قال جون برين :-
«ليس بإمكانك أن تروي أية قصة أخرى بالطريقة نفسها، إلا إذا كنت تقدر على أن تفقد عفافك مرتين!! إن روايتك الأولى ليست فرصتك الوحيدة للنجاح بل هي أحسن فرصك»*
نتمنى أن تكون لـ(محمود جاسم) فرصا أخرى أحسن وأفضل وأكثر نجاحا بعد وليده الروائي الأول على حد علمنا وفاتحة خير والأخت البكر التي تعبد الطريق لقدوم أخوات أجمل وأكمل مع بقاءها تفخر بكونها الوليد الأول للكاتب الطموح المبدع.
يبدأ محمود روايته ب((عندما لامست أصابعه السياج الحديدي الدائري لساحة "جمال عبد الناصر" شعر بأحاسيس مختلطة ومحتدمة)) ص2.
نحاول في هذه الوقفة مع الكاتب لتابع أحاسيسه المختلط والمحتدمة محاولين إن نكشف ما وراء الاسم والحدث والظاهرة والبيت ولوعة الذكرى ونغمات الحب ونشيج الألم وحميمية الصداقة عبر (115) صفحة من الحجم المتوسط للرواية نأمل أن لا نكون ثقلاء الظل ومتطفلين على أحاسيس الكاتب وتأملاته وأحلامه ورؤاه فالمطبوع يخرج من سيطرة وخصوصية الكاتب الى مشاعية القارئ والمتلقي.
يبدأ صباح رحلة ذكرياته بعد أن وطأت قدماه حي صباه وشبابه ((حي السعد))- الذي يذكر بعض شيوخ النجف انه خرج للوجود في عام 1956 على يد متصرف كربلاء حسين السعد كما يذكر بعض شيوخ المدينة- بعد غياب دام أكثر من ثلاثين عاما ، تنقل خلالها بين الجزائر التي تزوج من بناتها ثم ارتحل ليقيم في فرنسا ارض الحرية والثقافة والجمال.
بدا صباح يشعر بالصدمة تلو الصدمة بعدما دخل في عالم المقارنة بين الصور المدخرة في ذاكرته قبل ثلاثة عقود وما يشاهده الآن بعد انهيار النظام الديكتاتوري على يد الأمريكان وحلفائهم.
- .....غير معقول حدائق زاهية تحولت الى محلات لبيع الإطارات والبطاريات، بيوت واسعة جميلة صارت دكا كين حلاقة وبيع مخللات...)) وهو يسال بغرابه قائلا (( ما لذي دهى الناس وأجبرهم على ذلك )) ص5.
- وقد سيق إن أصاب ((صباح)) الذهول وهو يشاهد ماحل ببغداد من خراب ودمار وقد (( صعق ... هل هذه بغداد؟ لم يصدق عينيه بغداد المرح والسرور بغداد السمر والثقافة وسهر الليالي حتى انبلاج الصباح... بغداد السينما والمسرح وصالات الفنون التشكيلية...وجدها مقطعة أشلاء أو محاصرة بالأسلاك الشائكة والحواجز الكونكريتية والعسكر المسلح من مختلف الأجناس.. دوريات متحركة يحمل أفرادها الأسلحة ويغطون وجوههم بالأقنعة السوداء ويصوبون فوهات بنادقهم نحو الناس...الخ)) ص45 .
- )) لقد هجر الناس أبا نؤاس منذ زمان ، فقد آثروا السلامة لأنفسهم ، وهم يعودون الى بيوتهم قبل المغيب)) ص45.
اختفت بعض ملامح حارات النجف كطرف العمارة مثلا، مقهى كبون، حدائق ومتنزهات، حتى القبور لم نعد كما كانت فلم يجد أثرا لقبور والده ووالدته وكل أحبته وأعزائه (( أين أهلي؟؟ أنا اعرف أنهم هنا، وان مقبرتنا هنا ، صحيح إنني لم احضر وفاتهم ودفنهم غير إن المقبرة في هذا المكان)) ص23
انه مسح تام لجذر ذاكرة الإنسان في مدينته ووطنه.
الموقف من الاحتـــــــــــــــــــــلال:-
بطل الرواية ((صباح)) له موقف واضح برفض الاحتلال الذي وقع على بلاده وما خلفه من دمار وخراب (( صوب نظره نحو الشاشة بدا غير مصدق، بل مرعوب وهو يسمع ويرى نشرة الأخبار والعناوين الزاحفة أسفل الشاشة:-
انفجار سيارة مفخخة في الكر اده.....
