وقع الشاعر موسى حوامدة، مساء أمس، في فرع دار نون الإماراتية في عمان، ديوانه الشعري التاسع جسدٌ للبحر.. رداءٌ للقصيدة ، والصادر عن الدار نفسها، بحضور عدد من المثقفين والفنانين الأردنيين والعرب.
واستهل خلدون العلي، مدير فرع الدار في عمان، الحفل بكلمة أعرب فيها عن سعادته بافتتاح فرع الدار في الأردن، وكذلك أعلن عن افتتاح مكتبة صدى، في مبنى الدار نفسها في جبل اللويبدة، كما عبر عن اعتزازه أن يكون افتتاح الفرع بقراءات شعرية للشاعر موسى حوامدة، مؤكدا أن الدار غير ربحية، وتسعى لخلق جيل جديد من المؤلفين والقراء، وتسعى لتسويق الكتاب بطرق جديدة، حيث يشرف على الدار مجموعة من المثقفين والمبدعين العرب المقيمين في أوروبا وفي بعض العواصم العربية.
إلى ذلك تحدث الشاعر موسى حوامدة عن دوافع الكتابة لديه والتي يجيء على رأسها، تلك البلاد المحتلة، وذلك الوطن الذي يعتبره حوامدة حلما كاملاً، دون تجزئة وقال: أرى فلسطين وطنا كاملاً، صحيح أنه ليس أجمل بقاع الدنيا وليس الجنة المفقودة أو الموعودة، ولست مع تقديس الاماكن والجغرافيا، فلسطين وطن عادي فيه صخور وعرة، وغدران وكهوف وطين وأشواك، وليس زيتوناً ورماناً وعنباً فقط، ومع ذلك أحبه بعيوبه، حتى يتحرر ويمنحني الحق في شتمه بحريتي.
بعد ذلك قرأ موسى حوامدة مجموعة من قصائد الديوان الجديد، مثل: مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس، في مدرسة السموع، عدم يملأ اليقين، لن أقول السماء بعيدة، وأنا ميت، سأكتب.. وأرمي في البحر، ولن ينتهي اسم فلسطين. قصائد تمحورت حول المعطى اليومي الفلسطيني والهم العام لتفاصيل الوجع العربي. في هذه القصائد يأخذنا الشاعر إلى عمق التاريخ، مستفيدا من مادته في رسم توجعات الغجر وعذاباتهم ورحيلهم عن الأندلس، مسقطا هذه الرؤى والتأملات على شعبه - شعب فلسطين، ونكبتهم المؤلمة، التي تعتبر خنجرا في خاصرة الوطن العربي. جال فينا في فضاءات الجرح وأوغل فينا في براري الحنين، فاتحا دفتر ذكرياته - ذكرياتنا جميعا كي نقرأ غبار السنين وأمتعة الراحلين عن الحلم.
في قصيدته مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس ، يقول حوامدة:
أعرف أن قلبي لن يمكث هنا طويلاً/
بين تلال محقتها المستوطنات/
وقصيدة حزينة يغنيها المطر/
أعرف أن ثمار النكبة/ كانت شعراً/
يصفق له النحل والطيور/ ترقص فرحاً/
والعندليب/ أخفى صوتَه احتفالا/ بألمعية شاعر/
ما دخلُ القصيدة بالضلوع/
ما دخل الخسارة بقصة حب من طرفين/
ما دخل البيارات/
بمن تركوا غبار السنوات/
وارتحلوا صوب الياسمين.
أعرف أن الذئاب تَرِقُّ لإناثها
والصيف يَرقُّ لواحته
واللبؤةُ ترق للملك
والغابةُ ترق لخدرٍ سري يعبر خلاياها
كل قسوة تلين
إلا ليل منفاي الطويل.
جروح العاشق تلتئم
جروح الغدر تلتئم
جروح الغيوم تلتئم
جروح أيامي ينابيع.
أما قلبي فلن يمكث هنا طويلا...
تاليا استذكر حوامدة مشاهد من طفولته في قرية السموع، جنوب الخليل، حيث رسم لنا صورة مؤلمة عن أمه مليحة، وغزلها الكنعاني، فكانت قصيدته في مدرسة السموع بمثابة منودراما حياتية لكل بيت فلسطيني، تسرد حكايا ولوحات لا تخلو من الاشتباك في التفاصيل الدقيقة لمعنى الوطن. في هذه القصيدة كأنك أمام شريط سينمائي يحمل في ثناياه بطولة العاشق، بطولة الكعناني/ الفلسطيني المبلل بعرق التراب، التراب الأول، وحنينه إليه.
في هذه القصيدة يقول:
أيها الشعرُ يا ربيبَ روحي/
يا مقعدَ الطفولة في مدرسة السموع/
يا وجهَ المعلم المتأنق/
يا لطول الطريق الممتد من البيت حتى مغزل الحاجة مليحة/
اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني/
اربطي لون البحر بلون التراب/
حكمةَ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية/
أضيفي لوجبة الطعام صحناً سابعاً/
ما همَّ أن نفد الطعام وغزلك يكتمل/
ما هم أن لم أجد بقايا الغداء/
واصلي نشيدك الملحمي.
واختتم موسى حوامدة القراءة بآخر قصيدة في المجموعة وهي: لن ينتهي اسم فلسطين، التي يقول فيها:
سأربحُ الحربَ لأن الطين بيتي/
والبحرَ جاري/
والنجومَ شقيقاتي الغافلات/
والسماء ستدرك فحوى رسائلها/
لم ينته الكلام/
من دفتر الحياة/
من ألوان الصغار/
وأحلام الجدات/
ولن ينتهي اسم فلسطين.