احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط يومي 25 و26 يونيو الجاري ندوة دولية حول النظام الوطني للإحصائيات الثقافية. الملتقى تضمن في يومه الأول خطابات للسادة أحمد الحليمي العلمي، المندوب السامي للتخطيط، ومايكل ميلوارد، الممثل الإقليمي لمكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، ومحمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة.
وبخصوص "التجارب الموضوعاتية الدولية في الإحصائيات الثقافية"، قدمت الأستاذة فاطمة آيت محند مداخلة بعنوان "تقديم إطار الإحصائيات الثقافية لليونيسكو"، وتدخل الأساتذة عبد الجليل الأحرش في موضوع "الإحصائيات الثقافية في صلب اليونيسكو"، وفانسانتي كول سيرانو في "تأمل نقدي في بلورة المؤشرات الإحصائية للثقافة"، وكلود مارتان في "بناء الإطار المفهوماتي والميتودولوجي للإحصائيات الثقافية"، وكزافيي نييل في "إحصائيات وسائل الإعلام الثقافية (في فرنسا)"، وماهر صبيح في "إحصائيات التراث التاريخي"، فيما تقدم الأستاذة بيريز كوراليس مداخلة في موضوع "إحصائيات التجهيزات الثقافية (في إسبانيا}.
أما اليوم الثاني للملتقى، الذي تمحور حول "التجارب الوطنية في تجميع ومعالجة المعلومة الثقافية"، فعرف مداخلات للأساتذة محمد السليمي في موضوع "ممارسات مديرية الإحصاء في مجال إحصائيات الثقافة"، ونزهة المرابط وآمال حيدة في "تجربة مديرية المحاسبة الوطنية في وضع الحسابات الوطنية"، وعبد العاطي لحلو في "دور المكتبة الوطنية في تحليل العرض الثقافي من خلال الإنتاج الثقافي الوطني"، وعبد الله أمهود في "دور الجماعات المحلية في التنمية الثقافية"، ولطيفة سبأ في "مظاهر الإنتاج الثقافي في الإذاعة الوطنية المغربية"، سمير بوشايبي في "تقرير نشاط المركز السينمائي المغربي..مصدر معلومات إحصائية"، ومحمد فريندي في "لمحة عامة على إحصائيات حقوق المؤلف في المغرب".
وأشارت ورقة تقديمية لوزارة الثقافة إلى أن "رصد ودراسة المعطيات الإحصائية في ميادين التراث الثقافي، والأنشطة الثقافية، والمنتجات الثقافية، يسجل خصاصا ملحوظا على ثلاثة مستويات رئيسية: المستوى الأول يكمن في غياب إطار قانوني ملائم يضبط عملية تجميع المعطيات. أما المستوى الثاني فيتعلق بغياب إطار مفاهيمي دقيق ومتخصص، يؤطر إنتاج المعلومة الإحصائية. ويكمن الخصاص الثالث في غياب نظام إحصائي ممركز لكل عملية نشر أو توزيع للمعطيات الإحصائية"
وانطلقت أشغال الندوة الدولية حول النظام الوطني للإحصائيات الثقافية يومه الأربعاء 25 يونيو بحضور ثلة من الأساتذة والخبراء في هذا المجال، يمثلون العديد من المؤسسات ومراكز البحث الوطنية والدولية. وقد تميزت الجلسة الافتتاحية بكلمة السيد وزير الثقافة التي استعرض فيها برنامج عمل الوزارة في ميدان الإحصائيات الثقافية والتي ذكر فيها بما تم إنجازه وبآفاق هذا البرنامج وأهدافه، كمرحلة مؤسسة للمرصد الوطني للثقافة المنتظر إحداثه في الأفق المنظور.
كما تميزت الجلسة الافتتاحية بكلمة افتتاحية للسيد الممثل الجهوي لليونسكو، وقف فيها عند أهمية هذا الورش الذي فتحته وزارة الثقافة، والذي يتماشى مع الحركية الثقافية التي يعرفها المغرب، وعلى أهمية إطار اليونسكو للإحصائيات الثقافية، باعتباره المرجع الأساس في هذا الميدان. كما وقفت كلمة السيد الكاتب العام للمندوبية السامية للتخطيط عند أهم مراحل إحصاء المعطى الثقافي كما تضطلع به المندوبية السامية، مبرزا من خلال معطيات دقيقة أهمية هذا المجال وخصوصيته العرضانية، وكذا آفاق العمل فيه.
ورقة تقديمية
يظل إنتاج ونشر الإحصائيات الثقافية الحلقة الأضعف في منظومة إحصائياتنا الوطنية. وهي وضعية لا تعكس من جهة، غنى وتنوع ثقافتنا بما تزخر به من مكونات ورموز وتعبيرات يكتنزها تراثنا، ولا تتلائم من جهة أخرى، مع الحيوية الملحوظة المميزة خلال السنوات الأخيرة، لسوق الممتلكات والخدمات الثقافية.
