تعيد (الكلمة) نشر هذه الدراسة لأهمية المشروع الذي تتناوله لمستقبل مصر، ولأنها أشمل ما كتب حتى الآن عنه. كما تشارك (الكلمة) كاتبها أهمية استقلال هذا المشروع وامتلاك مصر الكامل له كي تحقق استقلالها السياسي، والتحذير من مخاطر تسرب رأس المال الأجنبي، بصورة تعيد مأساة القناة الأم مع السيطرة الاجنبية.

تنمية قناة السويس.. مشروع لمستقبل مصر

مقابل مشروع سلخها من الوطن

أحمد السيد النجار

على درب المشروعات العظمى التي غيرت وجه مصر فى العصر الحديث، يأتى مشروع قناة السويس الجديدة. وهذا الدرب المثير للفخار يزينه سد مصر العالي وهو أعظم مشروع بنية أساسية في العالم في القرن العشرين وهو الدرع والحماية لمصر من ويلات الفيضانات المدمرة والجفاف القاتل، وهو الذى كون لمصر بنكا مركزيا للمياه يتمثل في بحيرة ناصر ومكنها من إضافة 2 مليون فدان كأرض زراعية جديدة، ومنحها طاقة كهربائية مكنتها من التوسع الصناعي وإخراج الريف المصري من ظلام عشرات القرون.

كما تأتى قناة السويس الأولى كجوهرة على هذا الدرب حيث حولت مصر لممر لعشر التجارة العالمية بإيرادات متجددة بلا تكاليف تقريبا، وبنقلها لكتلة كبيرة من السكان خارج الوادي والدلتا المكتظين بالسكان.

ويأتي مشروع قناة السويس الجديدة كمحرك عملاق للاقتصاد المصري يمكنه أن يمنحه دفعة قوية للخروج من مأزق البطء والركود وضعف القدرة الاقتحامية منذ سنوات طويلة. فالبنية الأساسية للمشروع والمتمثلة فى حفر القناة الجديدة والأنفاق الستة التي ستربط شرق القناة بغربها وضمنها نفقين للسكك الحديدية سوف تخلق عددا كبيرا من فرص العمل مما يساهم فى تخفيف مشكلة البطالة. أما المشروعات الصناعية والخدمية التي سيتم تأسيسها فسوف تخلق أضعاف هذه الفرص تبعا لحجم تلك المشروعات واحتياجاتها من العمالة. والقناة الجديدة ليست قناة كاملة وموازية لقناة السويس بل هي عبارة عن وصلة جديدة تماما سيتم حفرها على الجاف بطول يبلغ 35 كيلومترا، أى أكثر قليلا من خمس طول القناة الحالية.

ويضاف إليها عملية تعميق بطول 37 كيلومترا لتمكين السفن ذات الغاطس الكبير من المرور في القناة في الاتجاهين. وهذا سيمكن قافلة السفن القادمة من الشمال من قطع القناة بلا توقف، ونفس الأمر بالنسبة لقافلة الجنوب بدلا من الانتظار الحالي لمدة تصل لثماني ساعات. وهذا السير بلا توقف سيجعل زمن الرحلة في القناة نحو 11 ساعة بدلا من نحو 20 ساعة. كما أن هذا الأمر سيؤدى تلقائيا إلى قدرة القناة على استيعاب عدد ضخم من السفن المارة فيها. وإذا كان عدد السفن التي تمر بالقناة حاليا يبلغ نحو 18 ألف سفينة سنويا، فإن المشروع الجديد سيمكن القناة من تمرير أكثر من ضعف هذا العدد سنويا.

كما أن قدرة القناة بعد هذا المشروع على تمرير السفن ذات الحمولات العملاقة سوف تتضاعف بما يتيح تحقيق زيادة كبيرة في إيرادات المرور، وفى حصة القناة من التجارة العالمية. وإذا كانت تكلفة المشروع إجمالا ستبلغ نحو 67 مليار جنيه، فإن آلية التمويل ستحدد انتماء المشروع لروح 1956 عندما أمم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر القناة واستعادها مصرية خالصة من براثن الرأسمالية العالمية التي اغتصبتها بالتآمر والتحايل والعدوان، أم إلى روح زمن الحفر الأول للقناة بتمويل أجنبي انتهى بمصر للوقوع فى فخ الديون الخارجية الذى انتهى بالاحتلال الاستعماري الإجرامي البريطاني لمصر.

