منذ قديم الزمان والإنسان يبحث عن أصله ومكانته في الكون وما زال يفعل ذلك إلى يومنا هذا، وإذا كان هذا الانشغال بالكون والطبيعة قد أحيط قديما بتفسيرات أسطورية أو بمعتقدات دينية، فإنه اليوم يجد نفسه على محك العلم الذي يقدم لنا انطلاقا من تجارب ملموسة ونظريات مبرهن عليها أجوبة حول هذه الأسئلة القديمة. ما هو أصل الكون؟ وكيف جاء إلى الوجود؟ هل كان يسبقه شيء آخر، وما مصيره؟ إلا أن العلم نفسه لم يصل إلى هذا الأمر بطريقة سهلة كما أن نتائجه لم تكن لتلقى قبولا وإجماعا من طرف العامة الذين غالبا ما كانوا يحتجون على مثل هذه النتائج. بل إن بعض هذه النتائج مازلت تثير النقاش حتى داخل المجتمع العلمي ذاته.
لقد خاض العلم معركة مزدوجة من أجل إثبات ذاته وانتزاع الثقة بنتائجه: معركة داخلية بين العلماء أنفسهم الذين كانوا يتناقشون دوما حول صحة نظرياتهم وينتقدون بعضهم بعضا، ويصححون أخطائهم باستمرار ـ أليس لهذا السبب قال باشلار جملته الشهيرة: "تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء" ـ. ثم معركة خارجية مع الكنيسة والفكر الديني المدعوم من طرف عامة الناس.1 إن القرن العشرين يشكل أبرز مثال على انتصار الحقيقة على الجهل والسلطة والأخطاء الإيبستمولوجية. هذا الانتصار وهذه الحقيقة تأخذ اليوم شكل نظرية تلقى قبولا من طرف أغلب العلماء ـ على الأقل فيما يعرف بالنموذج المعياري ـ وهي تسمى بالانفجار العظيمThe Big Bang.
إذا ما طرحنا سؤالا بسيطا ما هو الكون لأجاب العامة من الناس أنه الكرة الأرضية أي العالم الذي نعيش فيه، وقد يضيف بعض المجتهدين أن الكون لا يضم فقط الكرة الأرضية بل أيضا القبة السماوية بكل النجوم والكواكب التي تظهر في المساء، وهذا جواب متقدم على سابقه غير أن الكون يظل رغم هذا أوسع بكثير من ذلك.
يخبرنا علم الفلك المعاصر أن بنية الكون شاسعة بدرجة قد لا يستطيع عقلنا استيعابها أو التفكير في لا نهائيتها. نحن نعيش في كوكب صغير هو الكرة الأرضية، لكن هذا الكوكب ينتمي إلى بنية أكبر هي المجموعة الشمسية وهي تسعة كواكب تدور حول مركز معين هو الشمس. غير أن هذه المجموعة بدورها تنتمي إلى بنية أكبر منها وهي المجرة التي تضم عددا هائلا من النجوم والكواكب. يقدر مثلا عدد النجوم في مجرتنا درب اللبانة التي يبلغ عمرها 12 مليار سنة بمائة بليون نجمة 2. لكن مع ذلك فهذا ليس هو الكون في مجمله لأن هناك مجرات أخرى يقدرها العلماء بحوالي 200 مليار مجرة، وربما أكثر من ذلك. إن أقرب مجرة إلينا في هذا العدد الهائل من المجرات تسمى مجرة أندروميدا أو المرأة المسلسلة والتي رغم قربها إلا أنها تبعد عنا مليوني سنة ضوئية و تتجمع المجرات في حشد هائل مع بعضها البعض يسمى بالعناقيد. هكذا إذا ما تخيلنا العدد اللانهائي من النجوم التي تضمها هذه المجرات لأصابنا الهلع من شساعتها، لذلك حينما سئل أحد العلماء كم عدد الكواكب في الكون أجاب بطريقة ذكية، بعدد حبات الرمل الموجودة في كل شواطئ العالم.
لقد شكل هذا الاكتشاف الفلكي صدمة كبيرة للإنسان الذي كان يظن دائما أنه يوجد في مركز الكون، وأن الشمس هي المحور الذي تدور عليه كل الكواكب، في حين تبين لنا الكوسمولوجيا المعاصرة أن الشمس ذاتها ليست سوى نجم صغير يكاد لا يرى في هامش مجرة درب اللبانة.
إن الغريب في كل هذا هو أن هذا الكون المرئي بالنسبة لنا بكل مجراته ونجومه لا يكون سوى % 5 من الكون الحقيقي، أما الباقي فهو يتكون إما من المادة السوداء أو الطاقة المظلمة وكلاهما ما زلنا لا نعرف عنهما الكثير. والمقصود هنا بالكون المرئي الكون الذي يمكن أن نرصده بأجهزتنا سواء كانت تليسكوبات أو أقمار اصطناعية، ولكننا نعلم أن الكون ليس له حواف أي أنه لا متناهي وبالتالي هناك آفاق كونية أخرى لا يمكن أن تطالها أجهزتنا. كما أن الكون ليس مجالا مستقرا وتابتا ـ كما سنرى فيما بعد ـ بل هو في اتساع مستمر. بالإضافة إلى هذا الأمر فالكون هو مثل مجال حي هائل تولد وتموت فيه المادة. إن الرصد الفلكي يثبت أن النجوم لم تظهر هكذا مرة واحدة في بداية الخلق بل هي مازالت تفعل ذلك إلى يومنا هذا، كما أن هناك نجوما أخرى تموت ضمن ما يعرف بالمستعيرات العظمى. Les super Nova
أما نظرية تعدد الأكوان3 ـ كما سنرى لاحقا ـ فهي تضيف شيئا آخر. في نظرها هذه ليست هي نهاية القصة، لأن كل هذا الكون المرئي قد لا يعدو أن يكون مجرد فقاعة واحدة، وبالتالي هناك فقاعات أخرى، أي أكوان مجاورة وموازية لكوننا، نحن لا نراها ولكنها مرتبطة بكوننا عبر ثقوب دودية وهي حقول طافية في الفراغ إذا ما عبرناها نجد أنفسنا في كون آخر. والمهم في كل هذا هو أن كل هذا الكون سواء منه المرئي أو غير المرئي قد بدأ انطلاق من حدث خارق، انفجار مهول وقع داخل مفردةLa singularité 4 متناهية في الصغر بلغت درجة حرارة عالية جدا فأدت إلى هذا الانفجار الذي يطلق عليه الانفجار العظيم. يقدر ذلك بحوالي 7،13 مليار سنة. فما هي هذه النظرية وكيف تفسر لنا أصل الكون ثم ما هي حدود هذا التفسير الذي تقدمه لمشكلة الأصل؟
نظرية الانفجار العظيم: النموذج المعياري:
إنها واحدة من أشهر النظريات التي تلقى رواجا وشهرة من طرف العلماء، وهي عبارة عن نظرية إجرائية تفسر لنا لماذا هو الكون على هذه الشاكلة انطلاقا من افتراض أصل معين انبثقت منه المادة من حالة شبيهة بالعدم، وذلك قبل7،13 بليون سنة تقريبا. إذا كان الأمر على هذا النحو فهذا معناه أن الكون ليس قديما وأزليا وإنما هو محدث في الزمان.5 هذا هو ما تقوله نظرية البيغ بانغ. للكون أصل، بداية وهو يتطور باستمرار بشكل ديناميكي. كان القس والعالم البلجيكي جورج لوميتر George Le Maitre 1894 ـ 1966 هو من الأوائل الذين طرحوا هذه الفكرة. لقد درس معادلات أينشتاين فأثبت على العكس منه أن الكون ليس ثابتا بل هو يتحرك باستمرار، مستنتجا من ذلك أنه إذا كان الكون يتسع بشكل متزايد فهذا معناه أنه في الماضي كان مفردة واحدة، ذرة بدائية. لأسباب مازالت مجهولة إلى يومنا هذا انفجرت هذه المفردة وشكلت سحابة أو حساء بدائيا أطلق عليه اسم "البيضة الكونية" l’œuf cosmique، التي أدت إلى انطلاق جملة من التفاعلات الفيزيائية والكيميائية الطويلة والجد معقدة إلى ظهور الكون كما نعرفه حاليا.
