لقد صرت أشعر بأنني مسؤول بشكل من الأشكال عن تدني القراءة بالمغرب .ليس لضعف معرفتي بالمهنة ، ولكن بسبب عامل أساسي هو عدم قدرتي على تدبير المال بشكل عقلاني ؛ وهذا ما يجعلني غير قادر على مواكبة مهنة الكُتْبي وتطوراتها .فقد جرّبتُ كل الطرق والوسائل لكنني أفشل في كل مرة .لجأت إلى الاقتراض ، سلمت شيكات بدون رصيد ، أخذت سلفات بفوائد مرتفعة دون جدوى . فالمهنة أصبحت تتطلب أموالا كثيرة لمسايرة الكم الهائل من العناوين التي يطلبها التلاميذ والطلبة القراء عموما ، سواء منها العربية أو الفرنسية أوالانجليزية وفي كل المجالات.وهناك أيضا الكتب الثقافية بجميع أنواعها .ملايين العناويين تتطلب من الكتبيين أن يتوفروا على مال قارون وصبر أيوب وعمر نوح .
لكنني أحب هذه المهنة إلى حد بعيد ومستعد للتضحية بكل شيء لأجلها . أما عائلتي فقد تلاشت علاقتي بها بمجرد وفاة الوالدة التي كنت أكن لها حبا بلا حدود .
أشعر بالتعب الشديد ، فمنذ سنة 2000 لم أتمتع ولو بأسبوع عطلة واحدة . أشتغل يوميا لأكثر من 14 ساعة متواصلة وفي ظروف جد صعبة ،خصوصا أني أعيش في مدينة الدار البيضاء حيث عدد الكتبيين لا يتجاوز 80 كتبيا ويتواجدون في أحياء هامشية في الغالب ، وفي محلات صغيرة لا تستوعب كل كتبهم .
أقول هذا وأنا أفكر في كتُبيي فرنسا مثلا ، حيث يتمتعون بوضع خاص في المجتمع ويحضون باحترام الجميع ويشتغلون في ظروف مريحة ، في أماكن رائعة ، ويحضون بامتيازات اجتماعية مهمة كمواطنين منتجين وفاعلين في مجال المعرفة والعقل . وجل الكتبيين هناك بمستوى ثقافي عالي بفضل التكوين المستمر وعلاقاتهم القوية بجميع المؤسسات التي لها علاقة بالكتاب . وهذا ما يؤسس لثقة كبيرة في مستقبلهم ، ومجتمعهم بكل شرائحه .
كم أتمنى أن نصل في يوم ما إلى هذا المستوى . ولذلك أتمنى أن تتدخل وزارة الثقافة المغربية لمصاحبة الكتبيين في تنظيم مهنتهم والنهوض بأوضاعهم المعيشية وذلك حتى لا تتعرض هذه المهنة النبيلة للانقراض .
نحن لا نطلب المستحيل ، نريد فقط أن يسمعوا صوتنا واقتراحاتنا لأننا معنيون بالشأن الثقافي والتعليمي ، فقد حان الوقت لكي ننهض بالمستوى الثقافي والمهني للكتبي وإعطائه المكانة التي يستحقها.