استأثر كتاب "بلاغة الحرية[1]" للدكتور عماد عبد اللطيف بالتحليل البلاغي المفصَّل للخطاب السياسي الذي تداولته الثورة المصرية انطلاقا من شراراتها الأولى يوم 25 يناير 2011 وإلى حدود الشهر الأول من حكم محمد مرسي. جاء الكتاب على ثلاثة أقسام: قسم أول بعنوان "خطاب الميادين"، وقسم ثان حمل عنوان "خطاب الشاشات"، وقسم ثالث وأخير وضع له عنوان "خطاب الصناديق".
حرية البلاغة
أفلح هذا الكتاب، إلى حد بعيد، في تخطي الوجه التعليمي – المعياري لمفهوم البلاغة والارتقاء به إلى أفق "البلاغة العامة[2]" التي بإمكانها تناول النص الافتراضي؛ وهو النص الذي يضم التخييلي والتصديقي، ويؤول في التراث إلى مفهوم "الإنشاء". وفي سياق البلاغة العامة تتوطد بلاغة خاصة بكل خطاب على حدة، وذلك على أساس رجحان سماته ومكوناته النوعية والوظيفية. وهنا تكمن أهمية كتاب "بلاغة الحرية" الطامح، وفق رؤية محكمة الخطوات، إلى تأسيس بلاغة للخطاب السياسي العربي المعاصر، نموذج الثورة المصرية. ولقد تم رصد هذا الخطاب بالملاحظة والمعاينة والافتراض والتحقق، فكان لابد أن يفضي العمل إلى نتائج علمية ومعرفية خصبة ورصينة، مكنتنا من الإحاطة بالجوانب الانفعالية والمنطقية والتأثيرية للخطاب السياسي في حدود الثورة المصرية. تم ذلك من منظور بلاغي رحب ومتنوع في مفاهيمه وانفتاحه المرجعي على شبكة واسعة من العلوم الإنسانية ذات الصلة بالخطاب السياسي.
لم يكن المؤلف بمنأى عن إشكال العلاقة بين البلاغة والعدالة، وهو إشكال ضارب في القدم[3] يستدعي حاجة العدالة والحرية إلى البلاغة. على هذا النحو جاء لفظ "الحرية" المضاف إلى لفظ "بلاغة" في عنوان الكتاب، مومئا بدلالات ثاوية في أتون السياق النصي، لترجيح حرية الجماهير الموقوفة على بلاغة تنتصر لسلطة الشعب وانتخابات حرة ونزيهة، تضمن حرية التصويت، وتراهن على دولة القانون والحريات. ولم تكن سوى مجرد حلم مثخن بحمى الأسئلة.
بلاغة السلطة الثورية: جسر العبور إلى الضفة الأولى
اختار الكاتب، على امتداد الفصل الأول من المؤلَّف موقف الراصد بعين ثاقبة لطبيعة الصراع الحاد بين بلاغة السلطة الحاكمة، وبلاغة الثورة المضادة: بلاغة المسيرات والحشود والحركات السياسية الأكثر تنظيما آنئذ، وهي حركة الإخوان المسلمين، وحركة كفاية، وحركة 6 أبريل. إنها محاولة جريئة لتقريب الثورة في بعدها البلاغي النوعي، ونقصد به بلاغة الخطاب السياسي متوسِّلا إليها باللغة في مظهرها الملفوظ: هتافات، خطب، شعارات، أغنيات، أمثال، حكايات، أصوات... ، وفي مظهرها الأيقوني؛ الصورة المرئية، علم مصر بألوانه، سواعد المتظاهرين، التحية العسكرية، الرسوم على الجدران والقماش والخدود. وبحصافة عالية كان الكاتب يقتنص جُلِّ ما واكب هذه الثورة من مفاهيم واصطلاحات بلاغية وسياسية ساهم الإعلام في شيوعها على نحو خاص.