تقول هذه النظرية باختصار شديد أن الكون في بداية الأمر كان عبارة عن نقطة شديدة الكثافة والحرارة التي تفوق بكثير حرارة الشمس، أي أن الكون بدأ من مفردة واحدة، خلال زمن قياسي متناهي في الصغر يعبر عنه رقميا ب 10−43 أي ثانية واحدة مقسومة على نفسها 43 مرة. خلال هذا الزمن الصغير جدا والذي يسمى أيضا زمن ماكس بلانك حدث انفجار هائل. إنه فترة زمنية متناهية في الصغر لكن مع ذلك لا يمكن القول بأنها اللحظة صفر لبداية الزمن وتشكل الكون، بل كل ما يمكن قوله أن جدار ماكس بلانك هو أصغر لحظة زمنية يمكن أن يتصورها العلم لحد الآن وأن تصل إليها الحسابات الرياضية. إن العلماء بإمكانهم وصف ما حدث بعد هذه اللحظة، لكن ما حدث قبلها فهو أمر يظل لحد الآن خارج نطاق العلم، لذلك سميت هذه اللحظة بجدار ماكس بلانك فكل المعادلات الحسابية تنهار إذا ما حولنا تجاوز هذا الجدار.
بطبيعة الحال فإن هذا الأمر لم يحدث إلا مرة واحدة في تاريخ الوجود وهو ما نسميه بالانفجار العظيم. في أجزاء صغيرة من الثانية انفجرت هذه المفردة الصغيرة التي كان يعادل حجمها مجرد ذرة كي تصل إلى ما يقارب حجم مجرة. لقد ظهرت سحابة هائلة من الطاقة، وهي نفسها الطاقة التي ستغذي الكون إلى يومنا هذا. بالإضافة إلى الكواركات والغليونات وهي إحدى أصغر أجزاء المادة كما تكشف الفيزياء المعاصرة.بالإضافة إلى الإلكترونات والبوزيترونات والنوترينوات كل هذه العناصر كانت تنبثق باستمرار من هذه الطاقة الناتجة عن هذا الانفجار6 يطلق علميا على هذه المرحلة بالعصور المظلمة للكون وهي المرحلة التي ساد فيها السديم الكوني الهائل، أو ما يسمى كذلك بالبلازما الكونية المكونة من الكواركات والإليكترونات والبروتونات وغيرها من الجزيئات الدقيقة، أي قبل ظهور النجوم التي ستضيء الكون، لأن هذا الأخير في بداية تكونه كان عبارة عن ظلمة دامسة لا نستطيع أن نميز فيها أي شيء محدد. لقد استمر في البرودة وانخفاض درجة الحرارة بشكل تدريجي إلى أن وصل في نهاية الدقائق الثلاثة الأولى إلى درجة معينة سمحت للبروتونات والنوترونات بالاندماج معا من أجل تشكيل ذرة أكثر تعقيدا، هذه الذرات التي تشكلت بعد بضعة آلاف من السنين من بداية الانفجار هي أولى المواد التي ستكون في الوجود وهي الهيدروجين والهيليوم، وهي المواد التي ستلعب دورا مصيريا في ظهور الحياة على الأرض فيما بعد.
تضيف هذه النظرية كذلك أنه في الثانية الأولى من عمر الكون ظهرت القوى الأربع الرئيسة التي تتحكم في المادة وهي قوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية القوية، ثم أخيرا القوة النووية الضعيفة . هذه القوى كانت منضغطة في قوة واحدة داخل المفردة، لكن بعد الإنفجار بدأ الكون يبرد مما أدى إلى انفصال قوة الجاذبية عن القوى الأخرى 7. علينا أن نفهم هنا أن المادة تتحول إلى طاقة ضمن ظروف وشروط فيزيائية معينة، والعكس صحيح كما توضح المعادلة الشهيرة لأينشتاين E=mc2 . الطاقة هي قيمة الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء. تدل هذه المعادلة أيضا على أن المادة تأتي من الطاقة والطاقة تأتي من المادة، وهذا هو ما يسمى أيضا بمبدأ تكافئ المادة والطاقة. إلا أن هذا الحساء البدائي من الذرات والإليكترونات والكواركات لم يكن يضم فقط المادة بل أيضا مكونا آخرا يسمى نقيض المادة، وبالتالي فالكون كان متعادلا في بداية الأمر، ونحن نعرف أن لقاء المادة مع نقيضها يؤدي إلى إفناء بعضهما البعض، لكن لأسباب غير معروفة ظهر تفوق في المادة على نقيضها يقدره العلماء بجزيء واحد مقابل مليار من الأزواج المكونة للمادة ونقيضها، وهذا الزوج الواحد هو الذي كان السبب في ظهور كل هذا الكون الذي نراه اليوم بما فيه الإنسان.
كما قلنا سابقا أنه بعد عشر ثواني من الانفجار تشكلت سحابة هائلة من الطاقة ضمت أولى العناصر المهمة في تكوين الحياة وهي الهيدروجين والهيليوم، وبعد أن ازداد الكون في الاتساع انخفضت درجة حرارته بمقدار 3000 درجة مئوية مما جعل الأنوية قادرة على حبس الإليكترونات داخلها وهكذا تشكلت الذرات كما نعرفها اليوم. لقد أدى هذا الانفجار إلى نوع من التضخم والانتفاخ في المادة والطاقة بلغ 10 أس 50 درجة، وبعد هذا ستظهر أولى اللبنات المكونة للكون وهي الهيدروجين الذي يمكن القول أنه أساس كل شيء. لقد لعبت هذه المادة دورا رئيسيا في كل ما هو موجود من حولنا. فالهيدروجين يكون حوالي 75 في المائة من نسبة الكون.
بعد ذلك تجمعت السحابات المكونة من الغاز والغبار والهيدروجين وتحت تأثير درجة الحرارة الهائلة التي بلغت 10 ملايين درجة بالإضافة إلى الضغط اندمجت ذرتين من الهيدروجين لتكون ذرة هيليوم، وهو مادة مشعة كما هو معروف وهكذا تكونت النجوم ومنها نجمنا الشمس 8. أصبح الكون الآن مضاء بمصابيح، حدث هذا 300 مليون سنة بعد الانفجار الكبير. لقد كان ظهور النجوم سابقا لظهور الكواكب.وهذه الأسبقية أساسية في كل ما سيظهر فيما بعد لأن هذه النجوم تشتغل كمصانع لتكوين العناصر الأثقل مثل الكربون والأزوت والحديد والليتيوم. هذه العناصر هي التي ستكون الحياة على الأرض فكل فرد منا يحمل داخل جسده بعض المواد التي تكونت داخل النجوم، كما أن السيارة التي نركبها تكون حديدها داخل هذا المصنع الهائل الذي ندعوه النجوم.
مع ذلك هناك معادن أخرى أثقل من سابقتها وهي تحتاج إلى طاقة أكبر مما توفره النجوم كي تتواجد مثل النحاس والذهب واليورانيوم، هذه المعادن تكونت مما نسميه بلغة علم الفلك بسوبرنوفا les supernova، فبعض النجوم انفجرت بقوة هائلة ـ ربما هو ثاني أقوى انفجار في الكون بعد الانفجار الأعظم ـ أدت إلى تفاعلات كيميائية نتجت عنها المواد السابقة الذكر. إن الفضاء الكوني في هذه المرحلة يشبه سماء مليئة بالمفرقعات، هناك نجوم تولد وأخرى تموت وتنفجر، هكذا فقدر الحياة على الأرض قد تكون أساسا من ميلاد وانفجار النجوم الأولى في الكون. بعد ظهور النجوم وإضاءة الكون وهي اللحظة التي ربما لا يكفي أن يكون المرء عالما حتى يصفها بل ينبغي أن يكون أيضا شاعرا، تكونت المجرات التي يعتقد العلماء أنها في البداية كانت قزمة ولكنها سرعان ما بدأت تندمج مع بعضها البعض لكي تشكل مجرات أكبر وأضخم. مجرة درب اللبانة يعتقد أنها خليط من المجرات الصغيرة المندمجة مع بعضها البعض والتي بلغت حوالي مليون مجرة قزمة، كما أن هناك احتمال في المستقبل البعيد أن تندمج مجرة درب اللبانة مع المجرة القريبة لها وهي مجرة أندروميدا، وإذا حدت ذلك فلا شك أنه سيكون حدثا كونيا هائلا لن يؤثر فقط على بنية مجرتنا بل سيترك أثره على مصير الإنسان فوق الأرض.
