لا يجادل أيا كان في المكانة العلمية الرفيعة التي يحظى بها الناقد أحمد اليابوري في المشهد النقدي في المغرب، من تطوير الدرس النقدي الى تأطيره العلمي لمجموعة من الطلبة والباحثين والذين أضحوا اليوم يؤثثون المشهد من خلال دراساتهم وبحوثهم الرصينة، هنا تقرير عن يوم دراسي واحتفائي بهذه الهامة السامقة في مجال البحث والنقد والدرس، وهو التقرير الذي يقربنا أيضا من اجتهاداته ويحدد بعض سمات اشتغاله في النقد.

الخطاب النقدي عند أحمد اليابوري

حكيم جابري

 

وأحمد بلاطي

 

نظم مختبر "التاريخ والعلم والمجتمع" مجموعة البحث: الخطاب في العلوم الإنسانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة ، يوما دراسيا في موضوع: الخطاب السردي: إشكالية القراءة ومناهج التحليل (دراسة في أعمال أحمد اليبوري النقدية)، وذلك يوم الخميس 27 نونبر 2014.

 

ركزت الكلمات الافتتاحية لكل من عميد الكلية حسن قرنفل ومدير المختبر عبد النبي مخوخ أن ومنسق مجموعة البحث (الخطاب في العلوم الإنسانية) عبد المجيد نوسي على مكانة أحمد اليبوري في الثقافة المغربية التي شغلها باستحقاق، فعلى يديه تكون مثقفون كبار، وهذا اليوم الدراسي بالإضافة إلى بعده التكويني ، فهو تكريم واحتفاء بالأستاذ أحمد اليبوري، كما تمت التوصية بجمع مداخلات هذا اليوم الدراسي في كتاب مهدى إلى المحتفى به.

 بعد حفل شاي، سير الجلسة الصباحية حسين عقيبي، الذي قدم المشاركين، وكان أول متدخل شعيب حليفي الذي عنون مداخلته ب: أحمد اليبوري سيرة شمس مشرقة: وقد اعتبر أن مكانة الأستاذ أحمد اليبوري تتلخص في جهوده في تأسيس الدرس النقدي الحديث بالجامعة المغربية إلى جانب الرواد الأوائل، وأثمرت جهودهم في تثوير الدراسات النقدية ليس في المغرب فقط ، بل في العالم العربي، وقد احتل هذه المكانة لتميز  رؤيته وخصوصيتها، كما رصد المتدخل المسارات التي شكلت صورة أحمد اليبوري الفكرية، المسار الإنساني حيث إنه تشرب من رموز الفكر الإنساني، ومدراس الحركة الوطنية؛ ثم مسار المثقف العضوي: داخل المغرب وخارجه حيث كان مسؤولا عن اتحاد كتاب المغرب. وأشار إلى مجموعة من المواقف النضالية التي ميزت حياته ؛ وأخير مسار الأستاذية والبحث العلمي ؛ إذ عمل على تأسيس تخصص الأدب الحديث بالجامعة المغربية، وتحديث مناهج تدريس الأدب القديم، انعكس ذلك على البحوث الجامعة التي أشرف على تأطيرها.

وانطلاقا من مفهوم النص كشف عبد المجيد نوسي أساسيات الخطاب النقدي عند أحمد اليبوري، باعتبار هذا المفهوم يخترق جل أعماله النقدية، رغم تشعب المفاهيم الإجرائية المعتمدة، خاصة أن اليبوري لم يستعمل مفهوم الخطاب مطلقا، واعتمد مفهوم النص ضمن نظرية التواصل التي تعتبر النص تبادلا بين مرسل ومرسل إليه. وبتتبع هذا المفهوم في كتاباته النقدية تظهر مرجعياته النقدية التي اعتمدها كالسميائيات الثقافية والشعرية الروسية لسانيات هيمسليف، فالنص عنده ،حسب المتدخل، تشكل من خلال مجموعة من الطبقات النصية والأنساق الصغيرة التابعة كما تذهب إلى ذلك السيميائيات الثقافية، كما أن النص يعرف تعددا لغويا من خلال الأصوات التي تخترقه، وخاضعا لأسلبة تهجينية كما تذهب إلى ذلك الشعرية الروسية خاصة عند باختين، ومن هذه التصورات خلص الباحث إلى أن أحمد الييوري كان مشغولا بسؤال مركزي: كيف تكونت الرواية المغربية والعربية؟ أي ما هي الأمشاج النصية التي كونتها؟

وتدخلت فاطمة بنطاني: بمداخلة بعنوان: أحمد اليبوري علامة في النقد المغربي، مُعرفة بجهوده في تطوير النقد المغربي انطلاقا من تكوين الطلبة بالجامعة المغربية، وبعده عن الأضواء، وتتميز أعماله في نظرها بالدقة والموضوعية والاقتصاد ونزوعها نحو الإفادة، إذ يظهر في كل أعماله يقدم نهاية كل فصل أو عمل يلخص المنطلقات التي انطلق منها والنتائج التي توصل إليها، ومفهوم الملاءمة باختيار المرجعيات الملائمة لقراءة النص الروائي وليس العكس، كما أشارت المتدخلة إلى أن أحمد اليبوري يعتبر أول من وضع نمذجة للسرد المغربي في القصة والرواية.

