الجلسة الثالثة عشرة لندوة "نص الليلة"

وقفة مع قصيدة (الوقتُ أنتِ) لـ "فراس حج محمد"

 
النص:

الوقتُ أنْتِ!

هكذا ناضجة هي!

لا تنتظرها!!

فالطقوس المؤجلة تودي

بالعطش

واسعَ إليها راضيا

بين ركني جمالٍ باذخٍ

وابتهل لسماء نحاسية

لعلها تروي اكتمالات الفلك

لا تؤجلْ

حكمة الأجداد لن تشفع لك!

واقترب من وهج شمس

واصطلِ بشعاع رائحة الجسد!!

قرُبَ الصباحُ

ضياء روحك

فاغتسل بدماء وقتك

كي تكون

وانتسب للريح كي تبقى قويا

لا يموت بك الصهيلْ

وابتسم...

فالروح تكبرُ إذ تسيلُ

غزيرة بين أودية الحرير!!

هل كُنتَ يوما ما تريد؟

تلكَ الإجابةُ في شفاهك ميتة!

فانهض من غبار موتك

واستعدّ

فالوقت يستعدي عليك بخيله وبرجله

لتكون أبعدَ ما يكونْ!!

يكفي سؤالك إذ تكسر في اللغة

وانداح كأسا من سراب!

ما الوقت إلا ما تأجل من كلامْ!!

ما الوقت إلا أنت!!

كانت فكرة رائقة واستثنائية، جميلة، وإبداعية، تلك التي قدمها الأستاذ أحمد جاد الربّ على مجموعة "لغتي الخالدة" الفيسبوكية في اختيار بعض النصوص لتكون محل نقاش من أعضاء المجموعة على أن يتم حجب اسم صاحب النص، ليتم التعامل معه دون التأثر بشخصية صاحبه، وحتى لا تأخذهم في النص مجاملة أو مهادنة. وقد وقع الاختيار في الندوة الثالثة عشرة لنص الليلة على "الوقتُ أنتِ".

وقد شارك في مناقشة القصيدة وتحليلها مجموعة من الأساتذة، وهم مصطفى عوض، ومحمد العوضي، ومحمد نوح، ومحمد الدعفيس، وسمير الخياري وأحمد الجيزاوي ومحمود فودة، وفاطمة نزال، بالإضافة لمدير الندوة أحمد جاد الرب.

وابتدأ الإعلان عن النص بهذا المفتتح الذي كتبه أحمد جاد الرب "نصنا الليلة نص شعرى، ربما يحتاج لأكثر من قراءة"، لتتابع الآراء الناقدة للنص لغة وموسيقى وفكرة وبِناء، وتباينت الآراء فيما بينها، شأن أي اختلاف في أي نصّ تحكمه توجهات القراء الناقدة، وحصيلتهم المعرفية، وزاوية النظر للنصّ.

مصطفى عوض:

كقرءة أولية سريعة، بدا لي المقطع الأول بدءاً من (الوقت أنت) حتى (الفلك) بمثابة مفتتح للقصيدة، يمهد لها، وليس جزءاً من متنها، ليبدو المقطع منعزلاً تماماً عن باقي النص، فما علاقة "الوقت أنتِ..." مفتتح القصيدة، من المخاطب هنا؟ ما علاقتها بالنص الذي لم تظهر فيه مجدداً؟ لا يوجد ما يشير من بعيد أو قريب إليها. ما معنى الطقوس المؤجلة تودي بالعطش؟ وما حكاية ركني الجمال الباذخ؟ لذا بدا المقطع الأول نصا منفصلا تماماً عن باقي العمل، ويشكل إرباكا كبيرا في النصّ.

من جهة أخرى، هناك خلل كبير في موسيقى النص الخارجية تدفعني للقول: إن الشاعر لم يشتغل على نصه بالقدر الذي يتيح له الخروج في شكل قصيدة متماسكة. ولاحظت الخلل الكبير في التفعيلة بين المقطع المشار إليه، وبين باقي النص، أما بالنسبة للفكرة فالشاعر يسعى بالتأكيد لتضمين نصه قضيةً ما، وهذا ما أسعى جاداً لكشفه، ولكن مشكلة النص الشعري أنه يخرج كدفقةٍ شعوريةٍ واحدة، مرة واحدة، وليس كالسرد الذي يشبه بناء هندسياً محكماً ومحدداً، وهو ما يجعل الشاعر أحياناً ينساق وراء غواية البوح فتأتي الكثير من مقاطع القصيدة أقرب للتقاطعات الذهنية.

