يرى الناقد أن الروائي انصرف عن فلسفة حادثة 11 سبتمبر في روايته "الإرهابي 20"، واعتمد أسلوباً حكائياً في سرد التفاصيل، وأضفى واقعية تسجيليّة، بمزاج قليل من الخيال، فوظف التقارير الرسمية في النص السردي، وجعل الحكاية تسرد على لسان صاحبها، لا عن راوٍ عليم.

حادثة 11 سبتمبر في «الإرهابي 20» لعبد الله ثابت السعودي

سفيان عبد الستار الفاروقي

مسألة الغرب لاتزال موضوعاً للبحث والمناقشة منذ ما بعد الاستعمار وأن هوية الآخر تأخذ مكانة غير متروكة عند أدباء العالم، إن كان في الغرب أم في الشرق. تُفهم دراسة تصوير العرب عن الغرب، وأحداثهم كدراسة عكسية للاستشراق، وهذه الدراسة الانعكاسية تقول لنا قصة مختلفة من الاستشراق. رمزت هجوم مركز التجارة العالمي والبنتاغون في أمريكا بحادثة 11 سيبتمبر، ومن العادة أن ترمز الأحداث الكبرى التي لها أثر واضح في تشكيل السياسات العالمية(1). ورفعت الشكوك وأثارت الضجة نحو هذه الحادثة كأنها مستعدة من جانب أمريكا نفسها لشروع الحرب ضد الإرهاب(2).

يرى بعض المراقبين والخبراء أن العلاقة بين الغرب والعرب تحسنت من منطلق هذه الحادثة، ولكنها بأمس الحاجة من العمل المزيد، إذْ أن الحوار بين الأديان والحضارات يقتضي مراعة النظر ومن صميم الحياة الاجتماعية في العصر الحاضر. ومن نافلة القول أن جلّ المسلمين الممارسين رفضوا محاولات تنظيمات الإرهاب لتوجيه قلوبهم نحو العنف والصدمة كحل لمشاكل واقع الحياة. ويعتقد الخبراء أن السياسات الخارجية تجب أن تمثّل أرواح القيم بين الثقافات، ولا بد أن يكوّنها في إطار الرؤية العالمية التي تراعي أعضاء العالم كأمة متماسكة من ناحية الانسانية، لا تكن مناورة سياسية لأن في التعايش سلام وفي السلام أمن(3). ويقول الأستاذ برهان غليون: "فقد ابتهج الرأي العام العالمي لانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتعشت الآمال في قيام عالم جديد متعدد الأقطاب بعيداً عن النزاعات لمعالجة مشاكل التنمية والفقر والبيئة والأمراض، لكن خيبة الآمال كانت كبيرة بسبب قيام النظام العالمي الجديد الذي اعتمد الأحادية. وجاء هجوم أيلول ذريعة لقيادة العالم من قبل ذلك النظام. فاحتلت أمريكا أفغانستان والعراق بحجج مختلفة بهدف تثبيت سيطرتها على الاقتصاد العالمي وإعادة توزيع الشرق الأوسط ودعم إسرائيل"(4).

11 سبتمبر والرواية العربية

وضعت بعض الروايات العربية على هذه الظاهرة نتيجة لتأثير الحادثة، منها: "ريح الجنة" لتركي الحمد (السعودي من مواليد 1952)، و"الانتحار المأجور" للآء الهذلول (السعودية من مواليد 1981)، و"شيكاغو" لعلاء الاسواني (المصري من مواليد 1957)، و"القاهرة الصغيرة" لعمارة لخوص (الجزائري من مواليد 1970)، و"سنونوات كابول" لياسمينة خضرا (الجزائرية من مواليد 1955)، و"الإرهابي20" لعبد الله ثابت (السعودي من مواليد 1973).

