أصدر المؤتمرون بالندوة الافتتاحية لفعاليات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية ضمن موسم أصيلة الثقافي، والتي حملت عنوان “الدولة الوطنية والتكتلات الإقليمية في دول الجنوب”، بيانا يبلور الخلاصات التي خرج بها المشاركون.
وخلص المؤتمرون، في الندوة الافتتاحية، والتي امتدت ليومي الجمعة والسبت، في “نداء أصية” إلى إقامة أقطاب إقليمية قوية تتيح الاستفادة من الامتيازات الاقتصادية، مبرزين دور تلك الأقطاب في خلق أجواء التضامن وقطع المسافات نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية”. وأوصى “نداء أصيلة” بضرورة القيام بتقييم موضوعي للتجارب الإفريقية في تحقيق الاندماج الإقليمي، بهدفة التغلب على “هشاشة” الدول الوطنية في مواجهتها للمخاطر التي تهددها، داعين إلى بناء شراكة حقيقة مع مجلس التعاون الخليجي.
كما اقترح المشاركون في الندوة الافتتاحية لموسم أصيلة الثقافي في دورته 36 أن يحتضن المغرب اجتماعا لممثلي الاتحادات الإفريقية من أجل تبادل وجهات النظر بخصوص حصيلة مشروع الاندماج الحالي. وأسدل الستار، أول أمس السبت، على فعاليات الندوة الافتتاحية لفعاليات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، على أن تفتتح غدا الثلاثاء أشغال الندوة الثانية، والتي تحمل عنوان “التنمية المستدامة والتغير المناخي: أي دور للمنظمات متعددة الأطراف”.
و وصى خبراء ومسؤولون وسياسيون عرب وأفارقة مشاركون في ندوة «الدولة الوطنية وللاتحادات الإقليمية في عالم الجنوب»، أولى ندوات منتدى أصيلة الدولي، بعقد لقاء جهوي بين المنظمات الإقليمية في الخليج ونظيراتها في أميركا اللاتينية وآسيا عن طريق «مشروع نداء أصيلة»، تشجيعا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعما للاستقرار والمصالح المشتركة في بلدان هذه المناطق.
جاء ذلك في ختام الندوة التي استمرت على مدى يومين ناقش فيها المتدخلون الأسباب التي أصبحت تجبر «الدولة الوطنية» على الانخراط في كيان اتحادي يؤمن لها الاستقرار والتنمية والتقدم.
وطغى الجانب الأمني على النقاشات في الندوة، والتي أكدت ضرورة تشكيل تكتلات إقليمية قادرة على الوقوف أمام التهديدات الأمنية، وكذا مواجهة مخاطر الانفصال، وطالبت بتعزيز التضامن بين الدول الأفريقية رغم النقائص والتحديات، مبرزة أن لأفريقيا فرصة لتحقيق تكتلات مهمة كقوة محركة في الكثير من المجالات خاصة الاقتصادية منها.
واستهل فتح الله أولعلو،، وزير الاقتصاد والمالية المغربي الأسبق، وعمدة مدينة الرباط، النقاش في الجلسة الثانية من الندوة بمداخلة تطرق فيها إلى ما يعيشه العالم العربي من مخاطر التهميش والانفصال، رابطا العلاقة بين البعد الأمني والاقتصادي لتكوين تنمية اقتصادية في ظل الاتحادات الإقليمية، مشددا على أنه لا يمكن لدولة التحكم بالمخاطر الأمنية التي تهددها بمفردها.
وأعرب أولعلو عن تفاؤله بإمكانية العمل الأفقي بين دول جنوب البحر الأبيض المتوسط والشمال، وقال إنه لا بد من خلق شروط سياسية من أجل وضع مسار جديد للاتحادات الإقليمية في المنطقة للتعاون على مواجهة المخاطر الأمنية التي تعيشها المنطقة، إذ لم يعد من الممكن وضع نموذج اقتصادي تنموي في إطار الدول القطرية وحدها. وتحدث أولعلو عن تجربة الاتحادات الإقليمية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تجربة المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تطورت إلى الاتحاد الأوروبي سرد من خلالها المراحل التي مر منها هذا التكتل منذ إنشائه والسبل التي اتبعتها الدول لتطويره ليخدم الدول الأوروبية في كل المجالات.
