رسالة المغرب

الكتابة والموت و الدورة السابعة لملتقى المرأة والكتابة

عبدالحق ميفراني

الى ما تبقى من "الوطن"، الى الشاعر خ.الأ


الكتابة والموت
هذا الصباح قرر أن يترك الصفحة بيضاء، كروحه المليئة بدكاكين الخسارات، وبطائق مجهولة للقتلة. هذا الصباح اكتشف الموت قربه يائسا من قدرته المحدودة على السير قرب الانهيار .. كان يرقب البركان، كي يزين بحممه أشهى نص للعدم.
هذا الصباح، اكتشف سر إصرار "حمامة زودسكين" على النافذة، لذلك اختار ثوب الحداد، واعترف أنه جدير بالسواد..
في الماضي القريب، عندما كانت قبضة يده حمراء تماما، خلا العالم مقبل على الاستجابة لصرخته "الريداكالية" يومها كان محملا بأشجان:
من رحلوا
وعذبوا
وهجروا قسرا،
من قتلوا،
ومن اختاروا طريق الشهادة..
يومها أحب "المرأة، الجبل والبحر"، في إطلالة الشهداء .. وعندما انتظر طويلا كي يكتشف أفق الاستحالات .. قرر التصالح مع نفسه، وصار يشكل العالم من اللامعنى، بعدما كان منشغلا في دوامة صيرورة ثورية المسار أن ينقح نصوصه بمزيد من المعنى.
ومزيد من جدوى الحياة.
ضاف من اللامعنى في المعنى.
ضاق من عيون اليومي.
حتى القتلة، وهم يصرون على تجذير قيمهم "الجديدة" يطالبونه بالابتسامة للون طعنة سكين صدئة، أما "الوطن" الذي نحمله في الأفئدة وفي الحروف وفي ثنايا الصبر الطويل، فيرسم له بوابة محتملة للمغادرة..
ولأن أحلامنا مؤجلة في النسيان، ضاق بهذه القدرة على الصمت، صار أقرب الى فوهة الموت، كي يفتح لنفسه مغادرة طوعية لا تحتاج لمراسيم وداع، ولا لتلويحات الأنذال..
لن يصدق "فراشات" محمود درويش،
لأن الجينيرالات غيروا سحنتهم هذه الأيام، ولبسوا قبعة "الناقد"، "الروائي"، "الشاعر"، "القاص"، "المناضل"، "الباحث".
حتى الصفحات التي يملأها بغسيل الخيبة، تعمق الجرح، حتى اليأس الذي نجابهه جميعا، يطلق رصاصة الرحمة.
لكنه تعلم مع محمد خير الدين، كيف يعمق جراح الروح بالمجاز، تعلم منه ترويض الانهيار بالدهشة، قبل أن يكتشفوا فجأة استعارة الخواء ليتمموا بها "المجد"??..
الكل توحد في الشكل والمعنى كي يلبسوك جلباب "دون كيشوت"، ولتعزف "سمفونية البجع"، وتصادق أطفال "مارسيل كارني" وفي الأخير تكلل رأسك بويلات وخسارات هذا المشهد السوريالي الجنائزي.
لست صديقا لـ"فوكو"، ولا لـ"كريستيفا"، ولا تفكر في "غيفارا"، ونسيت "مخيم أنصار"، تراجعت نوتات "قعبور"، والطريق  وانزوت كتابات "مهدي عامل" في الرف، تغير الصباح الأحمر الى صباح بدون لون ولا رائحة، بدون رغبات تماما، فقط "ليو فيري" يواصل تمتماته بصوته الذي انتهى في النسيان.
أبهذا الجحيم نصنع بالمداد آلاف الخطايا.
لما تودع أمك بكبريائها العالم، وتختار أنت الموت ببلاغة اليأس.
ثمة وطن يقتلك في اليوم آلف مرة،
وآخرون سبايا الوهم بحقيقة يصنعونها أفقا لخساراته القادمة.
لمن تحب، ولمن يكرهك، هكذا، بالسماع، أو بالمقايضة.
لمن يحلمون بملأ الكراسي الفارغة، لمن يرتقبون توزيع مقصلات جاهزة على بوابات المدن، وليس لديهم الوقت كي تملأ القيم كلماتهم المتقاطعة.
هذا الصباح، تخيط آخر قصيدة "لريما" وتصبغ لوردتيك ترياقا من الحب، كي تلتقون في المحبة، وإليها ولها قداسا من الورد لا ينتهي.
ولأبيك: لا تصدق الوطن ... فأنت لا تملك إلا بلاغة اليأس.
أنت المحمول بالموت الى لقاء قريب، حيث لا صباح بعده ولا قبله.
إنهم يصرون على الفجيعة
إنهم يقتلوننا في واضحة النهار.
 

