-1-
يخلد العالم يوم 26 يونيو من كل سنة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب.
ويرجع سبب اختيار هذا اليوم لكونه صادف بدأ نفاذ مناهضة التعذيب وغيره من ضروب العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بعد اكتمال نصاب إيداع صك التصديق عليها لدى الامين العام للأمم المتحدة.
الاحتفاء بهذا اليوم يجسد وعي الإنسانية بخطورة هذه الممارسة، التي تعتبر الصورة الأكثر بشاعة من صور سوء المعاملة، لما يحدثه التعذيب من صدمة على شخص الضحية، وعلى أسرته وأقاربه، وعلى المجتمع برمته.
فالتعذيب، جسدياً كان أم نفسياً، يتحول إلى جرح عميق في نفسية الضحية، وفي وجدان محيطه القريب والبعيد.
ووعياً من المجتمع الدولي بخطورة هذه الظاهرة بادر إلى تحريمه، ودعى إلى عدم جواز تعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة، بمقتضى المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ورغبة من الأسرة الدولية في الرفع من فعالية مواجهة هذه الممارسة المسيئة لكرامة الانسان، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، بمقتضى القرار 39/46.
المغرب بالإضافة إلى مصادقته على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بادر إلى التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب بتاريخ 14/6/1993، التي نشرت بالجريدة الرسمية عدد 4440 بتاريخ 19/12/1996، ورفع جميع التحفظات التي سبق له أن سجلها على بعض مقتضياتها. كما صادق على البروتكول الاختياري الملحق بها يوم 26/5/2011.
-2-
وإعمالا لمقتضيات المادة 4 من هذه الاتفاقية لائم المغرب قوانينه مع مضمونها، عندما اعتبر الفصل/22 من الدستور ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. كما صدر القانون رقم 04-43 يغير ويتمم الفصل/231 من القانون الجنائي، الذي تبنى نفس تعريف التعذيب الوارد في المادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب.
هذه التطورات التشريعية كانت حصيلة لنضال الحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية طوال العقود الماضية، كما جاءت منسجمة مع ما ورد بالتقرير الختامي لهيئة الانصاف والمصالحة، الذي اعتبر المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب ضمانة اساسية لعدم تكرار ما جرى من انتهاكات لحقوق الانسان.
يأتي الاحتفال بهذا اليوم وعدد كبير من الناس يعانون من ويلات التعذيب ومن أثاره الوخيمة، وطنيا ودوليا، تمارس هذه المهام القدرة إما مباشرة، كحالة معتقل غوانتنامو أو بتوكيل هذه المهمة إلى دول أخرى.
لكن لابد من التمييز بين التعذيب من جهة، وبين المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة من جهة أخرى.
فالتعذيب كما حددته المادة الأولى من الاتفاقية، هو كل عمل يلحق ألماً وعذاباً شديداً بالضحية، يستوي أن يكون الألم جسدياً أو نفسياً.
أن يحرض على التعذيب، أو يوافق عليه، أو يسكت عنه، موظف عمومي كما عرفه الفصل/224 من القانون الجنائي، أو شخص ثالث يتصرف بصفته الرسمية.
بهدف الحصول على اعتراف او معلومات من الضحية أو من شخص ثالث.
أو معاقبة الضحية على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث.
-3-
أو تخويف الضحية أو شخص ثالث، أو إرغامه على فعل شيء أو عدم فعله.
أو التمييز لأي سبب كان.
أما الفقرة الأولى من المادة/16 فإنها تخص المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
لكي تتحقق معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية يتعين، قانوناً وعملاً، إلحاق ألم أو عذاب شديد بالضحية من قبل السلطات العامة، ولا عبرة في ذلك بطبيعة السلوك، سواء كان ايجابياً أو سلبياً أو قائماً على الاهمال والترك.
أما المعاملة أو العقوبة المهينة فتقوم على فكرة التسبب بالألم لدى الضحية بهدف تحقيره والحط من كرامته، والحاق قدر كبير من الادلاء والاهانة به، والانتقاص من قدره.
وسكوت الموظف العمومي على أعمال التعذيب أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة يجعله مسؤولا عن ارتكابها، ويحمل الدولة مسؤولية تعويض الضحية عما لحقه من أضرار.
إن الاحتفال بهذا اليوم يعتبر إدانة صارخة لازدواجية خطاب جميع دول العالم فيما يخص ممارسة التعذيب بشكل خاص، وخرق حقوق الانسان بشكل عام.
نخلد هذا اليوم ونحن نعيش على ايقاع نقاش ساخن حول مادة كان التعذيب وسوء المعاملة سياسة ممنهجة، كما كان عليه الامر خلال سنوات الرصاص، أم أن الامر عكس ذلك كما تحاول السلطات العمومية إقناعنا.