بعض الأدلة التجريبية على صحة النظرية:
هناك أدلة كثيرة تقدم على صحة هذه النظرية لعل أهمها الدليلين الآتيين:
الدليل الأول يتعلق بتمدد الكون وتوسعه وكان هذا هو الاكتشاف الذي فاجأ به إدوين هابل Edwin Hubble 1889 1953 المجتمع العلمي. كان أينشتاين قد سبقه إلى هذا الاكتشاف فمعادلاته في النسبية العامة تبين أن الكون لا يمكن أن يكون ساكنا بل هو في تمدد مستمر، لكنه مع ذلك رفض هذه النتائج التي أوصلته إليها معادلاته وظل يؤمن أن هناك ثابتة كونية ما تحافظ على استقرار الكون وسكونه. لكنه تخلى فيما بعد عن فكرة الثابتة الكونية التي اعتبرها أكبر أخطائه . إن الرصد الفلكي الذي قام به ادوين هابل قد قطع بما لا يدع مجالا للشك أن الكون في حالة تمدد مستمر. بل أكثر من ذلك أوضحت قياسات هابل أن المجرات لا تبتعد عنا فحسب بل هي أكثر من ذلك تتسارع في الابتعاد بمعنى أنها كلما ابتعدت عنا كلما زادت سرعتها.9 إن حالة التمدد هذه كان قد تم التوصل إليها بشكل نظري من طرف جورج غاموف George Gamov 1940 ـ 1968 الذي قدم المثال الشهير عن البالون الهوائي فإذا ما وضعنا فوقه نقاطا وقمنا بنفخه فإننا سنلاحظ تباعد هذه النقاط عن بعضها البعض، وهذا بالضبط هو ما يحدث بالنسبة للمجرات التي ما فتأت تتباعد عن بعضها البعض منذ حدوت هذا الانفجار. وللتدقيق في هذا الأمر ينبغي الإشارة إلى أنه ليست المجرات هي التي تجري وتبتعد عنا، وإنما نسيج الكون نفسه هو الذي يتمدد مما يعطي الانطباع بأن المجرات تتسارع. إذن وكنتيجة منطقية لهذا التمدد هو أن الكون بكل ما يحتويه قد بدأ من نقطة تجمعية واحدة. حينما نلاحظ المجرات بواسطة التليسكوب يبدو كما لو أنها تبتعد عنا والحقيقة أنها تابثة في مكانها بينما الذي يعطي الانطباع بهذا الابتعاد هو تمدد الفضاء وانتفاخه.
الدليل الثاني على صحة هذه النظرية يستند على التنبؤ الذي قدمه أيضا العالم جورج غاموف الذي يمكن تسميته بالمؤسس الثاني لنظرية الانفجار العظيم. لقد وافق لوميتر في تصور بداية للكون وتابع تأسيس هذه النظرية مفترضا أنه إذا كان الكون قد حدت نتيجة انفجار هائل فيفترض أن يكون الإشعاع الناتج عن هذا الإنفجار ما زال يعم الكون برمته، وهذا بالفعل هو ما اكتشفه آرنو بنزياس وزميله روبرت ويلسون سنة 1964 من إثبات لنظرية غاموف حول الإشعاع الكوني، حيث لا حظا بالصدفة وجود إشعاع له نفس الخصائص أي أنه لا يتغير قياسه لا في المكان ولا في الزمان. أطلق العالمان على هذا الإشعاع مصطلح إشعاع الخلفية الكونية الميكرويفي، background radiation وقد حصلا على جائزة نوبل في الفيزياء فيما بعد بسبب اكتشافهما هذا.
لقد تعزز هذا الاكتشاف مؤخرا سنة 2013 عندما استطاع القمر الاصطناعي بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية من تصوير وبدقة عالية غير مسبوقة الضوء الأول الذي انبعث عن هذا الانفجار للكون الوليد. أو ما سمي كذلك بالإشعاع الأحفوري للكون. rayonnement fossile. وكان سلفه الأمريكي COBE الذي يشرف عليه جورج سموت George Smoot وجون ماثرJohn Mather قد سبقه إلى ذلك سنة 1992 حيث وصف سموت الخريطة الإشعاعية التي التقطها كوبي وهو يقدمها إلى الصحافيين قائلا: " بالنسبة للأفكار الدينية، فهذا يشبه النظر في وجه الله". 10
بعض مشاكل النظرية:
رغم الشهرة الكبيرة التي احتلتها نظرية الانفجار الكبير والدور الكبير الذي لعبته في تشكيل تصور واضح عن طبيعة الكون وبدايته، إلا أن هناك العديد من المسائل التي بقيت بدون حل وهي مازالت تثير النقاش بين العلماء إلى يومنا هذا، منها مثلا أن الكون في بداية الأمر لم يكون يتكون فقط من المادة كما نعرفها اليوم ولكن من شيء آخر يدعونه بنقيض المادة MatièreـAnti فكل جزيئة لها نقيض مساوي لها في الكتلة لكن طاقته مختلفة سلبا أو إيجابا. يعود الفضل في اكتشاف هذا الأمر إلى العالم البريطاني بول ديراك Paul Dirac سنة 1928 الذي تنبأ نظريا بوجود مثل هذا النوع من المادة. فنقيض المادة إذن هي مادة مغايرة. حينما تلتقي ذرة من المادة مع ذرة من نقيض المادة فإنهما يفنيان بعضهما البعض ويختفيان بحيث لا يتبقى سوى الطاقة الناتجة عن هذا الاصطدام. إن نقيض المادة هي واحدة من أكبر ألغاز هذا الكون فكل ما نعرفه عنها هو أنها من الصعب رصدها فهي مثلا لا تتفاعل مع الضوء لا سلبا ولا إيجابا بمعنى أنها لا تؤثر فيه كما أنها تسمح له باختراقها بسهولة. إذا كان الأمر على هذا النحو أي إذا كانت المادة في بداية تشكل الكون تمتلك توأما لها ولكنه مناقض لها في كل شيء، وإذا كان هذان التوأمان يقومان بإفناء بعضهما البعض، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بديهيا هو: كيف نفسر ظهور هذا الوجود وبقائه؟ أو إذا أردنا استخدام سؤال فلسفي طرحه ليبنيتز Leibniz واستعاده هيدغر Heidegger فيما بعد، لماذا هناك وجود وليس بالأحرى عدم؟ إن الحالة التي وجد عليها الكون في بداية الأمر، والصراع المميت بين المادة ونقيض المادة كان من المنتظر أن تقضي على كل شيء نظرا لتعادلهما وأن لا يكون هناك وجود بالبت، فما الذي حدث حتى ظهر هذا الوجود؟
هذه إحدى الألغاز التي تركتها نظرية الانفجار الكبير بدون حل. كما أشرنا سابقا لأسباب غير معروفة لحد الآن حدت نوع من عدم التوازن بين المادة ونقيض المادة، فمقابل مليار بروتون هناك واحد بروتون زائد، وهذا البروتون الإضافي البسيط الذي لا يتجاوز واحد في المليار هو الذي أدى إلى وجود كل هذا الكون بما فيه نحن أنفسنا. إن الوجود هو خلاصة المعركة التي حدثت بين المادة ونقيض المادة. لماذا الكون يتكون أصلا من المادة ونقيض المادة؟ وأين ذهب نقيض المادة؟ وما الذي أدى إلى حدوث هذا التفوق الطفيف في المادة الذي أدى إلى انبثاق الوجود؟ أو بطريقة أخرى لماذا تغلبت المادة على المادة المضادة؟ كلها أسئلة معلقة لم تستطع نظرية الانفجار الكبير حلها لحد الآن.