من جهة ثانية، استعرض أولعلو تجارب الاتحادات العربية والأفريقية وكذا الاتحاد المغاربي والتي باءت جلها بالفشل، وتأسف على توقف المشروع المغاربي رغم المحاولات لإحيائه في عقدي الستينات والثمانينات، مشيرا إلى أن المنطقة العربية بعد فشل المشروع القومي والمشروع الإسلامي، وفي حال استمرار حالة اللاوحدة، ستعيش مخاطر تقسيم الكيانات القطرية الحالية إلى دويلات وفي مقدمتها العراق وسوريا وليبيا، إضافة إلى المخاطر التي تواجه الساحل الأفريقي في مالي ودول الجوار.
ومن منطلق تجربة بلادها، تحدثت بهية جواد الجشي النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى في البحرين عن تجربة مجلس التعاون لدول الخليج بعده نموذجا تمكن من خلال الاتفاقات الأمنية والدولية من تحقيق نقلة نوعية لدول المجلس وصنع قوة اقتصادية فاعلة في المنطقة تملك روابط دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية موحدة عززها الموقع الجغرافي.
وأشادت الجشي بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بشأن الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد وتحقيق التنسيق والترابط وصولا إلى الوحدة في ظل ظروف منطقة الخليج، إذ إن الاتحاد يمكن أن يجعل منها قوة عسكرية وأمنية للحفاظ على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لا يمكن للدول تحقيقه بمفردها.
وأشارت الجشي إلى أن دول العالم التي تملك قواسم مشتركة باتت تتجه لخلق اتحادات إقليمية لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، مؤكدة أن العالم لا يعترف بالكيانات الصغيرة، بل يعترف بالكيانات القوية خاصة تلك التي تملك قواسم مشتركة، إذ إن الانتقال من الدولة الوطنية إلى تأسيس اتحادات إقليمية يضاعف من فرص العلاقات ومن التأثير في المواقف الدولية سياسيا واقتصاديا، إلا أن الدول يجب أن يكون لديها استعداد للتنازل عن سلطتها لمصلحة الاتحاد ليتمكن من اتخاذ القرارات الدولية باسم هذه الدول.
وفي الشق الأفريقي، استعرض يوسف وادراووغو المستشار الخاص لرئيس البنك الأفريقي للتنمية، ورئيس وزراء بوركينا فاسو الأسبق، تجربة التكتلات الأفريقية، مشددا على ضرورة إبداء الرغبة في التحالف لتأسيس كتلة وازنة اقتصاديا وأمنيا، وأوضح أن تجربة الاستعمار التي عاشتها دول أفريقيا حرص خلالها الاستعمار على تفكيك أفريقيا إلى دويلات لمنعها من التحالف واكتساب القوة.. «ويجب على أفريقيا الآن أن تحدد الوزن الذي تريد اكتسابه وبلورة الإرادة السياسية لتحقيقه".
وعد وادراووغو أن دول الجنوب لا تبدل الجهود الكافية للسعي قدما في مشروع التكتلات ولا تسعى لتعزيز علاقاتها مع تكتلات من قارات أخرى وتحسين التواصل بينها، مشيرا إلى أن زعماء أفريقيا سابقا كانت لديهم الإرادة اللازمة لكنها صارت أضعف. ووجه نداء في كلمته لأفريقيا لضرورة الوعي بالخروج من التهميش لكي لا تقتصر على تصدير المادة الخام إذ إن ما يولد الثروة ليس المادة الخام بل العمل على تصنيعها.