لذا يجب من البداية التأكيد على ضرورة أن يكون تمويل بناء القناة مصريا، على أن تكون مشاركة رأس المال العربي والأجنبي فيما بعد في المشروعات الصناعية والخدمية، فالقناة القديمة والمشروع الجديد يجب ان يظلا ملكا خالصا لمصر. وقد جاء تأكيد الرئيس على مصرية القناة وعلى الاعتماد على الاكتتاب العام كآلية رئيسية للتمويل وعلى البنوك الوطنية والتمويل الحكومي ليؤكد على القطيعة بين المشروع الجديد الذى يحمل أملا عظيما لمصر، ومشروع الرئيس المعزول الذى كان يهدد بكارثة اقتطاع منطقة القناة من مصر لصالح الرأسمالية العالمية وزكائب النقود القطرية والتنظيم الدولي للإخوان.

ومن موقع الأهرام كأكبر صحيفة مصرية وعربية، وباعتبارها عمود خيمة الإعلام والصحافة في مصر، وصوتا للوطن وللدولة، فإن الأهرام ستتبنى تطوعا لترويج الاكتتاب العام لبناء هذا المشروع القومي العملاق الذى يعد بوابة مصر الكبرى للانطلاق الاقتصادي، لتستنهض كل القدرات الادخارية لدى الشعب المصري العظيم في داخل مصر وخارجها لبناء مستقبل ومصير ومسار بلاده بأمواله وعقول وسواعد أبنائه، فهكذا تبنى الأمم العظيمة مجدها.

عبقرية الموقع الاستثنائي وقيمته الاقتصادية

تتمتع منطقة قناة السويس بموقع استثنائي فريد لا نظير له في ملتقى قارات وأسواق وخطوط التجارة العالمية. لكن مصر لم تستغله كما ينبغي لأنه يقع في منطقة عمليات عسكرية ظلت ملتهبة لوقت طويل بما جعل أي مشروعات تقام فيها في ذلك الوقت مجرد رهائن للعدو، فلم يحدث الاستغلال الأمثل لها، نتيجة لوضعها الخاص، وليس نتيجة للتقصير. ومع عقد التسوية السياسية منذ 35 عاما، أصبحت تنمية المنطقة وتوسيع نطاق استغلالها اقتصاديا أمرا ممكنا. وأجريت الكثير من الدراسات في هذا الشأن. لكن المنطقة تبقى ذات وضعية خاصة باعتبارها منطقة استراتيجية بالمعنى الضيق أي العسكري، ومنطقة عمليات محتملة حتى ولو كانت الجبهة الشرقية لمصر باردة في الوقت الراهن، فنحن لا نضمن سلوك دولة معادية نشأت بالاغتصاب وتستمر بالعدوان. وهذه الوضعية الخاصة تضع قيودا على جنسية المستثمرين ونوعية الاستثمارات وطبيعة البنية الأساسية في المنطقة.

ويتميز موقع منطقة قناة السويس بانخفاض نفقات النقل والتأمين بينه وبين الأسواق الرئيسية في العالم. كما أن وجود مناطق تجارة حرة بين مصر وكل من دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية ودول الشرق والجنوب الإفريقي، يعفى السلع المنتجة فيها والتي تتضمن النسب المطلوبة من المكونات المصرية، من الرسوم الجمركية عند دخول تلك الأسواق. وهذا الأمر يرشحها لاستقطاب استثمارات صناعية من البلدان المصدرة لهذا النوع من الاستثمارات وبالذات من مناطق الأطراف فى العالم مثل اليابان والصين وكوريا والشرق الأقصى والأمريكتين، لاستغلال انخفاض أجور العمالة في مصر وقربها من السوق الأوروبي وهى أكبر سوق في العالم.