الأغرب من هذا كما استنتج العلماء، هو أنه إذا كان الكون قد بدأ بمادة ومادة مضادة فإن هذا يحتم على هذه الأخيرة أن تدخل في تشكلات خاصة بها لتنتج لنا مثلا كواكب مضادة ومجرات مضادة بل وربما انعكاس مغاير لحياة مضادة. بينما يرجح آخرون أن وجود مثل هذه العوالم المضادة هو أمر مستحيل، لأنه لو وجدت فعلا فإنها ستدخل في حالات اصطدام وإفناء للعوالم الطبيعية التي تتكون من المادة فحسب، وبالتالي كان العدم هو الذي سينتصر على الوجود.لذلك يرجح العلماء أن المادة العادية هي السائدة في الكون أما نقيض المادة فقد اختفت لأسباب مجهولة يقول نيل دجراس تايسون و دونالد غولد سميث: "ليس لدينا دليل على وقوع مثل هذا الحدث في أي مكان من الكون، لذا فإن الأكثر ترجيحا هو أن الكون تهيمن عليه المادة العادية وقد ظل على هذا النحو منذ الدقائق الأولى عقب الانفجار العظيم" 11
من الصعوبات أيضا التي اعترضت نظرية الانفجار العظيم ما يلي: لقد لاحظ العلماء أن درجة الحرارة الموجودة في الكون موحدة في كافة أرجائه وهذا شيء غريب وغير مفهوم لأن الكون شاسع بدرجة كبيرة مما لا يسمح بأن تكون هذه الحرارة متوازنة في كل أنحائه. إن الحل الذي يقدمه ألان غوت Alan Guth 1947 هو أنه في بداية الانفجار العظيم عندما كانت كل المادة مركزة داخل الذرة البدائية التي تحدت عنها جورج لوميتر، وبعد حدوث ذلك الانفجار الكبير وقع تضخم بسرعة هائلة خلال أجزاء من الثانية وبطريقة توسعية Inflation ناتج عن الانخفاض الشديد في درجة الحرارة، التي عرفها الكون مما سمح للإشعاع أن ينتقل إلى كافة أرجاء الكون. لقد حدث هذا التوسع بشكل مطرد وهذا هو ما يفسر حالة التجانس التي يوجد عليها الكون اليوم. إن التعديل الذي تقترحه نظرية التضخم إذن هو نوع من إكمال للنقص الذي تتضمنه نظرية الانفجار العظيم و الصيغ الحديثة لنظرية التضخم جد طليعية بشكل غير متوقع، فالكون قد لا يكون بدأ من مفردة كما تقول نظرية الانفجار الأعظم بل هو يتكون من عدة مفردات تتناسل لكي تولد كرات/ فضاءات أخرى بشكل متزايد fractal. هذه هي النظرية التضخمية التي يدافع عنها اليوم الأمريكي ألان غوث و الروسي أندريه ليند. يقول هذا الأخير: " إن الصيغ الحديثة للنظرية التضخمية للكون تجزم بأن الكون، بدلا من أن يكون كرة متمددة من اللهب هو فراكتال ضخم نام مكون من عدة كرات تضخمية تنتج كرات جديدة، وهذه بدورها تنتج كرات أكثر وهكذا إلى ما لا نهاية " 12
ولكن ما هي هذه القوانين التي أدت إلى هذا الانفجار؟. هذا شيء لم يحسم بعد كذلك من طرف العلماء، أو بطريقة أخرى ما الذي أدى إلى الانفجار العظيم ذاته. إن النظرية تشرح لنا كيف تشكل الكون والمادة ولكنها لا تطرح السؤال حول لماذا حدت ما حدت وهل هناك من قوانين أدت إلى حدوت ما حدث؟
هكذا رغم النجاح الباهر الذي حققته نظرية الانفجار العظيم في تفسيرها لأصل الكون إلا أنها مع ذلك لا تخلو من شكوك حتى من طرف أولئك الذين نظروا لها ودافعوا عنها يقول ستيفان واينبرغ:" ترى أبإمكاننا أن نكون مطمئنين حقا للنموذج القياسي؟ ألن تبطله اكتشافات جديدة تضطرنا للإستعاضة عنه بنظرية كونية أخرى؟ ألن تعطى الأفضلية حتى من جديد للنموذج الإستقراري نفسه؟ ربما فأنا لا أستطيع أن أنفي شعوري الخاص باللاواقعية عندما أكتب عن الدقائق الثلاثة الأولى وكأنني أعرف حقا ما أتحدث عنه " 13
كما لم تلقى هذه النظرية إجماعا كليا من طرف العلماء إذ هناك عقول نيرة من حجم أينشتاين وفريد هويل Fred Hoyle 14 1915 2001 اللذان عارضا نتائجها، فالأول رفض بشدة النتائج التي وصلت إليها نظريته في النسبية العامة وأصر على أن الكون ثابت. أما الثاني فقد أوضح أن العناصر المكونة للطبيعة اليوم قد تكونت داخل النجوم مثل الأزوت والهيليوم والكربون فالجدول الدوري للعناصر يجد مكانه في التفاعل النووي النجمي. غير أن نظرية هويل وان كانت قوية في شرح انبثاق المادة داخل الكون، إلا أنها مع ذلك لا تفسر لنا من أين جاء الهيدروجين الذي يعتبر أساس هذه العناصر والذي يتطلب درجة حرارة أعلى من تلك التي توجد داخل النجوم حتى يتواجد. والهيدروجين مع ذلك هو أبسط ذرات الوجود فهو لا يتجاوز بروتون يدور حوله إليكترون. الجواب الذي قدمه فريد هويل هو أن الهيدروجين كان موجودا هنا منذ الأزل وكأنه بذلك يهرب من طرح مشكلة الأصل. ليست هناك بداية بل فقط حالة من السكون والثبات. فالكون رغم تمدده الظاهري إلا أنه مع ذلك يحافظ على استقراره وتباته، كما أن المادة الموجودة فيه لا تضعف ولا تتبدد لأنها تظهر فيه باستمرار. بينما نظرية الانفجار العظيم كانت تقول بالظهور الكلي للمادة في الكون في لحظة واحدة. إن الكون يرمم ذاته ويعيد بناء ما ينقصه انطلاق من هذا الظهور المفاجئ للمادة. وكأن هويل يرفض الخلق الكلي للكون ليتشبث بالخلق المستمر، لقد دافع عن نظرية مضادة تماما لنظرية الانفجار العظيم وظل مصرا على موقفه هذا إلى أن آخر حياته.
هناك ميل اليوم من طرف علماء الفلك إلى تفسير سلوك المادة الكونية على أنه يتجه أكثر فأكثر نحو التوسع بمعنى أن القوة الداكنة تتغلب على المادة المظلمة، وما يزيد هذا الموضوع تعقدا هو أننا نرى تباعد المجرات لكننا لا نرى تباعد المادة السوداء التي تفصل بين هذه المجرات، بمعنى أن المكان يتسع بين المجرات دون أن نكون قادرين على رصد طبيعة هذه المادة المظلمة، مع العلم أن هذه المادة السوداء تشكل الجزء الأضخم من الكون حيث يتم تقدير وزن المجرات بحوالي 5 أو 6 في المائة من وزن الكون الكلي بينما الباقي كله عبارة عن مادة سوداء، بالإضافة إلى ذلك فهذه المادة تفوق قوتها قوة الثقب الأسود أو قوة الجاذبية، لكن مع ذلك هناك قوة أخرى أعظم تتفوق عليها وهي قوة الطاقة السوداء التي تجذب المجرات نحو الأعلى وتدفع بها للتبعثر في رحاب الكون، وكلاهما المادة المظلمة أم الطاقة السوداء مازالتا غامضتين لحد الآن، وغموضهما يزداد حينما نعلم أنهما وعلى خلاف كل المادة التي تكون الكون المرئي إلا أنهما معا وعلى الأرجح لا تتكونان من الذرات أي أنهما ليسا مادة كباقي المواد المعروفة. لحد الآن مازال مصير الكون مجهولا إذ لا نعرف بالضبط من بين هذين الجبارين سيتغلب في النهاية، وكيف سيكون المصير النهائي للكون هل عبارة عن انسحاق شديد Big Crunch أم تمزق عظيم Big Whip. وإذا كنا ندين بوجودنا إلى التوسع الذي عرفه الكون في بداية الخلق ــ لأنه لو بقي الكون منكمشا على ذاته لما تشكلت النجوم ولما ظهر الكون الذي نعرفه ونعيش فيه اليوم ــ إلا أننا نرجو اليوم أن يخبرنا العلم في المستقبل أن هذا التوسع سيتوقف يوما ما.
