عام 1955 بدأ صلاح جاهين رحلته بديوانه" كلمة سلام". نشرته دار" الفكر" التي أسسها الشاعر اليساري كمال عبد الحليم صاحب قصيدة" دع سمائي فسمائي محرقة". ضم الديوان قصيدة" لاجيء" تصف حالة اللاجئين الفلسطينيين حينذاك، عندما كانت نكبة 48 مازالت حية، وكان الفلسطينيون الذين شردهم الاستعمار البريطاني وعصاباته اليهودية مازالوا جرحا مفتوحا. يقول جاهين
"لاجيء قابلته في غزة
وله عيون مشمئزة
حابس ضناه بين ضلوعه
يابس وح يموت بجوعه
قاعد ما بيعملش حاجة
لابس هدوم مش بتوعه".
حينذاك لم يكن ليخطر على بال أحد أن قضية فلسطين ستظل عالقة بعد نصف القرن بلا حل، ولم يكن ليخطر على بال أننا بعد ستين عاما سنواجه موجة أخرى أكبر من اللاجئين السوريين! شردهم إجرام الاستعمار الأمريكي. وكانت سوريا قبل خمسة أعوام ثاني أكبر بلد يستضيف اللاجئين من العالم، فأمست مصدر أكبر عدد من اللاجئين إلى العالم! خلال الثلاث سنوات الماضية بلغ عدد اللاجئين السوريين حوالي أربعة ملايين نصفهم من الأطفال، فأصبح السوريون مرشحين لشغل المرتبة الأولى التي شغلها الأفغان. معظم اللاجئين من النساء والعواجيز والأطفال، يقطعون رحلة منهكة من قرية إلى أخرى مرهقين خائفين يفقدون أحباءهم ومستقبلهم في الطرقات، ويواصلون السير المهلك إلى أن يصلوا إلى حافة بلد قريب، يتوقفون عندها من دون مدخرات أو أغطية أو طعام، ويبقون وحدهم في العراء. وتتركز غالبية اللاجئين في البلدان المجاورة : لبنان تأوى نحو مليون ونصف المليون سوري. تركيا بها نحو مليون لاجيء. الأردن نصف مليون. العراق نصف مليون. مصر أيضا بها نصف مليون لاجيء سوري. يعيش السوريون في تلك البلدان –ما عدا مصر- في خيام يتلقفون ما تقدمه منظمات الإغاثة من فلاتر لتنقية المياه ومصابيح قابلة للشحن وأغطية ومواقد ومعلبات الطعام وأدوية أولية! هكذا وجد أبناء ذلك الشعب العظيم بحضارته العريقة أنفسهم في العراء. وكانت سبع عشرة دولة أوروبية قد أعلنت استعدادها لاستقبال السوريين لكنها ساعة الجد أغلقت جميع منافذها الرسمية في وجوههم! واكتفت معظم دول الخليج بالتبرع بالمال ونفض يديها أو ضميرها من الموضوع. في مصر يصل عدد السوريين إلى نحو نصف مليون، كانوا في البداية يدخلون بدون تأشيرة إلى أن صدر قرار في يوليو 2013 بعد عزل مرسي يلزمهم بالحصول على تأشيرة. يعيشون داخل مصر وليس في خيام على الحدود كما هي الحال في لبنان والأردن وتركيا. لكنهم يعانون من غلاء أسعار السكن الذي يستأجرونه، ومن ارتفاع تكاليف الحياة، والبطالة، يهون من كل ذلك أن الحكومة المصرية أصدرت قرارا بمعاملة الطلاب السوريين معاملة الطلاب المصريين مما ساعد على حل مشكلة التعليم نسبيا. لكن أوضاعهم بشكل عام بحاجة لنظرة ورعاية شاملة تليق بأبناء ذلك الشعب العظيم.
خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956 اتجه جمال عبد الناصر في 2 نوفمبر إلى جامع الأزهر ليلقى خطابه بعد صلاة الجمعة، لكن غارات المعتدين نجحت في تدمير هوائيات الإرسال الإذاعية في صحراء أبي زعبل قبل الخطاب، وتوقفت الإذاعة عن الإرسال، واختفى صوت مصر. ولم تمر دقائق إلا ودوى من دمشق صوت هادي بكار السوري معلنا من إذاعتها "هنا القاهرة"! واجب أن نرد الصيحة لأخوتنا اللاجئين إلينا "هنا دمشق".