في إطار سعي مكتبة الإسكندرية لجمع أرشيف تاريخ مصر الحديث والمعاصر، قامت المكتبة بإرسال بعثة من كل من أيمن منصور؛ نائب مدير إدارة المشروعات الخاصة، ود. صفاء خليفة؛ رئيس وحدة البحوث بالإدارة، لجمع الأرشيف البريطاني، حيث تم تجميع وثائق وصور نادرة من هذا الأرشيف الذي يضم التفاصيل الكاملة لأحداث يوم حريق القاهرة الذي يعد بمثابة الفتيل الذي أشعل نار الثورة، ورصد رد فعل الشعب المؤيد لحركة الجيش، وموقف بريطانيا من أحداث يوم 23 ثورة يوليو 1952، وغيرها.
وتعد العلاقات المصرية البريطانية جزءًا مهمًا من تاريخ الأرشيف البريطاني، فقد كانت بريطانيا طرفًا في صراع مع مصر امتد منذ الاحتلال البريطاني في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. ورغم قيام ثورة يوليو 1952 أصبح الصراع بين مصر وبريطانيا أشد ضراوة ووصل الى ذروته في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من قبل كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
ولقد جعل هذا الصراع المستمر بين مصر وبريطانيا الوثائق البريطانية ذات قيمة كبيرة للباحث، حيث يجد بها تفسيرًا لكثير مما يتعلق بالطرف الثاني من الصراع، والجديد في هذه المجموعة من الوثائق البريطانية أنها تكشف أسرارًا جديدة وحقائق في الكثير من ملفات الثورة المصرية التي لم تكن الرؤية واضحة بشأنها حيث تدخلت بريطانيا في جميع الشئون الداخلية المصرية.
بداية قبل قيام الثورة بعدة أيام رصدت الوثائق البريطانية الأوضاع الداخلية المتدهورة، ففي 26 يناير عام 1952 اجتاحت القاهرة مظاهرات عنيفة ومدمرة، للتعبير عن العداء للبريطانيين، فقد بدأ اليوم بمظاهرة عنيفة قامت بها بعض الجماعات المتطرفة؛ لكن السخط الجماهيري سيطر عليها، بعد ذلك جاء حريق القاهرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر النظام الملكي في مصر، فالشعب حمَل فاروق مسئولية الحريق، خاصة أنه حاول استثمار الوقائع لصالحه وصالح الإنجليز، فما أن أعلن النحاس الأحكام العرفية، وتولي منصب الحاكم العسكري حتى استبعده الملك فاروق، وعيَن علي ماهر، وبذلك حقق بعض أهدافه، كإبعاد حكومة الوفد، والحفاظ على سلامة علاقاته مع الإنجليز.
أتاحت الوثائق البريطانية الاطلاع على التفاصيل الكاملة لأحداث يوم حريق القاهرة وتبعاته والذي يعد بمثابة الفتيل الذي أشعل نار ثورة يوليو 1952.
وكانت ليلة الثالث والعشرين من يوليه 1952، ليلة حاسمة في تاريخ مصر الحديث حينما انطلق الضباط الأحرار ليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية لعصر جديد مشرق في تاريخ مصر والعرب والشرق الأوسط بل ودول العالم الثالث وانتصرت إرادة الشعب المصري الذي التف حول الضباط الأحرار لنبذ الظلم واستعادة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ويلاحظ أن أهم ما ركزت عليه التقارير البريطانية هو رصد رد فعل الشعب المؤيد لحركة الجيش، وذلك من الترحيب والهتافات المؤيدة التي قوبلت بها القوات المسلحة المصرية لدى دخولها الإسكندرية في 25 يوليو.
وقد عكست الوثائق البريطانية موقف بريطانيا من أحداث يوم 23 ثورة يوليو 1952 وفي البرقية التالية تصف بريطانيا محمد نجيب وحركة الضباط الأحرار باعتبارها الأكثر تطرفًا في تاريخ مصر وأن المرحلة القادمة سوف تشهد سوء فهم بين مصر والقوي الغربية ومنها بريطانيا.
وفي الوثائق البريطانية نجد ما يشرح ردود الفعل في الخارجية البريطانية ووزارة الحرب في لندن، بأن الحكومة البريطانية لا ترغب في التدخل في الشئون الداخلية المصرية، وخاصة أن ما ورد في بيان الثورة من أن الجيش المصري سيكون مسئولا عن حماية أرواح وممتلكات الاجانب قد طمأنهم.
ورغم نجاح حركة الجيش في 23 يوليو 1952 واستيلائها علي الحكم وتحكمها في أمور البلاد فإنها واجهت بعض الاعتراضات البريطانية علي الحكم العسكري وتتبع لبعض خطب وتصريحات أعضاء مجلس قيادة الثورة، وموقف النظام من الإخوان المسلمين.