في تاريخ العلوم يمكن القول بأن أينشتاين كان هو أول من تنبأ بهذه المادة السوداء، وقد أطلق عليها كما هو معروف اسم الثابتة الكونية قبل أن يتخلى عن هذا المفهوم ويعتبره أحد أكبر أخطائه. والحال أننا نكتشف اليوم أن ما اعتبر خطأ من طرف أينشتاين لم يكن مطلقا كذلك.
من الصعوبات أيضا التي تعترض نظرية الانفجار العظيم هو أنها تبدو ناقصة وغير مكتملة رغم المحاولات الجبارة التي تبدلها من أجل وصف ظواهر الكون. إنها تستعين بدعامتين أساسيتين كي تحقق أهدافها: الفيزياء الكوانطية التي تساعدها على وصف سلوك المادة في أصغر تمظهراتها الجزيئية، والنظرية النسبية العامة التي تمكنها من تتبع حركة المادة في أكبر أشكالها النجوم والكواكب والمجرات . غير أنه إلى حد اليوم لا توجد جسور بين الفيزياء الكمية والنظرية النسبية. لقد حلم أينشتاين بتوحيد هذين الأمرين ضمن نظرية واحدة لكنه مات متحسرا على عدم تمكنه من النجاح في هذا الأمر. لذلك يبدو اليوم أن نظرية كل شيء أو ما يسمى أحيانا بالنظرية M والتي وصفها بول ديفز ب " الكأس المقدسة للفيزياء المعاصرة " 15 هي الصيغة الأكثر اكتمالا ونضجا لتفسير أصل الكون وتشكل المادة.
هناك صعوبة أخرى تصطدم بها نظرية الانفجار الكبير يكشف عنها بول ديفز في كتابه التدبير الإلهي 16 تتعلق بطبيعة القوة التي عملت على دفع هذه المفردة الكونية إلى الانفجار. لقد قلنا سابقا أن الكون برمته كان مضغوطا في حالة من الكثافة والجاذبية القصوى، فإذا قدر للكون أن ينفجر فهذا معناه أنه من البديهي أن تكون هذه القوة المفجرة أعلى بكثير من قوة الانضغاط الذي توجد عليه المفردة. ولكن لحد الآن لم يتم اكتشاف طبيعة هذه القوة الغامضة والتي يمكن أن نسميها بالقوة الخامسة. أننا لا نعرف بالفعل ماذا يحدث داخل المفردة لذلك لا يمكننا أن نقول بكل اليقين العلمي أن هذه النظرية تقدم لنا تفسيرا مقنعا لأصل الكون، وفي أحسن الأحوال تكون نظرية الانفجار الكبير قد ساعدتنا على فهم تطور الكون بعد الحدث العظيم المدعو بالانفجار، فالأصل الفعلي مازال ينفلت من التصورات العلمية. بطريقة أخرى هذه النظرية لا تقول بأن لحظة الانفجار هي الأصل الفعلي لبداية الكون، ولكنها تقول بأن هذا هو الأفق الذي يتوقف فيه علمنا ولا نستطيع بعد ذلك أن نقوم لا بحسابات رياضية ولا بمعادلات فيزيائية الأمر أشبه بجدار وهو بالفعل يسمى كذلك جدار ماكس بلانك. إنها لمفارقة كبيرة حقا توجد فيها هذه النظرية فهي تصف لنا أصل الكون لكنها في الآن ذاته أنها لا تتحدث أبدا عن اللحظة صفر لهذا الأصل الذي يبقى بعيد المنال.
الأبعاد الدينية للنظرية الانفجار الكبير:
يبدو أن هذه النظرية في مجملها تتماشى ـ رغم بعض الصعوبات التي سنعرج عليها لاحقا ـ مع الفكر الديني ومع ما ذكره القرآن فالآية 30 من صورة الأنبياء تقول: "أولم يرى الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حيا أفلا يؤمنون". هكذا فالكون {السماء والأرض} كانت شيئا واحدا قبل عملية الخلق التي يعبر عنها قرآنيا بالفتق والرتق، فالرتق يحيل على الوحدة والاتصال أي ما هو ملتحم بذاته {البيضة الكونية بتعبير لوميتر}. أما الفتق فهو الفصل والتباعد أي الانفجار العظيم بتعبير الفيزيائيين. ثم إن النظرية تقول بصريح العبارة أن الكون حادث بلغة القدماء، أي أن له بداية زمنية وهذا شيء يتطابق مع وجهة نظر الدين التي تقول بأن الكون مخلوق وبالتالي هناك من أوجده وأخرجه من العدم إلى الوجود. ليس من الغريب إذن أن يكون رجل دين هو جورج لوميتر وراء هذه النظرية الفلكية الهائلة.
لكن رغم هذا التقارب إلا أن مسألة الأصل تظل بالنسبة للكوسمولوجيا مسألة فيزيائية كيميائية، بينما الأمر يختلف بالنسبة للدين الذي يرى بأن هذا الأصل قد لا يفسر فقط بلغة تجريبية اختباريه، إنه مسألة إلهية قدسية.
ورغم هذا التوافق النسبي بين التصور الخلقي الديني والتصور الفلكي للكون، إلا أن هناك بعض النقاط التي يتوجب الإشارة إليها منها العلاقة بين الخلق والخالق وهو اعتراض يقدم من طرف بعض الدعاة الدينيين الذين يرون أن هذه النظرية تغيب مسألة الخالق وترى أن الكون هو الذي خلق نفسه بنفسه، أي أنها في نظرهم تجعل المخلوق خالقا. بالإضافة إلى ذلك فإن الكون بدأ تبعا لهذه النظرية من شيء وهو المفردة و البيضة الكونية، بينما الدين يقول بالخلق من العدم. إن التمدد الذي عرفه الكون أدى إلى موجات تثاقلية أي جاذبية أحدثت بفعل كمومي نوعا من انتقال لبعض الجزيئات من العدم إلى الوجود وعلى رأس هذه الجزيئات نجد الجزئي الافتراضي الجرافيتون، خصوصا وأننا نعلم أن الفراغ كما تخبرنا الفيزياء الكمومية ليس خلاء وإنما هو بالأحرى فراغ كمومي أي طاقة أولية ابتدائية منتشرة في عموم الكون. هناك دائما جسيمات وصغائر تظهر وتختفي باستمرار من لا شيء.
لقد كان المبدأ الفلسفي العام الذي سيطر على الفلسفة التقليدية هو: لا شيء من لا شيء، أي أن الوجود لا يصدر عن العدم وهذا خاصة بالنسبة للفلسفة الإسلامية التي رفضت فكرة الهيولة الأرسطية أي المادة الأولى التي لا صورة لها والتي كان يعتقد في الفلسفة اليونانية أن الكون قد تشكل منها. بينما الفلسفة الإسلامية رفضت هذا الأمر لأنه يؤدي إلى القول بقديمين الله والمادة الأولى وفي النهاية السقوط في الشرك. إننا إذ نتذكر اليوم هذا الإشكال الكلاسيكي حول قدم العالم وحول الخلق من عدم يتبين لنا بكل وضوح أن الموضوع برمته ينبغي أن يطرح بلغة جديدة تتلاءم مع ما وصلت إليه الفيزياء المعاصرة. والحق أن ما تكشف عنه هذه الأخيرة هو نهاية المادة، إذ لم يعد الجسم الصلب هو الموضوع الحقيقي للبحت العلمي، بل إن البحث اليوم ينصب على ما دون المادة أو ما دون الذرة، أي على ما كان يسميه القدماء بالجزء الذي لا يتجزأ. غير أن الفيزياء اليوم تكشف على أن هذا الجزء بدوره يمكن أن ينقسم. فالذرة يمكن أن تنقسم إلى وحدات أصغر منها هي الإليكترون والبروتون والنيوترون، وهذه بدورها تتكون مما هو أصغر منها وهي الكواركات، وفي الأخير نجد أن الكواركات تتكون مما دونها وهي الخيوط الوترية التي تهتز فتصنع جزيئات أكبر منها.