أحمد جاد الرب:

كانت البداية بالموسيقى، ولا غرابة فالشعر يغرى بالبدء بها، ألاحظ ارتباكا فى الموسيقى في عدة مواضع، لكننى أتساءل إن كان ذلك مقصودا؟ مع أنني أرى النص تحريضيا. فالمتكلم يحرض المخاطب (وقد يكون الشاعر هو كلا الشخصين) على فعل شئ ما. والمبادرة وعدم التأنى، بعكس حكمة الأجداد التى تحبذ التأنى، وأفعال الأمر والنهى تكشف هذا التحريض.

هناك أنثى (حقيقية أو رمز) قد نضجت وعلى المخاطب ألا ينتظرها، بل يبادرها، (واسع إليها) مخالفا حكمة الأجداد...، والعجيب أن هذه الأنثى غائب دائما (هى) عدا فى العنوان فهى مخاطب. رغم أن الخطاب فى النص لمذكر. أهذا ارتباك أم تلاعب؟

دعونا نكتشف ما أشار له مصطفى عوض عن علاقة المقطع الأول بباقى القصيدة، "فالطقوس المؤجلة تودي بالعطش" هل نقرأها يُودي بمعنى (يقضى على)؟ وهل تتفق مع التحريض؟ أم تراه يقصد تُؤَدّي إلى؟

أراه تحريضا للمخاطب أن يخوض تجربة ما قد تكون علاقة بدنية مع امرأة/ السعى للحرية/ تحقيق الذات.. أو أية قراءة أخرى، وقد لفتتنى لفظة "الجسد". لكن الشعراء قد يشيرون للتجارب الأخرى بمجاز العلاقة البدنية. فلا يمكننا أن نركن للفظة، وبعيدا عن تفسير التحريض، فالوقت يلح على القصيدة بشكل لافت، فتجد الوقت كل سطرين تقريبا بل وفى العنوان أيضا. إذا فهو يحرضه على المبادرة لتحقيق ذاته ومعانقة حلمه، فحتى على مستوى الألفاظ يلتحم المقطع الأول وباقى القصيدة. لذلك أراه نصا مقبلا لا مدبرا، يدعو للفعل والوجود لا الانسحاب. وهذا فى ذاته تفاؤل، مع التسليم بأننا لن نتفق على مضمون بعينه للنص فى ضوء تعدد القراء والقراءات.

سمير الخياري

سأبدأ بالحديث عن الناحية العروضية. إذ بدا لي أن القصيد يحاول أن يكون موزونا لكن سرعان ما يحدث الخلل فتارة يستعمل تفعيلة الكامل متفاعلن وأحيانا تفعيلة الرمل فاعلاتن ومرات أخرى يضيع الوزن خاصة بداية القصيد. أتخلص من كل هذا؛ لأقول إن القصيد نثري، لكن صاحبه تستميله الأوزان الخليلية. وبالطبع أنا لست متعصبا للوزن لأن الشعر أرقى من ذلك إذ بدا لي إيقاع القصيد جميلا وكذلك صوره وما يطرحه من مضامين، أهمها الدعوة للنهوض والتجديد بتجاوز حكمة الأجداد.

أما الموضوع المطروح فهو دعوة إلى عدم التمسك بالماضي وعبادته لأن في ذلك موت، لذلك لا بد من النهوض ومعانقة النور لنكون، فالوقت نحن وليس الذي مضى فلنؤسس لوقتنا كي يكون جميلا نابضا بالحياة التي هي حياتنا. فالقصيدة تدعو لعدم الانشغال بالماضى بل للتأسيس للحاضر حتى لا يهزمنا الوقت.

أحمد الجيزاوي

أتفق مع الأستاذ جاد الرب في أن النص تحريضي، ولكن أقول للكاتب ألم يكن حري بك أن تشير إلى أي شيء تحرض. ربما نسي في خضم عباراته التحريضية أن يخبرنا... في القصيدة انتقال من بيت إلى بيت، وهو يقول هب قم انتفض انهض ... وأنا أنتظر أن يقول لأي شيء أفعل وهل يستحق ما تدعو إليه كل هذا التحريض، ربما يحرض الشاعر على فعل محرم أو جريمة؛ لذا أخفى الهدف المنشود من التحريض. عبارة "الوقت أنت"، تدعو إلى العجلة فهو يرى الإنسان مجموعة من الدقائق إذا مرت انتهى، وهي جزء لا يتجزأ من عباراته التحريضية.

والسؤال هنا،، هل هذا النص متفائل رغم كل هذا الصخب الذي يملؤه؟

على الرغم من وجدانية النص ومخاطبته للنهوض واستغلال الوقت، إلا أنني لم أر فيه دعوة لمعانقة الحياة أو الاستمتاع بها في أي من عباراته!

محمد نوح

أحس بروح التاريخ هنا... متقاطعا مع الأسطورة.. متقاطعا مع الديني، وذلك في مثل الطقوس/ الديني.. النهوض من غبار الموت /العنقاء أو الرخ.. أردت أن أشير إلى أن المدخل الأسطوري الإنساني قد يكون أحد المداخل لقراءة النص.

