ضمن فعاليات منتدى أصيلة الثّقافيّ الدّوليّ السّادس والثّلاثين، وخلال مداخلات ندوة الدّولة الوطنيّة والاتّحادات الإقليميّة في عالم الجنوب والتي استمرت على مدى ثلاث جلسات متواصلة، قدمت ورقة حول تجربة التعاون الخليجي العربي نجمل أهم خلاصاتها في هذا التقرير والذي أكد في النهاية على ضرورة تحقيق تكامل اقتصاديّ وسياسيّ ودفاعيّ لتشكيل تكتّل اقتصاديّ ذي فعاليّة على مستوى العالم..

بهيّة الجشّيّ تقدّم تجربة التّعاون الخليجيّ العربيّ نموذجًا في ندوة أصيلة

في مسار الثّقافة لقراءة الوضع السّياسيّ وتحليل تجارب التّجمّعات الإقليميّة والمشترك الحضاريّ ما بين الأوطان، اختتم منتدى أصيلة الثّقافيّ الدّوليّ السّادس والثّلاثين يوم أمس (السّبت، 9 أغسطس 2014م) ندوته التي تحمل عنوان (الدّولة الوطنيّة والاتّحادات الإقليميّة في عالم الجنوب) والتي استمرّت على مدى 3 جلسات متواصلة ما بين 8 و9 أغسطس الجاري. وقد شاركت في الجلسة الثّانية من مملكة البحرين الدّكتورة بهيّة الجشّيّ النّائب الثّاني لرئيس مجلس الشّورى، التي نقلت تجربة التّعاون لدول الخليج العربيّ وتناولت مسألة التّحوّل من التّعاون ما بين هذه الدّول إلى مرحلة الاتّحاد، وما يترتّب على التّشكيل الجديد من تغيّرات في الشّراكة وطبيعة التّجمّع.

وقدّمت د. بهيّة الجشّيّ مشاركتها من منطلق معايشتها لتجربة مجلس التّعاون لدول الخليج العربيّ ومراقبتها لما يجري في الوطن العربيّ، وأشارت في بداية حديثها إلى أهميّة الموضوع المطروح وضرورته في الوقت الحاليّ على ضوء المتغيّرات السّياسيّة والاقتصاديّة في الوطن العربيّ، منوّهةً: (من المفارقات الغريبة أنّنا نبحث موضوع الاتّحادات والدّول رغم المحاولات التي تجري من حولنا لتحويل تلك التّجمّعات إلى كيانات أصغر). وعبّرت د. الجشّيّ عن قلقها من الأحداث الأخيرة والتي تسير في اتّجاه مضادّ لصيغ التّعاون والشّراكات بين الدّول. وأوضحت أنّ دول العالم التي تمتلك العديد من القواسم المشتركة تتّجه لخلق اتّحادات، مردفةً: (العالم لا يعترف بالكيانات الصّغيرة، بل بالتّجمّعات والقوى الإقليميّة)، حيث يجب العمل على النّهوض بالدّولة الوطنيّة وتشكيل اتّساع أكبر عبر الشّراكات والاتّحادات.

وخلال حديثها، بيّنت الدّكتورة النّائب الثّاني لمجلس الشّورى البحرينيّ أن الانتقال من وضع الدّولة الوطنيّة إلى الاتّحاد لا يُناقض فكرة الاستقلاليّة ما دامت كلّ دولة تفرض سيادتها على محيطها الجغرافيّ، لكنّ في الوقت ذاته الأمر يتطلّب جزءًا من تنازل تلك الدّول الصّغيرة عن سلطتها من أجل مصلحة الاتّحاد ليتمكّن من اتّخاذ القرارات والمواقف باسم المجموعة. وأشارت إلى أهمّ المعوّقات التي تواجه الاتّحادات وتُضعف أداءها واستقرارها، من بينها الاختلافات الإيديولوجيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة للدّول المكوّنة للاتّحاد، وعدك رغبتها في منح السّلطة للمجموعة من أجل اتّخاذ القرارات والمواقف.

وعن تجربة مجلس التّعاون لدول الخليج العربيّ، قالت د. بهيّة الجشّيّ: (المجلس مَثَلٌ من أمثلة التّكتّلات الإقليميّة التي تجمعها مصالح ومقوّمات مشتركة وحضاريّة. وهذا المجلس خطا خطوات إيجابيّة نحو التّكامل عبر اتّفاقيّات دفاعيّة وأمنيّة، والسّعي إلى تطبيق اتّحاد جمركيّ، ولكن تبقى الخطوات ناقصة في تحقيق تكامل اقتصاديّ، حيث يجب أن يكون هذا التّكامل في المرتبة الأولى وعليه يُبنى الاتّحاد الإقليميّ)، وأضافت: (يمكن تحقيق ذلك عبر سوق مشتركة مثلاً وما يترتّب على ذلك من توحيد العملة، الأمر الذي يمنح المجلس قوى اقتصاديّة على غرار الاتّحاد الأوروبيّ الذي يتمثّل في إزالة الحواجز ما بين الدّول الأعضاء، إلى جانب ربطها بشبكة مواصلات).