من جهته، دعى غيرمو فرنانديز دي سوتو، وزير خارجية كولومبيا سابقا ومدير أوروبا في البنك اللاتينو - أميركي، الدول الأفريقية إلى إنشاء جنوب مشترك عن طريق التواصل مع التكتلات في أميركا اللاتينية وعده قاطرة لحل المشكلات الاقتصادية والتخلص من الفقر في ظل مستقبل واعد بالتغييرات نتيجة تطور أساليب الإنتاج والتكنولوجيا والتجارة. وشدد دي سوتو على أن تحسين التنسيق وتكثيف التشارك بين الجنوبيين واستغلال القواسم المشتركة بين أفريقيا وأميركا الجنوبية، وإجراء إصلاحات في المؤسسات لتستطيع هذه الدول النظر للمستقبل وتتحرر من وطأة الفقر وتخرج من فخ الدخل المتوسط لتتمكن الطبقات المتوسطة من الوصول إلى أهدافها. وفيما يخص أفريقيا قال إنه لا بد من تحديد الأولويات والاستثمار في الثروة البشرية وإنشاء دولة معاصرة، وأن مفتاح النجاح في يد الزعماء للسعي لتحقيق التكامل، إذ إن معدل السكان في أفريقيا سيزيد على ملياري نسمة وهذه ثروة كفيلة بإسقاط الحواجز والتغلب على الصعاب.
وفيما يخص أميركا، قال دي سوتو إنها تتغير، مشيرا إلى أنها استخلصت العبرة لكن الفجوات الاجتماعية لا تزال قائمة والقدرة التنافسية والإنتاجية لديها بحاجة للهيكلة والاستثمار الموارد في التربية والتعليم والابتكار لمقاومة الأزمة العالمية مستعينة بتجربة الاتحاد الأوروبي. ودعا دي سوتو إلى تحقيق التكامل الأفريقي وتوحيد الصفوف والعمل معا لحل المشكلات المشتركة واكتساب فعالية إقليمية.
وتحدث ناصر عبد العزيز ناصر الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات والرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة عن المشكلات التي تعيشها الدول العربية، وأكد على ضرورة تفعيل كل المنظمات العربية في إطار الأمم المتحدة لاكتساب المزيد من الوزن في المنطقة لوضع حد للصراع في غزة ومواجهة التأخر في تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لإنشاء دولة فلسطينية موحدة. وفي السياق نفسه، أعرب عبد الله كوليبالي، مؤسس معهد الدراسات العليا للإدارة ونائب رئيس منتدى باماكو عن مسؤولية الدولة بتحسين المجتمعات، إذ إن العملية الديمقراطية هي عروق الدولة ويجب التركيز على فهم هذا التداخل. وقدم كوليبالي الأزمة في مالي كنموذج على التقسيم الذي تعاني منه الكثير من الأقطار الأفريقية، والتي تؤثر على كل محاولة للتكتل في الكثير من المناطق، وتشكل حجر عثرة أمام أي محاولة للإصلاح.
بان كي مون: الثّقافة لها قوّة هائلة قادرة على جمع شمل الشّعوب وجعلهم يقيّمون ظروفنا الإنسانيّة المشتركة والكفاح لا بدّ أنّ يستمرّ
أكّد السّيّد بان كي مون الأمين العامّ لمنظّمة الأمم المتّحدة أنّ دول العالم أمامها أقل من 500 يومٍ على الموعد الذي حدّده أقوى زعماء العالم في العام 2000م من أجل تحقيق أهداف الألفيّة للتّنمية. جاء ذلك في الرّسالة التي بعثها الأمين العامّ لمنتدى أصيلة الثّقافيّ الدّوليّ السّادس والثّلاثين الذي تشارك فيه مملكة البحرين باعتبارها ضيف شرف المنتدى، وذلك خلال ندوة (التّنمية المستدامة والتّغيّر المناخيّ: أيّ دور للمنظّمات متعدّدة الأطراف؟) والتي نوقش فيها دور الأمم المتّحدة في مسار التّنمية والاستدامة بمشاركة العديد من الشّخصيّات الدّبلوماسيّة وصُنّاع القرار، من بينهم: ماركوس كيبريانو (وزير الخارجيّة القبرصيّ الأسبق وعضو اللّجنة الاستشاريّة بمركز العلاقات الدّوليّة والتّنمية الاستشاريّة)، بيرستيغ مولير (وزير الخارجيّة الدّانماركيّ الأسبق)، لورد مايكل هوارد (الوزير البريطانيّ الأسبق وعضو حزب المحافظين)، فرانكو فراتيني (وزير الخارجيّة الإيطاليّ الأسبق)، روت غرينسبان بيل (الباحثة الأميركيّة في السّياسة العموميّة بمركز ويلسون الدّولي – برنامج التّغيّر والأمن البيئيّ)، سعيد ملين (المدير العامّ بالوكالة الوطنيّة لتنمية الطّاقات المتجدّدة وكفاءة الطّاقة في المغرب)، لويس ألفونسو دي آلبا (رئيس لجنة حقوق الإنسان السّابق والممثّل الدّائم للمكسيك في الأمم المتّحدة) وغيرهم.