لما ارتكزتُ عليه من فكرة التناص مع الأسطورة.. أو الديني في مطلقه.. أرى هنا أن الشاعر يخاطب ذاته عبر تجربة قاسية حملتها له روحه التي صدحت في هذا الكون /عاشقة.. وها هو بعد سرده لعلاقات كونية معقدة جدا فوق طاقة الإنسان/ الطين.. ليأتي لنا بهذا النص الذي أعتبره صرخه الشاعر لذلك الإنسان الذي يحتجزه داخل فكرة الموت ليطالبه بالنهوض مرة أخرى.

محمود فودة

النص متفائل للغاية ويدعو للإقبال على الحياة وقد أشار إليها صراحة في قوله "واسعَ إليها راضيا بين ركني جمالٍ باذخٍ"، وأرى أن الشاعر هنا يدعو إلى الحياة ...الحياة على طبيعتها ..عش حياتك واستثمر وقتك وتمتع بالطبيعة في كل أحوالها... العمر يطارك فلا تهمل ..أنت في صراع مع العمر... عش على طبيعتك تطر الروح في عوالم سحرية وتفاءل تكن جميلا.... فالمعنى رائع! أما بالنسبة للمقطع الأول فأختلف مع أ/ مصطفى فهو تمهيد للنص ... أو عتبة ..يخاطب الحياة ...فالوقت هو الحياة.

محمد الدعفيس:

سأقول أمراً أعتقده صحيحا "المقدمة يتحدث فيها عن الحياة".. لا تنتظرها هي ليست بحاجتك كي تنضج.. وربما نجنح أكثر للمعنى البسيط القريب.. لأنه يواكب "انتسب للريح كي تبقى قويا.. لا يموت بك الصهيل".. ثم يسأل "هل كنت يوما ما تريد؟".. الريح هنا رمز للتغيير.. والصهيل رمز للقوة المستمرة، والسؤال يفيد بأن التغيير مطلوب لتحقيق الذات، ويرى في المقطع الأتي:

واقترب من وهج شمس

واصطلِ بشعاع رائحة الجسد!!

تحريضا على أنثى حقيقية.. فيه تعاطٍ حسي معها..

محمد العوضى

أنا عندي تفسير بسيط جدا للقصيدة، بداية من عنوانها فالشاعر يهتم وينصح بأهمية الوقت وأنه هو الحياة نفسها ويدعو إلي اتخاذ المخاطب وربما لنفسه أيضا لقراراته، ولا ينتظر أو يستمع لأي أحد ينصحه بالانتظار لأن الوقت هو هو.. فالشاعر شديد التفاؤل هنا، الحياة بين أبيض وأسود، وخير وشر، لكنه يقول إذا استثمرت الوقت جيدا، فستكون كلها بيضاء بين ركني جمال!!

فاطمة نزال

لعل القضية موضوع القصيدة ومضمونها هي ذات الشاعر، من خلال مخاطبة الذات، وهو بذلك يحث ذاته على التجاوز وعدم المراوحة مكانه؛ فالوقت ليس لصالحه:

قرب الصباح

ضياء روحك

فاغتسل بدماء وقتك كي تبقى قويا

لا يموت بك الصهيل

وابتسم ....

فالروح تكبر إذ تسيل

غزيرة بين أودية الحرير

في هذا المقطع أرى أن الشاعر يستبشر بالصباح الذي هو ضياء روحه والصبح هي بإشراقتها في يومه.. واقتل الوقت وتعمد بدمائه لتكون أنت كما تبتغي، وكن ابنا للريح لا تهادنها وابقَ جوادا يصهل وابتسم عندما تسيل روحك منصهرة بين أودية من حرير الجسد الناعم الذي يناديك... تجردْ... اخرج من قمقم حبست نفسك فيه... انتفض من رماد رفاتك... انتصب لا تستسلم لا تنهزم لا تبتئس... هيا سارع الوقت وسابقه، فالأمر يستحق وإن بدا ذلك سرابا، لكن روحك تتسربل في ضيائه فلا تعيدها للظلام؛ "ما الوقت إلا ما تأجل من كلام". تكلم قل ما لم يستطع لسانك لفظه اكتب "ما الوقت إلا أنت".

في رأيي أن القصيدة، وإن بدت غير مترابطة، إلا أنها تمضي في ذات السياق جميلة رقراقة كروحه التي تحاول مجاراة الوقت الذي اكتشف أخيرا أنه هي تشغل روحه، في يقظته ومنامه، في انشغاله، وتأمله، هي انعكاس ذاته، أعجبني النص وتماهيت فيه فهنيئا لكاتبه.