كما أن وجود عدد كبير من الخامات المعدنية والمحجرية فى مصر بكميات تجارية، وقربها من مراكز مهمة لهذه الثروات الطبيعية في إفريقيا، وقربها أيضا من منطقة الخليج التي تعد خزان النفط الرئيسي في العالم، يجعلها مرشحة لاستقطاب استثمارات صناعية متنوعة. كما أن المنطقة مثالية للتخزين وللعمل كمركز لتجارة الترانزيت على مشارف الأسواق الكبرى، بما يسهم أيضا في زيادة حصة قناة السويس من التجارة العالمية عن النسبة الحالية التي تبلغ نحو 10% من حجم التجارة العالمية.

كما أن مرور أكثر من 18 ألف سفينة فى القناة حاليا ومرشحة للتضاعف بعد تنفيذ المشروع الجديد، يجعل منطقة القناة مؤهلة للقيام بدور التموين بالوقود والمؤن لهذه السفن، ومؤهلة أيضا لبناء أحواض لصيانة وإصلاح السفن، ولبناء السفن كليا بعد ذلك.

كما أن أطقم السفن والتي تتجاوز المليون شخص سنويا يمكن أن تضيف رافدا جديدا للسياحة لو تم إعداد برامج قصيرة للسياحة والتسوق في مصر لهذه الأطقم. لكن فرص واتجاهات التنمية الممكنة لإقليم قناة السويس، تختلف عن التنمية الواقعية الممكنة في الوقت الراهن، حيث ينبغي أن تعتمد التنمية في هذه المنطقة الاستراتيجية بالمعنى العسكري الضيق، على الدولة المصرية والقطاع الخاص المصري بكل أحجامه بصورة اساسية. وربما يكون من المفيد التذكير بمشروع الرئيس المعزول لندرك عمق الفارق بين المشروعين.

مشروع مرسى لسلخ إقليم القناة:
وفقا لمشروع الرئيس المعزول د. محمد مرسي، يتمتع رئيس الجمهورية وحده دون أي مشاركة من سلطات أخرى، بسلطة مطلقة على إقليم قناة السويس. ووفقا لمشروع القانون الخاص بتنمية إقليم قناة السويس، كان الرئيس هو الذى يضع الحدود الجغرافية للإقليم (مادة 1 أ)، ويشكل مجلس إدارة هيئة تنمية الإقليم ويعين رئيسها، ويقسم أعضاء مجلس الإدارة ورئيسه اليمين أمام الرئيس (مادة 8)، ويعزل رئيس مجلس الإدارة أو أي عضو فيه وقتما شاء كحق مطلق لا توجد قيود عليه (مادة 7)، ويضع النظام الأساسي للهيئة (مادة 2)، ويحدد إجراءات وتواريخ انتقال مهام ومسئوليات الوزارات والمحافظات إلى الهيئة.

وللرئيس حق دعوة مجلس إدارة هيئة تنمية الإقليم للانعقاد، وتكون له رئاسة جلساته في حالة حضوره. وبما أن السلطات المطلقة، مفسدة مطلقة، فإن السلطات المطلقة التي كان مشروع القانون المذكور يمنحها للرئيس كانت ستفتح بوابات جهنم لسوء استخدام السلطة والفساد والمحسوبية في زرع أنصاره السياسيين بغض النظر عن الكفاءة. أما الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس فكان لها وفقا لمشروع القانون جميع اختصاصات الوزراء ورؤساء الهيئات العامة، ويلتزم محافظو الإقليم بالاشتراك مع الهيئة في تنفيذ أحكام هذا القانون (مادة 6).