انفجار سيارة مفخخة في حي جميله....
سقوط عدة قذائف على البيوت السكنية
خطف موظفين يوم أمس والعثور على جثثهم هذا اليوم.
العثور على (40) جثه معصوبة العيون وموثقة الأيادي....))ص23
وهو كذلك يرصد المواقف المختلفة من حدث التغيير في 9-4-2003 عبر مواقف متباينة لعائلة واحدة هي عائلة صديقه القديم ألنجفي ((حيدر)) حيث يبدو الموقف المساند والمتفائل والمتعاون ل((عبد الساده)) هذا العبد للساده الذي كان الكاتب موفقا تماما في اختيار اسمه ليكون اسما على مسمى، فهو عبدا للساده أصحاب القوة والنفوذ والمال أيا كان وصفهم وانتمائهم ((وطنيين)) أو أجانب ؟؟!!
والموقف المعارض الرافض مجسدا في مواقف الشاب ((قيس)) طالب كلية الآداب ذو العقل الناقد ونموذجا للعقل الواعد وأمل ألتحرر والخلاص((جيلان يتصارعان في الخفاء... جيل يريد إن يغذ السير الى الأمام كي يلحق بركب الانسانية المتحضرة وليعوض ما فات، وجيل يعمل على سحب العجلة الى الخلف......))ص100..
هذا ألقيس الذي يبدو متبرما وغاضبا من بعض المظاهر والسلوكيات التي تبدو غير منسجمة مع تاريخ الشعب العراقي وكفا حيته في زمن مقاومة المحتلين الانكليز حيث يخاطب صباح ((أتدري ياعم إن هناك بعض المضايف تحولت الى مطاعم للجنود الامريكين يقدم لهم الطعام والشراب ويدعى القادة العسكريون الى ولائم باذخة بعد إن كانت هذه المضايف أماكن لتجمعات الثوار في ثورة العشرين)) ص9
وفي إدانة واضحة لقردنة بعض ((شيوخ)) العشائر وتبدل مواقفهم من السلطة(( مواقفهم مرتهنة بقدر ما يقبضون من المال وقد سماهم ((المؤلفة قلوبهم)) ص9.
ولكن يبدو لي إن الكاتب لم يكن موفقا في اختيار اسم(( حيدر)) الأب التوفيقي بين مختلف المواقف أو يبدو بدون موقف واضح وهو ما يتعارض تماما بين الدلالة التاريخية للاسم.
يوجه الكاتب سهام نقده الى مايسمى بمنظمات المجتمع المدني التي يرتزق منها عبد الساده وأشباهه محرفة تماما عن جوهرها باعتبارها من أهم خصائص المجتمع ألمديني باني الديمقراطية ودولة الحداثة حيث يقول عبد الساده موضحا هدف هذه المنظمات لصباح ( أردنا يا مولاي من هذه المؤسسات والمنظمات إن تلم أبناء الشعب بعد التغيير الجذري الذي حصل (في بنية المجتمع بعد التحرير)) ص9.
من خلال وصف طريقة كلام والمفردات والمصطلحات والمفاهيم الني يتحدث بها ((عبد الساده)) يريد المؤلف إن يشير الى فئة اجتماعية بعينها دون أن يسميها ليوضح موقفها الداعم والمهادن والمروج للاحتلال مطلقا عليه ب((التحرير)) حيث يرد عليه صباح بتعجب واستغراب (( تحرير !! وهل غادرت أمريكا ارض العراق بهذه السرعة)).
وبالمناسبة فان الكاتب قد وقع في لبس أو عدم دقة لمتابعة أسماء وشخوص روايته ففي الوقت الذي يعرفنا ب(( قيس)) ابن حيدر في ص9 يقرئنا إياه باسم (فارس)) في ص47 والأصح هو طبعا ((قيس)) كما يشير نص الرواية فلا يوجد ولد اسمه ((فارس)) لصديقه حيدر طالب في كلية الآداب، هذا أل((قيس)) أمل أل((صباح)) الذي يسهب في وصف نشاطاته وآراءه ونقده لزملائه وأساتذته بشكل يخل بحبكة الروايةومنطق السرد وطبيعة العلاقة بين ((قيس)) و ((صباح)) حيث يشعر القارئ كان ((صباح)) احد زملاء ((قيس)) وليس شخصا شبه غريب حديث العلاقة به كما يرد في ص96.