الراجح أن الاهتمام قد انصب، في هذا الفصل، على السمات الخاصة ببلاغة الميادين ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:
أ – بلاغة إبداعية فردية بهدف مشترك.
ب – بلاغة ثورية اقترنت بتثوير لغوي أفلح في إسقاط الأقنعة الاستبدادية وتمزيق ستار الخوف.
ج – بلاغة تفاعلية في هتافاتها وإعلامها.
د – بلاغة جريئة ومباشرة في تسمية الأشياء بمسمياتها.
تلك بلاغة وليدة منحت هذه السمات لأنها انفلتت من يد السلطة وأصبحت في يد الجمهور تخدم حرية الإرادة الشعبية وفعلها من داخل الفضاء الإلكتروني. وبما أن خريطة الخطاب السياسي قد تنوعت بتنوع الفاعلين في الثورة مابين الثوار في الميدان، والمجلس العسكري، وجماعة الإخوان، وبجوارها حزب النور وحزب الوسط، فقد بين الكاتب البلاغة المخصوصة لكل فئة على حدة، ولو أنه خص بلاغة الخطاب السياسي بأهمية إضافية،[4] وكان ذلك على المستويات المنطقية والانفعالية والتأثيرية.
بلاغة اللغة المرتبكة
وفي القسم الثاني من الكتاب، وهو القسم الذي حمل عنوان "خطاب الشاشات" تم توجيه الاهتمام إلى نمطين من الخطاب السياسي:
- نمط أنشأته ردود أفعال بعض الرؤساء العرب مباشرة بعد ما انطلقت شرارة الثورات:خطاب معمر القذافي، وخطاب حسني مبارك على سبيل المثال.
- نمط مرتبط بصورة ميدان التحرير في الشاشات التليفزيونية، ودور هذه الصورة في التأثير السياسي للتمثلات المرئية. وبعد دراسة مستفيضة لبلاغة النمط الأول من هذا الخطاب توخى خلالها الكاتب تتبع نمط العلاقة التفاعلية بين عناصر البلاغة المتحكمة "الإيطوس، اللوجوس، الباطوس" بالإضافة إلى سياق إنتاج الخطاب. هكذا خلص إلى نتيجة مؤداها أن هذا النمط من الخطاب السياسي لم يفلح في تحقيق مقاصده في المهادنة، ولم يحمل المتلقي المنتشي بعنفوان الثورة على الانصياع، وعليه لم يظفر بوظيفة الإقناع والتأثير. ولم تكن هذه النتيجة المخيبة للآمال لدى السلطة الحاكمة بمنآى عن أسباب عرض لها الكاتب على النحو الآتي:
- تشبث هذا النمط من الخطاب بتقديس الذات وتحقير الشعوب.
- الإذعان للكذب وتغييب الواقع.
- إلغاء المسافة بين الحاكم والإله، خاصة حين يتخذ الحاكم قناعا دينيا سميكا.
- التمسك المحافظ بصورة الحاكم رمز الوطن الذي لايجوز المساس به.
- الإصرار على التحكم في الأداء الخطابي بتشغيل لغة سحرية خادعة، وأداء صوتي – حركي دال نمطيا: "رئيس صارم مهدد، أب مدغدغ للعواطف، مستفز بذكر مناقبه المنفرة".
وعلة هذا الخطاب، في نظر صاحب كتاب" بلاغة الحرية"، تكمن أساسا في تلاشي عقد الثقة بين رئيس على النمط المستبد، وبين شعوب لم تعد تؤمن بالقول بقدر ما أصبحت تؤمن بالفعل السياسي. وهي شعوب غدت اليوم تتمتع بدرجة عالية من الذكاء الاجتماعي والنفسي يسمحان لها بقياس حسن النوايا وصدق السجايا. والحالة هذه كان لابد لهذا النمط الأول من خطاب الشاشات أن يخفق في المهادنة بتحقيق نوع من التلقي أكثر سلبية، وكانت النتيجة أن تحول إلى وقود للثورة.
