في اليوم السادس للعدوان وصل عدد الشهداء 168، من بينهم 34 طفل، و 27 امرأة، الجرحى 1100 بينهم 227 طفلاً و 183 سيدة، والمنازل المدمرة بشكل كلي 187، و207 بيوت مستهدفة، و682 بشكل جزئي.
في اليوم السادس معظم الصحافيين الإسرائيليين يستعجلون قصف المناطق الحدودية في بيت لاهيا، و يتساءلون عن المهلة التي منحها الجيش للسكان انها انتهت منذ اكثر من خمس ساعات والجيش لم يقصف، ينتظرون قتلنا وهم سعداء بالخراب والدمار والدم والقتل.
و قادة دولة الاحتلال يجمعوا على أن أحد أهداف العملية قد تحقق، وهو ردع الفلسطينيين وتخويفهم، فدولة القتل والدمار والتخريب اعتقدت انها تستطيع تهجير الناس من المناطق الحدودية بقذائف المدفعية والمناشير التي تطلقها الطائرات، فالناس وعوا وتعلموا الدرس جيدا فما يجري من عمليات القتل المنظم ضد الفلسطينيين، وتخويف الناس لم يثنيهم عن الدفاع عن كرامتهم والصبر والصمود.
في اليوم السادس للعدوان بدأت وسائل الاعلام الاسرائيلية والمحللين العسكريين بالادعاء ان الجيش بدء يحقق أهدافه بضرب منصات اطلاق الصواريخ، و أنهم حققوا انجازات لذا بدء التراجع في عدد الصواريخ المنطلقة من غزة، وعليه فكان القرار بإخلاء السكان من منطقة بيت لاهيا و هو ضروري ومهم كي يقوم الجيش بتدمير الاماكن التي تطلق منها الصواريخ.
عدد الشهداء والجرحى من المدنيين يظهر حجم الحقد والإصرار من قبل دولة القتل على استهداف المدنيين من دون استثناء ومن معظم الأجيال، فعائلات بأكملها قد أبيدت، وهم لم يكونوا مقاتلين ولم يحملوا السلاح، فقط لأنهم فلسطينيين. فاستهداف المنازل وتدميرها على رؤوس قاطنيها بطائرات الإف 16، وعدد الشهداء والإصابات الكبير في صفوف الفلسطينيين، وتدمير عشرات المنازل المحيطة بالمنازل المستهدفة يزيد من القناعة لدى جميع الفلسطينيين بأن دولة القتل معنية بقتلهم وتخويفهم بقذائف المدفعية، والبحرية والطيران الحربي بجميع أنواعه يؤكد أن الهدف هو القتل.
لم يعد العقل والقلب قادرين على احتمال صور ومشاهد الدم وقتل الاطفال، وتتمرد الذاكرة على النسيان وتصر على الاحتفاظ بصور أطفال بعمر الورد مسجين لن يعودوا لأحضان أمهاتهم، كيف تنسى الذاكرة صور اولئك الاطفال. عائلات كاملة تقتل بدم بارد، الأطفال والنساء داخل منازلهم، ومقتل أطفال عائلة الحاج وغنام والبطش قتلوا ردما تحت الانقاض.
قصص العدوان والمذبحة مازالت مستمرة، قتل الأطفال والنساء داخل منازلهم، الخوف والقلق والرعب، والصمود الأسطوري والعزيمة والإرادة العالية دفاعا عن كرامتهم وحقهم بالدفاع عن انفسهم، كنا في السابق لا نفهم كل هذا التناقض، الذبح والقتل يدفع الناس للالتفاف حول المقاومة، أو في أسوأ الأحوال التعاطف معها، وتحدي دولة القتل ومعنوياتهم عالية، المعركة تخوضها المقاومة مستمرة، والناس من خلفها يسطرون اسمى معاني الحب والصمود والصبر.
منذ بدء العدوان على غزة كما كان في العدوان السابق والمستمر قادة دولة الاحتلال يبررون استهداف بيوت المقاومين والقادة الميدانيين وتدميرها هو من اجل ردعهم عن الاستمرار في المقاومة وتحدي دولة الاحتلال وغطرستها, و ان تدمير بيوتهم سيخيفهم ويمنعهم من المضي و يحد من عضضهم ويؤثر على روحهم القتالية. و ما يروجه بعض المسؤولين الامنيين الاسرائيليين يثير الضحك والسخرية بان الهدف من هدم البيوت ان هؤلاء المقاومين عندما تنتهى المعركة ويعودوا الى بيوتهم لن يجدوها فسيردعهم ذلك و سيضطروا للالتزام بالتهدئة. هم لا يعلمون شيئ عن الفلسطينيين ولا يعرفون ان شعب تحت الاحتلال لا ينظر للحياة بالشكل المادي الذي ينطلقون منه.
فالبيوت التي تدمر هي ليست مجرد بيوت من حجر، هي تاريخ وذكريات صبى و حكايا وقصص عمر طويل ماض وحاضر ومستقبل، ليست مجرد بيت للنوم، هي بيوت مفعمة بالحياة والأمل والمستقبل. ودفتر وقلم رصاص وكتاب القرأة والعلوم، وجغرافية وتاريخ فلسطين وبطولات المناضلين. وطاولة لمراجعة دروس الامتحانات، و أخ صغير يراوغ شقيقته في مراجعة دروسه، و هروبه منها للعب والمرح، ومطبخ لم يكتمل بناؤه، وشبابيك لم يدفع ثمنها وغرف غير مطلية وغرفة نوم مزينة بالحب.
و بأحلام المراهقين وكتابة رسائل العشق والغرام، وأسرار البنات والشباب وفرحة زواج الأخت الكبرى و خطوبة الأخ البكر، وتزيين غرفة الضيوف لاستقبال المهنئين بالخطبة و بعودة الام والأب من الحج، هو مكان لتخبئة اسرار العائلة وعسر رب العائلة وهمومه وديونه، وهي بيوت من فرح وحزن و لمة على الغداء.
في اليوم السادس لا يزال الصمت والتخاذل والتشكيك في المقاومة والمساواة بين الضحية والجلاد وتجارة الحروب، و ترفض إسرائيل بقرار مسبق منح المقاومة صورة انتصار، وتفرض رقابة صارمة ومشددة على مواقع سقوط الصواريخ. وهي تعرض ما تمكنت القبة الحديدية من اعتراضه وتخفي ما لم تعترضه. وهي تمارس ارهاب وقتل للمدنيين من اجل تخويف الفلسطينيين، فهي لم تحقق أهدافها التي خرجت من اجلها، وهي تمارس سياسة الارض المحروقة كما جرى في الضاحية في بيروت، وإسرائيل خرجت من عقالها كي تردع المقاومة وتجعلها تتراجع في مواجهتها التي هددت أمنها وأفقدت اسرائيل كلها ثقتها الأمنية بنفسها.