لا تظهر أية ردود فعل ملحوظة على حادث إصابة أو محاولة اغتيل حيدر وإصابته بالشلل من قبل صباح ولا أصدقائه ألآخرين كرد فعل إنساني ينسجم مع طبيعة العلاقة الفكرية التي يفترض إنها قائمة بين الاثنين ناهيك عن عدم ظهور اثر واضح بين صفوف زملاءه الطلبة فيما عدى حبيبته ( خديجة)) التي كانت تتستر على ردة فعلها خوفا من سوط التقاليد الاجتماعية السائدة التي لا تسمح بمثل هذه المشاعر والأحاسيس الانسانية الحميمة إذا كانت صادرة من المرأة تجاه رجل غريب، زميل دراسة أو ابن محله.
الكاتب يؤشر الى مدى الصعوبات التي تصل حد الموت التي تواجه كل عقل ناقد وكل عقل رافض ومقاوم لمظاهر التخلف والسوداوية، ومقاوم لقوى الاستغلال والاحتلال فيذهب (( قيس) رمز العقل المفكر والمنور ليصاب بالشلل على يد قوى ظلامية مجهولة الاسم معلومة التوجه والمنهج من أمثال شقيقه ((عبد الساده))(( لا أكتمك ، الضربة أصابت الدماغ بالشلل)) ص110 وهذا هو المطلوب!!!
الكاتب لا يغفل الإشارة الى حالة التناقض والصراع الذي يعتمل داخل نفس شقيق حيدر ((عبد الساده))حيث يقول(( إحساس غريب بدء ينتابه وكان هذه الدموع التي بلت خديه قد أزالت ركاما من غبار كان عالقا في تكوينه العقلي والعاطفي، تلفت حوله مرة أخرى، ثم نهض واقترب من سرير شقيقه وطبع قبلة على خده، أحس براحة لم يعتدها منذ زمن.......... أغلق الهاتف ودسه في جيبه دون اكتراث.... هو الآن (( عبد الساده)) آ؟خر!!!) ص110. وهنا يؤشر المؤلف الى ثمن الصحوة فلكي تكون صحوة ((عبيد الساده)) لابد من ثمن تدفعه العقول النيرة والحرة والعاشقة كالأديب((قيس)) والفيلسوف ((احمد)) سواء بكسر الجماجم أو قطع الألسنة أو الملاحقة والمحاسبة الأمنية
والحصار المجتمعي المتخلف كالنبذ والحرمان فقد (( كان _احمد- قد عقد على ابنة خالته، وعندما قرب موعد الزفاف قيض عليه بتهمة الشيوعية، واقتيد الى التحقيق ... ادخل غرفة التوقيف التي بقي فيها أكثر من ثلاثة شهور لا يعرف احد عنه شيئا حتى أهله)) ص87.
تهمة احمد انه مثقف ي احدث في المقهى مع بعض نظرائه من المثقفين حول الفلسفة والفلاسفة ومنها الفلسفة الماركسية رغم عدم انتماءه للحزب الشيوعي، فيتعرض للاعتقال والملاحقة وتفسخ خطوبته من ابنة خالته لكونه متهما بالشيوعية(( اسمع احمد أنا خالتك واحبك ، غير إن دخولك في السياسة ومشاكلها يجعلنا نرفض تزويجك ابنتنا)) ص91.
وهنا يسلط الكاتب الضوء على محنة المثقف ومعاناته في ظل نظام فاشي ديكتاتوري وفي ظل مجتمع تهيمن عليه قوى الجهل والخرافة والظلام، تحرم عليه امتلاك عقل ناقد وتقطع عليه طريق التواصل والاستمرار البيولوجي ، فيكون محاصرا من سلطة فاشية وسلطة مجتمعية متخلفة، فهو محاصر بدائرة متكاتفة متضامنة حتى وان بدت متنافرة سلطة الدولة((السياسي)) وسلطة أدعياء الدين، وتقاليد التزمت القبلي المناهض لمفاهيم وثقافة الحداثة.، فقد زرعت السجون على طول وعرض الوطن - الحلة، الكوت، النهاية، نقرة السلمان ، بعقوبة ، رقم واحد- في ظل الديكتاتورية وأصبحت معروفة أكثر من أي جامعة أو مستشفى أو دار رعاية أو مصنع أو مزرعة. ومن الصدف إن تكتمل هذه الدراسة في (8شباط) الذكرى أ ل(47) للانقلاب الفاشي الذي قاده البعث وحلفاءه من ((عبيد الساده)) في الداخل وبدعم من الساده ((بريطانيا وأمريكا الرأسمال)) في الخارج على نظام الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم وما ارتكبوه من مجازر دموية ضد عموم أبناء الشعب العراقي وبالخصوص من المثقفين والشيوعيين، وكأن كسر جمجمة سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ابن النجف تبدو متماثلة مع فعل كسر جمجمة ((قيس)) في الوقت الراهن فان عجلة الموت والقهر والكسر والإقصاء لازالت تدور في عراق الآلام و((والآمال)) المستلبة والمغدورة والمضيعة.
