يؤكد الواقع السياسي الدولي والإقليمي على خفايا التحالفات والصفقات المريبة التي تعمل على تفكيك وتمزيق العالم العربي وحسب نظرية الدومينو، ويلاحظ تفكيك مناطق التاثير الاستراتيجي، وحروب نهب الثروات الاستراتيجية ، واندثار المحاور الجيوسياسية العربية، وإزالة مفاصل القدرة الصلبة التي تبددت بعد غزو العراق 2003، وبلا شك إن قواعد اللعبة الدولية تعمل وفق فلسفة القوة والتأثير، بغض النظر عن محظورات القانون الدولي التي لا تأبه بها الدول الكبرى لأن المصالح هي الأهم (لا عدو دائم ولا صديق دائم بل هناك مصالح مشتركة)، وكما يبدوا أن لغة المصالح مكنت دولا إقليمية من التغول والتمدد عبر العراق وحتى المتوسط لتحقيق المصالح الهرمية الدولية بفتح أسواق الحرب الطائفية التي تدر بعوائد تفوق عوائد النفط والذهب، وتمنح بذلك حوافز تحاكي أطماع الوكيل الاقليمي في تصدير امبراطوريته المزعومة.
حروب الأضرحة
يفتقر العالم العربي والإسلامي لكوابح صارمة، ومحددات قانونية مقرونة باليات تطبيقية واضحة تحفظ البشرية والمجتمعات من الفناء الزاحف، ونشهد اليوم التلاعب بالألفاظ الاعلامية والخطاب المزدوج المنادي بالديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة والتعايش في ظل استعار مرجل الموت والقتل الطائفي الصادم والقمع المروع، وتمارس وسائل الاعلام تضليلاً منظماً يرتقي للترويج للإرهاب الطائفي، وكذلك منظومات الدعاية والساسة لطمس الواقع الخطير وحقيقة الحرب الطائفية المذهبية التي تدار عن بعد في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، ويجري هذا بعد اغتيال الدول، ونشر الفوضى ومخرجاتها النازفة، وصعود الأصولية المذهبية إلى سدة السلطة لتشغل مرجل الحرب المذهبية، أفرز الواقع السياسي العراقي ما بعد الغزو 2003 همجية قلّ نظيرها ارتكبتها قطعان القتل المذهبي، وبإسناد قوات رسمية الملبس وهمجية المعتقد لتحرق تاريخ العراق وتمارس التبشير الطائفي العابر للدين والوطن وترسم خارطة إقليمية ملتهبة بالصراعات والنزاعات لعقود قادمة، وبرز خلال السنوات الثلاث الأخيرة مصطلح حربي ايديولوجي على الساحة الفكرية والإعلامية والحربية وهو "الدفاع عن الأضرحة" كما تروج له المنظومة السياسية والحربية والفكرية في ايران لتحشد المتطوعين بدواعي طائفية، وتزج بهم في حربها الاقليمية المفتوحة ليقابلها تنظيمات مسلحة من الطرف الآخر كرد فعل مضاد ليخوضون حرب الهلاك البشري.