ودون الخوض في نقاش عقيم، يمكننا التأكيد على إخفاق بلدنا في استئصال ثقافة التعذيب، والسبب الرئيسي لهذا الفشل هو نهج سياسة إفلات الجلادين من العقاب.
-4-
إننا نخلد هذا اليوم والرأي العام الوطني منشغل بما أوردته الصحف الوطنية خلال الشهرين الأخيرين من تكاثر حالات التعذيب والمعاملة المهينة، نورد أمثلة منها كالتالي:
ما تعرضت له الخادم م س من تعذيب وتنكيل وتهديد بالاغتصاب من طرف درك دار بوعزة ضواحي الدار البيضاء، من أجل انتزاع معلومات تخص سرقة أشياء ثمينة مملوكة لمشغلتها.
حالة السيد اسماعيل زهير، معتقل بسجن سلا تحت رقم/ 87467، الذي تعرض للتعذيب بهدف الحصول على معلومات تهم عمل عصابات دولية، حسب ما ورد بشكاية محاميه (لمزيد من التفاصيل مراجعة العدد 1371 من جريدة اخبار اليوم بتاريخ 15/5/2014 ص2).
حالة الشاب أحمد البيهاوي، الذي تعرض لمعاملة قاسية ومهينة من طرف قائد قيادة سيدي بطاش وأعوانه. تتمثل المعاملة المهينة، حسب رواية أخوة وأقارب الضحية، في تكبيل يديه ورجليه لشل حركته، تم قص شعر رأسه على طريقة البهائم. رد الضحية على هذا التعامل المهين والحاط بالكرامة تمثل في إقدامه على الانتحار شنقاً يوم 19/4/2014.
مع العلم أن للسيد قائد قيادة سيدي بطاش سوابق متعددة في إهانة المواطنين وتحقيرهم وإساءة معاملتهم، وأن من بين ضحاياه مسؤولون سياسيون وقادة نقابيون، دون أن يمسه أي عقاب، أو يخضع لأية مسائلة قانونية بسبب ما ارتكبه من جرائم.
حالة السيد قائد قيادة الشلالات ضواحي مدينة المحمدية، الذي اقتحم مرفوقاً بأربعة من أعوانه وعناصر من القوات المساعدة، منزل إحدى العائلات بدوار البراهمة وإساءة معاملة ساكنيه وتحقيرهم، واعتقال اثنين منهم تعسفاً.
حالة السيد كريم لشقر الذي توفي ليلة 26/5/2014، بمغفر الشرطة بمدينة الحسيمة، بعدما تعرض لسوء المعاملة حسب أحد مرافقيه.
بالإضافة الى ما يتعرض له المتظاهرون والمحتجون من سوء معاملة وعنف شديد لا يتلاءم البتة وما يقوم به من أفعال.
إن هذه الأمثلة وغيرها كثير تبين أن ثقافة التعذيب وسوء المعاملة متجذرة في سلوك معظم الموظفين الذين أوكل إليهم تطبيق القانون وحماية حقوق وحريات المواطنين بسبب عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن تجريم التعذيب وجميع ضروب سوء المعاملة أصبح قاعدة دولية آمرة، ملزمة لجميع الدول. لايرد عليها أي استثناء حتى في الظروف الاستثنائية وحالة الطوارئ. هذا ما أكدته اللجنة المعنية بحقوق الانسان في تعليقها العام رقم 20، جاء فيه أن الحق في عدم الخضوع للتعذيب أو لغير من ضروب سوء المعاملة هو من الحقوق المطلقة، لا يجوز التذرع بأي مبرر أو ضرف استثنائي لانتهاكه.
إن الحركة الحقوقية، وجميع الديمقراطيين، ببلادنا مصرون على استمرار النضال من أجل استئصال هذه الظاهرة المهينة والماسة بالكرامة وبحقوق المواطنة، ومن أجل ربط المسؤولية بالمحاسبة لك بمعاقبة كل من ثبت تورطه في ممارسة التعذيب.
على الحركة الحقوقية أن لا تكون طرفاً في الازدواجية المرضية التي تعيشها بلادنا. فهي صادقت على جميع الاتفاقات الدولية والبروتكولات الملحقة بها، لاعطاء صورة براقة على المستوى الخارجي، في حين أن الحقوق المضمنة بتلك المواثيق الدولية تخرق في كل لحظة داخل البلاد مع إفلات منتهكي تلك الحقوق من المسائلة.
إن مسؤولية الحقوقيين المغاربة توجب فضح جميع الانتهاكات، وسلوك جميع المساطر والاليات الوطنية والدولية لفضحها في أفق القضاء عليها.
وكل عام ومناهضي التعذيب، والافلات من العقاب، بألف خير.
(محام بهيئة مراكش)