجه، إثر مرض عضال ألم به، ولم يمهله كثيرا ليواصل حياته وعطاءه الفكري والأدبي.