يتجه هذا المقال للكاتب والمحلل الفلسطيني الى التجربة السياسية التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية التركي وما خلفته من تحولات على مستوى الجبهة الداخلية التركية وسياستها الخارجية وعلاقة هذين الأمرين بالعسكر وبحلف الناتو والسياسة الأوروبية..

الأردوغـانية وحسم الانتخابات

مأمون شحادة

للوَهلة الأولى، تراودك أسئلة تطرق أبواب عقلك لمعرفة الأسباب التي استطاع حزب العدالة والتنمية التركي من خلالها الفوز بالانتخابات البلدية والرئاسية.

أسئلة لربما تضعك أمام لوحة زيتية معنونة بشعار “الأمن السياسي يرسم ملامح الأمن الاقتصادي” -في اشارة الى القرارات التي اجتاحت هيئة اركان الجيش-، ولربما عناوين اخرى استطاع الحزب من خلالها رسم نسبة تراكمية تعجز صناديق الاقتراع عن صوغها. 

وفقاً لنظرة الناخب التركي المجدولة بأرقام احصائية مقارنة، تمكنت الاردوغانية خلال 12 عاماً من رسم لوحة سياسية واقتصادية ملموسة لدى المجتمع التركي، وتعددت الوانها من حيث خفض فائدة الدين من 63 % إلى 9.3 %، وارتفاع إجمالي الصادرات من 36 مليارا إلى 153، كذلك ارتفاع الدخل الوطني من 231 مليار دولار إلى 819، واستطاعت ايضاً سداد ديون صندوق النقد الدولي التي تقدر بـ 24 مليارا والمستحقة عليها منذ العام 2002، وهناك مخطط مستقبلي للإيفاء بنسبة 83 من صناعاتها الوقائية والدفاعية، كذلك تسعى الجمهورية لتصل صادراتها إلى 450 مليار دولار، اضافة الى العديد من التحسينات والتغيّرات التي اوجدها الحزب.

كل ذلك يؤهل تركيا “مستقبلاً” لتكون ضمن اكبر 10 دول على مستوى العالم بحسب البيان الانتخابي الذي روجه حزب العدالة والتمنية اثناء الانتخابات.

وأكثر التغيّرات الجذرية التي احدثها أردوغان، تقنينه وفلترته للمادة 35 من الدستور التركي بموافقة برلمانية في يوليو 2013، التي كانت تنص على تدخل القوات المسلحة، بإيعاز من هيئة الأركان العسكرية، لحماية الجمهورية ومبادئها، فكيف استطاع أردوغان اعادة ترتيب هذه المادة المفصلية تدريجياً قبل عرضها على البرلمان التركي؟

المطّلع على الوضع التركي يدرك أن قرارات هيئة أركان الجيش تتعطل في حال تدخل حلف الناتو، الذي لا يعترف إلا بوزارة الدفاع الممثل الوحيد للجمهورية “عسكرياً”، حتى ان الهيئة لا تحضر جلسات واجتماعات الناتو السنوية، لأن مكانها يأتي في الصفوف الخلفية بعكس الوزارة التي تتبوأ المقاعد الاولى.

امام هذا، ادركت الاردوغانية وبالتوازي مع حركة التصحيح والتعديل التي تشهدها اروقة الجمهورية وجوب استغلال تدخل الحلف على الحدود السورية التركية، لتعزيز دور وزارة الدفاع على حساب الاركان، ليصبح الامر ملائماً لتقنين وفلترة المادة 35 وحصرها ضمن اختصاصات محددة.

بذلك استطاع اردوغان دق آخر مسمار في نعش هيئة الاركان كخطوة اخيرة تأتي بعد فلترة مجلس الامن القومي وتقنين المحكمة الدستورية وإلغاء بروتوكول اماسيا، حيث اصبحت القوات المسلحة وفقاً للمادة 35 المعدلة تنص على ما يلي: “مهمة القوات المسلحة تتمثل في الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعي إلى الحفاظ على القوة العسكرية وتعزيزها، بحيث تشكل قوة رادعة للأعداء، والقيام بالمهمات الخارجية التي تسند إليها من قبل البرلمان التركي، والمساعدة على تأمين السلام العالمي .

النجاحات الأردوغانية ضمن الإطار التغييري للمشهد التركي لا تعتبر “مطلقة” لرسم ملامح المستقبل، ويجب الانتباه لمرحلة ربما هي الأصعب منذ العام 2002، حيث يعتبر الملف “الكردي والمحيط الاقليمي” الاكثر اهمية لاستمرار مسيرة البناء التي انتهجها حزب العدالة والتنمية، وبدون تصفير تلك الإشكاليات والمعضلات “الداخلية والخارجية” ستظل الجمهورية تترنح بين رياح “العدالة الاجتماعية” و”الإقليمية” و”الدولية. ”

 

*كاتب صحافي ومحلل سياسي من فلسطين