خضنا «نضالا سينمائيا» بإمكانيات ضعيفة وجيل اليوم لا يقدر تراث "الآباء":
يضمر المخرج المغربي محمد عبد الرحمان التازي عتابا لجيل السينمائيين الشباب الذي لا يقدر، في نظره، التراث السينمائي للآباء ولا يهتم بالتواصل مع الرواد الذين أسسوا للفن السابع في المملكة، في ظل ظروف صعبة وإمكانيات شحيحة. ولاحظ التازي، على هامش مهرجان خريبكة للسينما الافريقية، الذي يكرمه في دورته 17، اعترافا بعطاءات مسيرته الفنية الطويلة، أن السينمائيين الشباب ليس لديهم الاستعداد للتحاور مع من سبقهم الى وضع لبنات الحركة السينمائية الوطنية، ويحملون أفكارا مسبقة حول رصيد سينمائي يعتبرونه «متجاوزا»، والحال أنهم لا يمكنهم البدء من الصفر، كما أنه من الخطإ القفز على التراكم الذي تحقق حتى اليوم.
وقال مخرج «باديس» إن جيله من الرواد تلازمت لديه الممارسة الفنية مع النضال من أجل التأسيس للقطاع ووضع مقومات نهضته، بينما هناك اليوم «شباب يتهافت على أموال الدعم وتنتهي علاقته بالسينما بمجرد إنجاز الفيلم» دون انخراط واع في العمل على تأطير المهنة والدفع بها الى آفاق أفضل.
وقال رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي الأفلام، ان جميع التنظيمات المهنية ذات الصلة بالسينما تعاني من غياب جيل جديد يتسلم مشعل تنظيم المهنة والنهوض بها، والوجوه المستمرة حتى الآن في تحمل المسؤولية لا تفعل ذلك رغبة في التشبث بالواجهة بل نتيجة لغياب المبادرة والحس الجماعي لدى الجيل الجديد من السينمائيين.
ويستعيد التازي علاقته بالسينما التي بدأت صدفة. كان ذلك وهو يمضي عطلة الصيف في سيدي سليمان، حين وجد نفسه ذات يوم في السوق الاسبوعي، أمام شاشة كبيرة تقوم بالدعاية لمنتوج دوائي ما. بقي المشهد يسكنه مدة طويلة، وترسخ لديه حلم التواصل مع الجمهور. وحين اطلع في صحيفة وطنية على إعلان للمركز السينمائي المغربي عن تخصيص منح للدراسة بفرنسا في المجال السمعي البصري بعد اجتياز المباراة، بادر التازي الى الترشح ليلتحق عام 1960 بالمعهد العالي للسينما بباريس، ضمن مجموعة من الرواد ضمت، فضلا عنه، الرشيش، البوعناني، السقاط والرميلي.
ويواصل أن المجموعة طمحت لدى تخرجها عام 1963 الى الالتحاق بالتلفزة المغربية التي كانت في بدايتها، لكن طلبهم قوبل بالرفض، فالتحقوا بالمركز السينمائي المغربي الذي كان ينتج أسبوعيا شريطا عن الأخبار الوطنية. أما بخصوص انطلاقته الفعلية بالسينما الإبداعية، فيستحضر عبد الرحمان التازي عناوين مثل شريطي «الحياة كفاح» و «شمس الربيع»، ضمن أعمال شارك فيها كمنتج أو مدير تصوير أو مساعد مخرج.
ويتوقف التازي عند شريط «وشمة» (1970) لحميد بناني، الذي خرج الى الوجود في سياق عمل جماعي تعاوني، التأم فيه محمد السقاط، أحمد البوعناني، عبد الرحمان التازي وبناني. وتوقف هذا المشروع الجماعي التعاوني لأسباب مادية، ذلك أن المجموعة لم تكن تتوفر على ضمانات بخوض مغامرة الانتاج، ولم تكن هناك مؤسسات للتوزيع. «لطالما اعتمدنا على كرم أحدهم في تغطية احتياجاتنا من البنزين قصد التنقل، وطالما استخدمنا عربة نقل مواد البناء في التصوير بالكاميرا المتحركة. لقد أصبحت ظروف الانتاج الفني سهلة جدا مقارنة مع عشناه»، يتذكر التازي.
عشر سنوات بعد تجربة «وشمة»، إنتاجا وإدارة تصوير، قدم المخرج المغربي الذي رأى النور بفاس عام 1942، فيلم «ابن السبيل» الذي كان منتجه التنفيذي نورالدين الصايل، ومدير إنتاجه سهيل بنبركة، ثم جاء «باديس» عام 1988 ليكرس اسمه، منتجا ومخرجا، في المشهد السينمائي الوطني، وصولا الى منعطف الفيلم الجماهيري الشهير «البحث عن زوج امرأتي» الذي شكل ظاهرة لدى خروجه الى القاعات عام 1993. عن التباعد بين تواريخ إنجاز أفلامه الطويلة، يؤكد محمد عبد الرحمان التازي أنه لم يتوقف عن السينما الا للتفرغ لمشاريع تلفزيونية، من أفلام أو مسلسلات، لا يخفي سعادته بوقعها لدى الشرائح الواسعة من الجمهور، على غرار مسلسل «الحسين والصافية» الذي حقق خمسة ملايين مشاهد.
واعتبر التازي أن السينمائيين محتاجون الى جمهور التلفزيون قصد محاورته، في ظل استمرار مشاكل التوزيع والاستغلال، موضحا أن فيلم «البحث عن زوج امرأتي» حقق مليون متفرج في حين أن أقوى الأفلام جماهيرية اليوم لا يتجاوز 150 الى 200 ألف. وحول مسألة النوع الفيلمي في السينما المغربية، أبرز المخرج أن المشهد الوطني يحتاج لجميع الأنواع مذكرا بأن ميزة هذه السينما أنها «ظلت حرة» ولم تخضع تاريخيا لتوجيه إيدولوجي معين. فقد تواصل تنوع المواضيع والأساليب. «نحتاج لأفلام الفن من أجل الفن و افلام الجمهور و أفلام المهرجانات» يضيف التازي.
وقال محمد عبد الرحمان التازي إنه يتطلع الى انبثاق مدرسة مغربية سينمائية في المدى المنظور، حين يصبح الفيلم دالا مباشرا على الانتماء المغربي، بفضاءاته وتيماته. وأوضح أن الطابع المحلي هو طريق السينما المغربية الى العالمية، ليخلص الى القول «ينبغي أن نلمس مغربيتنا ومجتمعنا وتراثنا وتنوع فسيفسائنا وثقافاتنا الجهوية، من أجل إضفاء طابع التميز والأصالة على الفيلم المغربي».