إن كل هذا يدل على أن الحدود بين ما هو صلب وما هو طاقي قد تلاشت تماما فالطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة والعكس صحيح. هذا الأمر واضح لا سواء في نظرية الأوتار الفائقة، ولا في النظرية النسبية. هذه الأخيرة مثلا تؤكد على أن المادة تتحول إلى طاقة، فالمعادلة الشهيرة لأينشتين E‗Mc₂ تقول بوضوح أن الطاقة في نهاية المطاف ما هي إلا الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء. أو بطريقة أوضح المادة ما هي إلا طاقة صلبة، والطاقة ما هي إلا مادة متحللة. بمعنى أن المعادلة يمكن أن تقرأ في الاتجاهين من الطاقة إلى المادة أو من المادة إلى الطاقة E‗Mc₂←→ إن الكتلة يمكنها أن تتحول إلى طاقة كما هو الحال في المفاعلات النووية، والطاقة يمكنها أن تتحول إلى كثلة كما يحدث في التجارب التي تقام في المسرعات مثل المسرع الموجود في سيرن بسويسرا، فعندما يصطدم جسيمان مع بعضهما البعض وليكن في هذه الحالة إليكترون ضد بوزترون فإن هذا الاصطدام يؤدي إلى ظهور جزيئات صغيرة جديدة. إن ما نلاحظه هنا هو أن الكتلة لا تحافظ على نفسها باعتبارها كتلة وإنما تتحول إلى شيء جديد وهو الطاقة، كما أن هذه الأخيرة يمكنها أن لا تتبدد وإنما تتحول إلى شيء جديد إلى مادة. وعلى أي حال ما تريد أن تقوله هذه المعادلة هو أن الكون برمته يتكون من شيئين يتبادلان الأدوار فيما بينهما وهما الكتلة والطاقة، فالكتلة يمكن أن تتخذ أشكالا متعددة حسب تشكلات المادة، والطاقة بدورها كذلك تتخذ أشكالا مختلفة إذ قد تكون حرارية أو كيميائية أو إشعاعية، والمهم هنا هو أن درجة الحرارة هي التي تتحكم في طبيعة المادة التي ستولد، إذ يتطلب الأمر مثلا درجة حرارة معينة حتى يولد الهيدروجين وهي حرارة لم تتوفر في الكون إلا لحظة الانفجار الكبير، وينبغي أيضا أن تكون هناك حرارة محددة حتى تولد عناصر أخرى مثل الكربون وهي الحرارة التي وفرتها النجوم وهكذا دواليك.
إن الوجود هو شكل من أشكال العدم والعدم شكل من أشكال الوجود، كل عدم يطمح إلى أن ينعدم كي يصبح موجودا والعكس بالعكس. إن كل هذا معناه أن المادة قادرة على أن تنبثق من العدم، والكون بإمكانه أن يخلق نفسه بنفسه من لا شيء، غير أن الكموميين مع ذلك ـ أغلبهم على الأقل ـ يؤمنون بنظام خفي يوجد وراء الظواهر. إن البحث عن هذا الألوهية الخفية مهمة نجدها واضحة عند غريغ برادن Gregg Braden 17 ودفيد بوهيم David Bohm وجون ويلر John Wheeler وكلهم من عباقرة فيزياء الكم. لقد بات واضحا للكموميين وحدة الإنسان والكون فالراصد يساهم في خلق العالم، وهذه ليست مجرد مسألة صدفة، فإذا كان الإنسان يوجد هنا في المركز فهذا معناه أن الكون قد برمج من أجل بلوغ هذا الهدف، تبقى فقط مهمة إدراك هذه السببية الخفية التي دفعت بالإنسان إلى هذه المكانة الرفيعة. فهل فيزياء الكم هي فيزياء ناقصة كما لاحظ عليها ذلك إينشتاين. إن الإنسان في حاجة إلى هذا النظام لأن هذا شيء يجعله مطمئنا على مصيره، غير أن فيزياء الكم لا تتحدث عن نظام يمكن شخصنته كإله على غرار الإله الذي وقف أمام إبراهيم في صحراء سيناء. فسواء تعلق الأمر بالمصفوفة الإلهية/ غريغ باردن، أو بالهولوغرام/ دافيد بوهيم، أو بالوعي الكوني / جون ويلر فإنه في جميع الأحوال الأمر يتعلق بألوهية وليس بإله، بل حتى هذه الألوهية هي ألوهية مقلقة لأنها مبنية على اللاحتمية والإحتمال والفوضى.
الأبعاد الميتافيزيقية للنظرية:
لهذا المشكل السابق تبعاته الفكرية فالفلسفة اليونانية وعلم الكلام الإسلامي تحدثا طويلا عن مسألة الخلق هاته. وهنا يمكننا أن نتساءل أنه إذا كان الكون قد ظهر إلى الوجود نتيجة انفجار هائل فما الذي مزق سكون العدم هذا؟ من أين جاءت هذه الطاقة الهائلة التي نقلت الكون من الهدوء المطلق إلى حالة الانفجار. هنا يبدو أن الفيزياء في تخومها القصوى تخرج من مجرد علم تجريبي لتلامس القضايا الميتافيزيقية. وكما رأى ريتشارد موريس فإن الحدود بين العلم والميتافيزيقا قد أصبحت غير واضحة، فهناك الكثير من الإشكالات التي تطرحها الفيزياء اليوم لا يمكن الجواب عليها ضمن الفيزياء كعلم تجريبي بل هي أسئلة ترمي بنا في التأمل الفلسفي الخالص18. إذا كانت نظرية الانفجار العظيم تقول بأن الكون برمته بدأ من جسم واحد بلغت كثافته وسخونته حدا لا يطاق إلى أن انفجر انفجارا هائلا مسببا بعد ذلك في ظهور العناصر الأساسية المكونة للمادة، فإن السؤال الذي يمكن أن يطرحه الجميع هو من أين ظهر هذا الجزء الأولي نفسه ومن الذي دفعه إلى هذا الانفجار. وماذا كان قبل حدوت هذا الانفجار كل هذه أسئلة مازالت تحير الفكر البشري وتنتظر جوابا يحل لغز الوجود. إن الأمر يتعلق بلحظة القيم غير المعروفة كما تسمى وهي اللحظة التي لا توجد فيها قوانين للفيزياء. أي قبل بداية الانفجار العظيم. ما الذي كان وراء حدوث هذا الانفجار العظيم هذا هو السؤال الذي يتحدى العلم وتغامر الفلسفة بالتفكير فيه، بينما الدين يقدم نفسه كمالك لحقيقة هذا السر.
يبدو إذن أن نظرية الانفجار العظيم وإن كانت تقدم لنا تصورا علميا عن كيفية تشكل الكون بما فيه من مادة وطاقة، إلا أنها عاجزة مع ذلك عن وصف وتحديد نهائي لأصل الكون، لأن لحظة البدء الأولى تنفلت منها بحيث تنهار جميع المعادلات الفيزيائية كما قلنا سابقا . لقد وصفت هذه النظرية دوما على أنها النظرية التي تصف لنا أصل الكون وبدايته، وهذا شيء مجانب للصواب لأن ما تقدمه لنا هذه النظرية هو افتراض بداية وأصل معين وهو ما يصطلح عليه بزمن ماكس بلانك 10 أس ناقص 43 ثانية، إلا أن الحسابات العلمية لا يمكنها الذهاب أبعد من هذا الزمان للوصول إلى لحظة الأصل الفعلية .
