تركز القاصة المغربية في سردها المكثف مصورة يوما من حياة زوجة تعمل فيه كعكة عيد ميلاد لزوجها الأبكم العاجز والمتحول إلى ما يشبه الطفل، وعن طريق التداعي نعرف أن الزوج تعرض لحادث وهو يخونها مع أخرى متزوجة وعاد إليها طفلا لا يجيد النطق.

كعكة الأبكم

ليلى بارع

جلست قبالته لأقوم بتقطيع كعكة عيد ميلاده، لم أضع أي شريط موسيقي، فهو أصم أبكم لا يسمع ولا يتكلم، نتكلم فقط بالإشارة منذ سنوات، طبعا لم يكن كذلك في البداية، كان شخصا حلو الكلام والمعشر، قبل أن يصاب بالبكم، بعد صدمة شديدة تعرض لها، حين قامت الشرطة بمداهمة منزل امرأة متزوجة كان يعاشرها!!  حاول الهروب من نافذة الطابق الأول، فسقط على رأسه، الطبيب قال إن الخوف وليس السقطة هي سبب العجز الذي أصابه، لكنني لم أعد أفكر كثيرا في السبب الحقيقي، إنه أصم أبكم عاجز، هذا ما أعرفه الآن، وطبعا أنا أيضا صدمت، لكنني لم أفقد السمع والصوت، خفت أن أفقد سيارتي وبيتي، ويفقد أطفالي مدارسهم الأجنبية، خفت أن يتشرد الجميع، وتشمت بي صديقاتي والجارات ، لذلك اكتفيت بتوقيع تنازل عن المتابعة الجنائية، وقلت للجميع بصوت واثق من نفسه: إنه "رجل"، لكننا معا كنا نعلم أن السقطة قضت على "رجولته" للأبد... المهم، ما علينا من كل هذا الكلام، الماسخ، كما تقول جدتي، كعكة عيد الميلاد كان فيها الكثير من المكونات، مثلا الشوكولا مركزة في الوسط، اليمين ملون بالأبيض المغطى باللوز، اليسار مغطى بطبقة حمراء قانية، وهكذا...أمسكت السكين الناعمة وأشرت إلى اليمين، لكنه أومأ علامة الرفض، بتلك الإشارة العالمية المعروفة، والتي يشترك فيها كل سكان الكرة الأرضية، حتى الرضع يعرفونها حين ترغمهم على رضع الجزر المسلوق، أشرت إلى اليسار، فأدار رأسه علامة الرفض، غرزت السكين وسط الكعكة، فأشار بسبابته أن لا! حاولت تلطيف الأجواء، فأخذت قشرة شوكولا موضوعة على الجانب، قضمت نصفها ومددت له يدي بالنص الآخر، فتراجع للخلف كطفل، غرست رأس السكين هذه المرة في الطاولة، وبقيت أحدق في وجهه، عيناه الرماديتان تدوران في مكانها، بخبث شديد، وكأنه مستمتع بلعبة ما.. فجأة أعطيته السكين كي يقتطع الجزء الذي يحبه، أمسك بالصحن الذي وضع فيه قالب الحلوى وجره إليه، وضع السكين عند بداية المنتصف وبدأ في تقطيعها، كانت حلوى من النوع المثلج، قاسية بسبب تواجدها في الجزء الأعلى من الثلاجة، طوال الصباح، وضع يدا على الطاولة، وباليد الأخرى أمسك السكين بقوة، حاول جذب الصحن إليه، بدلا من ذلك جذب القالب فسقطت الحلوى على الأرض، ساحت الحلوى حين مستها الأرض، اختلط اليمين باليسار بالوسط.. كان مندهشا وغاضبا كطفل صغير، فجأة رمى السكين، جلس على الأرض، وبدأ يحمل قطعها المتناثرة ويضعها في فمه....لم أعلم أنه يحب الحلوى المثلجة لهذه الدرجة!! جلست بدوري على الأرض وبدأت أفكر في شراء قالب جديد في الغد، حتى أتمكن من أخذ بعض الصور لكي أقوم بنشرها على صفحتنا بالفيسبوك...بمناسبة عيد ميلاد زوجي السعيد....

قاصة من المغرب

27-04-2014