وتتولى الهيئة وفقا للمادة (20)، رسم السياسة العامة لتنمية الإقليم والخطط والبرامج والمشروعات اللازمة وترفعه للرئيس لاتخاذ القرار بشأنها، وتقر الهيئة العقود (محلية أو دولية) التى تكون طرفا فيها، وتضع شروط ومعايير التخطيط العمراني والبناء والمرافق والبيئة بما يدعم قدرتها التنافسية، وهو حق مطلق يهدد بالاعتداء على الاعتبارات البيئية تحت دعوى تقليل التكاليف لضمان القدرة على المنافسة. كما تضع الهيئة شروط ومعايير التراخيص لإقامة أي مشروعات أو أنشطة بالإقليم أو وقفها أو إلغائها، دون التقيد بأي شروط أو معايير أو قوانين أخرى. وتضع الهيئة لنفسها نظمها الخاصة بإنشاء وإدارة الموانئ، ونظم العمل والتأمينات دون التقيد بأي قوانين أخرى.

كما أن مشروع القانون كان يمنح الهيئة حق إصدار قرارات تقسيم الأراضي وتراخيص إنشاء وإدارة المرافق العامة والبنية الأساسية والشركات والمدارس والمعاهد ودور الحضانة والمستشفيات والمراكز العلمية والبحثية والطبية والثقافية والنوادي وغيرها من الأنشطة الثقافية والتعليمية والصحية والاجتماعية داخل قطاعات الإقليم. وتلك المادة التي تتضمن كل تلك الاختصاصات للهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، كانت تجعل من الإقليم دولة داخل الدولة. وفى ظروف الاضطراب السياسي الذى أثاره د. محمد مرسى منذ إعلاناته «الدستورية»، فإن المستثمرين المرشحين للاستثمار في مصر لم يكونوا سوى طرف مناصر أيديولوجيا له، أي جماعة الإخوان وحزبها والتنظيم الدولي للإخوان والإمارة الخليجية التي كانت تساند حكم الجماعة في مصر.

كما أن مجلس إدارة الهيئة الذى كان الرئيس سيختاره من حزبه وجماعته كما عودنا في اختياراته للوظائف العامة، كانت له سلطة تحديد كل شيء في الإقليم، بينما ينهى دور كل المؤسسات التي من المفترض أن ينتخبها أبناء الإقليم من إدارات محلية ومجالس نيابية، بحيث يتحولون إلى رعايا لا تمثيل لهم لدى إدارة الإقليم التي يختارها رئيس الجمهورية وحده بلا شريك!! وكان مشروع القانون يعتبر أموال الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، أموالا خاصة (مادة 10)، لكنه ينص في مادة أخرى هي المادة (26) على أن أموال الهيئة تعتبر أموالا عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، وهو تناقض غير منطقي!

ولا يتقيد مجلس إدارة الهيئة بالنظم والأوضاع الحكومية وله سلطة وضع الهيكل التنظيمي وقواعد تنظيم العمل بالهيئة من أجل الاستعانة بأفضل الكفاءات المحلية والعالمية (مادة 9). وهذه المادة تتيح لمجلس إدارة الهيئة أن يضع لنفسه نظاما للأجور ومستويات أسطورية من المرتبات للإدارة العليا، بما يستنزف الإيرادات التي تحصلها الهيئة طبقا للقانون.

وتؤول إلى الهيئة ملكية جميع الأراضي المملوكة للدولة والواقعة داخل نطاق الإقليم الذى يحدده رئيس الجمهورية، فيما عدا الأراضي التابعة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية والأراضي اللازمة لهيئة قناة السويس. وهذه الأيلولة تكمل وضعية الدولة الخاصة الطى تتمتع بها الهيئة، خاصة وأنها تملك حق نزع الملكيات الخاصة للمنفعة العامة (مادة 14). وتعفى الهيئة من الالتزام بالإجراءات التي تتطلبها القوانين واللوائح الجمركية لدى استيرادها أي مهمات أو آلات، كما أنها معفاة من الضرائب على المبيعات. (مادة 16). كما يعفى صافى عائدها من أي ضرائب (مادة 25)، وهو تضييع لحقوق الدولة والمجتمع إزاء المشروعات الرأسمالية في الإقليم.