ومن الجميل حقا إن تأتي مثل هذه الإدانة بشكلها الأدبي بقلم الكاتب ضابط الشرطة المنتمي طبعا الى الجهاز الأمني والتنفيذي للسلطة، وهذه ظاهرة يجب التوقف عندها فان يكون رجل الشرطة أو الأمن شاعرا وكاتبا روائيا أو قاصا يوظف موهبته الأدبية لإدانة ممارسات الاستبداد ويقف الى جانب حرية الإنسان وكرامته وعشقه أمر يدعو للتفاؤل والأمل بان ترسو سفينة دولة العراق المحملة بالآلام والآهات على ساحل الأمن والسلام والحرية بعد أن تلقي بهذه الحمولة القذرة في بحر اللا عودة، ويعاد تحميلها بكل ما هو جميل وإنساني وتتخلى فيه عن الجيوش والحراس وكل أدواة العنف ليعيش الناس بهناء في فضاء الحرية(( لو إن الناس عرفوا أن يعشقوا لما احتجنا لحارس أو سلاح)) ص102 هكذا خاطب ((صباح)) حارس بناية كلية طب الأسنان التي كانت حديقة مطلة على نهر الكوفة ومكانا للقائه بحبيبته ((آمال)).
توثيق عادات وتقاليد وشعائر النجفيين:-
جميل من الكاتب أن يبادر الى تسجيل وتوثيق عادات وتقاليد وشعائر النجفيين في مناسبات الزواج والختان والولادة والتي اندثر الكثير منها في الوقت الحاضر أو لم يبقى منها سوى ظل باهت
ومن ذلك تسجيله للألعاب الشعبية للأطفال النجفيين التي لم نعد نشهد منها ح إلا النزر اليسير حيث تحول اللعب لي ((ألبلي ستيشن والانترنيت وغيره من العاب في عصر التقنية الحديثة.
(( الدعبل ، طم خريزه، يحمصه يزبيبه، الفرارات، اللكو)
فتح سجلا لتوثيق المحلات والمقاهي التي أصبح اغلبها من الذكريات بعد ما شهدته المدينة من عمران أو عمليات هدم وبناء خلال فترة غيابه الطويلة.
يعدد الكاتب أنواع الأكلات الأثيرة لدى النجفيين مثل ((ألتمن والقيمة)) أو الدهين أو محلات المرطبات المشهورة ذات الطعم والنكهة التي لا تنسى وتذكر بأيام الطفولة والصبا والشباب لأبناء وبنات المدينة.
في الحق انه جهد يستحق التثمين حيث إن تاريخ العمران وسجل عادات وتقاليد وشعائر مدن العراق وتحولاتها غير مسجلة بشكل كاف روائيا، ناهيك عن تاريخ ارض الحضارات والثورات والتحولات وعظيم الإحداث خلال تاريخ يمتد للاف السنين لم يسجلا روائيا، أليس من المدهش حقا أن يكتب عبد الرحمن منيف رواية تاريخية عن العراق في حين لم يبادر أو لم يتمكن أو لم تتح الفرصة لكاتب أو أديب عراقي للقيام بهذا العمل الأدبي التاريخي المطلوب
فهل هذا مرده الى قصور بالذات؟؟؟ أم قصور في الموضوع باعتبار الرواية هي ملحمة برجوازية، فكيف يمكن إن تنتج ملحمة في مجتمع ريعي استهلاكي برجوازيته هشة تابعة وطفيلية.، قد انبرى عبد الرحمن منيف لكتابة جزء هام من تاريخ العراق روائيا وكتب حنا بطاطو تاريخ العراق اجتماعيا وسياسيا وكلاهما غير عراقي.وقد نوه الكاتب الى هذا النقص من خلال إجابته على تساؤل الشيخ حول ما ينشرونه في الخارج من كتب ودراسات (( وهل نشرتم شيئا عن ثورة العشرين؟؟؟)) حيث أشار الشيخ الى ما عانته هذه الثورة من إهمال وعدم دراسة ((هذا ...صحيح واعترف بتقصيرنا. سأحاول تلافي ذلك بعد عودتي إنشاء الله))ص77.