نرى تصوير الغرب وأفكارهم وأفعالهم بواسطة أقلام أدباء العرب منذ عصر النهضة وساعدت البعثات العلمية لربط حبلها إلى حد كبير. وهذه الروايات توجهنا إلى فكرة جديدة حول المؤثرات الأدبية الجديدة لأنها وقعت بعيدة من عالم العرب جغرافيا. ومن الطبع، أن يوجد التأثير والتعبير على احتلال الفرنس وحرب الخليج واكتشاف النفط وغيرها من الأحداث الأخرى في إنتاج الادب العربي وكلها وقعت على جدار عالم العرب، ولكن 11 سبتمبر تمتاز من بعد وقعتها من العالم العربي ومن عدم وجود المسئولية على دولة خاصة. كيف أثرت على أقلام أدباء العرب؟ وفيها تناسب المناقشة عن محور اهتمام العولمة عند الادباء عامة والعربيين خاصة.

"الإرهابي 20"

رواية عبد الله ثابت(5) "الإرهابي 20" ترفع أسئلة عدّة أمام القرّاء ولكنها لا تدلي بصوتها الواضحة بموقف خاص نحو الاسئلة، ولا تعطي الأجوبة القاطعة، بل تنقلنا إلى التفكير حول الموضوع. أن الكاتب يعتمد الأسلوب الحكائي في صياغته، وأن الأسلوب المتبع في الكتابة ينصرف على أن تفلسف الحادثة، ولكنها تنير الانفعال والفكرة في ذهون القرَاء. واعتمد أسلوباً حكائياً في سرد تفاصيل التجربة المهمة التي تتناولها في هذه الرواية، أن المؤلف أراد إثمار نوع من الواقعية والصورة بمزاج قليل من الخيال فتجيء الحكاية على لسان صاحبها، لا عن راوٍ عليم ولا مسئولي، بل يضيف أو يحذف ويحكى الحادثة من الألف إلى الياء، وقد يرى أو لا تغني كل الأشياء كأنه يـأخذ روح المسافر العادي، ويعتمد الكاتب الروائي على التقرير الرسمية عن الحادثة، فتُقرأء كرواية واقعية، تقلّ فيها درجة الخيال ويصبح هو -كمؤلف- مجرد ناقل للحدث، ومن ثم يبعد بنفسه عن أية ضجة متسائلة أو ملاحقة من أي جهة، وتلك النقطة، تحدد بمزيد من اليقين الخيالي في أن زاهي الجبالي ما هو إلاّ عبدالله ثابت.

وفي هذه الرواية، يقول زاهي-البطل– قصة حياته من البدء، أنه يصوّر الحياة كرحلة غير عادية، فيصف الأمكنة والأشخاص والأحوال التي يلتقي أثناء هذه الرحلة. ويصف مكانته بين أعضاء الأسرة قائلاً، "كنت سابع الذكور وتاسع الأولاد وفي الأسرة كلها كنت الحادي عشر وهذه أرقام تعجبني"(6). إنه يقضي طفولته برعي الأنعام والفلاحة كالعادة في عالم العرب ومنها نفهم ولادته ونشأته الاولى تكون في قرية من قرى البادية. ثم تنتقل أسرته إلى قرية أخرى بسبب الصراعات الداخلية. وفي عمره من الستة، ألحقه في المدرسة الابتدائية لتعلّم العلوم الاوّلية، أراد الوالد أن يدرَسه في مدرسة حكومية عادية كغيرها من المدارس، بل أخوه المتديّن يضطر بكل ما يطيقه أن يأخذه إلى المدرسة القرآنية لأنه يعمل فيها معلّما. يقول له حثًا لالتحاقه: اهي .. المدرسة القرآنية تضمن بها الجنة، فيها تحفظ القرآن، وتصير شيخاً كبيراً ويحبك الناس ويطلبون إليك أن تدعوا لهم"(7). أيا كان، إنه التحق بالمدرسة الدينية بغير رضاء من نفسه، وفي أيامها البدائية، كان يكره جميع نظام المدرسة وأساتذتها وابتعد عن أسرته بأنها مضاد لهواه. وكان يحب الموسيقي والارتحال بدون الهدف ولكن إدارة المدرسة والأسرة تمنعونه من جميع لذّات العيش. ولكن قد تحوّل عيشه وطبيعة حياته بعد أن شبّ، التحق للدراسة العليا وقرب بجماعة تهتمّ بالأمور الدينية وأن هذه الجماعة تحث أعضائها أن تترك جميع لذّات العيش وزينتها وأن يجهد في سبيل الله. وفي هذه الحالة، إنه بعُد عن أسرته أيضاً لأنه يراهم كأولياء الشيطان، وصار قائداً وخطيباً وإماماً ورئيساً للجماعة مع علمه بأنّ لها غايات غامضة، ولكن بقي معها حتى أن يترك الأسرة وأعضائها، وفجع أبواه عنه كثيراً عن بعده من الأمور الدينية وأحكامها في أوّل الأمر، وغلوّه وشغله مع الأمور الدينية إلى حدّ بعيد في آخرها!