ان السؤال حول ما قبل الانفجار العظيم هو السؤال حول الحقيقة النهائية للكون، فالعلم يستطيع تدريجيا بفضل الجهود التي يبدلها العلماء في مختلف التخصصات من وصف ما حدث داخل تاريخ الكون منذ بداية الانفجار وإلى غاية تكون المادة وظهور النجوم والكواكب ثم نشوء الحياة فوق الأرض. ولكن هل هذه العملية برمتها يمكن وصفها بالاستعانة فقط بالعمليات الميكانيكية الفيزيائية والتفاعلات الكيميائية، أم أن الأمر يتعدى ذلك بكثير. بطريقة أخرى أكثر وضوحا هل الكون هو الذي خلق نفسه بنفسه وبرز من العدم، أم أنه من الضروري افتراض قوة كونية هي الشرارة التي أدت إلى كل هذه العمليات الكونية الهائلة؟. يقول ستيفان هوكينغ في هذا السياق: "إذا كنا كما هو الحال نعلم فقط ما حدث منذ الانفجار الكبير فإننا لا نستطيع تحديد ما حدث قبل ذلك، وعلى قدر اهتمامنا فإن الأحداث التي وقعت قبل الانفجار الكبير ليس لها تبعات، ولا يجب أن تشكل أي جزء من النموذج العلمي للكون. وعليه فإنه يجب علينا أن نستبعدها من نموذجنا، وأن نقرر أن الانفجار الكبير هو بداية الزمن، ويعني ذلك أن الأسئلة التي تدور حول من الذي هيأ الظروف لهذا الانفجار الكبير ليست بالأسئلة التي يتناولها العلم" 19 يبدو هنا أن ستيفان هوكينغ يريد أن يستبعد السؤال الديني حول وجود الخالق وأن يعتبر أن هذا السؤال يوجد خارج العلم. ولكن مع ذلك هناك مجازفة في القول أن العلم ينتهي هنا وأن الدين يبدأ من هذه النقطة التي انتهى إليها العلم. وهي نفس الفكرة التي ذكرها البابا جان بول الثاني لستيفان هوكينغ أثناء لقائهما: أنتم الفيزيائيون لكم ما بعد الانفجار العظيم، أما الكنيسة ورجال الدين فلهم ما قبل هذا الانفجار. هكذا وكأن المسألة حلت بتوزيع مناطق النفوذ والسلطة. اهتموا أنتم بميدانكم وسنهتم نحن بميداننا.
غير أن الأمور لا تتم بهذه السهولة، نحن نعلم مثلا أن السؤال حول ما يوجد وراء الانفجار الأعظم قد أصبح بدوره من صميم الاهتمام العلمي، فلولا السؤال ما الذي أدى إلى الانفجار الكبير لما استطاع العلماء التوصل إلى نظرية الأغشية وتعدد العوالم. ولولا الجهود أيضا لتخطي حاجز ماكس بلانك لما وصلنا اليوم إلى نظرية الخيوط الوترية الفائقة، هذه النظرية التي تتجاوز بكثير نظرية الانفجار العظيم . يشير ستيفان هوكينغ إلى في كتابه تاريخ موجز للزمان 20 إلى أن النظرية الجديدة للجاذبية الكمية تتجاوز النظرية التقليدية فهي تتضمن إمكانات تستطيع حل العديد من إشكالات الكوسمولوجيا وعلى رأسها فكرة البداية والتفرد التي كما لا حظنا في هذا المقال تعتبرها نظرية الانفجار العظيم منطلقها لتفسير ظهور الكون. لقد كان ستيفان هوكينغ أحد منظري نظرية الانفجار الكبير لكنه وبسبب موقفه الرافض لفكرة الخالق، يظهر كما لو أنه يميل إلى تفضيل النظرية الكمية على نظرية الانفجار وذلك ما دام أن الكون كان النظرية الكمية تقول بأن الكون كان هنا منذ البداية يقول في تاريخ موجز للزمان:" إذا لم يكن للزمكان حدود فلا حاجة بنا لتحديد السلوك عند هذه الحدود، ولا حاجة لمعرفة الحالة البدائية للكون. ليس للزمكان حافة علينا أن نبتهل عندها إلى الرب، أو نتوسل إلى قانون جديد ليضع ظروف الحدود للزمكان. ونستطيع القول:" الظروف الحدية للكون هي أنه ليس له حدود "فالكون قد يكون مغلقا على نفسه تماما ولا يتأثر بأي شيء خارجه. فهو لم يخلق ولن يفنى، وهو موجود فقط. وطالما اعتقدنا أن للخلق بداية فإن دور الخالق يبدو واضحا هنا، أما إذا كان الكون بالفعل مغلقا على نفسه وليس له حدود أو حواف، وليس له بداية أو نهاية، فإن الإجابة ليست واضحة: ما هو دور الخالق؟"21
يظهر من خلال النص السابق أن الاعتقاد الشخصي لهوكينغ بعدم وجود خالق لهذا الكون قاده حتما إلى التلميح بإمكانية تجاوز نظرية الانفجار العظيم ذاتها التي تؤمن ببداية الكون وتناهيه في الزمان والمكان. لقد سبق لهوكينغ أن رفض الاعتراف بوجود ما قبل الانفجار الكبير واعتبره مسألة تقع خارج العلم، أما الآن فهو يذهب أبعد من ذلك مؤكدا أن هذه البداية غير موجودة أصلا وبالتالي لا نحتاج إلى " التضرع " على حافتها لأي إله أو خالق.
خلاصة:
لقد قاد التطور الحضاري والعلمي الإنسان إلى أن يطأ ميادين جديدة ظلت غامضة منذ قرون وقرون، غير أن كل مجهول نعلمه اليوم إلا ويؤدي إلى فتح المجال أمام مجاهيل أخرى وتعقد آخر لا نعلم عنه شيئا بعد، وهذا ضد المبدأ الأنواري الذي كان يقول بأن الإنسان يسير حتما باتجاه الوضوح، فما هو غامض اليوم سيصبح معلوما غدا. أما اليوم فنحن على يقين من أن العالم يزداد تعقيدا، وأن كل وضوح نعلمه يكشف أمامنا آفاقا أخرى مجهولة باستمرار. بطريقة أخرى نريد أن نقول بأن العلم الذي يسارع من أجل استبعاد الدين قد يستبعد نفسه أيضا، فالميتافيزيقي يولد اليوم من قلب الاشتغال العلمي. وبالمقابل فإن الدين الذي يصر على أن كل ما يقوم به العلم موجود سلفا ضمن الكتابات المقدسة، قد يجازف هو أيضا باستبعاد نفسه مادام أن الإيمان اليوم لا يمكنه أن يتجاهل ما يحدث من نقاش شيق ومثمر تقوم به العلوم وهو نقاش يمكن أن يرفع درجة وعي الإنسان بضرورة وجود روحانية لهذا العالم لا يمكن أن يستنفذها الاشتغال العلمي. إن الحديث عن حدود للعلم وعن عمق للكون قد لا تطاله عين الراصد لا يعني فشلا للعلم أو انتقاصا من قيمته، بل يعني أن مهمة العلم قد باتت أكثر صعوبة إذ ليس من المأمول أن نقدم وصفا شاملا للظواهر كما كانت تعتقد الفيزياء الكلاسيكية. إن مهمة العلم باتت لا نهائية بصدد الحقيقة. لقد قلبت ثورة فيزياء الكم أهم المفاهيم المعتادة لدينا وعلى رأسها مفهوم الواقع والحقيقة، فالواقع لم يعد هو ذلك الشيء الموجود هناك والقابل للرصد بشكل حيادي وموضوعي، كما أن الحقيقة بدورها لم تعد هي تلك الرؤية الصادقة التي تطابق ما نراه ونرصده عن الواقع. إن تداخل الراصد والمرصود سيؤثر على المفهوم العادي للواقع والحقيقة، فالواقع أصبح مع فيزياء الكم احتماليا غير مستقر مرن ولعبي ludique، والحقيقة بدورها أضحت مركبة ومعقدة وقابلة لتشكيلات متعددة تختلف حسب اختلاف وجهات النظر وموقع الرصد.
