1- مولود جديد، ثمنه عشرون درهماً:
بعد طيه لمسافة زمانية تزيد على الساعة والنصف على أقل تقدير، ولج عمر أخيراً مكتب الموظف متأبطا الوثائق الإدارية المطلوبة، كي يوثق اسم رضيعه في دفتر الحالة المدنية. بالكاد لم ينه حروف الكلمة الأولى، حتى رماه المسؤول إلى ما بعد أسبوع من تلك اللحظة. أحس الأب الجديد بأمواج من العرق تغمر جلده، لأن الأمر لا يتحمل كل ذلك التماطل، وإلا انقلب عليه سلبياً من الناحية القانونية، إضافة إلى دون كيشوطية الذهاب والإياب بغير أبسط لاحترام ألفبائيات المنطق السليم. رغم هذا، لم يكن بوسعه غير الامتثال. أدار بوجهه ممتعضاً نحو الباب الرئيسي يجر رجليه بتثاقل مريض. أمام حارس الدراجات تجمد شارداً محلقاً كلياً صوب منتهى السموات السبع، لا يدري وجهة له. انتبه الحارس لحالة الطيف، ثم تقدم نحوه: "ياك أخويا لاباسْ غرقات ليك السفينة ولاّ؟!!" أحس عمر كأنه تلقى صفعة مدوية استفاق على وقعها من سرنمته: "لا! لا! فقط"، ثم حكى، لكن بغير أن يتركه يكمل، سيوحي له بالمفتاح السندبادي الخارق الهازم، لدينا لكل ما أحكم غلقه: "شوف: اسحب من جيبك ورقة حمراء السحنة، لا تقل حمولتها عن عشرين درهما، ثم ضمها بطريقة بديعة إلى الأوراق البيضاء. لم يتردد عمر في تفعيل المقترح، أعاد تهيئ المطلوب بالطريقة الناجعة، ثم قفل عائداً إلى مكتب الموظف. التقط الأخير، بالرحيق الشيطاني لذكاء الأنذال حدوث المستجد، تحسس الوثائق بسرعة البرق، رمق على وقع طرفة عين، الساحرة. انبسطت أساريره، فابتسم في وجه عمر: "تفضل ياأخي، اجلس! كان عليك اخباري أنك تريد تسجيل طفلك في الكنّاش لم أعلم بداية بأن سعيك جليل، كما الحال مع الكنّاش، أتعرف بأن الكنّاش لا يطيق دقيقة تأخير واحدة، وإلا طبقت في حقك المساطر التشريعية. فقط البارحة، استدعي شخص مثلك إلى العدالة، بسبب الكنّاش، ألم تسمع مثلنا المغربي القائل: كنْش بشْ تلقى ماتحنْش. علينا أن نكنّش رضاعنا منذ أول صرخة لهم، دون قيد أو شرط، اللهم أعنّا على تكنيش كل مولود جديد". كان عمر، يتابع هذيان الموظف بابتسامة جد فاترة يصعب تضمينها معنى بذاته، لكن ربما الحلم بعالم أقل تفاهة.