أما النمط الثاني من خطاب الشاشات فقد خصصه المؤلف للتمثلات المرئية، وفي مقدمتها صورة ميدان التحرير في الشاشات التليفزيونية من حيث هو فضاء بلاغي أيقوني مرادف لمفهوم "استعارة الوعاء" ذات علاقة كنائية بين الميدان والثورة بدلالات استلزامية لها التأثير الهائل على الوعي والفعل الإنسانيين. والراجح أن الكاتب قد استثمر بوعي نقدي حصيف البلاغة التداولية لنقل التصور من أفعال الكلام إلى أفعال الصورة وقوتها الإنجازية الدالة على الشحن والتنازل والتعاطف والتحريض.. وبما أن هذه القوة الإنجازية لهذه الصورة كانت فاعلة ومؤثرة في الرأي العام، فقد سارعت الشاشة العربية خاصة التليفزيون المصري إلى تقويضها وإضعافها بالاعتماد على أسلوب التجاهل وخدعة الكاميرا. ومع ذلك فقد أدى التمثل المرئي الناضج لصورة علم مصر إلى تقوية الروابط الشعورية والنفسية لدى المتظاهر المصري، فرسمها على القماش والألبسة والخدود. وفي هذا السياق توصل الكاتب إلى حقيقة راجحة مسعاها أن المصريين بدؤوا يقرؤون في خفقان العلم الوطني داخل فضاء الميدان دلالات استعادة الشعب لبعض رموز الهوية.
بعدما أشرف مسار الثورة على مرحلة الفترة الانتقالية بحيث التفَّت بعض شرائح الشعب وراء الجيش الذي فكر بدوره في التحالف مع الإسلاميين اكتشف الدارس أن الاهتمام قد انصب على عسكرة وسائل الإعلام، وعادت البلاغة الموروثة لتطفو على السطح السياسي من جديد بالترهيب والترغيب والمغالطة الحجاجية، وكان ذلك يتم بمرجعية دينية على الراجح, ولعل أهم حدث سياسي وثقه كتاب بلاغة الحرية خلال هذه الفترة هو "محاكمة القرن " وقد استثمرها الكاتب من أجل طرح إشكال البلاغة والعدالة، وبعدما حلل أنماطا من بلاغات المرافعات انتهى إلى نتيجة حتمية مفادها اختلال العلاقة بين البلاغة والعدالة، وكان يومئ إلى عقم وعي الخطاب القضائي الذي أفرز أحكاما صادمة للعدالة.
بلاغة السلطة الدينية
يأتي القسم الثالث من كتاب بلاغة الحرية لتفصيل القول حول بلاغة الخطاب السياسي ما بعد الثورة، ما اصطلح عليه" خطاب الصناديق" والدعاية الانتخابية الذي استمر لمدة تزيد عن السنة فأفرز توجها انتخابيا على أساس ديني. ولعل أهم بواعثه السياقية الخارجية، في نظر الكاتب، التنظيم المحكم، والإنفاق السخي. ذلك هو خطاب الإسلاميين الذي حصن نفسه ببلاغة معادية لبلاغة الخطابين الليبرالي واليساري حد السجال العنيف. وكان شعار هذا التوجه السياسي: " تطبيق شرع الله" و"الإسلام هو الحل" ص163. ثم تساءل الكاتب عن الأسباب التي جعلت هذا الخطاب مؤثرا ومتحولا من منطوق القول إلى سلطة الفعل أي إلى ممارسة سلوكية تصويتية.
ومن أجل مقاربة هذا النمط من التساؤل، أبرز الكاتب الحجج الخادعة لهذا الخطاب منها:
أ – حجج عامة وجاهزة، تتمثل في نقل الصراع من حلبة السياسة إلى دائرة الدين لمحاصرة كل معارض واتهامه بكراهية الدين.