باحث من المغرب
الهوامش:
1 ـ كلنا نعلم مثلا ما حدث لجاليليو جاليلي الذي استثمر النتائج التي وصل إليها كل من كوبرنيك وكبلر ليثبت لامركزية الأرض في الكون. لقد طلبت منه الكنيسة أن يتخلى عن أفكاره وأن يطلب الصفح والغفران منها، وإلا فإنه سيلقى مصير مواطنه جيو دارنو برنو بأن يحرق حيا وفعلا فعل ذلك حتى ينجو بنفسه. لقد تم تخفيف الحكم عليه إذ أجبر على البقاء في منزله وعدم نشر أفكاره بين العامة، بقي غاليليو منزويا على نفسه إلى أن جاءه الموت فقال قولته الشهيرة: "ومع ذلك فهي تدور". هذه القولة تدل على أن الحقيقة هي التي تنتصر في نهاية المطاف رغم القمع والسلطة الموجهة ضدها.
2 ـ مجلة سانتفيك أمريكان: مقال:استكشاف كوننا وأكوان أخرى المجلد 19 سنة 2003
http://www.oloommagazine.com/articles/Categories.aspx
3 ـ هي واحدة من النظريات التي أعقبت نظرية الإنفجار الأعظم والتي تقول بأنه لا يوجد كون واحد بل أكوان كثيرة متعددة، هذه النظرية سنخصص لها مقالا منفصلا في المستقبل
4 ـ المفردة:La singularité اصطلاح فلكي يطلق على ذلك الحيز الصغير من الكون الذي قد لا يتعدى ذرة صغيرة حيث كانت كل الطاقة والقوى الأربعة الأساسية مكتفة: القوة النووية الشديدة والضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية، داخل هذا الحيز المتناهي في الصغر وقع الانفجار الأعظم وبدأت قصة الكون.
5ـ إن فكرة أن الكون الأبدي والثابت هي فكرة عزيزة على الذهن البشري لأنها تجنبنا الاصطدام مع العديد من الصعوبات النظرية، فحتى أينشتاين نفسه لم يستطع التخلي عنها. إن الكون في نظره كان موجودا هنا منذ الأزل، إن الحديث عن الأصل معناه الحديث عن بداية محتملة للكون في لحظة معينة من الزمان وأنه يتطور ويتسع باستمرار، وهذه فكرة لم يكن يستسيغها أينشتاين لقد أدخل هذا كما هو معلوم فكرة الثابت الكوني في معادلاته Λ لامضا وهو الثابت الذي سيعتبره فيما بعد أكبر أخطائه، لكن الغريب هو أن الرصد الفلكي للكون أبان سنة 1998 عن وجود هذا الثابت الكوني الذي تخلى عنه أينشتاين وهو ما يسمى بالمادة المظلمة، التي تحافظ على تماسك الكون والتي ما زال العلماء يحاولون اكتشاف سرها. أنظر كتاب: نيل ديجراس تايسون ودونالد غولد سميث: البدايات 14 مليار من عام من تطور الكون ترجمة محمد فتحي خضر، نشر كلمات عربية للنشر والترجمة، الطبعة الأولى 2013 ص 65.
6 ـ ستيفان واينبرغ: الدقائق الثلاثة الأولى في عمر الكون ترجمة محمد وائل الأتاسي. الطبعة الأولى وزارة الثقافة دمشق 1986 ص 14
7 ـ يرى العلماء أن قوة الجاذبية هي أضعف قوة بين هذه القوى الأربع بل يمكن للإنسان أن يتغلب عليها فقط بقوته العضلية حينما يرفع شيئا ما من الأرض مثلا، أو حينما يرسل صاروخا إلى الفضاء الخارجي. في حين أن القوة الكهرومغناطيسية هي اتحاد بين القوة الكهربائية والمغناطيسية وهي تربط الذرات مع بعضها البعض حتى تكون الجزيئات . بينما القوة النووية الضعيفة تكون مسئولة عن التحلل الإشعاعي، في حين تكون القوة النووية القوية هي التي تجعل المادة مستقرة، أي أنها المسئولة عن بقاء الكواركات كأصغر مكونات المادة داخل الذرة وهي المسئولة كذلك عن بقاء الإلكترونات والبروتونات داخل نوات الذرة.
8 ـ يصف جون فايفر هذا التجمع الذي عرفته المادة على أنه كان: " بالغريزة كما تتجمع قطعان الأغنام " ص 16 من كتاب: بداية الكون من الأفلاك إلى البشر، ترجمة محمد الشحات، مؤسسة العرب، القاهرة 1959. والحقيقة أن هذا الوصف أدبي نفسي وليس وصفا علميا لأن السلوك الذي عرفته المادة كان خاضعا لقوانين علمية مضبوطة تتعلق بدرجة الحرارة والكثافة وبالتفاعلات الكيميائية الدقيقة وهو ما يصفه ريتشارد فاينمان في كتابه الدقائق الثلاثة الأولى في الكون.
9 ـ جورج غاموف: بداية بلا نهاية ترجمة محمد الزاهر ـ الهيئة المصرية للكتاب 1990 أنظر الفصل الحادي عشر المعنون بأيام الخلق وبالخصوص الصفحات من 318 إلى 322
Egor et grichka bogdanov: Le visage de Dieu Éditions Grasset & Fasquelle, 2010 P10 ـ 14
أنظر الوصف الجميل الذي يقدمه الأخوان بوغدانوف في مقدمة الكتاب لهذا الاكتشاف ولباقي نتائجه في الفصول الموالية.
11ـ البدايات مرجع سايق ص 39
12ـ مجلة سانتيفيك أميريكان مقال لأندريه ليند تحت عنوان: الكون التضخمي المتجدد ذاتيا سنة 2000 المجلد 16
http://www.oloommagazine.com/articles/Categories.aspx
13 ـ الدقائق الثلاثة الأولى في الكون مرجع سابق ص 17
14ـ دافع فريد هويل طيلة حياته عن موقف مضاد لما تقول به نظرية الانفجار العظيم وهو أن الكون ثابت وساكن وسيظل هكذا إلى الأبد وكان هويل هو أول من أطلق تعبير الإنفجار العظيمthe Big Bing في مؤتمر صحفي على سبيل السخرية من العلماء الذين يقولون أن الكون بدأ من نقطة متناهية الصغر، غير أن وصفه الساخر هذا هو الذي سيصبح العنوان الرسمي لهذه النظرية فيما بعد. علينا أن نشير كذلك إلى أن هذا التعبير هو فقط تعبير مجازي بل هو في العمق غير علمي لأنه كما لاحظ العالم الأمريكي من أصل ياباني ميشيو كاكو أنه علينا أن لا نفهم كلمة الإنفجار كما ندركها في واقعنا المعيش لأن الكون آنذاك لم يكن يتوفر على هواء حتى نسمع دوي هذا الإنفجار. كما أن تعبير كبير هو كذلك غير دقيق ما دام أننا بدأنا من مفردة صغيرة متناهية في الصغر. ثم إن هذا الانفجار لم يحدث في نقطة محددة من الكون كما يمكن أن نفهم من حسنا العام بل هو انفجار شمل الفضاء ككل.
15ـ بول دايفز: التدبير الإلهي الأساس العلمي لعالم منطقي، ترجمة محمد الجورا وجهاد ملحم، دار النشر والتوزيع سوريا، الطبعة الأولى 2009 ص 14
16 ـ نفس المرجع السابق ص 47
Gregg braden THE DIVINE MATRIX bridging time space miracles and belief published in usa bay hay house 1st edition January 20017 ـ 7
للكاتب أيضا كتب أخرى شهيرة مثل The God codeـ walking between the worlds ـ awakening to zero point وهي كلها كتب تحاول أن تستثمر نتائج الثورة العلمية المعاصرة في بلورة فهم روحي مغاير للكون ولمكانة الإنسان فيه.
18ـ ريتشارد موريس: حافة العلم عبور الحد من الفيزيقا إلى الميتافيزيقا ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي، منشورت المجمع الثقافي الإمارات، الطبعة الأولى 1994ص 225
19ـ ستيفان هوكينغ وليونريد ملوندينوف: تاريخ أكثر إيجازا للزمان ترجمة أحمد عبد الله السماحي وفتح الله الشيخ دار العين للنشر سنة 2000 ص 66
20ـ تاريخ أكثر إيجازا للزمان، مرجع سابق ص 78
21ـ نفس المرجع السابق ص 111