فتح محمد عفيفي مطر الباب أمام الاغتراف من الحياة الريفية وحديث الطمي الذي تتسرب عروقه في الأرض والناس، وهنا يقدم شاعر مصري آخر استقصاءاته الفريدة على لحن التجربة الطالعة من القرية.

رجوع الشيخ إلى صباه

عزت الطيري

إلى ابى 

طبول تدق غيابك، برق أليف، وظل يدور
ويمشي الهوينى، إلينا، وماء طهور يصب
حبيباته المرمرية، يسكبها في الهواء القريب،
ابتهاجا بكفك، حين تجئ
نواعيرُ مهجورة،
وقواديسُ مملوءة بالجفاف،
حقول ستشهد معجزة، ونخيل يطأطئ
أحلامه في انتظار مرورك،
ريح محملة بنسيمك،
ديكٌ يؤذن،
فجرٌ سيوقظ كل اليمامات
في عشها المتداعي،
تبث الهديل النحيل،
سماءٌ ملبدة بالهموم،
ملبدة بالغبار الملون، بالأزرق الساحلي،
السواحل ليست هنا...،
وهنا جبل قُدَّ من جبلٍ،
والجبال ستفرض سطوتها،
والرمال الخبيثة سوف
تهزهز عاقولها المستبد،
المآذن مترعة
بالجلال الغريب،
وغربة روح تهدهد
أوجاعها بافتعال الفكاهة، يا هل ترى
كم صباح مضى
دون عزف كمنجات روحك،
دون ابتساماتك الماجدات، ودون مروج
حنينك، يا سطوة العشق، يا زهرة مُرة،
زغردت مَرة في مرايا النخيل،
ويا سيد الشجر المتطاول،
والمستعين على الريح بالريح..،
يا قصة للعذاب الفسيح،
وأنشودة الإحتمال الجميل،
ويا مطرًا رش أعنابه، فوق نهد الحقول،
ويا وردة الحق،
في وطن يشتهي
صولة الكبرياء، زمانًا، زمانًا..
تعال، وخذنا إلى كركرات صبانا..
وخذ وردنا، حلمنا المستحيل، اتشح بعذابك،
قدنا إلى سوسنات دمانا.إذن
أعطنا موعدا لرجوعك، سبتا، ثلاثاء،
أو أحدًا قد حبانا...بتمر قرابينهِ
أو بأجراسهِ
في مساء دعانا له، ويله...،
إن أمي ستغسل أثوابها، وتعلقها،
فوق حبل انتظارك، تهفو لدمع،
تسرب من مقلةٍ أدمنت عشقها،
تتساقط مرًا، وحنظلة، ومدى،
و(جلاءُ) ستقطف نعناعها، وتبلله
باشتياق نداها المعطر بالليل في سكره،
وازدهاء النجوم بفضتها، وتسربه،
في فضاء الحقول، الحقول ستضحك،
مانحة قمحها للعصافير دون عناء،
ودون انتظار لنوم الفتى، حارس الحقل،
حين يدوّر مقلاعه، ثم يلقى بسيل الحصى
في إتجاه مناقيرها الخضر
يصرخ في نشوة،
والعصافير ترفض منحة أقماحهاوتغالب
جوع حواصلها بالغناء
وتمنحها لصبى يجوع
يضوع بأحلامه، تحت جميزة لم تزل تزدهي
بجلوسك، تحت غصون بلابلها
ذات حزن بعيدٍ نأي، إقترح موعدا لرجوعك، يا سيدي،
هب لنا فرصة،
كي نضم  ـ جوى ـ طرف شالك،
حبات مسبحة عطرت بتباريح وجدك، شمسية،
وعصا الخيزران،
وعلبة حلواك،
يا سيدي العذب،
أي المسافات نرسلها،
أي فرح نهيؤه، أي دفٍ
ونايٍ
وخيلٍ
مسومةٍ
أي دربٍ
سنفرشه بالحنين،
انتهز فرصة العودة المشتهاة،
فتلقى علينا مواعظك القروية،
رتل
إذا "زلزلت"
أو" تبارك" أو "والضحى"
ثم تقرأ في جلسة العصر،
بعض الأحاديث، تحكي عن "الزير"
"سيف ابن ذي يزنٍ"
و"الهلاليّ"،
تخبرنا عن فوائد عشبٍ نما
في حديقة معتقلٍ، منذ ظلم قريبٍ
ترى
هل ستسمع دق الطبول...،
طبول تدق غيابك
برق أليف
وظل يدور
يفتش عنك إلى آخر العمر
يا سيدي
وحبيبي!!
ـــــــــــــــــــ
جلاء ابنة الشاعر وهى قاصة صغيرةلها مجموعة بعنوان البنت والنعناع 

ezzateltairy@yahoo.com