وأكّدت د. الجشّيّ أنّ تشكيل مجلس التّعاون لدول الخليج العربيّ كان أمرًا حتميًّا، نظرًا لامتلاك المنطقة الكثير من المقوّمات المشتركة، والرّوابط الدّينيّة والثّقافيّة، إلى جانب تشابهها في الخصائص السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وصلات القربى التي تجمع العائلات الخليجيّة تبعًا لروابط بسبب التّصاهر والتّزواج والنّظام القبليّ). وأردفت: (في ظلّ ما تشهده المنطقة العربيّة اليوم من صراعات بدا الأمر أنّه يستلزم أن يكون هناك لحمة وتماسكًا، حيث أنّ الموقع الجغرافيّ لدّول الخليج العربيّ يأتي معزّزًا لهذه الرّؤية التي يتمتّع بها قادة المجلس، وهي رؤية استشراف للمستقبل).

وأشادت د. بهيّة بمبادرة خادم الحرمين الشّريفين المتمثّلة في الدّعوة خلال قمّة مجلس التّعاون الذي انعقد في الرَياض في العام 2011م للانتقال من التّعاون إلى الاتّحاد، مبيّنةً أنّها تأتي تماشيًا مع المادّة الرّابعة من النّظام الأساسيّ لدول مجلس التّعاون لدول الخليجّ العربيّ والتي تنصّ على تحقيق التّنسيق والتّكامل والتّرابط بين الدّول الأعضاء، وأردفت: (لذلك في ظلّ الظّروف التي تمرّ بها المنطقة العربيّة عمومًا ودول الخليج بوجه خاص، ليس هنالك من طريقة إلّا الاتّحاد الخليجيّ لمواجهة التّحديات الكبيرة)، مشيرةً إلى أنّ تشكيل الاتّحاد يجعل من مجلس التعاون قوى أمنيّة وعسكريّة كبيرة قادرة على مواجهة ما يعترضها من تحديّات، وهو الأمر الذي سيحفظ التّوازن الإقليميّ بين القوى السّياسيّة والعسكريّة.

وعّقبت: (هنالك شوط طويلٌ للانتقال من صيغة التّعاون إلى الاتّحاد)، معلّلة أنّ الأمر يستلزم أوّلاً وضع أسس للاتّحاد المتمثّل في التّكامل السّياسيّ والاقتصاديّ والدّفاعيّ. ونوّهت: (بدون هذه الأسس مجتمعة يتعذّر إقامة تكتّل إقليميّ يكون ذا فعاليّة على مستوى العالم). وأوضحت أنّ الاتّحاد الخليجيّ لا بدّ من أن يعمل على أن يتحوّل إلى أحد أهمّ التّكتّلات الاقتصاديّة على مستوى العالم، حيث تكون له مواقفه الاقتصاديّة القويّة المشتركة التي يستطيع من خلالها أن يفرض مفاوضاته التّجاريّة والاقتصاديّة مع التّكتّلات والاتّحادات الاقتصاديّة العالميّة، لا سيّما دول الاتّحاد الأوروربيّ.

كما أنّ الاتّحادات والتّكتّلات الإقليميّة تستلزم أيضًا توحيد الأنظمة السّياسيّة وما يتبعها من إصلاح يتمثّل في مجالس نيابيّة منتخَبَة حسبما أشارت الجشّيّ، وهو الأمر الذي تسعى الدّول الأعضاء لتحقيقه للوصول إلى مجلس نيابيّ اتّحاديّ.

وحول موضوع الاتّحاد الخليجيّ، علّقت د. بهيّة الجشيّ النّائب الثّاني لرئيس مجلس الشّورى أنّ موضوع الاتّحاد طُرِح على مستوى القمّة ولكن لم يُطرَح على مستوى الشّارع ومؤسّسات المجتمع المدنيّ والمواطنين، وقالت: (أعتقد أنّه لتحقيق ذلك يجب طرح الموضوع في ندوات ومناقشات عامّة لوضع الرّؤى والأسس الصّحيحة لهذا الاتّحاد، حتّى يكون المواطن مستعدًّا لدعم هذا التّوجّه). واستكملت: (إنّ قيام اتّحاد خليجيّ يتمتّع بالمساحة الجغرافيّة والانسجام الجغرافيّ الموجود بين الدّول وأيضًا توفّر العدد المناسب من السّكان، وكذلك حجم الإنفاق الحكوميّ على مشاريع البنية التّحتيّة سيساعد حتمًا على إنشاء نشاط اقتصاديّ يحقّق معدّلات نموّ عالية، ويعزّر مكانة القطاع الخاصّ بما يساعد ويساهم ويخفّف العبء على الإنفاق الحكوميّ).

وأكّدت أنّه في الوقت الرّاهن لم يعد بالإمكان للدّول أن تواجه لوحدها ما يعترضها من تحدّيات، لذا فمن أجل التّوصّل لاتّحادات إقليميّة ناجحة ينبغي العمل على تعزيز المقوّمات الأساسيّة لنموّ واستمراريّة ذلك الاتّحاد. مختتمةً مشاركتها بالقول: (هنالك مقوّمات وأسس لا بدّ من وجودها لضمان الاستمراريّة ومن أهمّها الإصلاح وتنمية الاقتصاد في الدّول التي ترغب في الانضواء تحت اتّحاد إقليميّ، بالإضافة إلى توافر الرّغبة والإرادة الكافية للوصول إلى تفاهم حول القضايا ذات الإشكاليّة، والتّوصل إلى اتّفاقات حولها دونما المساس بالسّيادة الوطنيّة للدّول وأيضًا دون التّفريط بما يتطلّبه قيام اتّحاد إقليميّ قويّ، بل يجب أن تكون هنالك مزاوجة ما بين الاثنين).