عسكرة المذاهب
نشهد اليوم صعود الظواهر المذهبية المسلحة إلى سدة السلطة ضمن فلسفة عسكرة المذاهب، وتٌعد وقوداً بشرياً لتهديم المجتمعات العربية والإسلامية بوهم الدفاع عن المذهب والطائفة واستعداء وشيطنة الشريك الديني والمجتمعي، بل وتخطت ذلك باستخدام حرب الأفكار العابرة للقيم الدينية والتعاليم الإسلامية والعادات المجتمعية ومنظومات القيم والتلاحم الوطني، لتعبر عن نفسها بشكل همجي هدام، ولعل مؤخرا برز مصطلح حربي ايراني هو "الدفاع عن الاضرحة" الذي يبرر الحرب المذهبية الاقليمية التي تدار اليوم في العراق وسوريا واليمن والبحرين .. الخ، ولعل هذه الجاهلية الوافدة تقودها نخبة من المتعلمين وتجار المناصب والمتمذهبين الجدد، رافعين شعار "اقتل لتنتفع" مستخدمين شعارات مذهبية ترتكز على أساس الكراهية وشيطنة الآخرين وتبرر الهمجية والقتل، وبلاشك إن مسالة حشد مليشيات مذهبية من اليمن والخليج والعراق ولبنان وآسيا وأفغانستان والهند .. الخ لتقتل طائفياً الشعب السوري والعراقي بدوافع مذهبية أمراً في غاية الخطورةـ، لكن تجده الإرادة الدولية أمراً مقبولا لأنه الحجر الأساس في تهديم المنطقة وتفتيتها ووقود حرب المائة عام.
حرب مفتوحة
يدخل العراق مرحلة الاستنزاف النهائي والتفتيت المتوقع على إثر انهيار العملية السياسية البائسة ومنظومتها الأمنية الطائفية في 10-6، لتخلق واقع فوضوي جديد يتقاسم أدواره لاعبون جدد، تختلف وجاهاتهم ونواياهم وتطلعاتهم بين دول الكبار الساعية لإدامة سوق الحرب والمحرقة البشرية والحرب المذهبية الاقليمية، ومنظومات مخابراتية إقليمية تمددت لتصل إلى تخوم المتوسط مع قطعاتها النخبوية للقتل الطائفي بحجة الدفاع عن الأضرحة لتنقل الحرب والأزمات من أراضيها إلى مسارح حرب منتخبة في جوارها الاقليمي، الذي تعده الأرض الحيوية لمشروعها الاستراتيجي، ناهيك عن تنظيمات إسلامية تعلن خلافتها في ظل الفراغ السياسي والوطني وغياب منظومة الدولة والعدل والمساواة لعقد كامل، وكذلك عشائر ثائرة حائرة تدير معركتها وتتمسك بمطالبها المشروعة تحت نيران القصف الحكومي والتهميش الدولي، إضافة إلى أحزاب انتهازية باحثة عن دور، وأمراء حرب مرتزقة يبحثون عن سوق حرب ملتهبة، وسياسيون متمسكون بعقد من الفشل والنهب والطائفية يلهثون خلف منافعهم الشخصية ليشكلوا حكومة بؤس لأربع سنوات أخرى حسب طلب الراعي الرسمي للحرب والسياسة في العراق، وجميع هؤلاء الفاعلين في حالة صدام مستمر اليوم، ويدخلون في حرب مفتوحة من الصعب التكهن بنتائجها. إنه المشهد المتهالك لدولة كان اسمها العراق فككتها اميركا، وأعادت صياغتها كدولة مكونات وطوائف وأعراق تمهيدا لتقسيمها إلى دويلات متناحرة متحاربة تؤمن سوق الحرب لعشرات السنين.
يبقى السؤال لمصلحة من توسيع حرب الإبادة الطائفية من العراق الى سوريا إلى لبنان وبالعكس؟ وما هي الرقع المحتملة للانفجار؟ وما هو دور المنظمات الدولية المعنية بإنهاء النزاعات والصراعات وهي تمارس دور الحطاب لمرجل الحرب؟ وما هو دور العقلاء والمفكرين والساسة والأنظمة في إنهاء هذه الحرب المذهبية؟ التي هدمت نسيج مجتمعات دول عربية محورية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت، وكلنا نعلم من يذكيها بالوقود العربي! ولا من رادع صلب أو ناعم سواء كان قانوني أو فكري أو دولي لهذه الأصولية الطائفية التي اوجد عناصرها ومفاعيلها الغزو الاميركي للعراق والتي أضحت تقود لحروب مجنونة تنتهي بالفناء البشري.
(رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية)الجمعة، 01 آب، 2014