حسب معايير الإدارة الأمريكية تعتبر حركة المقاومة الإسلامية حماس منظمة إرهابية، وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت اسم حماس على قوائمها السوداء في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2004 بحجة محاربتها للإرهاب؛ فالقرار إسرائيلي بامتياز، ومن البديهي أن تكون سلطات الإحتلال أول من يرحب بالقرار؛ فقد اعتبرها رئيس حكومة الإحتلال حينها آرييل شارون بأنها "خطوة في الاتجاه الصحيح".
على مدى ما يزيد عن ربع قرن من الزمان، استطاعت حماس أن تراكم من أعمالها السياسية والعسكرية والثقافية والفكرية وتقديماتها للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني ما يؤهلها لأن تكون في صدارة حركات التحرر الوطني الفلسطيني، فقد استطاعت أن تحقق فوزاً ساحقاً استحوذت فيه على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2006 (76 مقعداً من أصل 132 بنسبة 57%) بانتخابات شهد العالم بنزاهتها، وأحدثت زلزالاً ديموقراطياً هزّ العالم وأعاد خلط أوراق اللعبة السياسية في منطقتنا العربية والإسلامية والعالم، ومعها شكَّل اسماعيل هنية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الأولى، وقد أكد هنية حينها بأن "الحركة قد خاضت الانتخابات لتعزيز مبدأ الشراكة السياسية، نريد أن نعمل سوية مع الإخوة في فتح والإخوة في الجهاد والجبهة الشعبية والديموقراطية ومع كل أذرع المقاومة لأن الشعب ينتظر تحولات إيجابية"، لكن حتى هذا الفوز الديموقراطي لم يشفع لحركة حماس بشطب اسمها عن اللائحة السوداء الأمريكية.
راكمت حماس خبراتها القتالية واستعانت بالكثير من الأصدقاء من العرب والمسلمين وشكلت لنفسها مدرستها الخاصة التي أربكت الصديق والعدو، وفي كل مرة كانت تتقدم خطوات باتجاه تحقيق رؤيتها بتخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني، وعلى الرغم من تلقيها ضربات قاسية في ميدان القتال لا سيما إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبدايات العام 2009، إلا إنها وخلال ثلاث سنوات استطاعت أن تطور من أساليب قتالية تؤهلها لتنهي عدوان عام 2012 بقصف مدينة تل الربيع وبفرض شروطها للتهدئة وبوساطة مصرية أمريكية، وهذه كانت الخطوة الأمريكية الأولى غير المباشرة للاعتراف بالدور المحوري لحماس. رُب قائل وهو محق نسبياً بأن فوز الرئيس محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية وعلى اعتبار أن حماس امتداد لحركة الإخوان المسلمين عبر التاريخ لا تستطيع الإدارة الأمريكية أن تدير ظهرها لهذا التطور النوعي في المنطقة، فاستدعى القليل من الانحناء أمام العاصفة وإرسال وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون الى مصر والدخول في وساطة والتوقيع على شروط المقاومة للتهدئة.
جاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2014 ليرسم سياسة جديدة؛ فمع انتهاء عدوان عام 2012، بدأت منهجية العمل المقاوم تأخذ منحاً تصاعدياً، ففي أكثر من مناسبة قال قادة حركة حماس السياسيين أو العسكريين وبكل ثقة وصراحة ووضوح، بأن المقاومة قد بدأت تعد لمعركة تحرير فلسطين ولن تكتفي بالدفاع عن نفسها، وبهذا المعنى أن تبدأ المقاومة الفلسطينية بالرد على العدوان الصهيوني على غزة باستخدام صواريخ تصل الى 160 كلمتر، وتحدد مكان وزمان إطلاق الصواريخ غير آبهة بمنصات صواريخ الإعتراض الصهيوأمريكية، وأن تحول مدينة تل الربيع إلى مدينة أشباح، وأن تسيِّر عدداً من طائراتها من دون طيار للقيام بمهام خاصة داخل العمق الصهيوني، هذا مؤشر إلى أن العمل المقاوم سيتصاعد ويتدحرج للمزيد من المفاجآت التي لم يحسب لها الاحتلال الإسرائيلي أي حساب.
على عجل التقط الرئيس الأمريكي الرسالة، ليخرج الناطق الرسمي باسم الإدارة الأمريكية في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض بتاريخ الأربعاء 9/7/2014 ليُدين الهجمات من قبل "المنظمات الإرهابية في غزة" ولم يأت على ذكر حماس بالإسم بخلاف السابق، على الرغم من تحميل الاحتلال لحركة حماس مسؤولية التصعيد سواءً بخطف وقتل الثلاثة جنود الصهاينة حسب الرواية الصهيونية، أو استهداف "المدنيين" في فلسطين المحتلة، وهذ كان المؤشر الثاني على الاعتراف الأمريكي لعدم تجاهل حماس في أي استحقاق يتعلق بالتطورات على الأرض سواء الميدانية او السياسية.
المؤشر الثالث جاء من خلال ما عرضه الرئيس الأمريكي أوباما على نتنياهو يوم الخميس 10/7/2014 من وساطة بين "إسرائيل" وحماس للتوصل الى وقف لإطلاق النار، وقال البيت الأبيض في بيان أن أوباما عرض في اتصال هاتفي مع نتنياهو بـ"أن الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل التوصل الى وقف للعمليات العسكرية بما في ذلك العودة الى وقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه في نوفمبر 2012".
ما بعد معركة "العصف المأكول" كما أسمتها حركة حماس، لن يكون كما قبلها، وحتماً ستؤسس لمرحلة سياسية بالغة الدقة في سياق الصراع الإستراتيجي بين المقاومة والاحتلال، وسيرفع من رصيد ومكانة حركة حماس على المستوى العربي والإسلامي والدولي، وما المؤشرات الثلاثة للتعاطي الأمريكي مع حماس، إلا دليل هذا الإستحقاق سواءً أبقت أمريكا أو شطبت اسم الحركة عن اللائحة السواء، فمعادلات أذرع المقاومة هي من يحدد المسار.
(كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني)