أفضل الصمت غالبا على التعليق على بعض الاحداث او المظاهر الاجتماعية المرضية، لكثرة ما يسبب الكلام من خدش لمشاعر بعض المرهفين الذين يفضلون سمفونية العام زين، ويتهمون الدولة بتلحينها.
لكن صراحة ما جرى في طنجة بين المهاجرين من جنوب الصحراء وبعض المواطنين، سيجعلني أخرق هذه القاعدة هذا الصباح وأوذي بعض المشاعر، فقد تعبنا جميعا من عبء اوراق التوت التي تساقطت مرة واحدة لتعري العورة القبيحة لأمة مجيدة من الماء الى الماء..
ذبح مواطن سنغالي كان جريمة بكل المقاييس، لكن تعليقات بعض الصحف والمواقع الالكترونية كان جريمة أخرى لا تقل بشاعة.. ففي حين اعترف بعض سكان الحي ان الافارقة اعتادوا على اعتداءات المغاربة وعنصرية بعض السكان، لا تخجل بعض التعليقات من القول ان هؤلاء الافارقة هم المسؤولون، وانه ما كان على المغرب استقبالهم، وانهم ينشرون الفساد في بلد كانت تسكنه الملائكة قبل قدومهم..
بل بعض الصحف صورت جزءا من المشهد وعلقت "المهاجرين اثناء هجومهم على المغاربة"..
نعم، هؤلاء المهاجرين الكثير منهم احترف التسول والدعارة و النصب والاحتيال، تماما كما يفعل الكثير من المغاربة في اوربا، هذا صحيح..
لكن لأني في لحظة غصب انساني، سأبوح بما سيسيء لمشاعر بعض ابناء الوطن..هي أشياء نعرفها ونتداولها في المحافل السرية لكننا كما نتعامل مع كل شيء آخر، نفضل ان نغطيها بطبقة سميكة من النفاق..
صار المهاجرون السود في السنوات الأخيرة جزءا لا يتجزأ من المشهد العام في المغرب، بعضهم يحتال ويسرق، ولكن الكثير منهم يبحث عن لقمة شريفة، ويشتغلون بجد، وبهمة، وبإتقان لا يمكن انكاره..
شخصيا لو وجدت محلا يشغل مهاجرا من جنوب الصحراء سأفضل خدماته على غيره، والكثير منا يعرف ذلك، لكنهم بالمقابل لا يتقاضون نفس الاجر..
لوكان عاملان مثلا في محل لغسل السيارات فلن يتقاضى المغربي نفس أجر المهاجر، هذا واقع لا احد يريد أن يتكلم عنه.
كما انهم يتعرضون لاعتداءات بسبب عرقهم وغربتهم وضعفهم فقط غالبا في الاحياء الشعبية، وقد سمعت الكثير من الحكايات المخجلة في هذا الصدد، وأذكر ان سيدة من الكونكو الديمقراطية رحمها الله، كانت تأتي عندي بانتظام الى بيتي،وكان زوجها يأتي لأخذها ويخاف عليها كثيرا، وفي احدى المرات، اعترف لي أن شبابا منحرفين من الحي الذي يستأجران فيه غرفتهما، تخصصوا في تعقب السود وسرقة كل ما معهم و ضربهم، حتى انهم صاروا يفضلون أن يخرجوا في جماعات..
هذا لا يمنع من الاعتراف ايضا ان العديد من الطيبين يتعاطفون معهم ويشغلونهم. ولا زلت أذكر كيف كانت جنازة كريستين رحمها الله والتي توفيت بسرطان في الدماغ، مهيبة، وهي المسيحية السوداء القادمة من عمق الصحراء، بفضل الجيران الذين أطعموا واستقبلوا المعزين، وبكوا معهم دون أن يفهموا لغتهم..
هناك أمر آخر يدعو للخجل لكننا نفضل أن نتستر عليه، وقد آلمني حد الوجع وأنا أتأمل جثة السينغالي المذبوح في حي بوخالف بطنجة..
بعض وأسطر على كلمة بعض أهل الشمال عنصريون حد المرض، فهم عنصريون تجاه من يسمونهم ابناء الداخل والعروبية، فكيف سيتعاملون بشكل افضل مع الافارقة السود.
أذكر في هذا السياق، قبل ثلاث سنوات أرسلت طفلي الى مخيم مع الاطفال في مدينة طنجة، وندمت على ذلك، ولا زال الندم يتجدد عندي كلما تذكرت ما حدث، فقد عاد الأطفال مجروحين، بسبب اعتداءات بعض أبناء العنصريين الطنجويين، الذين كانوا ينادونهم بصوت مرتفع ومستفز ومهين كلما خرجوا في جولة داخل المدينة وهم يصرخون "وااااالعروبية..." مع أن مجموعة أطفال المخيم، أغلبهم كانوا ينحدرون من أوساط متوسطة، ومن مدارس جيدة، وكان عيبهم الوحيد وهم يجوبون احد الشوارع أن بشرتهم تميل الى السمرة مما يعني أنهم أبناء الداخل،
بل حكى لي الاطفال، كيف أن بعض المؤطرين اضطروا للدخول في مواجهات مع مراهقين من محيط المخيم، لأنهم كانوا يستهدفون البناية الرسمية بالحجارة، كأنها تأوي كائنات فضائية..
اعتدر لأصدقائي الشماليين عموما والطنجاويين خصوصا، والذين اتذكر وجوههم في هذه اللحظات واعرف اخلاقهم العالية، وهم يعرفون حبي وتقديري لهم ولكل الشرفاء، لكنهم لا يمكن أن ينكروا أن العنصرية مكون من مكونات عقلية مريضة لو انفلتت من عقالها، قد تفعل بباقي ابناء الوطن اكثر مما تفعله داعش في خاصرة أمة.