ب – حجج مرحلية تتمثل في شعارات ومواقف فئة من أتباع الإخوان منها قولهم على سبيل المثال: " خلينا نجربهم" ص 164.
أفضت هذه البلاغة في الخطاب السياسي الإخواني إلى خلق تمثلات ذهنية لصورة السياسي المؤمن الورع لدى متلق هش المناعة، إذ لم تنضج لديه بعد الملكة النقدية التي تمكن من اكتشاف حيل الاستغلال السيئ حتى للدين نفسه، وانتهاك القانون، والتحريض ضد فئات عريضة من المصريين، وتكريس خطاب الكراهية والتكفير. والحالة هذه، كان لابد أن تفضي هذه البلاغة إلى سلوكات تصويتية مختلة وضع لها الكاتب نعوتا لا تخلو من استخفاف نذكر منها:- تصويت العميان – تصويت القطعان – تصويت الجوعان – تصويت الغفلان.. ص 170. وفي السياق ذاته انتقل الكاتب عماد عبد اللطيف إلى تحليل الخطاب السياسي على نحو ما ورد لدى مرشح الرئاسة وهم: عمرو موسى، محمد البرادعي، حمدين صباحي، عبد المنعم أبو الفتوح، خالد علي، محمد سليم العوا، وأحمد شفيق. وبمنظور البلاغة العامة التي أقام الكاتب مرتكزها الأساس على سلطة اللغة، قارب الخطاب السياسي لكل مرشح على حدة، فتوقف عند السمات البلاغية التكوينية وعلاقاتها التفاعلية بين صورة المتكلم ومنطق الخطاب، ومدى القدرة على الإلمام بمواصفات وميول المتلقي.
حظي خطاب الدكتور محمد مرسي في مؤلَّف "بلاغة الحرية" بحيز تحليلي هام، مهد له الكاتب برصد دقيق للظرفية والسياق سواء قبل الرئاسة أو بعدها. ثم حاول الإلحاح على الآثار المعرفية والسلوكية لخطابه السياسي وعلاقة هذه الآثار بالأنشطة التفاعلية في السياق التداولي نفسه. مكنه هذا الوعي البلاغي من رصد ودراسة "النداءات الاستهلالية اللافتة للاهتمام على نحو قوله: ياعشيرتي، يا أبنائي، يا أهلي، يا شعبي..، مبينا أن مثل هذه المقولات الافتتاحية لخطاب مرسي لم تتمكن من الانفصال عن المرجعية العشائرية والإقطاعية في خطابها الاستبدادي. وإلى جوار هذه النداءات الاستهلالية التفت الكاتب إلى "صورة المحاجج"، فحلل بلاغيا سمة "الارتجال" الزائد عن الحد الأدنى في أداء محمد مرسي، و"الحماس" المفرط في الإشارات والحركات المميزة للإيطوس،ص217. تينك سمتان تعريان دعوية تمييزية، وترفعان مؤشر الفردية والانفعال الزائد عن الحاجة، حين توضعان ضمن أفق انتظارهما النوعي والذهني، خلاف ما كان يظنه الخطيب من دلالاتهما على التلقائية والعفوية، والمحافظة على روح التواصل مع الجمهور. ومن بين أهم الأقوال المأثورة التي التفت إليها الكاتب في خطاب محمد مرسي استحضاره لقول علي رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم"، ويعلق عليه الكاتب بقوله: "على الرغم من القيمة الإيجابية لهذه العبارة لأنها تتضمن وضع الحاكم في موضع التقييم والمساءلة، فإنها تبدو من زاوية أخرى شديدة الخطورة على مستقبل مصر الثورة"ص 222. وفي السياق نفسه كشف الكاتب الخدعة البلاغية في مفهوم الرجوع إلى الحق المطلق، عوض تنازع الحق السياسي النسبي.