لم تطل هذه الحياة الدينية الناشطة الباعدة عن زينة الدنيا إلّا بعض الشهور. اتّهمت عليه القرابة الغالية مع الاولاد والعلاقة الجنسية معهم، اتهموا خلق اللوطة عليه ولكنه رفض الاتهام بادعاء انه يقودهم وينهضهم ويحث عليهم أن يشكّل الحياة بقاعدة الدين وبكرامتها. ولكنّه تخلّى عنها سريعاً أو أنه اضطرّ أن يترك هذه الجماعة لما اشتدّت الاتهام والشكوى عليه. بعدئذ، أنه بدأ أن يكتب المقالات والقصص والشعر في الصحف والمجلّات، وكتب عن الموسيقى لأن أهل قريته مولع بالموسيقى، وله ذكريات حلوة عن القرية التي تولع وتعيش بالموسيقى واللحن، وأنه يقول: كتبت في الربع الأوّل من عام الفين وواحد (2001)، مقالاً يتحدّث فيه عن الموسيقى، وذكرت بعض مما قيل في فضائلها من رموز الثقافتين العربية والغربية قديمهم وحديثهم، فأوردت نقولات عن افلاطون وفولتير وعن الشافعي والشوكاني وابن رشد وغيرهم عن أثر الموسيقى وترقيقها للطبع وتهذيبها للنفس(8). فوجدته الأسرة والمجتمع كصاحب الغرب والثائر على الدين والحكومة.

ولما يقرأ رواية العصفورية لغازي القصيبي جالساً في مكتبه، انه شاهد المذيع في قناة الجزيرة، يخرج بشكل مذهل وقال إن امريكا تتعرّض لاختطاف طائرة مدنية وتنتقل الكاميرا للمتابعة. الطائرة الأولى تصطدم على البرج الشمالي من مركز التجارة العالمي والثانية على البرج الجنوبي والثالثة على البنتاغون. وبعد وقت قليلة، تظهر الفيديو التي تعلن بن لادن مسئولية هذا الاختطاف والهجوم، ولما ظهرت اشرطة الفيديو التي يتحمّل فيها ابن لادن مسئوليتها، تأتي بعض اللقطات لتدريبات الشباب الصغار الذين شاركوا معه في هذه الحادثة وأناشيدهم الحماسية وجلساتهم على الأرض والخطب والصيحات التي يتداولونها فيما بينهم وأنه علم وجاء النور إلى خياله بذكريات الأيام الماضية مع هذه الجماعة الانشطة، وهذه المشاهد بعينها كان يعيش أجوائها في المخيمات. وانه يفهم ويعترف جميع الإرهابيين الذين صاحوا وصرحوا في تلك الفيديو وهم تسعة عشر، ولوكان زاهي معهم كأعضاء الجماعة، فيكون عشرين، ولذا يصف نفسه الإرهابي 20. محمد أحمد القحطاني يعد كارهابي 20 حسب الرواية الامريكية عن الحادثة(9)، وتناول الروائي هذه الايكونة لحكاية السرد بطول الرواية.