وكان آخر متدخل في الجلسة الصباحية عبد الرحمان غانمي، وذلك بورقة في موضوع: ا"لمنهج النقدي في أعمال اليبوري أو الشعرية والتخييل والنقد في أعمال اليبوري"، مشيرا إلى خصوصية أحمد اليبوري إنسانا وأستاذا وكاتبا، ورأى أن أعماله تتميز من حيث الرؤية المنهجية بالتكييف المنهجي للمقاربات النقدية كجمالية التلقي والبنيوية والسوسيو نقد، منحازا إلى جمالية النصوص وتداعياتها الخطابية واستطاع من خلال ذلك بناء رؤية منفتحة تفكك استبداد النصوص والمرجعيات النقدية على حد السواء. وقدم توصية لتنظيم أيام دراسية أخرى للتعمق في القضايا والإشكاليات التي عالجها.

ترأس الجلسة المسائية شعيب حليفي، وقرأ الحسين عقيبي كتاب "دينامية النص" في أول المداخلات، ويقوم هذا الكتاب بالتوفيق بين الدراسة التاريخية لتطور الفن الروائي بالمغرب، والدراسة التحليلية للنصوص، يظهر ذلك من خلال تصميم الكتاب نفسه ومن خلال المتن المعتد في الدراسة.

المتدخلة حليمة وازيدي: قرأت كتاب " الرواية العربية: التكون والاشتغال "مشيرة إلى التكامل الذي يميز أعمال اليبوري، وعملت على إبراز أهم الأفكار التي يقوم عليها الكتاب كتحديد المؤثرات الكبرى في الرواية العربية في تكونها وتحولاتها، ورصد هذا التكون والتحول. الشيء الذي سمح ببناء رؤية نقدية تقوم على النظر إلى مؤسسة الرواية والعلامة.

أما لكبير لشميطي فعنون مداخلته ب: "تجنيس الرواية في أعمال أحمد اليبوري النقدية"، مشيرا إلى أن قضية تجنيس الرواية لم يتحدث عنها أحمد اليبوري صراحة، لكنه كان واعيا وعالجا بشكل ضمني في مختلف أعماله، ويظهر أن عدم تصريحه بالقضية كان احتياطا منهجيا، للبعد عن الأحكام المسبقة التي توجه التأويل، وتقوم أسس التجنيس عند أحمد اليبوري على كشف مبدأ الميثاق الروائي ،ويبدو ذلك من خلال إعادة النظر في التحديد الأجناسي لنص الأمين الخمليشي حيث درسه إلى جانب الروايات أخرى، رغم أن صاحبه أثبت على الغلاف أنه قصص، فمجموع القصص ليست مستقلة عن بعضها البعض فهناك. كما تراجع عن تجنيس سابق للعبة النسيان باعتبارها سيرة ذاتية إلى اعتبارها رواية. معتمدا في تجنيسه على مبدأ: الحوارية والتعدد اللغوي ومبدأ الواقعية: باعتبارهما محددين لجنس الرواية.

وانطلاقا من تصورات نقد النقد درس أحمد جيلالي سيرورة النقد القصصي بالمغرب، وذلك من خلال كتاب: "تطور القصة بالمغرب نموذجا"، حيث توقف عند خصوصية هذا الكتاب باعتبار تأخر ظهوره فقد نوقش رسالة جامعية سنة 1967 ولم يظهر كتابا مطبوعا إلا سنة 2005، وتوقف عند موضوع الكتاب، وهو القصة المغربية التي حددها تاريخيا بالقصة المكتوبة من 1914 إلى سنة 1960، معرفا الجنس القصصي، وقد تحكمت فيه إشكالية حددها الباحث من خلال سؤال مهم: كيف تأسست القصة المغربية باعتبارها جنسا أدبيا؟ وأبرز مجموعة من المبادئ سماها المتدخل قيودا، قيد التمثيلية، قيد التجانس، وقيد الزمن، أما اللغة الواصفة فمعجمها ينقسم إلى: معجم الخصائص البنائية للقصة ومعجم إيديولوجي كالصراع الطبقي والاستيلاب، دون أن يسقط في القراءات الإديولوجية المتعسفة.

كان آخر متدخل في هذه الجلسة، وبه انتهت أشغال اليوم الدراسي الشرقي نصراوي بمداخلة بعنوان: "إسهام أحمد اليابوري في تطوير النقد المغربي"، مشيرا إلى تنوع المتن الذي درسه أحمد اليبوري وتنوعه، وخصوصية لغته التي تتميز بالقدرة على التكثيف وإيفاء حق المعنى.

وفي نهاية هذا اليوم الدراسي، الذي عرف نقاشا في مختلف جلساته ، قدم الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر لوحة تشكيلية هدية للكاتب والأستاذ اليبوري .