ووفقا للمادة (27) كانت الشركات التي سيتم تأسيسها في الإقليم معفاة من ضرائب النشاط الصناعي والتجاري لمدة 10 سنوات، وكذلك أي توسعات إضافية لها مدة 5 سنوات إضافية. كما كانت معفاة من ضريبة الدمغة ومن رسوم التوثيق وشهر عقود التأسيس وعقود القروض لمدة 3 سنوات، وهى عودة رديئة لسياسة الإعفاءات الضريبية. كما كانت الشركات ستتمتع بإعفاء دائم من الرسوم الجمركية على وارداتها، بما يعنى تحول الإقليم لبوابة للاستيراد والتهريب إلى باقي الجمهورية بما يضيع على الدولة قسما مهما من حصيلة الرسوم الجمركية على الواردات. كما نص مشروع القانون على أن تلتزم الشركات الموجودة في الإقليم بالقوانين والقرارات المنظمة له والسارية في تاريخ بدء النشاط (مادة 29 بند 5)، أي أن أي رئيس قادم، أو مجلس نواب قادم لا يمكنه وضع قوانين أو قرارات جديدة لهذا الإقليم الذى يجعله مشروع القانون دولة داخل الدولة وإمارة خاصة بالرئيس لا شريك له!! كما تم ابتكار الصكوك كآلية للتمويل لتمكين التنظيم الدولي للإخوان والإمارة الخليجية التي كانت ترعى المشروع الإخواني في مصر، وحتى الرأسمالية العالمية من امتلاك المشروع فعليا، إذا حل أجل الصكوك ولم تتمكن مصر من سداد قيمتها.

المشروع الجديد ينقذ القناة من التهديدات الدولية:
يشكل المشروع الجديد إنقاذا حقيقيا لقناة السويس من تهديدات إقليمية ودولية. فقد كانت المكانة العالمية لقناة السويس مهددة بالفعل، إذا لم تقم مصر بتطوير تعاملها مع القناة وتطوير قدرتها على خدمة حركة النقل العالمية كميا وكيفيا وسعريا. ويأتي التهديد من مصدرين أحدهما صهيوني والآخر روسي.

ويتمثل التهديد الصهيوني للقناة في خطط ربط ميناء إيلات الصهيوني القائم على مدينة أم الرشراش المصرية المحتلة على رأس خليج العقبة، بميناء أشدود على البحر المتوسط. وإمكانية تحقيق هذا المشروع عالية، لكن تكلفته الهائلة والتي سيتم تحميلها على رسوم المرور، تجعل مثل هذه القناة غير قادرة على منافسة قناة السويس. كما أن إسرائيل لا تحتمل عسكريا، أن تشكل مثل هذه القناة حاجزا مائيا يفصل قطاع غزة وجزءا من صحراء النقب عن باقي فلسطين المحتلة. كما أنه سيكون تحت رحمة الصراع المتواصل في فلسطين المحتلة. ومع المشروع الجديد في قناة السويس ستنتهى إمكانية إقدام الكيان الصهيوني على تنفيذ هذه القناة.

أما المسار الأخطر فعلا فهو «القناة» البرية بين إيلات وأشدود، والتي تقوم على استقبال ميناء إيلات للسفن القادمة من آسيا وشرق وجنوب إفريقيا، وإنزال الحاويات منها، ونقلها بريا (سكك حديدية أو سيارات النقل الثقيل) إلى ميناء أشدود، ليعاد تحميلها على سفن أخرى تنقلها لمقصدها النهائي. والعكس بالنسبة للتجارة القادمة لميناء أشدود ومتجهة إلى آسيا وشرق وجنوب إفريقيا.

وهذه القناة البرية تعمل في الوقت الراهن في صمت وبمستويات محدودة، لكن أي تطوير لوسائل النقل بين ميناءي إيلات وأشدود، وتحديدا السكك الحديدية، كان من الممكن أن يسبب أزمة لقناة السويس، ولم يكن هناك من سبيل لمواجهته إلا بتطوير القناة وخدماتها وقدرتها التنافسية، وهو ما يقدمه المشروع الجديد لقناة السويس.

