توجز القاصة الصومالية في هذا النص القصير المكثف مأساة الصومال ووضع بشره بعد الحروب الطويلة والخراب من خلال أب وأبنته وهم يعانون من الجوع والخوف والتشرد وسط العاصمة مقادبشوا مركزة على اللحظات التي يفقد فيها الأب أبنته تحت تلك الظروف اللا إنسانية.
ديالا و أوجاز
بعينين جفتا عن البكاء, وقلب متهتك, وجسد مُتَخشب مُلقى على أرض ذات رمال صحراوية شمسها لا ترحم ولا تفقه ثقافة الدفء، صرخ “أوجاز” الرجل الأسود ذو الوجه المُجَعَد.
“ديالا” الصغرى تَجهَر بنحيبها.. تحتضن كتف أبيها وتئن.. الألم لا يرحم.. وطعنات الجوع لا تجيد قراءة الأعمار !
أدار “أوجاز” ظهره للشمس قَبَّل رأس ديالا بكل صبر.
اغتالته قسوة المجاعة.. شوهت جسده النحيل دون تحفظ ! أبعدته أميالاً عن حقول الحياة.
شمس “مقديشيو” عنيدة.. لهيبها يشتعل طردياً مع ارتفاع تلك الأجساد المتلاصقة المتراصة في موت !
حوصر “أوجاز” و”ديالا” بذوي البيادات العسكرية ممن يتخفون وراء ملابس رمادية اللون برائحة الحروب !
هربت الشمس ولاح الغروب بالأفق.. عانقت الرمال أقدام الجياع.
صرخات “ديالا” لم تعد تعزف لحنها منفردة.. الجميع صرخ في فضاء “مقديشيو”.. الجميع تألم.. الجميع أجهشه البكاء.. الجميع مات جوعاً وعطشاً وشعوراً.
“ألا تستحق بلادنا الحياة” ؟ موجات من التساؤل تجتاح كيان “أوجاز” الأب مريدة ًالجواب الأعلى يقيناً
طلقات الرصاص تغطى الرؤوس.. ضياع الغلال يغمر الأراضي فيضانات ربانية وجفاف لا ينتهى.. عصبيات قبلية وحروب سوداء تتصدر المشهد.
تزاحمت الأجوبة برأس “أوجاز”.. لم يتقن عقله الاختيار.. لم يُلهمه وجدانه بهذا المبرر صاحب السيادة الإجرامية وراء المجاعة ؟
الشمس تهرب دون جواب.. الغروب لاح.. الأفق أسدل ستائره الليلية دون جواب.. الخيام المتزاحمة والجثث والبيادات تتواجد دون جواب.
عويل “ديالا” يتوقف.. شفتاها تضربان عن النطق.. نبضات قلبها تقف حداداً على المشهد.
“أوجاز” ينظر لابنته في ذهول.. إحساس شديد باحتمالية مفارقة وجهها ورائحتها ونبراتها الصوتية.. لمعت عيناها في تألق بادلها “أوجاز” الشعور ذاته بل أكثر.. تأمل تلك اللمعة في لهفة أبوية.. فها هي “ديالا” الصغيرة تقرع طبول الرحيل عن إقليمها الأكثر فقراً بمقديشيو البائسة.. ملوحة بكفها الأسمر الصغير فى وجه الجميع ممن فقدوا إنسانيتهم.. ممن تسببوا في كتابة رسائل دموية الحبر همجية العنوان أسكنتها بأرض جائعة لا تعرف إلا الموت.