2- طفل، وتسعيرة سبعة دراهم ونصف:
العدد المسموح به لراكبي تاكسيات الحجم الكبير هو ستة، اثنان بجانب السائق، وأربعة في المقعد الخلفي. سقف لا يسمح في الغالب بخلق وضع جدير نسبياً بكرامة الخلق الآدمي داخل سيارة النقل تلك. ثم تتعاظم المأساة قياسا لطول المسافة المتوخى قطعها، وكذا مستويات التدفق اللحمي للمتلاصقين داخل التاكسي، هل إخواننا من الوزن الثقيل أم اكتفوا بحجم الريشة؟ بحيث يشتد الاصطفاف ويجثو الواحد على رؤوس مجاوريه، إذا فاض وزن أحدهم أو إحداهن عن المعدل المفترض. رغم هذا فجشع مجموعة من السائقين، لاسيما في المدارات القروية، يجعلهم يراهنون بمختلف السبل على إضافة راكب زائد على العدد المحدد أصلا في ستة. كيف الأمر؟ يتقاسمون معه مقعد القيادة نصفا، وسيكون الرهان ناجحا والمخطط سهل السريان، إذا كان الراكب غير الشرعي صاحب بنية جسمية نحيفة، مما يسمح للسائق بمزيد من الهامش كي يتحكم في آليات تحريك السيارة. الأم التي تصاحب طفلها رفضت تأدية تذكرته لأنه صغير السن ويمكنها وضعه فوق حجرها، صرخ السائق في وجهها: "أنت سيدة تبحثين عن الفوضى،ألا تدركين بأن طفلك روح مكتملة التأسيس؟ بالتالي، فمقامه من مقام البالغين وينبغي أن يحتسب باعتباره راكباً مستقلاً". امتثلت المرأة للقرار، فأدت ثمن تذكرتين، ملوحة بشكوى أمرها إلى من سخر المطايا في الكون مجاناً، لأن ميزانيتها الشحيحة لا تسمح لها بأدنى خلخلة لسكينة قروشها. انطلق التاكسي، بعد حين، توقف على إشارة أحد المارة الذي التمس من السائق مقعدا. أبدى الأخير في البداية، نوعاً من التردد والحيرة في كيفية التدبير، لكنه سرعان ما التفت نحو المرأة مقترحا عليها وضع صبيها فوق رجليها، كي يفرغ مكانه للراكب الجديد. رفضت المرأة، مؤكدة بأنها أدت مبلغ خمسة عشر درهما بالتمام والكمال رغم تجاوزه لطاقتها المادية، بل السائق نفسه من شدد عليها بهذا الخصوص، لأن كل مسلك مخالف، سيشكل إخلالا بقوانين السير. زمّ السائق شفتيه، عقد حاجبيه، أدار مقلتيه يمنة ويسرة بطريقة تشي بأنه يتدبر حلا على وجه السرعة: "شوفي ألاّلاّ!! غادي نعطيك سبعة دراهم ونصف، ونقسموا الصبر، إيوا هزي ولدك، وخلينا نكملوا الطريق".
3– شباب بلا ثقافة القيمة أو ثقافة التكاثر البيولوجي:
على امتداد ساعات اليوم تقذف مدارسنا من جوفها جحافل من الشباب بوزراتهم البيضاء، يسرعون نحو الشارع بتدفق هائل فيخلقون فوضى عارمة واضطرابات في السير العام. تسائل مخيلتك أي مستقبل يتربص بهؤلاء في ظل المعطيات القائمة؟ ما هو الثمن الذي بمقدرتهم تأديته ومعهم باقي المجتمع كي ينالوا حق الحياة؟ ارتباطاً بهذا الخضم من الأنانيات القاتلة والتدمير الممنهج للحس المشترك، فغدونا مثل عينات مستنقع. ماذا هيأ الكبار لهؤلاء الشباب كي لا يكتشفوا خلال يوم من الأيام حقيقة أن ثمنهم لا يرقى إلى مؤشر الدرجة الصفر، لأنهم فقط مجرد حصيلة لاتفاق حيوانات بيولوجية محكومة بالصدفة. كي تنجب حالياً طفلاً عندنا، فتكون مصدراً بل مسؤولاً عن وجوده. تحتاج إلى إلهام حكماء اليونان: لماذا سيولد؟ ما الداعي؟ ماجدوى الفكرة أصلا؟ تفاصيل القضية تتجلى في: ما الذي ستلقنه إياه بصدق وشفافية، دون جسد واحد وسبعمائة رأس، فيصير مشوه الخلقة.
-4 ثم، ماذا بعد الولادات البيولوجية؟: كي يتحقق قيمة النوع والكيف، غير المقدرة بأي ثمن، ونتجاوز التبخيس الذي يعانيه الكم المتراكم.