وهناك أيضا مشروع القناة التي يمكن أن تربط بين ميناء إيلات والبحر الميت، ثم من هذا الأخير إلى البحر المتوسط، وهذه القناة تنطوي على تعقيدات فنية وتكلفة باهظة، نظرا للفوارق الكبيرة بين مناسيب المياه، بما يجعل انتقال السفن يتطلب أهوسة للإنزال وأخرى للرفع، ويجعل تكلفة ورسوم مرور السفن مرتفعة، ولا يمكنها أن تنافس قناة السويس، كما أنه يخلق موانع مائية تقسم فلسطين المحتلة طولا وعرضا، وهو أمر غير مقبول عسكريا في الكيان الصهيوني.

وبعيدا في شمال شرقي العالم هناك تهديد يتمثل في خطط ربط شرق آسيا بأوروبا، بخط للسكك الحديدية عبر الأراضي الروسية، ليتم من خلاله نقل التجارة السلعية بين الطرفين. لكن هذا التوجه تعترضه عقبات جدية، فتجارة كوريا الجنوبية مع أوروبا، ستمر في هذه الحالة عبر كوريا الشمالية، التي ستكون في وضع متحكم فى حركة هذه التجارة، وهو أمر يستحيل على كوريا الجنوبية قبوله، فضلا عن إضراره بصناعة السفن الكورية.

كما أن الجزء الأكبر من الصادرات الصينية يخرج من موانئ بحر الصين الشرقى وبحر الصين الجنوبي. ومن الأسهل لها أن تتوجه مباشرة إلى طريقها المعتاد عبر قناة السويس. وهناك عقبة أخرى هي مرور خط السكك الحديدية في مناطق شديدة البرودة طوال الشتاء الروسي الرهيب، بما يرفع تكاليف إبقائها تعمل بكفاءة طوال العام. أما العائق الكبير الآخر، فهو صعوبة وضع الدول الأوروبية تجارتها الخارجية مع شرق آسيا الذى يتحول تدريجيا إلى القلب الاقتصادي للعالم، تحت رحمة روسيا.

مشروعات التنمية الممكنة فى منطقة القناة:
هناك عدد كبير من المشروعات التي يمكن أن تشكل الروافع الأساسية لتحقيق التنمية فى إقليم قناة السويس، سواء ارتبطت هذه المشروعات بقناة السويس نفسها، أو بالموارد الطبيعية المتاحة فى محافظات المنطقة المحيطة بها، ويمكن تركيز هذه المشروعات التنموية الممكنة في المشروع الجديد على النحو التالي:-

أـ تطوير وتوسيع وإنشاء موانئ لاستقبال وتخزين البضائع شمال قناة السويس (بورسعيد وشرق التفريعة ودمياط وميناء العريش الذى يجرى إنشاؤه) وجنوبها (العين السخنة وسفاجا والأدبية)، وعقد الاتفاقيات المسبقة مع الشركات العالمية الكبرى المهيمنة على جزء كبير من نقل التجارة العالمية مثل شركة ميرسك، لاستغلال أو تأجير مواقع التخزين في تلك الموانئ التي ستتحول بهذه الصورة إلى موانئ رئيسية للتجارة المحولة، أي تجارة الترانزيت، وسوف تهيئ هذه الموانئ فرصة حقيقية للدولة ولرجال الأعمال لتأسيس وتطوير دور مصري خالص في تجارة الترانزيت العالمية، سواء بصورة منفردة أو بالمشاركة مع مستثمرين عرب أو أجانب.

ب ـ إنشاء خطوط سكك حديدية غرب قناة السويس تربط موانئ البحر الأحمر الواقعة جنوب قناة السويس بموانئ البحر المتوسط الواقعة شمال القناة، لنقل الحاويات بينهما ذهابا وعودة بصورة مباشرة دون المرور بقناة السويس، أو بمعنى آخر زيادة طاقة نقل التجارة الدولية عبر مصر بما يتجاوز أضعاف سعة وطاقة قناة السويس نفسها، على أن تقوم مصر بتحصيل إتاوات على نقل التجارة الدولية عبر هذه «القناة» البرية، وهذا الأمر سيتيح فرصة تطوير المنطقة المحيطة بخطوط السكك الحديدية واستغلال الخامات وإمكانات التصنيع والسياحة المحيطة بها.