وقد خلص الكاتب من خلال هذا الكتاب القيم إلى استنتاج مفاده أن الخطاب السياسي المعاصر من خلال النموذج المدروس، تهديد مباشر لمدنية الدولة، وإخلال بالعقد الدستوري الذي يربط الرئيس بالشعب، بقدر ما يهدد النسيج الاعتقادي في مصر. ومن أجل مجتمع مصري حر وعادل تسود فيه قيم الأخوة والمساواة والعدالة، دعا الكاتب إلى الحاجة الملحة للغة وطنية جامعة تكون قوام الخطاب السياسي، وتأخذ بعين الاعتبار التعدد والاختلاف والتنوع في سياق وحدة وطنية قوية التماسك والانسجام.
استنتاج
تحكمت في كتاب "بلاغة الحرية" رؤية منهجية محكمة مرتكزها الأساس إظهار إمكانات التحليل البلاغي الحجاجي للخطاب السياسي في تخطي حدود البلاغة بوصفها قوائم جاهزة ومعيارية من الوجوه الأسلوبية وأصنافا من التقنيات الحجاجية، لينطلق منفتحا على النظريات النصية الأخرى على نحو بلاغة رحبة اقترنت عند الجاحظ بملكة الاستدلال الإقناعي بينها وبين الرؤية البلاغية الأنجلوسكسونية في "بلاغة الحرية" همس ورنين.
كان هاجس الكاتب استثمار هذه البلاغة الإنسانية؛ القديمة والجديدة، من أجل مقاربة نصوص وخطابات متنوعة لعصرنا في مقدمتها الخطاب السياسي. إلا أن الهاجس الراجح التحكم في هذه الدراسة هو الإذعان لمفهوم "سلطة اللغة"؛ ويبدو من السياق النصي أن الكاتب مؤمن، إلى حد بعيد، بمفهوم سلطة اللغة في الخطاب السياسي المعاصر والحشد الانتخابي بصفة خاصة، من منظور القول والفعل؛ وفي هذا المنحى يذهب رولان بارت في "درس السيميولوجيا" إلى أن اللغة تشريع واللسان سننه، وإن كنا لا نرى السلطة القائمة في اللسان حتى تتحول إلى سلوك، فإن كل لغة تحدد بما تلزم بقوله أكثر مما تتحدد بما تسمح بقوله. أما بيير بورديو فيبدو على قناعة راسخة بأن المنتصر هو من يظفر بالبلاغة والتسمية، و"أن علاقات القوة هي التي تعين دائما حدود فعل الإقناع التي يمتلكها النفوذ الرمزي[5]" خاصة وأن سلطة الإيطوس تمرر بسحرية عبر اللوجوس، والراسخ أن " الخطيب رجل سلطة أكثر منه رجل أخلاق ورأي.[6]" وبإمكان قارئ كتاب"بلاغة الحرية" أن يرسخ قناعة بأن الدارس لايكتفي بتحليل العلاقات الخطابية المنطقية بقدر ما يعتمد أيضا صورة المتكلم (الإيطوس، الكاريزما) على أساس أن هذا المتكلم يحاجج المتلقي بمزاياه وبسلطته الرمزية على نحو ما يحاجج صورة المتلقي (الباطوس) وهو في ذلك يذعن لمرجعية حجاجية تراثية باستلهامه مفاهيم أرسطية إلى جوارها مفاهيم الجاحظ وتطعيمها بمفاهيم بلاغية أنجلوسكسونية وتطويعها لتحليل الخطاب السياسي المعاصر. على هذا النحو تناول الدكتور عبد اللطيف مختلف الألوان الخطابية السياسية للثورة وضمنها المناظرة السياسية بما تتسم به من جدل وسجال. وبإمكاننا الاستنارة بإضاءات واقتراحات للكاتب نفسه وردت في كتاب "البلاغة والخطاب[7]" لنهتدي إلى الرؤية المنهجية المحكمة التي أذعنت للخطوات الإجرائية الآتية:
1- وضع الخطاب السياسي في سياقه التواصلي وتحديد رسالته ومقصده البلاغي.