هذه الرواية تنتقلنا إلى موقفين متضادتين لأنها اتخذت أسلوب الحكاية، ويقول عبد الله ثابت حياته بلسان زاهي من ناحية أولى، وأن تجرّباته وتدريباته في الجامعات السعودية تؤدّي إلى جماعة ارهابية، أي أن نظام التربية بالمملكة تسبب لوسعة الإرهاب والتطرّف، وثانياً إدعاء أمريكا بإضافة الهجوم إلى القاعدة ليست حقيقة، لأن أشرطة الفيديو من مخيمات الجماعة التى أذاعت بالقناة تقود إلى موقف آخر، وفيها شاركت زاهي ايضا، وأنها ليست جماعة ارهابية، بل جماعة دينية بغلوّها فقط. وان هذه الجماعة لا تمكن أن تقوم بحادثة كبرى مثل هجوم 11 سبتمبر. إذا كان الروائي متقناً على أن هذه الجماعة سببت إلى الهجوم، فترفع كثير من الأسئلة التي لا نجد جوابها في الرواية. كيف استطاع أن ينجي منها بعد اكتشاف جميع الأسرار عليها؟ وهل تعتني الجماعة الإرهابية عن خلق أعضائها؟ وأن جميع رموز الرواية التي تشير إلى طبيعة الإرهاب قديمة ومستعملة عند دول الاستعمار لاتهام التطرّف والإرهاب على الغير، وعلى الدولة الاسلامية خاصّة.

إنه يحاول أن يثبت الإطار النمطي عن الإرهاب والتوسط، إذْ يمثّل الإرهابيين يقضي حياتهم على المخيمات ويصرحون بغير حاجة ويضحيون حياتهم على الغايات الرخيصة، وان المتوسطون في الأديان يكون مستمعين إلى الموسيقي ويقبلون الثقافة الغربية ويقص اللحية ويترك القبعة واللفاع. بل يحاول الروائي أن يثبت بعض الحقائق تتعلّق بغلوّ الدين وشغل الشبان به، وأن هذا الجيل الذي ندعوهم الجيل الجديد يعتقدون في بالغية الأمور ويمارسون كما مثّل الروائي، وابتعد بطل الرواية عن الأسرة بموقفه على أحكام الدين في أوّل الأمر، وابتعد عنهم مرة ثانية بشدة التطرّف الديني، وهذه طبيعة الجيل الحاضر، لا يمكن أن يثبت متوسطاً في المواقف والاعتقادات والتفعيلات.

 

الهوامش

(1) رمزت جميع الاحداث التي صبغت بتحوّلات سياسية بالتواريخ مثل اكتوبر 17 (ثورة روسية) ويونيو 25 (ثورة الفل) و11/7 (هجوم ممباي من الهند) وغيرها.

(2) بعد سنوات من الحادثة، قد اشار بعض الخبراء العالم ان هذه الحادثة متهيئة من جانب امريكا وستحصل المعلومات الوافرة في صحف خاص عن هذه الحادثة وهناك مقالات عدة تعالج بخلقها الزيفي.

(3) للقراءة الوافرة عن التحوّلات في عالم العرب والاسلام ما بعد هذه الحادثة، انظرعالم الاسلام بعد حادثة 11 سبتمبر، جمعت فيه مقالات من الخبراء والمراقبين.

(4) العرب والعالم ما بعد سبتمبر 11، دار الفكر المعاصر،2005 لبرهان غليون، هو مفكر سوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون وخريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع‏. ويعتبر برهان غليون من أبرز المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.

(5) عبدالله ثابت، شاعر وقاص سعودي. ولد في منطقة عسير في 6 مارس 1973م. يُعد من المؤلفين الفاعلين في الساحة العربية والمحلية. أصدر عددا من الدواوين الشعرية مثل: "الهتك والنوبات وأخيراً وديوانه "كتاب الوحشة". يكتب زاوية أسبوعية بجريدة الوطن، وهي أول زاوية تصدر بصحيفة ورقية وتعتمد على تزويد القراء بروابط لمواقع إليكترونية من أبرزها موقع اليوتيوب. شارك في العديد من الأمسيات الشعرية المحلية والعربية والدولية، وفاز بجائزة المفتاحة عام 2004م عن قصيدته "ربما قالها".

(6) الإرهابي 20 لعبد الله ثابت، ص: 28.

(7) المرجع السابق، ص: 52

(8) المرجع السابق، ص: 168

(9) تقرير لجنة حادثة 11 سبتمبر، الباب الاوّل، ص: 28.