ت ـ تمر في قناة السويس أكثر من 18 ألف سفينة سنويا، وهو عدد مرشح للتضاعف عند استكمال المشروع الجديد، وهذا العدد الكبير من السفن يحتاج للصيانة والإصلاح، بما يحتم بناء أحواض جافة لصيانة وإصلاح السفن، بل وبناء السفن كليا بالتعاون الفنى مع الشركات المتخصصة فى هذا المجال من ألمانيا وهولندا وروسيا وكوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة وغيرها من الدول. وهذا سيخلق موردا هائلا للدخل، وفرعا جديدا للصناعة التحويلية لتنويع وتطوير الاقتصاد وزيادة الناتج وما يعنيه من تحسين مستويات المعيشة، وخلق فرص العمل. كما أن تطوير التعامل مع قناة السويس كمركز للتخزين وتجارة الترانزيت على تخوم كبرى أسواق العالم، يتطلب إنشاء شركات متخصصة في الخدمات الملاحية والجمركية المتنوعة.

ث ـ يبلغ عدد أطقم السفن الـ 18 ألفا التي تمر في القناة سنويا، قرابة مليون شخص. وعندما يكتمل المشروع الجديد سيتجاوز العدد مليونين. ولو تم إعداد برامج سياحية قصيرة لمدة 24 ساعة أو يومين على الأكثر لزيارة المعالم السياحية فى القاهرة والجيزة والتسوق من مراكز تجارية كبرى يتم إنشاؤها فى منطقة القناة، لعرض إنتاج الشركات المصرية من كافة السلع بما فيها التذكارات السياحية، فإن ذلك يمكن أن يضيف قرابة من مليونين إلى ثلاثة ملايين ليلة سياحية لمصر. وهذا الأمر يحتاج للتنسيق مع الشركات السياحية المحلية والشركات السياحية العالمية والشركات المالكة للسفن المارة في القناة، عبر تقديم عروض مغرية لها للسياحة والتسوق في مصر.

ج ـ استخدام التنافس بين شركات السيارات العالمية لإقامة مصانع لإنتاج السيارات وليس تجميعها، وذلك لتلبية الاحتياجات المحلية الكبيرة والتي تبرر قيام صناعات للسيارات حاليا، وايضا للتصدير إلى المناطق التى يجمعها بمصر مناطق للتجارة الحرة مثل البلدان العربية والاتحاد الأوروبي وشرق وجنوب إفريقيا.

ح ـ هناك فرص استثمارية كبيرة في مجال الصناعة التحويلية القائمة على الخامات المحجرية والمعدنية والنفطية والغازية الموجودة في هذه المنطقة. ويمكن تركيز هذه الصناعات في صناعة الزجاج من خامات الرمل الزجاجي المتوافرة في جنوب غرب سيناء، والملح في شمال سيناء وبورسعيد والسويس والبحر الأحمر حيث توجد رواسب ملحية عملاقة، وصناعات البوتاسيوم في محافظة البحر الأحمر، اعتمادا على الاحتياطيات الموجودة في المنطقة الواقعة بين الغردقة ورأس غارب.

كما توجد إمكانات كبيرة لبناء مصانع للإسمنت والسيراميك والحراريات عموما في وسط وشمال سيناء حيث تتوافر خامات الطفلة والحجر الجيري اللذين تعتمد عليهما صناعة الإسمنت. كما يمكن تطوير الصناعات القائمة على خامات الجرانيت في جنوب سيناء، حيث تتوافر احتياطيات ضخمة من الجرانيت في جنوب وجنوب شرق سيناء، وتصنيع الدولوميت المتوافر بكثرة في محافظتي جنوب وشمال سيناء، وصناعة المنجنيز الذى تتوافر خاماته في جنوب غرب سيناء، وتصنيع الفيروز وأحجار الزينة وتحويلها لحلى وتذكارات سياحية، حيث تتوافر خاماتها فى شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر، وتصنيع الرمال السوداء المتوافرة فى شمال سيناء وجنوب محافظة البحر الأحمر.