وقال بان كي مون في رسالته التي نقلها معالي السّيّد محمّد بن عيسى وزير الخارجيّة المغربيّ الأسبق ومؤسّس منتدى أصيلة الثّقافيّ: (آن الأوان لتقييم منجزاتنا ورسم أجندة التّنمية لما بعد العام 2015م)، مردفًا: (الجهود الهائلة والمبذولة حتّى الآن لا تكفي بل علينا تحقيق المزيد من التّقدّم، وعلينا أن نعتمد اتّفاقيّة جديدة بشأن المناخ، ذات ثقلٍ كافٍ، وذلك بحلول العام 2015م).
ووجّه الأمين العامّ لمنظّمة الأمم المتّحدة بان كي مون دعوته إلى زعماء من مختلف دول العالم لحضور قمّة المناخ المزمع إقامتها في الثّالث والعشرين من شهر سبتمبر المقبل في نيويوك، وذلك حرصًا على التّوصّل إلى نتائج فعّالة، مشيرًا إلى أنّ الأمر يتطلّب مشاركةً أكبر من ممثّلي الحكومات ومن النّاشطين ورجال الأعمال وكذلك المواطنين العاديين من أجل العمل على إنقاذ كوكب الأرض ومستقبله. وعلّق حول أهميّة الثّقافيّة في مثل هذه القضايا العامّة قائلاً: (الثّقافة لها قوّة هائلة قادرة على جمع شمل الشّعوب وجعلهم يقيّمون ظروفنا الإنسانيّة المشتركة). وأعرب عن أمله في أن يبقى منتدى أصيلة (مصدرًا لإلهام كافّة الشّعوب من أجل أن تلعب دورًا أكبر لدعم رؤيتنا الرّامية إلى ضمان العيش الكريم للجميع).
وذكر بان كي مون أنّ العالم في الوقت الحاليّ يشهد مرحلةً شديدة الاضطراب، حيث تحطّم الصّراعات العنيفة حياة البشر في مناطق مختلفة من إفريقيا والشّرق الأوسط وغيرها. وأوضح: (التّطرّف الطّائقيّ الخطير جاء ليضرم نيران الصّراع في سوريا، ويدفع بعض أهالي شمال العراق إلى مغادرة أوطانهم التي كانوا يقطنونها منذ غابر العصور)، واستتبع: (على الرّغم من أنّ الصّراعات تختلف باختلاف ظروفها، فإنّها تتّسم بقواسم مشتركة كاحتقار حياة الإنسان، وتبنّي الرّأي الخاطئ بأنّ أمن البعض لا يُضمَن إلّا على حساب غيرهم).
وأوضح الأمين العام في رسالته الموجّهة للمنتدى إلى أنّه كثيرًا ما تدفع هذه الصّراعات عمليّة التّقدّم والتّنمية إلى التّراجع، إذ تعطّل تلك الصّراعات ما بذلته بعض البلدان وشعوبها من جهود مضنية بدعمٍ من الوكالات التّابعة لمنظومة الأمم المتّحدة ومنظّمات غير حكوميّة وشركاء آخرين. وأكّد أنّ مثل هذه الظرّوف القاسية تصعّب وتعيق رفع مشعل التّنمية المستدامة وإبراز أهميّة معالجة التّغيّر المناخيّ. واستدرك: (الكفاح لا بدّ أنّ يستمرّ). وأشار أنّ الكوارث الإنسانيّة من جوع وفقر وتقلّبات متزايدة في الأحوال المناخيّة غير القابلة للتّكهّن، تحتوي في كثيرٍ من الأحيان على حوافز تؤجّج تلك الصّراعات.