الدورة السابعة لملتقى المرأة والكتابة
محور "الاختلاف وسؤال المعنى" واحتفاء بالسينمائية فريدة بورقية
نظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع فرع الاتحاد بآسفي وبدعم وشراكة مع ولاية جهة دكالة عبدة ومجلس جهة دكالة عبدة والمجلس البلدي لآسفي الدورة السابعة للملتقى العربي المتوسطي المرأة والكتابة وذلك يومي الجمعة والسبت 27 و28 يوليوز 2007.
وعقدت الدورة السابعة تحت محور "الكتابة النسائية: الاختلاف وسؤال المعنى"، من خلال جلسات نقدية شاركت فيها كاتبات وكتاب يمثلون جغرافيات ثقافية من المغرب، مصر، تونس، الجزائر، موريطانيا، اليمن، فلسطين، الأردن، العراق... كما احتفت الدورة السابعة بالسينمائية فريدة بورقية، سواء في جلسة نقدية قدمت إضاءات حول تجربتها الفنية، أو من خلال جلسة الشهادات التي أعادت للحضور صورة فريدة بورقية الفنانة والإنسانة. وقد عرف حفل التكريم عرض لشريطها التلفزيوني الجديد والذي أنتجته القناة الثانية "الحي الخلفي".
وينظم هذا الملتقى العربي سنويا بمدينة أسفي الساحلية حول "المرأة والكتابة". وقد تمكن إلى اليوم من تنظيم ست دورات، تخللتها ندوات كبرى حول مواضيع مختلفة: الكتابة واليومي- المرأة، الكتابة، المجتمع- الكتابة والهوية- ذاكرة المكان- التخييل والتلقي- محكي الأنا.. محكي الحياة، وستة لقاءات تكريمية لكاتبات وأديبات عربيات: الشاعرة العربية نازك الملائكة، الكاتبة فدوى طوقان، الفنانة التشكيلية المغربية الشعيبية طلال، الأديبة المغربية خناتة بنونة، الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد، الشاعرة المغربية مليكة العاصمي، تقديرا من الملتقى لمساهماتهن الأدبية والفكرية ولجهودهن الكبيرة في إثراء المشهد الثقافي والأدبي والفني العربي، ورصدا أيضا لتجاربهن في الحياة والكتابة والفن. عدا ذلك، يعمل الملتقى على تنظيم عدد وافر من الأماسي واللقاءات الشعرية، بمشاركة شاعرات من المغرب والعالم العربي وأوربا، والعروض الفنية، السينمائية والموسيقية والمعارض التشكيلية، نظمت بموازاة بعضها لقاءات نقدية، من قبيل ندوة "صورة المرأة في المسرح والسينما" التي صاحبت عرض الفيلم السينمائي للمخرجة المغربية فريدة بليزيد "الدار البيضاء..الدار البيضاء". كما تمكن هذا الملتقى، ولو بإمكانيات مادية محدودة، من استضافة عدد مهم من الفعاليات الأدبية النسائية والرجالية من المغرب والعالم العربي وأوربا، وتحديدا من ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث كان التوجه العام للملتقى متوسطيا في البداية، مما جعله ينفتح على تجارب أدبية وإبداعية من البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والجزائر وتونس ومصر ولبنان وفلسطين، قبل أن يوسع الملتقى من جغرافيات المشاركات فيه، بعد أن تزايد الاهتمام به وقد أضحى له صيت عربي واسع، دفع بمنظميه إلى الانفتاح على أقطار عربية أخرى، من الكويت والعراق وسوريا والأردن والسعودية واليمن وبلاد المهجر.
برنامج الدورة السابعة جاء حافلا كعادة الملتقى بالعديد من المقاربات والشهادات والتي تتأمل في معظمها موضوعة الملتقى الكبرى " الكتابة النسائية: الاختلاف وسؤال المعنى"،إذ يتحول المحور الذي دأب اتحاد كتاب المغرب على جعله خصيصة نظرية تلتئم حوله المداخلات والشهادات. الى إضافة نقدية توسع من هامش التفكير في الكتابة النسائية في العالم العربي.
ولم يخلو ملتقى المرأة والكتابة هذه السنة وكالعادة من حدة السجالات التي تعرفها المداخلات، والتي تشكل أرضية لترسيخ فكرة المبدأ الأساس الذي جعل الملتقى يترسخ كفعل ثقافي دينامي وفضاء وأفق للتفكير والأسئلة. ولعل إشراف اتحاد كتاب المغرب على طبع أوراق ملتقياته السابقة في كتاب يصدر كل سنة كفيل بتوسيع هامش مرجعيات أرضية الفكرة الأولية التي تدعو جميع الكاتبات والكتاب الى إعادة تأمل بعض المقولات والاكليشيهات التقليدية، في أفق خلق تراكم دينامي لإعادة تأويل الكتابة النسائية من خلال قوة المنجز.