كما توجد فرص كبيرة لتطوير صناعة الأسمدة الفوسفاتية في محافظة البحر الأحمر التي تدخل ضمن نطاق الخامات الفوسفاتية العظيم الممتد من سواحل البحر الأحمر مرورا بمحافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان والوادي الجديد، وصولا إلى الصحراء الغربية المصرية حتى الحدود الدولية مع ليبيا. كما توجد فرص لتطوير استخراج وتصنيع الفحم من شمال سيناء، والذهب والقصدير من محافظة البحر الأحمر.

خ ـ إنشاء مشروعات لتكرير النفط لتلبية احتياجات مصر من المنتجات النفطية، سواء اعتمدت تلك المشروعات على الخامات المحلية أو على الاستيراد من البلدان العربية المصدرة للنفط في منطقة الخليج العربي.

د ـ إنشاء مشروعات لإنتاج البوتاجاز الذى تستورده مصر، ولإنتاج أسمدة اليوريا المعتمدة أساسا على الغاز الطبيعي الذى يشكل نحو 65% من قيمة المكونات الضرورية لصناعة تلك الأسمدة.

ذ ـ إنشاء مشروعات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح في محافظات البحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء.

ر ـ المشروعات المتعلقة بالاستزراع السمكي في الأقفاص في البحار في شواطئ شمال سيناء وبورسعيد والبحر الأحمر، علما بأن جانبا كبيرا من الإنتاج السمكي العالمي ينتج في هذه المزارع السمكية البحرية في الوقت الراهن بالذات في الصين ودول شرق آسيا، وسوف ترتبط هذه المشروعات للاستزراع السمكي، ببناء مشروعات أخرى لصناعات تجهيز وحفظ وتعليب الأسماك، وميزة هذه المشروعات أنها يمكن أن تكون صغيرة وتعاونية وستساهم في نقل كتلة سكانية جديدة من الصيادين وخريجي التعليم الزراعي إلى المناطق الخفيفة السكان في البحر الأحمر وشمال سيناء، وهو عامل رئيسي في الدفاع عن سيناء.

ز ـ زراعة قرابة نصف مليون فدان في وسط وشمال سيناء، من خلال توزيعها وتمليكها كليا للفلاحين المعدمين وخريجي المدارس والكليات الزراعية من أهالي سيناء ومحافظات الإقليم وكل محافظات مصر، وذلك للمصريين من أبوين مصريين، بما سينقل كتلة سكانية مهمة تعتبر عاملا رئيسيا فى الدفاع عن سيناء مستقبلا.

س ـ مشروعات لتجهيز وتكييس وحفظ وتعليب وتصنيع الخضر والفاكهة والمحاصيل الزراعية التي تزرعها محافظتا الاسماعيلية والشرقية ومصر عموما، وتلك التي سيتم إنتاجها من استزراع نصف مليون فدان جديدة في وسط وشمال سيناء، ومشروع لتصنيع زيت الزيتون والمخللات والأعلاف والفحم من محصول الزيتون الذى تنتجه فعليا محافظة شمال سيناء في الوقت الراهن.

ويمكن القول إجمالا إن المشروع الجديد يمكن أن يشكل نقلة عملاقة في الاقتصاد المصري ودوره الإقليمي والعالمي في الصناعة التحويلية والخدمات، كما سيسهم في تحقيق تحول جوهري في توزيع الكتلة السكانية بنقل كتلة سكانية كبيرة لمنطقة القناة وسيناء، كما سيسهم فى خلق أعداد كبيرة من فرص العمل تسهم في معالجة مشكلة البطالة التي تعد المشكلة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية الأكثر تعقيدا في الوقت الراهن.

(نقلا عن صحيفة الأهرام)