ويسجل رصد ودراسة المعطيات الإحصائية في ميادين التراث الثقافي، والأنشطة الثقافية، والمنتجات الثقافية، خصاصا ملحوظا على ثلاث مستويات رئيسية: المستوى الأول يكمن في غياب إطار قانوني ملائم يضبط عملية تجميع المعطيات. أما المستوى الثاني فيتعلق بغياب إطار مفاهيمي دقيق ومتخصص، يؤطر إنتاج المعلومة الإحصائية. ويكمن الخصاص الثالث في غياب نظام إحصائي ممركز لكل عملية نشر أو توزيع للمعطيات الإحصائية. وينجم عن هذا الوضع واقع إحصائي يتميز بمعطيات جزئية، ذات عمق وجودة تختلف من قطاع إلى آخر، وتتوزع بين الكتب والتقارير والبوابات الإلكترونية للمؤسسات والمتدخلين العموميين والخواص.
وعلى صعيد آخر، تظل المؤشرات والاستدلالات الثقافية الموجودة على قلتها، خارج المقاييس المعتمدة والمعمول بها من طرف المؤسسات المتخصصة (اليونسكو...)، مما يجعلها غير مؤهلة لرصد ووصف عوامل وروافع التنمية الثقافية، كالحيوية الثقافية، والتنوع الثقافي، والولوج إلى البنيات الثقافية والاستفادة من خدماتها، وتقبل الآخر.
ولعل فيما سبق، ما يبرر عدم استثمار المعطيات الإحصائية الثقافية المتوفرة - على عكس قطاع السياحة - من طرف حساب فرعي للمحاسبة الوطنية، يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات وتعقد معطيات القطاع الثقافي، ويدقق أرقام الحسابات الوطنية، ويسهل الضبط الحسابي للمؤشرات الاقتصادية الدالة (القيمة المضافة للناتج الداخلي الخام، الشغل، التجارة الدولية...)، باعتبارها أساسية لفهم عميق وواقعي لدينامية القطاع، كمقدمة لا مناص عنها في بلورة سياسة عمومية عقلانية تغطي كل مناحي التدبير الحكومي سواء منها الوطنية، الجهوية أو المحلية.
واعتبارا لتقدم شركائنا المسجل منذ عقود، في ميدان وضع أنظمة لحساب المؤشرات الثقافية، وكذا التطور الملحوظ في هذا الميدان لدى بعض الدول اللاتينية والإفريقية المرتبط باستفادتها من خبرة اليونسكو الممتدة على مدى جيلين، فيجدر بنا أن نسجل تأخر المغرب في مواكبة هذا المجهود الدولي. ولعله تأخر ناجم عن تصور سائد إلى حدود الماضي القريب، ينظر إلى تنوع التعابير الثقافية وتلويناته المتشعبة باعتباره غير ذو بال في تقوية صيرورة التنمية الشاملة، وهو التصور الذي لجم مستوى الموارد المسخرة للقطاع، والتي أدى ضعفها إلى تقزيم الاستثمار في ميدان الثقافة وفي إرساء المناخ المناسب لتقوية دعائمها.
لقد أدى واقع الحال هذا، إلى تأجيل بناء خبرة إحصائية في ثلاث ميادين على الأقل:
1- تحديد و حل المشاكل الكثيرة ذات الصلة بصياغة التعاريف والخيارات المنهجية الناظمة لسيرورة المكونات المترابطة للدورة الثقافية.
2- تجميع المعطيات، وإنتاج وتوزيع الإحصائيات الثقافية.
3- بلورة مؤشرات ومعطيات استدلالية ثقافية معبرة والتمكن من استكناه مضامينها.
وهي الميادين التي يعيق التأخر فيها، القدرة على إنتاج مقنع ومنهجي لإحصائيات تهم مساهمة القطاع الثقافي في خلق الشغل، و ضبط مدى التأثير المباشر لهذه المساهمة في مسار التنمية.
لقد جاء الدستور الجديد ليؤسس لواقع جديد يتجاوز هذا التصور المختزل لأدوار الثقافة. فقد نص على ترسيم لغتين وطنيتين، وثمن التعددية اللغوية، وأوكل إلى الدولة مسؤولية حماية وتنمية التعابير الثقافية من خلال تنصيصه على مقتضى دستوري جديد يؤهل الإطار المؤسساتي للنهوض بهذه المسؤولية، ويتمثل في إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة الوطنية.
إن رد الاعتبار هذا، الواضح في الوثيقة الدستورية، لوزن الثقافة ولمسؤولية الدولة إزاءها، والتي واكبته إرادة سياسية معلنة من طرف الحكومة في تنزيل وتطبيق مقتضياته، يدعو إلى الدفع بسلسلة من الأوراش المرتبطة، ومنها ورش وضع نظام وطني للإحصائيات الثقافية، تفتتح مساره هذه الندوة الدولية.
ويبقى موضوع هذه الندوة هو وصف وتحليل واقع الإحصائيات الثقافية، والاستفادة من التجارب الوطنية والإقليمية والجهوية لدى دول رائدة في المجال، في أفق تقييم مدى فاعلية وجدوى وضع نظام إحصائي وطني يتبلور من خلال البنية المتراتبة للميادين الأساسية، العرضانية والمحيطة للإطار الإحصائي لليونسكو لسنة 2009.