الإعلام مرآة وواجهة للحضارات ومقياسها

في ظل المتغيرات المتناقضة والمتبابينة للبيت الصحفي ورهان المعطيات للمعادلات الإعلامية، ناقشت الصحفية المتألقة اللبنانية هدى الحسيني، في بيت الزايد لتراث البحرين الصحفي، مبادئ الصحافة وأصول مضامينها التكنيكية في صياغة الخبر وفق معطيات الملفات والقضايا على أرض الواقع، ضمن المحاضرة التي ألقتها والموسومة ب"الصحافة مهنة نبيلة تواجه مخاطر كثيرة" ، مؤكدة على أن  "الصحافة وجدت لخدمة الحقيقة، والديمقراطية تعتمد على مواطنين توفرت لهم حقائق موثوق بها، وضعت في سياق زمني معين، والصحافة هي حالة حيوية لا تسعى للحقيقة بالمعنى المطلق أو الفلسفي ، مبينة قولها على الناحية العملية" بدء من الانضباط المهني في التجميع والتحقق من الوقائع" وصولاً إلى إستدعاء ماهو مفروض بمهنة الصحفي بنقل ماهو موثوق به وما يخضع له من التحقيق، بمعنى أن يكون  الصحفي  شفاف بالنسبة لمصادره كي يتيح للقارىء فرصة تقييم هذه المعلومات، وحتى في عالم تزداد فيها الأصوات تبقى الدقة هي الأساس الذي يبنى عليه لاًحقا وتخضع للتفسير والتحليل والنقد، والنقاش حتى يتم استيضاح الحقيقة". 

وذهبت الإعلامية الحسيني إلى الحديث حول المؤسسات الصحفية وتجاربها الشخصية مع السلطة الرابعة، وكيفية تحمل الصحفي المسؤولية وممارسته للدقة والمصداقية، وإلتزامه بحق القارىء، خاصة في لحظة كتابة الخبر، وكما تفصح" الصحفي  هو من ينقل الخبر ولا يصنعه". وأسترسلت الإعلامية الحسيني في الحديث عن الصحافة البريطانية قائلة" لها قدرة  غير عادية لممارسة الرقابة على السلطة، والتأثير على مواقف الرأي العام، وكيفية معالجتها لمواضيع داخلية، وعندما تريد التسويق لموضوع معين نراها كالأوركسترا الواحدة تعزف لنفس القضية، وبالوقت ذاته قطعة موسيقية مختلفة في كل صحيفة، فهناك جمهور موزار، وجمهور بيتهوفن، وجمهور فاغنر، وجمهور البوب، وعندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للبلاد تقف كلها صف واحداً، ويزول الخطر وتبدأ المحاسبة".

ورأت أن  تواجدنا في عالم مثالي " على الصحافة العربية أن تكون مستقلة وتعددية ومتنوعة، وأن يكون هناك مناخ يحمي حرية الصحفيين والمدونيين"، إلى جانب القيود المهنية والسياسية، والرقابة الملكية والذاتية، كما شرحت عن أنماط الملكية للصحافة في العالم العربي وتقليصها لليبرالية ، قائلة" الصحافة تؤثر وتتأثر بالمشهد السياسي، لذلك على الرغم من وجود الإنترنت ومواقع التدوين لا تزال عدة عوامل تحد من تطوير وسائل الإعلام العربي، وتحولها إلى سلطة رابعة وإلى عامل من عوامل التغيير الاجتماعي، وفي الواقع فأن التهمة الموجهة للصحافة في كثير من الأحيان أنها تعطي رأي بدلاً  من المعلومات ويلاحظ كثيراً عند كتاب الرأي دون تكلفة الكاتب إعطاء معلومة واحدة ".

 وأسبرت الإعلامية الحسيني عن تجربتها في جريدة  الشرق الأوسط التي أمضت عشرين عاماً بها، ومعاصرتها للمجاعات وتغطيتها، والغزو السوفيتي لأفغانستان، إذ كانت رحلاتها محفوفة بالمخاطر، وليس كما اليوم، إلى جانب الوهن الاعلامي وتجارة الصحافة الصفراء، ورواجها فالإعلام  مرآة يجب أن يكون واجهة للحضارات ومقياسها، ورأت أن الصحفي يركب موجات التشنج الطائفي، ومشكلة الصحفي أنه يرى ما تتعرض له بلاده من خوف وتحريض، ويجب أن يكون للصحفي الحس التاريخي وبعض من الرؤية للمستقبل، وهذا يصعب الحصول عليه في ظل الضغوط، ويجب أن يكون محمي من الضغوطات الخارجية، أو الإنفعالات ويظل يبحث عن الدقة والحقيقة، والسياسيون يحاولون إخفاء الحقيقة وطمسها والصحفيين يستهويهم الأمر".

موضحة" يأتي تطور الصحافة العربية، من خلال تعزيز المفهوم العالي للأخلاق والنزاهة والمصداقية والحيادية،  ويجب أن يكون السلوك المهني للصحافة العربية مثالاً يحتذى به ويساعد على بناء مجتمع سليم، وطورت الصحافة العربية مجموعة من المعايير والأخلاق، فعدم الموضوعية والتشنج يحظى بإهتمام خاص وأهمية أكثر من الصحافة الليبرالية الحرة، وأصبح هذا أكثر إنتشاراً مع ظهور وسائل الإتصال الإجتماعي، بالإضافة إلى منصات أخرى تستعمل للتلاعب، والتأثير على الآراء الاجتماعية والسياسية، وهذة المنصات تنشر الكثير من التحيز ولا تكون خاضعة للمسائلة، وبالتالي لا يجب إعتمادها كمصدر يعتمد عليه إلا إذا كانت صفحة لمسؤول في الحكومة أو منظمة". 

وبدورها ختمت قولها  بوصفها للصحافة على أنها باب للثقة، ومثابرة على الجد والملاحقة وأنها لا تمنح للصحفي الإكتفاء النفسي بل القلق النفسي.