المحور : الكتابة النسائية : الاختلاف وسؤال المعنى
التئم محور الندوة في جلسات ثلاث عرفت تقديم مداخلات بتوازي مع فقرة الشهادات. وهكذا توالت القراءات والشهادات يومه الأول بتركيز متفاوت على موضوعة المحور المقترح. الجلسة الأولى التي قام بتنسيق فقراتها الناقد عبد الفتاح الحجمري والتي عرفت مشاركة كل من الأساتدة : سعيد يقطين ومصطفى النحال من المغرب غادة نبيل من مصر نادية الكوكباني من اليمن .كانت الانطلاقة الحقيقية لبرنامج الندوة.
وإذا كان الناقد سعيد يقطين قد قدم ورقته حول الرواية العربية النسائية : التأسيس المختلف، محاولة منه البحث في بعض النصوص الروائية النسائية الأولى. فإن الشاعرة غادة نبيل والكاتبة نادية الكوكباني قدما شهادتهما حول علاقة صوت المرأة بالكتابة ومفارقاتها. أما الناقد والمترجم مصطفى النحال فتوقف عند ثلاثة مفاهيم الكتابة الاختلاف المعنى، مركزا على النظرية التفكيكية في تأسيسها لمفهوم الاختلاف.
الجلسة الثانية والثالثة عرفت مشاركة متميزة لكاتبات عربيات وآخريات من المغرب، وقد حاولت الشهادات فتح هامش أوسع لصوت الكاتبة في تقديمها لرؤاها وتجربتها الخاصة، تجربة تنصت للتمرد كما عند الكاتبة المغربية الزوهرة المنصوري، وأخرى تحاول توسيع هامش السؤال النقدي كما عند الناقدة وجدان الصائغ، في حين اتجهت بعض المشاركات الى التفكير مجددا في العلاقة الملتبسة بين فعل الكتابة والمرأة كعند حفيظة قارة بيبان، أو حليمة حمدان. وقدمت نوال مصطفى من مصر رؤية خاصة لفعل الحضور من خلال تجارب إنسانية. ولم تخلو الجلسات المتبقية من مقاربات في محور الندوة كمداخلة الناقدة سعاد مسكين، والناقد حسن اليملاحي...
وإضافة للمقاربات النقدية نظمت جلسة شعرية نسق فقراتها الشاعر عبد الحق ميفراني، وشارك فيها الشاعرات والشعراء:  فوزية العلوي محمد حجي محمد نبيلة زباري - إكرام عبدي نجيب مبارك - نهاد بنعكيدة فاطمة الزهراء بنيس فاطمة بنشعلال - صباح الدبي أحمد لمسيح- امباركة منت البراء- غادة نبيل- فاطمة بنشعلال.

احتفاء بفريدة بورقية : تكريم واحتفاء - قراءات التجربة السينمائية والتلفزيونية-
عرفت جلسة الاحتفاء، والتي نسق فقراتها الناقد عبدالرحيم العلام، تقديم مقاربات تخص تجربة السينمائية فريدة بورقية، مع رصد لملامحها، وخصوصيتها، فهذه الفنانة تعتبر من أولى النساء المخرجات التلفزيونيات بالمغرب. إضافة لرصيدها السينمائي والتلفزيوني، تعتبر فريدة بورقية تجربة متميزة ورائدة في جعل موضوعة المرأة ديدن رؤيتها الفنية وقد تناول تجربة الفنانة فريدة بورقية كل من :محمد أعرايب حسن بحراوي أنور المرتجي خالد الخضري.
الأوراق التي أكدت على دينامية حضور المرأة المغربية السنوات الأخيرة في المشهد السينمائي والتلفزيوني، حتى أن العديد من الأسماء قعدت بتألقهن في الملتقيات والمهرجانات السينمائية الدولية والعربية فعل الحضور وجعله قاعدة دفعت مبدعات آخريات الى رسم ملامح تجاربهن في تميز يحتاج للعديد من القراءات.
أما جلسة الشهادات فقدمت خلالها إضاءات من عمق وروح إنساني لفنانة رسخت بقيمها خصوصية متفردة في الحقل الفني بالمغرب وقد شارك في جلسة الشهادات كل من :الفنان محمد مجد الأستاد حسن النفالي رئيس الائتلاف الوطني للثقافة والفنون وشفيق بورقية .
جلسة الشهادات أعادت الحضور لمسارات تجربة فريدة بورقية التلفزيونية، والتي انطلقت من المسرح، ثم مرجلة التكوين بالاتحاد السوفياتي <سابقا> العودة للوطن لتأسيس أولى مسارات التميز والتألق من خلال العديد من الأعمال التلفزيونية. لكن ما أذهل الحضور هو هذا العمق الإنساني الذي قدمته بعض شهادات الفنانين والذي رسم بورتريها مضافا يزيد من ألق حضور المحتفى بها في المشهد الفني المغربي.  
وقد اختتم الملتقى بعرض شريط تلفزيوني " الحي الخلفي " آخر إنتاجات الفنانة بورقية، والمنتج من طرف القناة الثانية. وقد أكد الأستاذ عبدالحميد عقار في نهاية الدورة السابعة للمتقى العربي المرأة والكتابة على أهمية انعقاد هذا الملتقى السنوي، مع تأكيده على ضرورة صيانة الأفق المعرفي الذي يفتحه سؤال التفكير في الكتابة النسائية.