في ظل حمى المهرجانات التي يشهدها المغرب، يقربنا هذا التقرير للشاعر المغربي من مهرجان اختار الاحتفاء بالتراث المغربي والافريقي في تمازج كبير بين الثقافتين، خصوصا أن المهرجان ينفتح على العديد من الألوان التعبيرية وهو يخلق هامشا للفرجة وللقاء والتعارف وتبادل الأفكار في مدينة متوسطية بامتياز تعرف أساسا تلاقحا لثقافات إيبيرية وأندلسية..

المهرجان الدولي العنصرة بالمضيق يحتفي بالتراث المحلي والإفريقي

أنس الفيلالي

تحتضن مدينة المضيق على مدى أربعة أيام، تستهل بالعشرين من الشهر الجاري، فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الدولي العنصرة الذي تنظمه "جمعية المهرجان الدولي العنصرة"  بمدينة المضيق.

والعنصرة، هي احتفالية متأصلة في جذور التاريخ تقام بمجموعة من الممارسات والطقوس الاحتفالية في الساحل الغربي من مناطق شمال المغرب، يشارك فيها كافة سكان المنطقة للتعبير عن ابتهاجهم بنهاية الموسم الفلاحي وانتهاء عملية الحصاد وجمع الغلة، خصوصاً الفلاحين منهم والبحارة الذين يتقدمون الموكب الغنائي التقليدي الذي تقيمه الساكنة، والذي يضم الفنون الشعبية التي تتميز بهذه المنطقة، كـ"العيوع" وغيرها.

ولعل الهدف الأساس من المهرجان حسب السيد نوفل مخناس الرئيس المنتدب للجمعية، يكمن بالأساس في إبراز التراث اللامادي لمنطقة المضيق- الفنيدق، من خلال تقديمه صورة ثقافية وحضارية وجمالية لها بعد وطني ومتوسطي وإفريقي ودولي، وذلك بآليات وأدوات اشتغال منظمة ومحترفة بغية تسويقه كمنتوج قابل للمساهمة في التنمية السياحية والثقافية . كما يهدف، حسب نفس المتحدث، الى مد جسور التلاقح والحوار بين الثقافات والحضارات، ونشر قيم التسامح والتعايش والتضامن خصوصاً مع الشعوب التي نتقاسم معها طقوساً فنية وثقافية.

ويستقبل مهرجان العنصرة في دورته الحالية تنوعاً موسيقياً متميزاً يجمع ما بين الموسيقات التقليدية التراثية والموسيقات العصرية للمغرب والعالم. فتتضمن البرمجة الفنية فنانين من تيارات مختلفة، يشترك بينهم عنصر إبراز التراث والحفاظ عليه، ونقل وإبراز مكونات الهوية الثقافية والذاكرة  المشتركة بين الجنوب. 

فعلى مدى ثلاثة أيام سيعيش جمهور المضيق على إيقاعات موسيقى العالم التي تستمد روحها من موروث ثقافة وهوية بلدها، وستكون الهوية الإفريقية، التي يكون المغرب جزءاً منها، محتفى بها على مدى أيام هذه الدورة، حيث سيشارك نخبة من الفنانين الأفارقة في هذا المهرجان، تتقدمهم الموريتانية معلومة بنت الميداح، والفنان المالي الكبير باسيكو كوياتي الذي سيقيم مزجاً فنياً بينه وبين الفنان المغربي الأصيل حميد القصري، والفرقة السينغالية فرافينا دربي، وسيدة الغناء الحساني رشيدة طﻻل.

وإلى جانب الحضور المكثف للعروض الفنية التراثية، سيستقطب المهرجان عدة نجوم سطعت في سماء الأغنية العربية والمغربية، يتقدمهم الفنان التونسي لطفي بوشناق بقيادة المايسترو نبيل أقبيب، والفنانة المغربية سميرة بنسعيد.

ولم يفت المهرجان أن يفتح المجال أمام الكفاءات الشبابية الواعدة بمجال الأغنية المغربية والعربية  والتراثية، تتقدمهم الفنانة مريم شقرون خريجة برنامج استوديو دوزيم، والفنان بدر إلياس، والفنان نبيل أشغف، والفنان خليفة منصور، والفنانة الفائزة بجائزة مواهب العنصرة يسرى أحدوثن، والفنانة هاجر، و مجموعة أصوات سجية من المضيق و آخرون .

ولن يغيب الجانب التراثي طيلة الليالي الأربعة للمهرجان، من خلال البرمجة الفنية لهذا الجانب عبر الاحتفاء بالتراث الجبلي في شتى مظاهره، حيث ستقدم في كل ليلة استعراضات ورقصات تلامس بها استحضار الموروث الثقافي الشعبي لموسم العنصرة، بحضور مكثف لفرق شعبية في فن العيطة الجبلية وأخرى في  تراث المنطقة الشمالية، متمثلة في رقصات الحصادة وركوب البحر والأهازيج الجبلية والبواردية.

وبالموازاة مع كل هذه العروض الفنية سيفتتح المهرجان بموكب العنصرة، والذي سيتم خلاله تقديم لوحات استعراضية لطقوس العنصرة تشارك فيها عدد من جمعيات المجتمع المدني والقروي، الذي يحج عادة للمشاركة في عرض إنتاجات المنطقة، وكذا الحضور في الليلة الصوفية حسب عادات وتقاليد رسخت عبر الزمن.

وفي تصريح للمديرة الفنية للمهرجان، الفنانة المغربية سميرة القادري أكدت على أن إدارة المهرجان تريد لمهرجان العنصرة طابعاً خاصاً يختلف عن المهرجانات الأخرى، لأن فكرة إقامته بالمضيق، تضيف الأستاذة القادري، مستمدة من الوفاء لتقليد العنصرة عبر العصور في المدينة وعالمها القروي.

فروح المهرجان كائنة في كل فضاءات لؤلؤة المتوسط المضيف التي أصبحت وجهة سياحية  بالمغرب، احتفاء بروح أفريقيا، والتقريب بين ثقافتها، تضيف نفس المتحدثة. وترى القادري أن احتفالية العنصرة هي ترسيخ لقيم وتعاليم تربوية واجتماعية وأخلاقية، تبقى أهمها التربية على الصبر والتشبث بالأرض كمصدر للعطاء والماء كمصدر للحياة، وهو ما يفسر حضور الماء بقوة في هذه الاحتفالية من خلال طقس ركوب البحر.

أما مصطفى العوزي، الباحث في السوسيولوجيا، وعضو جمعية المهرجان الدولي للعنصرة، فيرى ضرورة التأكيد على أن احتفالية العنصرة بما تزخر بها من طقوس وعادات وتقاليد ومراسيم يشترك فيها الرجال والنساء، أطفال وكبار، أهالي المدينة والقرية، هي إحدى أبرز تجليات التنوع الثقافي كظاهرة إنسانية كونية، فحينما نتأمل هذه الاحتفالية– يضيف العوزي- نلاحظ كيف تلتقي أشكال مختلفة من الممارسات الفنية وأنماط خاصة ومتنوعة من التعبيرات المادية واللامادية على شكل فنون رقصات أهازيج لباس نتاجات تقليدية وغيرها في قالب فني متجانس يعبر عن هوية جماعية خاصة.

وكسابقة في التراث الفني المغربي الجبلي، سيتم تكريم عدد من رواد وشيوخ العيطة، كما سيقام عمل مشترك تحت قيادة شيخ العيطة الحبيلية عبد المالك الأندلسي.