2- رصد الحجج التي ينطوي عليها هذا الخطاب من خلال دراسة تفاعلية بين عناصر أخلاقية سلوكية ومنطقية ووجدانية في العملية التواصلية.
3- الحرص على وضع استنتاجات عقب كل دراسة تحليلية للنسيج الحجاجي في الخطاب السياسي للثورة على اختلاف ألوانها ومرجعياتها.
سؤال التأمل
حين نتأمل التطور السريع للحدث السياسي في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، ونستحضر لحظات التحول التاريخية الكبرى في مصر الحديثة من محمد علي إلى أحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر، ألا يحق لنا أن نسلم بأن التاريخ يعيد نفسه ضمن شروط ثقافية مغايرة، تفقد معه الثورة زمنها الجدلي وتعود بنا إلى نقطة البداية. والحالة هذه هل تكفي بلاغة الخطاب السياسي سبيلا لفهم الذات المصرية والعربية؟ ما هو المسكوت عنه الذي لم تشرحه ريشة الدارسين في المعهود الثقافي المصري، وفي عاداته وأعرافه..؟ وهل ما زال المجتمع المصري ومن خلاله المجتمع العربي مرهون إلى بنية فكرية نهضوية من خلال الأنا والآخر؟ أترك هذه الأسئلة وغيرها تنسج التآويل، وأقول بصدق وشفافية بأنني لا أخفي استمتاعي بكتاب “بلاغة الحرية" لغة، ورؤية منهجية، ومفاهيم بلاغية وإنسانية، وبناء على ذلك؛ يعد هذا الكتاب قيمة بلاغية-معرفية وسوسيو سياسية جديرة بالمتابعة والقراءة.
[1]عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية – معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، دار التنوير، بيروت، القاهرة، تونس ط. 1، 2012. وهو الكتاب الذي حاز جائزة أفضل كتاب عربي في العلوم الاجتماعية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الدورة الرابعة والأربعين، 2012. ويشغل عماد عبد اللطيف منصب أستاذ مشارك - البلاغة وتحليل الخطاب، قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، بعدما شغل المنصب نفسه بجامعة القاهرة. ويعد كتاب"بلاغة الحرية"المؤلف الرابع من بين مؤلفات عماد عبد اللطيف وهي: - لماذا يصفق المصريون؟ بلاغة التلاعب بالجماهير في السياسة والفن، دار العين، القاهرة، 2009. - استراتيجيات الإقناع والتأثير في الخطاب السياسي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2012. - البلاغة والتواصل عبر الثقافات، سلسلة كتابات نقدية، القاهرة، 2012. - تحليل الخطاب البلاغي، دراسة في تشكل المفاهيم والوظائف، دار كنوز المعرفة، عمان، 2014.
[2]"البلاغة في حوار الرصد والتنظير من الشعر إلى الخطاب"، محمد العمري، ضمن كتاب البلاغة والخطاب، إعداد وتنسيق محمد مشبال، منشورات ضفاف - دار الأمان – منشورات الاختلاف، ط. 1، 2014. ص، 39.
[3]بلاغة الحرية، ص 145.
[4]نفسه، الصفحات، 73-76.
[5]بييربورديو، العنف الرمزي، ترجمة نظير جاهل، ط، 1، 1994، المركز الثقافي العربي، ص35-36.
[6]فيليب بروطون، بلاغة النص التراثي، ترجمة محمد مشبال وعبد الواحد العلمي، ص32.
[7]عماد عبد اللطيف، "تحليل الخطاب السياسي - نموذج إرشادي" ضمن كتاب جماعي بعنوان: بلاغة النص التراثي - مقاربات بلاغية حجاجية، تحت إشراف د. محمد مشبال، دار العين للنشر، ط. 1، 2013، ص 15.