في خلاصة القول رواية ((حي السعد)) كجهد ومبادرة تستحق التقدير والتثمين على الرغم مما وقعت فيه من هفوات وخلل في أنسابية السرد الذي لا يبرره سوى تاريخية الرواية، وفي الإمكان إن نكثف مضمون الرواية بان الصباح ((صباح)) يتحول الى حالة من الغروب الآفل مدمى القلب شبه يائس ومنكسر في نهاية رحلته وهو في الطائرة(( حدق مرة أخرى في فضاء بغداد بعينين مأزومتين بالحرقة والدموع بينما كانت الطائرة تبتعد شيئا فشيئا، وضع رأسه بين كفيه وبدا ينشج بصوت مسموع مفزوع وهو يردد بيت الشعر لمصطفى جمال الدين:-
(( طرنا بلا عودة ولا أمل
كأنما الوكر أفقنا الرحب))
الآمال ((آمال)) الحبيبة فاقدة العذرية بفعل نزوة الحبيب ومحاولته حرق المراحل، مما يضيع هذه(( الآمال)) وبرر خضوعها لإرادة ((القوادين)) كثمن لتضحيتها بعذريتها لمن لا يمتلك طول النفس والحنكة والجرأة في المقاومة والعجز في تبني الآمال الشعبية في التحرر والانعتاق من ظلم الخارج والداخل وهو مثل ساطع وواضح على عجز البرجوازية لأسباب ذاتية وموضوعية بسبب عدم نضوجها وترددها(( صباح)) وتبعيتها وسمسرتها لقوى الخارج((قوادة)) ممثلة بابن خالة ((آمال) مما أدى الى ضيا ع الآمال وفقدانها لرشدها ، فلأمال تداس وتسحق وتبتذل على يد المخلص الحبيب وعلى يد إلام حاضنة الاستبداد والتقاليد والأعراف البالية والزوج فاقد أية غيرة رجولية أو حس وطني.
النجاح في البناء والعمران والتأميم والتصنيع والتعليم والزراعة مفقود في جبهات القتال حيث تذهب ثروات البلاد البشرية والمادية وقودا لهذه الحروب التي أتت على الأخضر واليابس والمشار إليها بشخص ((نجاح)) شقيق ((صباح)) المفقود في الحرب(( مفقود....مفقود يا أخي ويا حبيبي... يا وجع عمري ومرارة ذكرياتي... غائر مصيرك في أعماق المجهول)) ص83. ((ناجحة)) أتت كسيحة مقعدة تنتابها موجات من الصرع بين فينة وأخرى، دلالة على خطط البناء الارتجالية والغير محصنة بلقاح العلم والمعرفة فأزماتها متلاحقة ناهيك عن كونها كسيحة لحظة الولادة والتأسيس ((... جاءت الى الدنيا وهي تحمل أعباء مرض الكساح... كانت نوبات الصرع تصيبها فتسقط على الأرض هامدة دون حراك))ص61.
شلل وموت ألعقل المفكر والمدبر والمتسائل والمحب المتنور الواعد((قيس)) بفعل ثقافة الإقصاء والانمحاء،والمهيمنة على أغلبية المجتمع الغارق في الخرافة والادعاء والزيف على شاكلة ((عبيد الساده)) الذي لا تظهر علامات صحوتهم إلا أن تكون عقول وأرواح وأمان واستقرار الأحرار من أبناءه قربانا على مذبح الحرية التي لا تبدو شمس إشراقها قريبة بعد ما فقدت ولازالت تفقد أدواتها أو إن ما تمتلكه من أدواة لازالت قاصرة وهي وسط بحار من العنف والإرهاب المحلي والمستورد:-
(( في بحار تئن فيها الرياح ضاع فيها المجداف والملاح)) ص109
إشارة
كتابة الرواية- ترجمة مجيد ياسين ط1 1993- سلسلة المائة كتاب. ص10.