الأمطار الطوفانية والفيضانات التي شهدها المغرب، كانت مناسبة للمواطن كي يتفكه قليلا على مواضيع سياسية تهم واقعهم اليومي، وحتى حدث شخص {علال} ينزل الى الشارع العام كي يقوم ب"عمل بطولي" ساهم في إزاحة المياة، تحول الى استعارة لفشل المنتخبين في تدبير المرافق العمومية، وهو ما عرى من واقع مرير يدفع بكاتب هذا المقال الى التساؤل عن دلالة الاسم واستدعاء مناضلي الوطن الحقيقيين.

كم من علال فيك يا وطني؟

سالم الفائدة

هل يحتاج المغاربة اليوم إلى بطل قومي؟ أم هل يحتاجون إلى منقذ ينتشل بلدهم من أزمة امتدت وسرت في مختلف أنحاء جسده ، ترى لماذا صار الناس في بلدي يتعلقون بأي "قشة" ابتغاء النجاة؟  ما سر هذا التعلق بأبطال من وهم؟ بالمقابل أليس من حق الشعب الطيب أن يصنع أبطاله ومنقذيه في ظل  غياب منقذين حقيقيين؟  

قصة علال "القادوس" التي اشتهرت كما النار في الهشيم، تثير فينا اليوم أكثر من سؤال، ذلك أن علال المواطن المغربي البسيط الذي ظهر مثل المهدي المنتظر، بعد أن غاب عن ذويه مدة خمس عشرة سنة ، يصنع حدثا عظيما وينقذ مدينة "سلا"من الغرق، طبعا ليس بسفينة من مثل سفينة نبي الله نوح التي وضعتها أمواج اليم فوق جبل الجودي،  بل بشجاعة وجرأة قل نظيرها في زمن بنكيران ومن معه . علال الحالم الذي "كفظ" عن أكمامه ،  ليغوص في القادوس لينقذ مدينة الله  ومن عليها ، في مشهد أسطوري حابل بدلالات ومعاني تذكرنا بكل قصص البطولة، علال الذي وصفته  بعض البرامج  الساخرة ب"السوبرمان " الرجل المتفوق أو الرجل المثالي، هو المنقذ ، والمنقذ في وعي البشرية رجل يمتلك صفات فوق بشرية ، تجعله يجترح المعجزات، إن الوعي الشعبي المغربي رأى في "علال" هذا البطل القادم من أعماق التاريخ، المخلص من سوءات واقع لم تعد تنفع معه "خلطات"العطارين وتمائم المشعوذين، أو حيل المناضلين. ومعارك  النقابيين، لقد استعصى الأمر على الجميع ولم تعد الطليعة قادرة على صنع الأمل. هكذا فقد الناس الثقة في المستقبل وفي الوطن وعم اليأس من انتظار الذي يأتي أو لا يأتي ؛ كما لم يعد الصبر مفتاحا للفرج، ولم تعد البطون الجائعة، والسواعد والشواهد  العاطلة ، ولم تعد العيون الحائرة ،  صديقة للصبر ، أو خليلة للجلد.

كم من علال فيك يا وطني؟  

وكم من منقذ تحتاج لتخرج من عنق الزجاجة إلى أرض الله الواسعة.

قصة علال تستوجب منا اليوم التساؤل بصدق، هل نستطيع أن "نكفط" سراويلنا وأكمامنا ، ونربط خيوط أحذيتنا  لننزل إلى قاع "القادوس"لإزالة ما يمكن أن يعترض السير الطبيعي لماء الحياة؟  دون الغوص في القاع لا يمكن لهذا الوطن أن يعبر إلى بر الأمان،  لذلك فعلينا أن نختار بين التواضع والهبوط من جنة الفوق إلى القاع لنجدد علاقتنا العضوية به  دون أن نصاب بالذعر إن لامست أقدامنا غباره ولوثته، وإما أن نستبشر بالغرق ، في طين لزج يمتص الجميع.

ظهر علال لأننا ابتعدنا عن القاع، هكذا غاب الأمل،  بقي علال يصارع وحده أمواج الفيضانات العاتية التي تجرف كل ما في طريقها إلى مستنقع الموت والذباب.

وما أكثر أولئك الذين ينتظرون أن يجرفهم السيل إلى المستنقع ، ما أكثر أولئك الذين يهللون  وينتظرون دورهم ونصيبهم من غنيمة، تستحوذ عليها الأسود، عند حافة المستنقع، يرفعون صحونهم عاليا وينتظرون ما تبقى، أولئك القادمون من بعيد، من زمن الرصاص وزمن التقويم الهيكلي ، زمن انتفاضة الخبز .ماذا عسانا نقول في لحظة ضعف،  كم من علال فيك ياوطني؟ علال  يا من "تحب البلاد كما لم يحب البلاد أحد، تحبها في الصبح وفي المساء، في يوم السبت ويوم الأحد" نحب البلاد و"البلاد" لا تحبنا ، علال أيها الفارس القادم من زمن سحيق، هيئ رجالك للمعركة ، فالمستنقع ، يشكل خطرا على الجميع، علال امتط صهوة جوادك الأبيض في ليلنا الأسود، وقدنا إلى بر النجاة .  فقد مللنا الانتظار،  "وإن الموت،  مثلي،  لا يحب الانتظار"، كما نطق درويش، سئمت الانتظار ، كما قال نزار ،

ولعبتي مع النار،

ولم تبق سوى دقائق ...

وتغيب عن سماء حبنا الشمس ...

تكلمي يا أرض اللقاء 

لقد كنت شاهدة على حبي.